الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثمن تلميع صورتي

سعيد أولاد الصغير
كاتب من المغرب

(Said Ouladsghir)

2020 / 12 / 26
الادب والفن


في رُكن من أركـان المقهـى... جلستُ أرتـشّف الشّاي وأتابـع حركة المارّة... أنظرُ إلى الهـاتـف وأقـلّـب أوراق صحيـفـة، حملتْ لـي بشارة سارّة... كـان ذهنـي يسبـحُ فـي فـلك مشحون... ونفسي تمـرحُ بين ثبـات وجنـون... فجـأة، وقـف بمدخل البـاب، صبيٌ بوجه فاتح السمرة، وديع ونحيف البنية... وجّـه إليّ بصـره، وعـرض عليّ خدمتـه. دعوتُـه لمـا يُـريـد... الـتفـتَ يميـناً وشمـالاً، ابتسم في وجه النّـادل... كَمَنْ يدمغ جوازاً للمرور أو تأشيرة للعـبور، ثمّ تقـدّم نحـوي، بثـقـة كبيـرة وخطى ثابتة وحرص شديـد. وكأنّه متنبّه لحركيّة ومكانة الكبار من حوله.
بسرعة البـرق، وقبـل أن يُرتّبَ أدواته البسيطـة... فتحتُ صحيفتي، تلمّستُ ربطـة عنقي الأنيـقـة... أبرزتُ ساعتي الثّميـنة... وضعـتُ قدمي على دُرج صغـيـر وقـلتُ مفاخراً: « انظـر؛ انظـر، هذه صورتي في صحيفـة الأوهام... لقد أصبحتُ مديراً لصنـدوق رعاية الأيتـام...! ». بَـدتْ عليه حالة من الغَـرابة، فتبسّـم وهو ينظر إلى قـدمي وقـال: « مـوفّـقٌ، مـولاي الإمـام...! ». تجرّعتُ شُربة ماء، لم أكنْ أرغب فيها، وقلتُ في نفسي: « حسناً، لا بأس، بل يحقّ لمثل هذا الصّبي الشّقي، كسير الفـؤاد، أنْ أطلعهُ على قصّة نجاحي أيضاً...! ». مسكتُه من كـتفه النّحيف وكأنّه جناح طيرٍ وأمرتُه أن يقرأ الخبر. رفـعَ رأسه بخجـل مُلتبس، تردّد لثوان قليلة ثمّ قـال: « يا سيّـدي المدير، أنا صبيّ فـقيـر، أعيشُ مع أهلي في كوخ صغير... نقتسمُ القَدر ونبتسمُ للقمر... ولا نهتمّ أبداً بأخبار البشر... منذ صغـري وأحذيّتـكم هي وحدها لُعـبي... أزيـلُ عنها الغُـبار وأصلحُ زلاّتهـا الكبار... طبعاً؛ أنا أيضا ظـفرتُ بصندوق خشـبيّ، ترِبتْ يدي... لكـنْ، قطعاً ما أظـنُّ المفتاح معـي...! ».
ذهـلتُ وشَرِدتُ... فتراقصَتْ أمامي روحٌ من الأرواح الزّكيّة... ولمْ يعُـد بمقدوري النّظر إلى رغبتي الغَـبيّة. على الفور، نقلتُ بصري نحو مرآة سطحها مصقـول للغـاية؛ أتفـرّسُ ملامحي لأعـرفْ... وأتفحّصُ حيرتي لتخِـف...
و قبل أن أنفـّذَ ما أمرتْ به نفسـي، وأحسّـنَ نوعاً ما موْقِـفـي... ضربَ الصّبي صندوقـه ضربـة قويـة بظهر الفُرشاة، لم يسبقْ لي قطّ، أن سمعتُها من قبل، حتّـى سقطـت منّي صحيفتـي... شعـرتُ حينها بطلـقـة اختـرقـتْ صدري... سحبـتُ قدمي... أدّيت ثمن تلميع صُورتي... وأخفـيتُ على الفور فرحتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفيلم اللبنانى المصرى أرزة يشارك فى مهرجان ترايبيكا السينما


.. حلقة #زمن لهذا الأسبوع مليئة بالحكايات والمواضيع المهمة مع ا




.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة