الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوهان غولتليب فيخته (1762 – 1814)

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2020 / 12 / 28
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



فيلسوف ألماني، واحد من أبرز مؤسسي الحركة الفلسفية المعروفة بالمثالية الألمانية، الحركة التي تطورت من الكتابات النظرية والأخلاقية لأمانويل كانط.

"ولد فيخته في مدينة رامنو في ولاية ساكسونيا، بدأ دراسته في مدرسة جينا لللاهوت، وترك المدرسة عام 1784 دون إكمال دراسته، في 1790 بدأ فيخته في دراسة أعمال الفيلسوف إيمانويل كانط التي كانت مرجعا له طوال مسيرته الفكرية، بعدها بوقت ليس بطويل التقى فيخته باستاذه كانط في مدينة كونيغسبرغ، ومنذ عام 1794 إلى 1799 درس في جامعة إيينا؛ ثم "اضطر إلى مغادرة الجامعه بعد أن وجهت إليه تهمة بالإلحاد، وأقام بعدئذ في برلين من 1799 إلى 1805، وتعرف فيها إلى الرومانسيين حيث ألقى في عامي 1807 و1808، خطاباته الشهيرة إلى الأمة الألمانية وصار أخيراً مدرساً ثم عميداً لجامعة برلين"([1]).

عام 1792 أصدر فيخته كتابه الأول "محاولة في نقد الثورة"، حاول فيه الربط بين الوحي الإلهي وفلسفة كانط النقدية، وانتقد فيخته امتيازات الملكيات العقارية، ودعا إلى وحدة ألمانيا، والغاء تفسيمها الاقطاعي؛ وأكد على أهمية الفلسفة "العملية"، وتبرير الأخلاق، ونظام الدولة والنظام القانوني، ولكنه أحال "الممارسة" إلى مجرد نشاط الوعي الخُلُقي، واعتبر أن نظاماً يقوم على أساس من العلم شرط مسبق للفلسفة "العملية"([2]).

الحرية لدى فيخته :
كتب فيخته في عام 1801 يقول: "إذا قُبِلَتْ نظرية العلم وأذيعت على العموم بين أولئك الذين ترمي إلى الوصول إليهم، فسيتسنى للجنس البشري أن يتخلص من المصادفة العمياء، ولن يعود لحسن الطالع أو لسوئه من وجود، ولسوف تمسك البشرية قاطبة بمصير نفسها بين يديها، غير متقيدة إلا بتصورها الخاص؛ ولسوف تفعل بنفسها، بحرية مطلقة، كل ما يمكن أن تريد فعله بها"([3]).

إن فلسفة فيخته هي، في جملتها –كما يقول برهييه- " برهنة "علمية" على الحرية: فلم يكن من غاية لفيخته في أول الأمر، غير أن يجعل من نفسه مُبَسِّط فلسفة كانط ليستخلص منها، من خلال عروض شعبية، جميع النتائج العملية.

إن واعظ الفعل هذا لم يكن هو نفسه رجل فعل: فلئن أيقظ الضمائر وهز النفوس وناصر الشجعان، فإنه لم يرسم لنفسه قط ما يرسمه رجال العمل لأنفسهم من مناهج واضحة محددة ومن تصميم على التنفيذ.

وهذا التضاد بين حميا المنطلق وضآلة النتائج، هو جوهر الرجل كله وربما زبدة فلسفته؛ فلا هو بمصلح مثل سان سيمون أو أوغست كونت، ولا هو بسياسي مثل هيغل أو فكتور كوزان؛ فقوام الفعل عنده ليس في ما يُنَفَّذ، وإنما في الاستعداد الصميمي والإلهام، والمثال العملي الوحيد لفيخته هو الحرية: والحال أن الحرية تجد حدها الخاص علة وجه التحديد في نتائجها بالذات، وهي لا تستطيع مجاوزته إلا إذا استخدمت هذا النتاج كوسيلة للمضي قدماً إلى الأمام؛ وإلا تهددت الحرية بأن تتثبت وتتجمد في إبداعها وبأن تفقد القدرة المباطنة لها جوهرياً على التقدم"([4]).

