الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قوة مصر الناعمة في شرق إفريقيا - سد تنزانيا -

هويدا احمد الملاخ

2020 / 12 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 2014 م احتفلت كل من مصر و جمهورية تنزانيا الاتحادية، بمرور 50 عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، كما شكلت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي لتنزانيا في أغسطس 2017 م نقطة تحول مهمة في البعد الاستراتيجي للعلاقات السياسية بين البلدين، حيث كانت أول زيارة لرئيس مصري منذ 47 عاما ، بعد زيارة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر الأخيرة إلى تنزانيا عام 1966م لبحث مشاكل تطبيق خطة التنمية وحلها ومواجهة الضغوط الاقتصادية للاستعمار .
وفى أعقاب زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى العاصمة التنزانية دار السلام شهدت العلاقات المصرية- التنزانية زخما سياسياً وتعاوناً مشتركاً فى كافة القضايا والملفات بين البلدين من خلال الزيارات المتبادلة بين مسئولي البلدين للارتقاء بآفاق التعاون المشترك ، كان من أبرز ملامحها الدور الذي لعبته الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية- منذ إنشائها عام 2014 م- من خلال برامجها وأنشطتها المتعددة التي شارك فيها عدد كبير من الكوادر التنزانية من مختلف الجهات ، حرصت مصر من خلال نشاط الوكالةعلى مساعدة الأشقاء التنزانيين وتقديم كافة أشكال الدعم في مجال تعزيز بناء القدرات الوطنية من خلال توفـير العديد من الدورات التدريبية في المجالات المختلفة ، كما انعقدت فعاليات الدورة الثالثة للجنة المشتركة للتعاون بين البلدين في القاهرة في يناير 2018، وذلك بعد 21 عاماً من انعقاد الدورة الثانية في "أروشا" عام 1997 ، تم توجت العلاقات التاريخية المشتركة بين البلدين بتوقع اتفـاق إنشاء سد ومحطة "جيوليوس نيريري " في منطقة "ستيغلر جورج" .

