الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


استثمار التطرف التركي – الايراني؟

آزاد أحمد علي

2020 / 12 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


التطرف يلازم أغلب المجتمعات، لكن يبدو انه عبر التاريخ كانت المجتمعات التي تلقت أمطارا من الأيديولوجيا، وخاصة تلك التي سقطت من السماء وحفزت مجتمعاتها على التوهم بتلقي واكتشاف الحقيقة المطلقة، كالمجتمعات الدينية على سبيل المثال، التي تظل مجتمعاتا أكثر قابلية للسلوك المتطرف، سواء على الصعيد الاجتماعي، أو السياسي العام. لذلك لا تخلو جذور دولتي تركيا وايران الراهنتين من التطرف، فقد تأسس نظام الحكم فيهما على أرضية قومية – دينية اسلامية، وذلك بدرجات من المبالغة والتشدد المتباينتين، بحسب مستلزمات الحروب والصراعات التي أنتجت هاتين الدولتين وأسست لهما، وكذلك يترابط سلوك حكامها المتطرف بدرجة التوترات التي كانت تحيط بأنظمة الحكم فيهما.
تركيا وايران دولتان تأسستا على أرضية التخندق وثقافة التطرف منذ أمد بعيد، ومازالت ثقافة التطرف تفرض حضورها الثقيل بدءا برموز علم البلدين، وانتهاءا بتصدر شخصيات سياسية وعسكرية متشددة الخط الأمامي في الجبهتين السياسية والعسكرية، اذ تمارس هذه الشخصيات تطرفا فكريا وسياسيا لتحقيق منجزات مؤقتة، ولتمرير برامج وايديولوجية محددة. قبل سنوات قليلة ساهمت ادارة الديمقراطيين بقيادة أوباما بعد عام 2008 في التشجيع على الانعطافة الإسلامية لكلتا السلطتين، وإن جاءت أمريكياً وأوربياً تحت عنوان ملتبس هو التشجيع على (الإعتدال الاسلامي ولإفساح المجال أما أحزاب وتيارات الاسلام السياسي لترسيخ مواقعها في سلطة البلدين).
وعلى الرغم من اشكالية هذا التوجه، فلم تحقق سلطات البلدين توقعات بعض منظري السياسة الأمريكيين والأوربيين، إذ لم تمارس سلطات انقرة وطهران أي اعتدال سياسي تحت رداء الاسلام السياسي بشقيه الشيعي والسني، بل سعت الأوساط النافذة في طهران وأنقرة لتعزيز مواقع المنظمات الاسلامية التابعة لها ضمن ساحات الصراع مع الجهات الأخرى، حتى بات من البديهيات أن سلطات انقرة وطهران تدعم عشرات الجماعات المتشددة والمسلحة في كافة ارجاء العالم.
هل حدث ذلك مصادفةً؟ لا بالتأكيد، ولكنه لم يكن مخططا محكما ولا مؤامرة متقنة، سوى أنها محاولة لتوظيف سلطات غير شرعية، ودكتاتوريات تجتر مشروعيتها من الماض القومي حينا، ومن التمثيل المذهبي الاسلامي حينا آخر. لقد بينت التجارب في عالمنا المعاصر أن الدول التي تأسست على المشروعية القومية تسبب معضلات مزمنة لمجتمعاتها و للجوار، كما أن تلك التي تتبنى المشروعية الدينية تظل معضلة عالمية، فصلب مشكلة العالم المعاصر مع سلطات طهران وأنقرة في هذه المرحلة تكمن في أنهما يمزجان المشروعيتين والخطابين الديني والقومي، وهذا الاستثناء يشكل مدخلا لتفجير المزيد المشكلات، وحتى الحروب مع العديد من الشعوب والدول القريبة والبعيدة من جغرافيتهما، وما حرب تركيا عبر دعمها لأذربيجان ضد أرمينيا، واحتلالها لمساحات واسعة من شمال سوريا، إلا مقدمة مشجعه لها على خوض حروب قادمة.
