الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في مفهومي المعارضة والعداوة وتحققهما السوري

منذر خدام

2020 / 12 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


بداية ينبغي أن يكون واضحا ان مفهوم المعارضة بدلالته الأصلية لا يكون إلا في ظروف الديمقراطية، حيث يكتسب دلالته من سياسات الحكومة التي يعارضها. وهو في تميزه يظهر من خلال ما يقدمه من رؤى سياسية او اجتماعية او اقتصادية وغيرها، تختلف عن رؤى الحكومة، او تكملها بتلافي النواقص فيها من وجهة نظر المعارضين. بكلام آخر في ظروف الديمقراطية العلاقة بين الحكومة والمعارضة هي علاقة اشتراط متبادل، لا يكون طرف منها إلا بوجود الطرف الآخر، مع إمكانية تبادل المواقع من خلال الانتخابات الدورية. الاشتراط المتبادل بين الحكومة والمعارضة يحدد طبيعة كل منهما بالخصومة وليس بالعداوة، فالمعارضة هي خصم سياسي للحكومة كما إن الحكومة هي خصم سياسي للمعارضة. وبالمناسبة بقدر ما تكون المعارضة قوية تكون الحكومة كذلك وليس العكس. أضف إلى ذلك فإن مفهوم المعارضة وثيق الصلة بجملة من المفاهيم الأخرى المحددة معرفيا للنظام الديمقراطي مثل مفهوم الحرية، ومفهوم الشفافية، ومفهوم القانون، وغيرها من مفاهيم. في إطار الديمقراطية فإن مختلف الفئات الاجتماعية يمكنها ان تعبر عن مصالحها بشكل من أشكال المعارضة تنظيميا وسياسيا ولذلك فإن المعارضة هي في الواقع معارضات تعبر بسياساتها عن قضايا محددة تتمحور حولها، او عن مصالح فئات اجتماعية معينة، في حين تقف الحكومة في مواجهة المعارضات موحدة بسياساتها وليس بالضرورة في مكوناتها الحزبية أو الاجتماعية.
في النظام الديمقراطي يشترط النظام الديمقراطي وجود المعارضة والحكومة، وهو لذلك هدف مشترك لكليهما يحافظان عليه، مع السعي لتطويره ليقترب أكثر فأكثر من المعيار العام لطابعه الديمقراطي وهو حقوق الإنسان، كما هي اليوم مستوعبه في ديباجة المواثيق الدولية المعنية بها.
في الدول الدكتاتورية أو الاستبدادية لا يصح استخدام مفهوم المعارضة بل العداوة، لأن العلاقة بين الحكومة وسلطتها والقوى المعادية لها هي علاقة نفي متبادل، كل طرف فيها يهدف إلى القضاء على الطرف الآخر بطرق ووسائل عنيفة في الغالب الأعم. في بعض الحالات قد تكون علاقة النفي المتبادل من طبيعة استبداليه، بمعنى ان النفي يطال أشخاص السلطة فقط وليس النظام. لكن في حالات أخرى قد تكون العلاقة من طبيعة تغييرية تهدف الى تغيير النظام باستبداله بنظام ديمقراطي، لذلك ينبغي عليها في مواجهة السلطة الدكتاتورية ونظامها ان تطرح بدلائل عنه في مختلف المجالات، ولا ان تكتفي بخطاب عام حول ما تريد تغييره. بكلام آخر ينبغي أن يكون لديها رؤى مختلفة لبنية الدولة، ولمستويات السلطة، ولطريقة عملها، وللمجتمع المدني، كل ذلك معزز ببرامج معدة للتنفيذ بمجرد اسقاط الحكومة المستبدة او الدكتاتورية. وإذ تنجح قوى التغيير الديمقراطي بإسقاط النظام الدكتاتوري او الاستبدادي والشروع في بناء النظام الديمقراطي فإنها تؤسس إلى فضاء سياسي وقانوني جديد يصير في ظله بعضها قوى معارضة، في حين يصير قسم آخر منها في السلطة عبر الحكومة.
في الحالة السورية يصعب الحديث عن وجود معارضة للنظام القائم أو لحكومته سواء معارضة سياسية أو معارضة مسلحة، بل أعداء، وهم في عداوتهم يتمايزون في فرق مختلفة. فئة من أعداء النظام سلكت طريق العداوة السياسية ورفضت العنف كوسيلة لتغيير النظام. في داخل هذه الفئة يمكن تمييز تيارين بحسب مدى عمق وجذرية التغيير الذي تنشده في بنية النظام القائم. التيار
الأول يمكن وصفه بالتيار الإصلاحي، وهو يشمل الأحزاب المرخصة وبعض القوى والأحزاب التي تشتغل بصورة رئيسة في الداخل السوري. يهدف هذا التيار إلى اصلاح النظام القائم وليس إلى اسقاطه او تغييرة بصورة جذرية وشاملة، وأن طريقه إلى تحقيق ذلك هو في الحوار مع قوى السلطة، والاستعداد لمشاركتها في الحكم، لذلك تجدها تشارك في انتخاباته، مع علمها بأنه غير مسموح لها اختراق جهازه التشريعي إلا بموافقته.