كان مشروع سد "جيوليوس نيريري حلما للشعب التنزاني منذ عقد الستينيات بعد أن نشرت منظمة الفاو عام 1961 م دراسة تتضمن إمكانية إنشاء سد بحجم أكبر يهدف إلى توليد كهرباء وتحويل المنطقة إلى بيئة صناعية بالإضافة للسيطرة على الفيضانات والمستنقعات وتوفير الرى الدائم والتخزين المستمر ، بعد ذلك اتجه الزعيم التنزاني جوليوس نيريري اول رئيس لتنزانيا بعد الاستقلال والذى يحمل السد اسمه - و أحد الآباء المؤسسين لحركة التحرر الوطنى من الاستعمار الذين حلموا بإفريقيا مستقلة تمتلك كلمتها وإرادتها ومواردها- نحو البحث عن مصادر خارجية لتمويل السد فعرض المشروع على البنك الدولي الذى رفض تنفيذ المشروع بحجة المخاوف البيئية جراء تنفيذ المشروع ، والحجة الثانية : احتياجات الشعب التنزانى من الكهرباء محدودة ولا تحتاج بناء سد ، وتجمد مشروع السد لكن كان حلم التنفيذ مازال يرواد الشعب التنزانى حتى تعقدت الأمور مرة أخرى1982 م حيث أعلنت منظمة اليونيسكو بان المنطقة المراد تنفيذ السد عليها محمية طبيعية وموقعًا للتراث العالمي ، مما دفع إلى مزيد من التعقيد في الحصول على التمويل الدولي لتحقيق الحلم .
وخلال الفترة من عام 2009 – 2014 م بدأت الحكومة التنزانية تضع المشروع من جديد على رأس أولويات التنمية الاقتصادية فى البلاد فظهرت مفاوضات متعدد مع شركات لبناء السد لكنها توقفت دون التوقيع النهائي.
وفى عام 2015 م فاز الرئيس جون ماجوفولي بولاية رئاسية ثانية في تنزانيا ، فأعلنت حكومته في 2017 بأن مشروع سد تنزانيا سيكون مشروعًا قوميًا لشعبها وسيتم تغيير آلية التمويل التى كانت متبعه مسبقا على ان يكون التمويل من قبل الحكومة بدلا من اللجوء لممول خارجي ، ومن ثم طرحت مناقصة لبناء السد، تنافست عليها مجموعة شركات من مختلف دول العالم منها شركات (مصرية – صينية - روسية - هندية – إيطالية — تركية- برازيلية- لبنانية ) ، فاز بها التحالف المصري بين شركتي ( المقاولون العرب المملوكة للدولة المصرية، والسويدي اليكتريك إحدى كبرى شركات القطاع الخاص المصرى )، على أن تعمل الشركتان تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية .
حضر رئيس مجلس الوزراء المصرى حفل توقيع العقد فى ديسمبر 2018 ، في دار السلام، بحضور رئيس جمهورية تنزانيا ، كما هناك زيارة رسمية سابقة شملت وزراء الكهرباء والطاقة المتجددة والإسكان ومسؤولي الهيئة الهندسية بالقوات المسلحة ومديري بعض البنوك وتحالف بناء سد تنزانيا " المقاولون العرب والسويدي إلكتريك " ، و فى 27 يوليو 2019 وضع حجر أساس مشروع سد ومحطة "جوليوس نيريري" .
تضمن بنود الاتفاق الموقع بين الطرفين إنشاء سد حرساني بارتفاع 134 متر يشتمل على تسعة توربينات، بقدرة 235 ميجا وات للتوربين، وبقدرة إجمالية تصل إلى 2115 ميجا وات، أي نفس إنتاجية السد العالي تقريبا من الكهرباء ، بعد أن كانت تنزانيا تفقد أخشاب يومياً بمعدل 400 هكتار من أجل الحصول على الطاقة ، فضلا عن ذلك سوف تلبي هذه المحطة الكهربائية احتياجات نحو 17 مليون أسرة تنزانية من الكهرباء.
ويقع مشروع السد على مساحة حوالي 1350كم و تكلفته 3.6 مليار دولار ، فضلاً عن أربعة سدود مكملة لزيادة السعة التخزينية لتصل إلى 34 مليار متر مكعب، على مساحة 2% فقط من محمية سيلوس .
أن مشروع سد جوليوس نيريري سوف يوفير المياه للزراعة في موسم الجفاف ، يساهم فى الحفاظ على البيئة من تداعيات الفيضانات و المستنقعات و يخلق فرص عمل للتنزانيين ، بالإضافة إلى ذلك سوف يضع تنزانيا على طريق التنمية من حيث إنشاء المصانع و قيام الأنشطة المختلفة التى تعتمد على الطاقة.
إن مصر تمتلك خبره طويلة في إدارة السدود وتنظيم أحوالها ، والمشروع يعكس دور مصر الإقليمي باعتبارها الدولة الكبرى في إفريقيا التي تقدم يد العون والمساعدة لأشقائها من الدول الإفريقية دون استغلالهم ، كما أنها لا تربط هذه المشاريع بأي دون إملاءات أو ضغوط مغرضة سياسية أو اقتصادية علي هذه الدول ؛ وإنما لبناء جسور التكافل والتعاون بين الدول الإفريقية ، ليعبروا مراحل التنمية مما يعكس مدى تكامل وترابط العلاقات الإستراتيجية مع الأفارقة ، ومن خلال المشروع تسترجع مصر قوتها الناعمة في القارة من خلال تعزيز البنية التحتية لتواجد مصر في إفريقيا ؛ خاصة وان مشروع سد سوف يساهم فى ربط شبكات تنزانيا وكينيا وأوغندا وزامبيا، لذلك نجد المشروع حظي باهتمام رئاسي كبير حيث كلفت القيادة السياسية منذ توقيع العقد، بالالتزام بالشروط التعاقدية للمشروع، لان العامل والمهندس المصري سيتركان بصمة تاريخية عند تنفيذ أعمال المشروع بكل دقة ، ومن ثم يكون علامة على ما يحدث في مصر من نهضة عمرانية ، خاصة في قطاع التشييد والبناء أحد وجوه القوة الناعمة المصرية وحتى يكون نواة لمشروعات أخرى داخل القارة ، رسالة بأن الشركات المصرية قادرة على تنفيذ المشروعات الضخمة .