من المتوقع لنظامين سياسيين يخلطان خرافات الماضي بالسياسات المعاصرة، وتتداخل عندها عمليات تخصيب اليورانيوم بالمهدي المنتظر، وكذلك العثمانوية الاستبدادية الميتة بالطموحات الكولونيالية التركية الجديدة، لذلك من المفترض والمتوقع لكل هذا الكوكتيل الأيديولوجي والسياسي المتنافر التركي - الايراني أن يكون مقدمة لنتائج متفجرة وكارثية على العديد من المجتمعات الاسلامية والساحات الاقليمية. فقد دفعت ضريبتها وستدفع العديد من الدول والمناطق كوارثا وتناحرا.
وما الانهيار في النظام العربي، والاستسلام المريب للإرادة الاسرائيلية والأمريكية بدءا من الامارات، و وصولا الى المغرب، إلا أحد هذه النتائج، فضلا عن أن هذه السياسات القلقة قد تسببت في حصد الملايين من الضحايا، سواء كجرحى ومعوقين، أو قتلى ومشردين في المجتمعات العربية، و حتى في العديد من المناطق والدول الاسلامية البعيدة عن بؤر الصراع في الشرق الأدنى.
ما يمكن التكهن به في قراءة مستقبلية واستشراف أولي، أنه لن تبقى ايران وتركيا بمعزل عن تأثيرات السياسات المتطرفة لحكامها، لا شك ان مجتمعات تركيا وايران دفعت أيضا ضريبة هذه السياسات المتشددة البعيدة عن مطالب واحتياجات جماهيرها وابناء شعوب المنطقة، لكن قد تسبب الشحنات الأكثر تطرفا للحكام الشعبويين في ايران وتركيا ضررا بالغا ومباشرا على شعوبها، وقد نشهد أحداثا تؤثر سلبا على الحكام انفسهم وانظمة الحكم في انقرة وطهران لن تبقى بعيدة عن التصادم المباشر بينهما، اذ جاءت تصريحات وأشعار اردوغان القومية الحماسية في العرض العسكري الذي جرى في باكو يوم الجمعة 11/12 /2020، والذي تغنى بصيغة أو أخرى بمجد الشعب الآذري التركي، وحرض على الوحدة بين اذربيجان المستقلة حاليا واذربيجان الداخلة ضمن حدود ايران وتكوينها السياسي الراهن.
لقد سببت أشعار وفيض أحلام أردوغان القوموية أزمة دبلوماسية بين البلدين وردود فعل سياسية ونخبوية حادة في ايران، لدرجة أن جاءت عناوين الصحف الايرانية في اليوم التالي قوية وتحريضية ضد أردوغان وتركيا، فضلا عن استدعاء كل منهما لسفير الدولة الأخرى.
قد يكون هذا الحدث سحابة عابرة كما وصفها العديد من المحللين، لكن يمكن الافتراض بأن التطرف الدافع لقوة سلطة كل من أنقرة وطهران، قد تسبب تصادما بينهما بعد أن وزعوا عنفهم وجيوشهم وحروبهم، ووجهوا نيران أسلحتهم على رقعة واسعة من دول المنطقة، "فالنار قد تأكل بعضه إن لم تجد ما تأكله" كما قيل سابقا.
هل هذه الحكمة هي التي تكبل الاوربيين والأمريكيين؟ وحتى الروس، ويتنظرون أن تأكل نيران تركيا وايران أجساد حكامها، أم أن توظيف التطرف القومي والمذهبي لدى الحكومتين مازال قيد الاستثمار، وفي منتصف الطريق؟ حيث نجحت كل من اسرائيل وبعض الدول في الغرب الأوروأمريكي تماما في الاستثمار ضمن سياسات التطرف لكلا البلدين. وحققت ما تريد في العالمين العربي والاسلامي بشكل فاق التوقعات.
صحيح أنه قد هز بيت شعر واحد عرش طهران، وعم الاضطراب الكيان الايراني، فردة فعل حكام طهران على أردوغان أكبر وأبعد من قصيدة شعر، أنه تعبير عن الهشاشة المفرطة والقلق المزمن. لكن تركيا ليست حصنا منيعا في الطرف المقابل.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا