الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجسر _ قصة قصيرة

ماهين شيخاني
( كاتب و مهتم بالشأن السياسي )

2020 / 12 / 24
الادب والفن


لا أعلم لم هذا الكلب يخرج في نفس التوقيت , لحظة وصولي تماماً بالقرب من دارهم , ينبح يتجه نحوي بشراسة كأني شغله الشاغل أوكأن بيني وبينه ثأر , يحوم حولي حتى يكاد يلامسني , يهز ذيله ويكشر عن أنيابه ويسيل الروال منه ثم تخرج منه زمجرة قوية ترتعد لها فرائصي , أتصنم موضعي بلا حراك , مستسلماً كي يكف بلاه عني – هكذا قالوا لي أهالي القرية : إذا هجم عليك الكلاب قف في مكانك ولا تتحرك - وجبيني تتفصد العرق , ثم يبتعد قليلاً رافعاً ذيله على ظهره كالسيف منتشياً بنصره وتفوقه , أترى لأنني غريب عن القرية ؟. هناك عدد لابأس بهم يمرون في نفس الشارع الذي أمر به كل صباح وهم غرباء عن القرية مثلي تماماً , لماذا لا ينبح عليهم ؟ .
أصبح كل أهالي القرية يدركون بتوقيتي وبحالي المزري الذي يرثى له, مصفر الوجه تستنجد عيناي بالمارة أو سكان القرية لإسكات هذا الكلب اللئيم , لقد وضعني في مخه السقيم وأنا على دراية وثقة بأنه سوف يسبب لي الأذى وسأكون ذات يوم من ضحاياه مرمياً في إحدى زوايا المستشفى أعالج بإبر الواحد والعشرين التي توخز في البطن .
أقطع أشواطاً طويلة , خمس وسبعون كيلومترا للوصول إلى هذه القرية النائية على ضفة الخابور, لا أحسب حسابا للمشقة والأجرة ولا حتى للمهالك ومخاطر السفر يوميا بالفوكسات والدراجات النارية التي هي من أشد أنواع الخطورة وحوادثها تكاد تكون شبه يومية, سوى حساب تلك الثواني المرعبة والتي لا مفر لدي سوى المرور من ذاك الشارع الإجباري حيث أسير بدبيب خافت يكاد لا يسمع النمل لأقدامي كلما دنت المسافة بيني وبين مسكنه أو يحالفني الحظ وينفرج همي بنقلي من القرية وهذه صعبة كوني جديد في الوظيفة حيث معظم الناس يحسبون بأن نقلي هو تأديبي , كيف لإنسان يقطع هذه المسافة المرهقة إن لم يكن وراءه سبب ؟. أو استقالتي من الوظيفة وقطع لقمة العيش عن أسرتي .

ذات يوم وأنا أخطو اتجاه الجسر كالعادة ( خارج القرية ) وإذ به يلاحقني وينبح نباحاً لايهدأ وآزره رفاقه الكلاب وتعالت عواءهم في ذاك العراء , وقفت جامدا في مكاني دون حراك كعادتي , تدرج لون بشرتي تلقائياً ولم تعد ترى في وجهي رائحة دم , أغمضت عيني وسلمت أمري إلى الله بالنهاية المؤلمة والمتوقعة .
بعد حين خيم السكوت والصمت لم أعد اسمع العواء , أترى كنت شاردا أو حالماً بهذا الكلب , أكيد لا..؟. أتذكر أنني كنت قد خرجت من المركز وسرت باتجاه الجسر لعل سيارة أو دراجة نارية مارقة توصلني للمفرق , ولكن لم أظفر في تلك الساعة بشيء فاضطررت أن أمشي سيراً على الأقدام.
فتحت عيني شيئا فشيئا لدى سماعي صوت ملائكي , رأيت خيالاً أبيض كملاك , بيننا بضع خطوات تشير للكلاب بالابتعاد والكف عن العواء. سحبت كمية كبيرة من الهواء إلى جوفي ثم أفرغتها بزفرة طويلة لدى تأكدي من ابتعادهم .

تقدمتُ نحوها لتقديم الشكر وثناءها على مؤازرتها وتخليصي من تلك الكلاب , إلا أنني كلما كنت أقترب منها أحس بأنها تتلاشى كالسراب تماماً , ألتفت حولي أبحث عن ذاك الملاك، بحثت عنها خلف الجسر، على أطرافها … لكنني لم أعثر لها على أثر، ولم ألمحها ، من أين جاءت وكيف اختفت ؟. هل خرجت من جوف الأرض أو ألقت بها السماء…بغتة ؟.لا أدري ..؟.
مددتُ رأسي قليلاً لدى اقترابي من حافة الجسر وإذ تخترق مسامعي أنين أفزعني ,كاد قلبي يفز من بين جنبي , غمرتني الحيرة والارتباك , وأنا أسترق السمع لذاك الأنين محاولاً معرفة مصدره, بالرغم من ذاكرتي المشوشة إلا أنني تذكرت بأن أحدهم في المركز تحدث عن قصة حب كانت نهايتها مأساوية أدت إلى قتل الشاب تحت الجسر في ظروف غامضة - حتى أنهم قالوا تفاجئنا بشبه كبير بينك وبينه من ناحية الملامح المتقاربة تماماً _ ومن ثم انتحار فتاته بعده , عندماإالتاعت فؤادها والتهفت عليه فألقت بنفسها إلى قاع النهر. ثم أتذكر بأنه قال : تصور كانت الفتاة برفقتها جرو صغير لا تتركها أبدا , وقال : سمعت في إحدى الليالي لدى مروري وحيداً على الجسر لصوت خافت كالأنين , يتردد من خلاله حشرجات وكأنه في النزع الأخير, حينها أدركت لم كان هذا الكلب ينصب اهتمامه نحوي ؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا