الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأفعى

اخلاص موسى فرنسيس
(Eklas Francis)

2020 / 12 / 23
الادب والفن


عندما أطلّت البوّابة المشرفة على الوادي المتفرعة من الطريق الأسفلتيّ المشرف على
الناحية الغربية صوب المحيط، كانت الوقت قبيل الغروب قليلاً، والشمس قد هدأت حرارتها، وهي تغرق خلف الجبل، تتهيّأ للغطس في المياه الباردة للمحيط الهادي.

سيدتان إحداهما قد تخطّت الأربعين، تحمل على ظهرها حقيبة سوداء، ترتدي قميصاً أحمر وبنطالاً قصيراً أعلى من ركبتيها الهزيلتين، وتعتمر قبعة بيضاء واسعة، لتحمي وجهاً دقيقاً نفرت منه عظام الفكّين والشفاه الدقيقة، ترتدي نظارة شمسية سوداء، تمشي وتجرّ رجلها اليمنى بصعوبة.

الأخرى ترتدي قميصاً وبنطالاً أسودين، نحيلة تبدو كشبح يسير في الأرض المهجورة، يمشي إلى جانبهما رجل نحيل، طويل القامة في بنطاله الكاكي والحذاء الرياضيّ الأسود، وقميص أسود واسع، وقبّعة رمادية، عيناه حادتان صغيرتان تحملان حدّة الشرق الأقصى، وأمامهما ولدان دلفا إلى الطريق المعرّج الذي تحيط بجوانبه الأشجار وبعض النباتات البرية، ورائحة الربيع المتأخّر ينتشر مع الهواء البارد.

اقتحمت هذه المجموعة شابّة كانت تهرول مع كلبها الأسود بثيابها الرياضية وجسدها الرشيق، توقّفت وخلعت السماعة من أذنيها، وقالت للمرأة العرجاء:

هذه منطقة أفاعي الجرس، هناك الكثير منها هنا، رأيتها من قبل.

بعد أن شكرها الرجل مبتسماً، لاحت أسنانه الصفراء من بين شفتيه الدقيقتين.

أكملت طريقها بضع خطوات وتوقفت عند الولدين اللذين بديا في عجلة من أمرهم، يركضان إلى الأمام ثمّ يعودان. قالت:

إنّه أواخر الربيع، وهذه منطقة أفاعي الجرس، احذروا.

نظر إليها الولد الصغير مبتسماً يهمّ أن يقول شيئاً، يرفع يده في حركة لا مبالية، أما الرجل فقال:

آه.. حقاً شكراً للنصيحة.

لم تسمع آخر الكلمات، أطلقت للريح قدميها، وراحت تطير بين الزهور البرية وكأنّها في سباق مع الزمن.

عاد الولدان إلى المرأة التي نادت قائلة:

انتبها، هناك أفاعٍ.

أجاب الرجل:

إنّ هذه الافاعي ذات سمّ مميت، وهي خبيثة جدّاً.

قال الولد الصغير: نعم درسنا عنها، لكن لا أصدّق ما قالته تلك المرأة.

أجابت المرأة: لماذا، لو كان هناك أفاعٍ كما قالت لما عدت مرة أخرى.

هذه أحراش، ولا تعرف ماذا يختبئ خلفها، أجاب الولد الكبير بصوت مرتجف، واقترب من والده قليلاً، وراح يلتفت يمنة ويسرة.

أجابت الأمّ: بكلّ الأحوال ما علينا إلّا الحذر الآن.

أمّا المرأة الأخرى فبدت في حالة ذهول، وعيناها كأنهما بلور زجاج، لم تتفوه بكلمة، وبدت خطواتها تتعثر بالحجارة.

قال الرجل: ليحمل كلّ منّا حجراً.

أجابت الأمّ: انتبه علّ تحت الحجارة أفاعي صغيرة قد فقست، فهذا موسمها.

قفز الولد الكبير رافعاً يده التي كانت على وشك أن تمسك بحجر كبير.

أجاب الوالد: لقد شاهدت برنامج وثائقي عن أفاعي الجرس، صغيرها أخطر من كبيرها.

قاطعته المرأة: تصدر صوت جرس، هذا حقيقيّ، لقد سمعت صوتاً حين عرجنا على الطريق الترابية قبل أن تعلمنا تلك الفتاة عن موسم الأفاعي، لا بدّ أنّها كانت أفعى تتربّص تحت الشجر.

انظر قال الولد الصغير تلك الفتاة لقد عبرت الوادي، لا أعتقد بوجود أفاعٍ،

علينا بالحذر قال الولد الكبير بصوت خافت.

إنّ الصغيرة أخطر، لأنها لا تعرف متى تتوقّف عن بثّ السمّ.

أضاف الوالد: لدغتها خطرة، فهي تمتلك مجموعة من الأنياب، تدخل من خلالها كمّيات كبيرة من السمّ.

أردف يشرح: إنّ السمّ يجري مع الدم، ويدمّر الأنسجة مسببّاً ورماً ونزفاً داخلياً وألماً حاداً لا يطاق، وهناك نوع آخر لديه مكوّن إضافيّ من السموم يضرب الأعصاب ويتسبّب بالشلل، قال الولد الصغير.

قاطعه الولد الأكبر الذي اقترب أكثر من والده، ممسكاً يده قائلاً:

إنّها هجومية ومفترسة.

قاطعه الولد الأصغر قائلاً: بعد لدغها ينتقل السمّ إلى القلب والدماغ في طريدتها، لهذا تموت الضحيّة بسرعة.

قالت المرأة: يبدو أنّ هناك شيئاً يتحرّك، أنصت.

توقّف الجميع، كانت الشمس قد بدأت تهبط خلف الجبل، والظلّ يخيّم على الطريق الترابية. قال الرجل: لا شيء هناك، لكن الأفضل أن نسرع، فالرؤية أصبحت صعبة، ولا نريد أن نُفاجأ بين الشجر، وشدّ على يده الولد الأكبر بكلتا يديه، بدأت أنفاسه أسرع من المعتاد، وصدره يعلو ويهبط، أمّا المرأة الأخرى فقد تعثّرت خطواتها، وكادت تقع أرضاً، فتوكّأت على صديقتها.

صاح الولد الصغير: أنا لا أخافها، أنا لا أخاف الأفاعي.

ركض نزولاً نحو المنحدر، واختفى عن الأنظار.

راحت الأمّ تصرخ به أن يعود، وتولول: إن لدغته الحية فلن يكون لدينا الوقت الكافي لإسعافه، الحق به صاحت بالرجل وهي تسحب رجلها المريضة.

إن رجعنا فطريق الرجوع أقصر من نهايته.

انفجرت صديقتها باكية تصرخ: أفضّل الموت بكورونا على الموت بلدغة أفعى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