أما كتابه الذي يحمل عنوان مساهمات هادفة إلى تصحيح أحكام الجمهور عن الثورة الفرنسية (1793) فهو كما يقول إميل برهييه: "ليس بحال من الاحوال دفاعاً عن المؤسسات البرلمانية، ففيخته يشيد فيه بتدمير امتيازات النبلاء ورجال الدين، وعلى الأخص بوضع الدولة يدها على أملاك الكنيسة، وبكلمة واحدة، بكل ما من شأنه أن ينزع إلى ضمان المساواة المدنية والسياسية، ففيخته يقف بلا مواربة في جانب روسو، لا في جانب مونتسكيو؛ بيد أن العقد الاجتماعي (الذي يجعل منه الأصل الحقوقي، بله التاريخي، لكل مجتمع) ليس في نظره ما يضمن المجتمع ويدعم ركائزه بقدر ما أنه ما يفسح في المجال لإحداث تغيرات فيه؛ وعلى هذا النحو يغدو العقد الاجتماعي مبدءاً ثورياً؛ وقد أقر الدراسون بحق لفيخته، بأنه كان من أوائل من أدرك أن العقد، ما دام يتولد من حرية الأفراد، لا يجوز أن يعيقها بأي صورة من الصور وأنه لا يمكن بالتالي أن يكون مبدأ للإكراه الاجتماعي: فكل فرد يحتفظ في كل لحظة بحق فسخه"([5]).

على مذبح حرية الفرد هذا يستطرد برهييه: "يُضَحِّي فيخته أيضاً بالليبرالية الاقتصادية في كتابه عن الدولة التجارية المغلقة (1800): وقد حثه على تحرير هذا الكتاب مشهد البؤس الذي كان يتواجد، في بروسيا كما في انكلترا، مع ثروات هائلة تتراكم من التجارة، ويعزو فيخته هذا الوضع إلى المركنتلية التي تُضَحِّي بمصالح العدد الأكبر لصالح التطور الضخم لتجارة خارجية تعود فوائدها حصراً على حفنة ضئيلة من الأفراد".

أما "الإصلاحات التي يقترحها، فقد حملت الدارسين على اعتباره المخترع الأول لاشتراكية الدولة: فتقسيم العمل هو في نظره ضرورة للمجتمعات الإنسانية؛ ولكن لا مندوحة له عن التوافق مع العدالة؛ فمن الحق المشروع أن يتمكن كل فرد من أن يعتاش من العمل الذي اختاره أو الذي فرض عليه.

ولئن اتصف فيخته في نشاطه بصفة دائمة، فهي مجهوده ليؤلف حوله مجموعات محدودة العدد من الأشخاص المحتكين، عليها معقد الرجاء لإشعاع روح الحرية"([6]).

أخيراً، إن ما يذود عنه فيخته بأكبر قدر من الحميا –كما يؤكد برهييه- "هو حرية رسالته الخاصة؛ ففي بحر عام 1798، وفي جامعة إييينا، وجد نفسه متهماً بتهمة الإلحاد، مما أدى إلى إقالته؛ فقد كان يحلو له أن يرى في ذلك الاتهام ذريعة يحتج بها أعداؤه ليعرقلوا تعليماً يبث في أفئدة طلابه حب الاستقلال، كتب يقول: "ينبغي أن أحامي عن شخصي طالما وسَعَنْي ذلك، لأن انتصار القضية العادلة مرتبط بكل تأكيد بالنسبة إليَّ بحرية شخصي"([7]).

عندما ألقى فيخته في شتاء 1807 – 1808، بعد معاهدة الصلح التي ألغت القدرة العسكرية البروسية، من قبل قوات نابليون خطاباته الشهيرة – في برلين المحتله- إلى الأمة الألمانية، كان الروح نفسه هو ما يحرك نزعته الوطنية: فالشعب الألماني أنيطت به، بين سائر الشعوب، الرسالة التحريرية عينها التي أنيطت بفيخته وحلقته بين سائر بني الإنسان، قال فيخته:

"انكم وحدكم (أيها الألمان) من بين جميع الشعوب الحديثة، حاصلون على جرثومة القابلية الانسانية للكمال بأظهر ما تكون، وإليكم يعود حق التَّصَدُّر في تطور البشرية..؛ فإذا هلكتم هلكت معكم الإنسانية جمعاء بغير أمل في إحياء قريب"([8]).

رغم كل ذلك يقول إميل برهييه "إن تأثير فيخته الفوري والمباشر كان مقتضباً بسبب النجاح الباهر الذي أحرزه شلينغ ومن بعده هيغل؛ وهو لم يتخط بالاجمال مفتتح القرن التاسع عشر.



