الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سان سيمون (1760 - 1825)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 12 / 27
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



مفكر فرنسي، إحترف مهنة الكتابة، وتميز بمواقفه الإنسانية، يعتبر من أهم الاشتراكيين الطوباويين في إطار الثالوث الطوباوي: شارل فورييه وروبرت أوين وسان سيمون، حيث يقول البيان الشيوعي عن أفكار هذا الثالوث: "إنها ظهرت في الفترة الأولى للنمو الجنيني للصراع الطبقي بين البروليتاريا والبورجوازية، وعلى الرغم من طوباويتهم، فقد حملت أفكارهم عناصر نقديه للمجتمع الرأسمالي، حيث أنهم هاجموا أسس المجتمع القائم.
في هذا الجانب قال لينين "إن سان سيمون وفورييه وروبرت أوين، يُعَدون من اعظم العقول في كل العصور".
اهتم سان سيمون بنقد الرأسمالية الصناعية والدفاع عن العمال والدعوة إلى التعاون بينهم وبين رأس المال، فكان يخلط أو يجمع بين الاتجاه البورجوازي والاتجاه البروليتاري في آن واحد، لكن مأثرة سان سيمون –كما يقول انجلز- تكمن في فكرته القائلة أن العلم والصناعة ينبغي ان يسود المجتمع وأن يخلق "مسيحية جديدة" تعمل لصالح حقوق العمال باعتبارهم الطبقة الأكثر عدداً والأشد فقراً"([1]).
في عام 1819 صار أوغست كونت سكرتيراً ثم معاوناً له، تطالعنا تأملات سان –سيمون في العلوم بموضوعتين متمايزتين أتم التمايز:
"من جهة أولى: موضوعة وحدة العلم التي كان قال بها أخذاً عن ديكارت، ومن الجهة الثانية موضوعة الانتقال الضروري للعلوم من حالة تخمينية، تكون فيها المعرفة عبارة عن إلهيات أو ميتافيزيقا، إلى حالة وضعية، فالموضوعة الأولى لا تقيم تمييزاً جوهرياً حقاً بين موضوعات العلوم؛ أما الموضوعة الثانية فتفصل على العكس بقوة العلوم الرياضية والفيزيائية عن العلوم الفيزيولوجية والانسانية، وقد هجر سان – سيمون رويداً رويداً الموضوعة الأولى لصالح الثانية"([2]).
في مشروعه إعادة تنظيم المجتمع الأوروبي (تشرين الأول 1814) يَعْتَبر سان – سيمون أن السِّلْم يكون بحكم المُوَطَّد إذا ما ألَّفَتْ أوروبا جسماً سياسياً واحداً، مع الإعلان في الوقت نفسه عن استقلال كل شعب، وعلى هذا الأساس شارك سان سيمون في حرب الاستقلال الأمريكية.
جاء في مشروعه، "أن النظام الاجتماعي القديم كان ينطلق من فكرة مؤداها أن البلد ميراث للحكام الذين يسوسون أمره لصالحهم؛ أما في الأزمنة الراهنة فيسود على العكس الاعتقاد بان الهدف الذي ينبغي على النظام السياسي أن يضعه نصب عينيه هو سعادة المحكومين، وفي النظام السياسي الجديد يقول سان سيمون "سيضطلع العلماء بمهام القيادة الروحية، التي كانت حتى ذلك الحين حكراً لرجال الدين، مثلما سيتولي الصناعيون تسيير المصالح المادية؛ وعلى هذا النحو تغدو قدرة كل فرد على أداء وظيفة محددة واضحة، ومن ثم نستعيد صيغة العدالة الاجتماعية، "من كلٍ حسب استطاعته، ولكل استطاعة حسب أعمالها"([3]).
أما فيما يتعلق بالديانة البروتستانتية، فقد كانت اللوثرية بكلمة واحدة، بمثابة تراجع؛ فقد عادت بالمسيحية القهقري وصولاً إلى النقطة التي كان منها منطلقها، أي إلى طور المسيحية في زمن يسوع، وعلى هذا النحو تكون البروتستانتية قد أبقت على الدين في حالة تبعية للسلطة السياسية، ولذلك يقول إن "المسيحية الجديدة" مطالبة بأن تعيد تنظيم المجتمع بالاعتماد على القوة الجديدة التي تحبى بها القاعدة الانجيلية، بيد أن مبادرة الحركة لن تأتي من أولئك الذين ستعود عليهم بالفائدة، أي من الطبقة الفقيرة؛ فنشر المسيحية لم تكن وراءه، في أول الأمر، حركة شعبية بقدر ما كان وراءه "رجل روماني" مثل القديس بولس"([4]).
والحال أن سان – سيمون يعتقد أن الأديان المسيحية المزعومة، فقدت معنى رسالتها؛ خلاصة القول أن سان – سيمون يرى في الكاثوليكية عميلاً للرجعية وسنداً لقوى الماضي، على نحو ما كان دورها في عهد عودة الملكية.
