الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأريخ العملة النقدية في العراق القديم

ربيع عيسى الربيعي
كاتب

(Rabie Easa Al Rubeai)

2020 / 12 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


في خضم الأزمة النقدية التي تعصف بالعراق الآن بسبب خفض قيمة الدينار مقابل الدولار ، نشرت بعض الصحف الالكترونية ومواقع التواصل الإجتماعي مواضيع مهمة حول تأريخ العمل النقدية في العراق القديمة ..

لكن لاحظت وجود سوء فهم ولبس وقع فيه بعض الكتاب و الباحثين أثناء سردهم لمواد الشرائع والقوانين الرافدينة المتعلقة بهذا الشأن، حيث خلطوا بين الشيقل (الشيگل) كوحدة قياس الأوزان وبين الشيگل كعملة نقدية، وهذا ألخلط يحدث عادة عندما تتشابه الأسماء مثلما يحدث في المواضع المتعلقة بسرجون الأكدي على سبيل المثال الذي غالبا ما يختلط به مع ملوك آشوريين يحملون نفس الاسم، لذا إرتأيت ان أوضح هذا الأمر بمقال مستقل دون ذكر الأسماء، تجنبا للإحراج وكي لا يعتبر تصيد وإفساد لمجهوداتهم.

أولى المشرع الرافديني منذ القدم إهتماما بالغا للمجالات التجارية، مدركا أن الأقتصاد هو عصب الحياة ومفصل رئيسي من مفاصل الدولة لضمان إستقرارها ونموها.
لذا قام بصياغة جملة من القوانين الرصينة وفرض القيود الصارمة التي تحفظ حقوق المستهلك والتاجر والعامل والفلاح على حد سواء من خلال توحيد المعايير والقيم وتثيبت الأسعار وتعميمها.

النظام النقدي هو واحد من أهم المنجزات التي إبتكرها أبناء الرافدين، حيث كان قائم في بدايته على مبدأ المقايضة والتبادل التجاري، لكن هذا النظام رغم فاعليته وإيجابياته إلا انه لم يخلو من السلبيات والمساوئ، منها على سبيل المثال ... كان المزارع يضطر لمبادلة محاصيله بمحاصيل او منتجات لم يكن بحاجتها وتكسد عنده.

كما ان مقايضة الاشياء الثمينة كالعقارات والحيوانات بسلع ومحاصيل زراعية قد يؤدي الى خسارة البائع لكونه سيحصل على كميات كبيرة من السلع أو الحبوب التي يصعب تخزينها وبالتالي تكون عرضة للتلف قبل تسويقها ومقايضتها بشيئ آخر يستفاد منه.

هذه الثغرات لفتت نظر المشرع الرافديني، فأوجد لها حلا من خلال إعتماد الفضة كمعيار وأداة تقييم وسطية ومعادل عام للتعاملات التجارية ووسيلة أمنة للإدخار ودفع الحسابات.

فإبتدع لوائح من الفضة الموزونة لتكون هي المعيار وأداة التقييم والحساب مع ابقاء حرية الدفع بالفضة او ما يعادل قيمتها من السلع ، لكن هذه الألواح الفضية لا يمكن اعتبارها عملة نقدية كونها كانت تقيم بالأوزان دون مراعاة القيمة الآنية لسعر الفضة الذي كان متذبذب لشحة هذا المعدن في العراق وكثر اقبال الكهنة والتجار ورجال الدولة على حيازته، مما جعله نادرا على عوام الناس.

تلك الالواح الفضية كانت بأوزان مختلفة كما اسلفت ولفهم سبب اللبس والإشكال الذي وقع به بعض الكتاب سأستعرض معكم أسماء الأوزان التي كانت مستخدمة في بلاد الرافدين والتي ورد ذكرها في بعض مواد الشرائع القديمة.

الحبة : تعادل 47 مليغرام ، وكل 180 حبة تعادل سيكل
الشيكل : 8 غرامت
المينا : 504 غرامت ، وتعادل 60 شيكل
الحمل : 31 كيلو غرام ، ويعادل 3600 شيكل.