كما كان اختيار مصر لتشيد السد على نهر " روفيجي " غرب العاصمة دار السلام حال دون استغلال أي دولة لحاجة تنزانيا للكهرباء لتقيم السد على نهر النيل بدلا من نهر " روفيجي " الذي ينبع من الأراضي التنزانية عند التقاء مياه نهري "كيلومبير"و و" لويجو" قبل أن تتدفق مياهه لمسافة 600 كيلو متر لتصب في مياه المحيط الهندي ، وبذلك حافظت مصر على تدفق مياه نهر النيل الأبيض دون نقصان ، أي أنه ليس له ضرر على حصة مصر من مياه النيل، لأنه مقام على نهر لايتبع أنهار منابع نهر النيل وروافده
إن بناء السد بآيادى مصرية يعكس خبرتها التاريخية في بناء السدود، مثل السد العالي ( 1960- 1971 ) ، الذي شارك فى تشيده الكثير من شركات المقاولات والمهندسين المصريين، ما أكسبهم خبرة كبيرة في إنشاء السدود العملاقة ، كما يعتبر رسالة واضحة لدول حوض النيل بصفه خاصة وشعوب القارة الإفريقية بصفة عامة بان مصر حريصة على تنمية وتحقيق الطموحات الاقتصادية لدول حوض النيل، طالما أن هذه التنمية لا تنعكس سلبا على حصتها المائية .
تطابق مصالح القاهرة والخرطوم يحتم عليهما التنسيق على أعلى مستوى بهدف الوصول بالعلاقة إلى مرحلة التكامل التام
والجدير بالذكر أن إصرار إثيوبيا على الملء الأول للسد دون الرجوع إلى مصر والسودان بالمخالفة" لإعلان المبادئ" يظهر بان التعنت الإثيوبي في مسألة سد النهضة يغلب عليه الطابع السياسي أكثر من الطابع الفني ، لذلك يعد الحضور المصري في شرق إفريقيا بناء سد بخبرات مصرية ، رسالة مباشرة لإثيوبيا بان مصر استطاعت رسم حط احمر في شرق إفريقيا يحمى مصالحها وحقوقها المائية المكتسبة، بعد أن خطت خطوات جذرية في استعادة مكانتها في إفريقيا بعد ان ضبطت العلاقات والمسافات من القاهرة إلى غالبية أو كل العواصم الإفريقية، بآليات عمل فاعلة على ارض الواقع ؛ فقد احتضنت الكثير من المؤتمرات الإفريقية على أراضيها؛ بالإضافة إلى الاهتمام بقضايا إفريقيا بشكل واسع في المحافل الدولية مثل الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقمتى مجموعة السبع، ومجموعة العشرين، والاجتماعات الإستراتيجية المتنوعة مع اليابان وروسيا وألمانيا وبريطانيا.. وكان الهدف وضع أفريقيا على الخريطة الاستثمارية في إطار برنامج الاتحاد الإفريقي 2063، وبرنامج الأمم المتحدة 2030، والاستفادة من ثرواتها الطبيعية الهائلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هنية يزور تركيا لإجراء محادثات مع الرئيس التركي رجب طيب أردو


.. توقعات بموجة جديدة من ارتفاع أسعار المنتجات الغدائية بروسيا




.. سكاي نيوز عربية تزور أحد مخيمات النزوح في رفح جنوبي قطاع غزة


.. حزب -تقدّم- مهدد بالتفكك بعد انسحاب مرشحه لمنصب رئاسة مجلس ا




.. آثار الدمار نتيجة قصف استهدف قاعدة كالسو شمالي بابل في العرا