والحق –كما يقول برهييه- "أن سان – سيمون كان أكثر أرستقراطية من أن يداخله الاعتقاد بان الشعب، الذي في سبيله يعمل، قادر على أن يفعل شيئاً في سبيل تجدده؛ فحتى ثورة 1789 لم تجئ من حركة شعبية بقدر ما جاءت من ميتافيزيقيين وقانونيين؛ وفي ظل الإحياء الجديد ينبغي أن يتم كل شيء بالتفاهم بين الملك و"محبي الانسانية" الممثلين للعلماء والصناعيين؛ ولن يكون المطلوب تغيير شكل الدولة بقدرما سيكون بيت القصيد إنابة العلم مناب الاكليروس، والصناعة مع الصيرفة مناب النبالة، أما احتمال نشوب نزاع بين هذه السلطات الجديدة وبين مصالح الطبقة الفقيرة فأمر لا يدور له في خلد، وهو لا يعتقد أصلاً بوجود مسألة اجتماعية بالمعنى الحقيقي للكلمة"([5]).
لكن، على الرغم من مثاليته الطوباويه، " كان سان سيمون –وهنا المفارقة ولكن بالمعنى الايجابي- وثيق الصلة باليعاقبة، وهم الاكثر ثورية بالمعنى الطبقي في الثورة الفرنسية، فقد شارك في آراء الماديين الفرنسيين وعارض التقاليد المثالية وخاصة المثالية الالمانية، وأقام ضدها "الفلسفة الطبيعية" أي دراسة الطبيعة.
أما مجتمع المستقبل عنده، فيقوم على أساس صناعة واسعة النطاق منظمة تنظيماً علمياً، ولكن مع الاحتفاظ بالملكية الخاصة والطبقات، وسوف يكون الدور السائد فيه من نصيب العلم والصناعة، وسيقوم به العلماء والصناعيون، ويضع سان سيمون بين هؤلاء أيضاً العمال والتجار ورجال البنوك، وسوف يتم تخطيط الصناعة لمصلحة غالبية أعضاء المجتمع، وخاصة الفقراء والبسطاء، وينبغي أن يعطى للجميع حق العمل، كل انسان حسب قدرته، ومن الأمور ذات الأهمية الخاصة تخمينه القائل بأن مجتمع المستقبل سوف يدير الاشياء ويدير الإنتاج بدلاً من ان يحكم الناس"([6]).
يصبو المثال السانسيموني إلى إحلال التشارك محل التنافس، ومحل استغلال الإنسان للإنسان؛ فبفضل التربية يتأتى لكل فرد أن يزيح النقاب عن استطاعاته، واستطاعاته المتكشفة على هذا النحو تُعَيِّن مكانه في التشارك بحيث لا يتميز عمله في سبيل المجموع عن عمله في سبيل نفسه؛ وعلى هذا النحو تغدو كل مهنة وظيفة عامة حقيقية؛ وهذه نظرية تفترض ضرباً من توافق مقرر من قبل العناية الإلهية بين استطاعات البشر الطبيعية وبين ضرورات حسن أداء الوظيفة الاجتماعية؛ وأرجح الظن –كما يقول برهييه- ان عدم اعتقاد السانسيمونيين بعفوية مثل ذلك التوافق، خلافاً لما ذهب إليه فورييه، هو ما حدا بهم إلى أن يتركوا للدولة دوراً انضباطياً لقيادة العمل، بل حتى للإرغام عليه، لكن شرط هذا الانضباط ألا تحافظ الملكية على ذلك الطابع المطلق الذي يخول المالكين حقاً في عدم المشاركة في العمل الاجتماعي، وبما أنهم أرادوا أن تصير الملكية وظيفة اجتماعية فلا تعود معقلاً للأنانية، فقد "تصدوا لقوانين الإرث؛ فاقترحوا من جهة أولى أن تكون الدولة هي الوريث الرئيسي في جميع التركات من عمود الحواشي، ومن الجهة الثانية أن تتاح لكل فرد إمكانية اختيار وارث إذا كان أولاده غير اهل لتثمير ثروته"([7]). 
بالنسبة لوسائله في العمل، " فكانت لا تعدو خطابات إلى الملك، مشروع إعلان، رسالة إلى وزير العدل، رسالة إلى الصيارفة؛ أما مشاريعه فهي التالية: تعليم ديني قومي يحرره معهد فرنسا لتلقين الشعب أُسس التنظيم الجديد، ميزانية يقترع عليها الصناعيون، إلغاء ألقاب النبالة، إعادة تنظيم الحرس القومي وانتخاب الضباط من قبل الجنود، حل البرلمان، إعلان الدكتاتورية لفرض الإصلاحات.
وفضلاً عن ذلك، يتعين على الدولة أن تنشئ مصارف اعتماد لتزود بأدوات العمل جميع أولئك الذين تتوفر لديهم المقدرة عليه.
مؤلفات سان سيمون الرئيسية هي([8]):
-       "رسائل من أحد سكان جنيف إلى معاصريه" (1803)
-       "بحث في علم الانسان" (1813 – 1816)
-       "بحث في الجاذبية العامة" (1821 – 1822)
-       "النظام الصناعي" (1821)
-       "تعاليم الصناعيين" (1823 – 1824)
-       "المسيحية الجديدة" (1825).
 