التيار الثاني ويمكن تمييزه بتيار التغيير الجذري والشامل للنظام القائم، وكان يمثله قبل عام 2011 بصورة رئيسة التجمع الوطني الديمقراطي، وقوى اعلان دمشق للتغيير الديمقراطي. لكن هذا التيار تمايز عميقا بعد عام 2011، فقسم منه بقي على نهج التغيير الجذري الشامل للنظام القائم إلى نظام ديمقراطي تعددي لامركزي، متطلعا إلى تحقيق ذلك عبر نهج الحراك الشعبي السلمي وقوته الدافعة، وقد تمثل هذه التيار بصورة رئيسة بهيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي، وقسم منه تبنى هدف اسقاط النظام بكل أركانه ورموزه عبر نهج الصراع المسلح، وتمثل بقوى اعلان دمشق، بما في ذلك، وخصوصا، جماعة الاخوان المسلمين وقوى الإسلام الجهادي والسلفي.
غير أن مسار الصراع في سورية وعليها خلال السنوات العشر الماضية، ادى في المحصلة إلى تغيير جذري في معادلة القوى على الأرض لصالح قوى النظام، دون ان يعني ذلك تحقيقها لنصر عسكري ناجز ونهائي. في ظل الواقع الحالي تغيرت اصطفافات القوى المعادية للنظام ليس بحسب نهجها السياسي، الذي صار متقاربا كثيرا، بل بحسب تبعيتها لقوى الخارج او تأثرها بها. للأسف باتت العلاقة مع الخارج المحدد الرئيس لطابع القوى المعادية للنظام ودورها، وليس نهجها السياسي. يجري الحديث عن جماعة السعودية ومصر (منصة القاهرة) وجماعة تركيا (منصة استنبول) وجماعة موسكو (منصة موسكو وسوتشي). اليوم اغلب القوى السياسية والعسكرية المعادية للنظام، والتي صارت مجتمعة في هيئة التفاوض ترى الحل في تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسورية وخاصة القرار 2254. ومن المعلوم أن هذه القرارات لا تنص على اسقاط النظام بل على تغييره، من خلال مشاركة القوى المعادية له معه في قيادة مرحلة انتقالية، على أساس دستور جديد او معدل يجري التفاوض عليه في جنيف.
لكن على الأرض، وفي المناطق الخارجة عن سيطرة قوى النظام، والخاضعة للنفوذين التركي والأمريكي ثمة مجموعتان معاديتان للنظام تختلفان جذريا في طبيعتهما السياسية. المجموعة الأولى والتي تضم القوى المعادية للنظام في منطقة النفوذ التركي، وهي في غالبيتها قوى مسلحة ذات طابع استبدالي تريد اسقاط النظام الاستبدادي لصالح نظام إسلامي استبدادي آخر بديلا عنه. اما المجموع الثانية والتي تنشط في منطقة النفوذ الأمريكي فهي تضم بصورة رئيسة القوى والأحزاب الكردية والقوى المحلية الأخرى المتحالفة معها والممثلة في مجلس سورية الديمقراطي، وذراعا العسكري قوات سورية الديمقراطية. لا تهدف هذه القوى إلى اسقاط النظام بل تغيير طابعه المركزي من خلال نقل الكثير من صلاحياته إلى الإدارات الذاتية المحلية. ومع أن قوى الإدارة الذاتية قد حاولت تقديم بديل عن النظام في المناطق التي تديرها، إلا انها عمليا لم تتفارق عنه جوهريا بغض النظر عن صخبها الديمقراطي، فمجلس سورية الديمقراطي الذي يفترض به تأمين الغطاء السياسي للإدارة الذاتية يشبه كثيرا جبهة النظام الوطنية التقدمية فهو غطاء لمركز صلب في الإدارة يتمثل في حزب الاتحاد الديمقراطي، كما أن قوات سورية الديمقراطية غطاء لقوة صلبة من المقاتلين الكرد السوريين والترك والإيرانيين والعراقيين. هذا واقع أعداء النظام للأسف، صورة شبيهة به، إلى هذا الحد أو ذاك، يكاد الهم الوطني السوري الصرف يغيب عن اغلبهم الأعم. وما يمكن استثناؤه لا يعدو أشخاصا او تنظيمات غير فاعلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آثار القصف الإسرائيلي على بلدة عيترون جنوبي لبنان


.. ما طبيعة القاعدة العسكرية التي استهدفت في محافظة بابل العراق




.. اللحظات الأولى بعد قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا في حي السلط


.. مصادر أمنية عراقية: 3 جرحى في قصف استهدف مواقع للحشد الشعبي




.. شهداء ومفقودون في قصف إسرائيلي دمر منزلا شمال غربي غزة