أهم مؤلفاته([9]):

"المبادئ الأساسية لكل نظرية العلم" (1794)؛ "أسس القانون الطبيعي" (1796)، وبه ترتبط ثلاثة مؤلفات: "الدولة التجارية المغلقة" (1800)، و"نظرية القانون" (1812)، و"مذهب النظرية الأخلاقية" (1798)؛ و"الملامح الكبرى للعصر الحاضر" (1806) و"المنهج للوصول إلى الحياة السعيدة" (1806).



قالوا عنه([10]) :

· "إن جوار فيخته محبب جداً إليَّ، وأنا أجني منه فوائد شتى؛ والحديث مع فيخته تنعقد أواصره بسهولة؛ وما دام الرجل يَعدِنا بالتوفيق بين الحس المشترك والفلسفة فما علينا إلا أن نصغي إليه بإمعان". (غوته).

· "سوف يرفع فيخته الفلسفة إلى ارتفاع شاهق يبدو أمامه معظم الكانطيين، حتى أيامنا هذه، وكأنهم أطفال رُضَّع" (شلينغ).

· "لقد تأدت فلسفة فيخته إلى النتيجة عينها التي تأدت إليها فلسفة كانط، أعني أن المتناهي وحده يمكن أن يُعْرَفْ، وأن اللامتناهي يجاوز دائرة الفكر" (هيغل).

· "الفكرة المركزية في مذهب فيخته هي فكرة الإنسان الخلاق، فكرة أن الإنسان هو ما يصنعه بنفسه، فلأول مرة في تاريخ الفلسفة، توضع موضع الشك التعريفات اللاهوتية لصالح الفاعلية الخلاقة الحرة للإنسان". (روجيه غارودي).

· "فيخته: ذهن نظري متوتر إلى درجة التعصب، جهود عنيفة نحو مستحيل، بناء عبقري، مُنَظِّر أخلاقي مؤثر، وقد كان تأثيره ضاراً من حيث انه دفع باتجاه التطرف وعدم التسامح" (كارل ياسبرز).








([1]) اميل برهييه – تاريخ الفلسفة – الجزء السادس: القرن التاسع عشر 1800 - 1850 – ترجمة: جورج طرابيشي – دار الطليعة – بيروت – الطبعة الأولى – تشرين الأول (أكتوبر) 1985– ص 136

([2])م. روزنتال و ب. يودين - الموسوعة الفلسفية –دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص 361

([3])اميل برهييه – مرجع سبق ذكره - تاريخ الفلسفة – الجزء السادس - ص 137

([4]) المرجع نفسه - ص 138

([5]) المرجع نفسه - ص 139

([6]) المرجع نفسه - ص 141

([7]) المرجع نفسه - ص 143

([8]) المرجع نفسه - ص 144

([9]) المرجع نفسه – ص 136

([10]) جورج طرابيشي – مرجع سبق ذكره –معجم الفلاسفة – ص 481 - 483








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - فيخته وكارل ياسبرز!؟
طلال الربيعي ( 2020 / 12 / 29 - 08:50 )
شكرا على هذه المقالة. كنت اود لو تطرقت الى مساهمات فيخته في نشأة الماركسية والى كتابه علم المعرفة
The science of knowledge
ولا ادري لماذا يتهم الطبيب النفسي الكبير (كارل ياسبرز) فيخته بأن تأثيره كان -ضاراً من حيث انه دفع باتجاه التطرف وعدم التسامح-! فكيف كان ضارا ولمَن؟
مع وافر الاحترام


2 - تقديري واحترامي
غازي الصوراني ( 2021 / 1 / 2 - 16:04 )
شكرا الصديق العزيز طلال


3 - تقديري واحترامي
غازي الصوراني ( 2021 / 1 / 2 - 16:04 )
شكرا الصديق العزيز طلال

اخر الافلام

.. بلينكن في الصين يحمل تحذيرات لبكين؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. زيارة سابعة مرتقبة لوزير الخارجية الأميركي إلى الشرق الأوسط




.. حرب حزب الله وإسرائيل.. اغتيالات وتوسيع جبهات | #ملف_اليوم


.. الاستخبارات الأوكرانية تعلن استهداف حقلي نفط روسيين بطائرات




.. تزايد المؤشرات السياسية والعسكرية على اقتراب عملية عسكرية إس