فالشيكل الذي جاء ذكره في شريعة أورنمو والتي هي أقدم الشرائع المكتشفة ، كان المقصود به هو وحدة قياس ثابته لتقييم السلع مقابل الواح الفضة التي تزن 8 غرامات.
بدليل انه ذكر مصطلحات ترمز لأوزان مختلف من الفضة ولم يذكر الشيكل وحده.
ونجد في المادتين الخامسة والسادسة من شريعة أورنمو خير مثال على ذلك :

المادة (5): إذا قام رجل بفض بكارة أمة رجل آخر بالإكراه، عليه أن يدفع كتعويض خمسة شيقلات فضة.
المادة (6): إذا طلق رجل زوجته الأصلية عليه أن يدفع لها مينا من الفضة. أي 504 غرام فضة أو ما يعادل قيمتها من سلع أو ممتلكاته الخاصة.


وتكرر ذكر الشيكل كوحدة قياس في شريعة لبت عشتار وكذلك الأمر في قانون إشنونا 1930 ق.م
حيث ذكرت في المادة 243:
اذا عظ رجل أنف رجل أخر وقطعه، فعليه ان يدفع مينا من الفضة، ودية العين مينا واحدا من الفضة وللسن نصف مينا واحدا من الفضة وللأذن نصف مينا من الفضة وللضرب على الوجه عشر شيقلات.
وهنا يتضح جليا ان الشيقل ذكر كوحدة وزن لتحديد كمية الفضة المدفوعة كتعويض.


أما شريعة حمورابي 1792-1750ق.م وجدنا فيها إشارات واضحة تشير الى وجود نظام تجاري وعملات نقدية اكثر تطور كان معمول بها في تلك الفترة .

نطالع في المادة 104 : إذا أقرض تاجر غلة او صوف او زيت او بضاعة الى بائع متجول فعلى البياع ان يسجل الثمن ويدفعه للتاجر
وأن يستلم البائع وصل من التاجر مختوم بالدراهم التي استلمهم منه.

لكن رغم إشارة هذه المادة لوجودت تعامل بقيم نقدية (دراهم)، إلا ان باقي المواد القانونية في الشريعة حرصت على ذكر المعادن كالفضة والذهب والنحاس وحتى الشعير كمواد رئيسية في المقايضة والتعاملات التجارية، وهذا يدل الى ان التعمل بالنقود كان محدود وربما مقتصر على الفئات الثرية من المجتمع.

يجدر الإشارة الى وجود خواتم فضية موزونة تتراوح اوزانها من شيكل وخمس شيكلات ومينا (8-40 و 504 غرام) كانت تلك الخواتم رقيقة وعلى شكل حلزوني متشابك غير صالح لإرتدائها وإستخدامها كزينة وواضح انها كانت تستخدم كقيمة نقدية للمقايضة في فترة السلالة الاكدية الاولى.


أما أول ذكر صريح وواضح لسك النقود وضربها على المعادن كالفضة والنحاس والذهب فقد كان في العصر الآشوري الحديث وتحديدا في عهد الملك الآشوري سنحاريب 704-681 ق.م حيث وثق ءلك في أحد الالواح طينية : "لقد أمرت بصنع قوالب من الطين وأن يصب البرونز فيه لصنع قطع نصف شيكل"
لذا يمكن إعتبار الآشوريين هم اول من تعامل بالمسكوكات النقدية والتي كان ينقش عليها في الغالب صور لملوكهم والهتهم وتكون بأوزان محددة ومختومة (تجنبا للتزوير).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صواريخ إسرائيلية -تفتت إلى أشلاء- أفراد عائلة فلسطينية كاملة


.. دوي انفجارات في إيران: -ضبابية- في التفاصيل.. لماذا؟




.. دعوات للتهدئة بين طهران وتل أبيب وتحذيرات من اتساع رقعة الصر


.. سفارة أمريكا في إسرائيل تمنع موظفيها وأسرهم من السفر خارج تل




.. قوات الاحتلال تعتدي على فلسطيني عند حاجز قلنديا