([1]) جورج لابيكا – معجم الماركسية النقدي – دار الفارابي – 2003 – ص741
([2]) اميل برهييه – تاريخ الفلسفة –  الجزء السادس: القرن التاسع عشر 1800 - 1850 – ترجمة: جورج طرابيشي –  دار الطليعة – بيروت – الطبعة الأولى – تشرين الأول (أكتوبر) 1985– ص  325
([3]) المرجع نفسه  - ص  328
([4]) المرجع نفسه  - ص  330
([5]) المرجع نفسه  – ص  331
([6])م. روزنتال و ب. يودين - الموسوعة الفلسفية – دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص 239
([7])اميل برهييه – مرجع سبق ذكره - تاريخ الفلسفة – الجزء السادس – ص  333
([8])م. روزنتال و ب. يودين - الموسوعة الفلسفية –دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص 239








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - Auguste Comte
محمد البدري ( 2020 / 12 / 27 - 18:54 )
تحياتي للفاضل العزيز الاستاذ الصوراني
وعام جديد سعيد عليك وعلي الاسرة
اعتقد ان اوجست كومت يحتاج الي ملف كامل عنه في هذه الموسوعة المختصرة التي تهديها الي قراءك في هذا الموقع الفريد وليس مجرد ملحق لسان سيمون. فالرجل له في العلم الكثير من حيث المنهج في الوضعية وفي تصنيف العلوم.
مع وافر احترامي وتقديري وامتناني


2 - الصديق العزيز محمد البدري احترام ومحبة
غازي الصوراني ( 2020 / 12 / 28 - 16:08 )
اوافقك تماما صديقي العزيز أ.محمد البدري املا تقدير ظروف تأليفي للموسوعة الفلسفية التي صدرت قبل ثلاثة اشهر عن دار الكلمة بعنوان - موجز الفلسفة والفلاسفة عبر العصور - ضمن .. الف وثلاثمائة صفحة تقريبا


3 - احترام وتقدير مفكرنا العزيز
وائل الاسمر ( 2021 / 7 / 5 - 20:15 )
دراسة هامة

اخر الافلام

.. ضربة إسرائيلية ضد إيران في أصفهان.. جيمس كلابر: سلم التصعيد


.. واشنطن تسقط بالفيتو مشروع قرار بمجلس الأمن لمنح فلسطين صفة ا




.. قصف أصفهان بمثابة رسالة إسرائيلية على قدرة الجيش على ضرب منا


.. وزير الأمن القومي الإسرائيلي بن غفير تعليقا على ما تعرضت له




.. فلسطيني: إسرائيل لم تترك بشرا أو حيوانا أو طيرا في غزة