الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العلمانية ...حتمية .. وتجديد.

عزت حمودة

2006 / 7 / 19
ملف - 1 تموز 2006 - العلاقة المتبادلة بين العلمانية والدولة والدين والمجتمع


■ حتمية العلمانية:

قبل الحديث عن حتمية العلمانية , وعن الأسباب التي جعلتها تحتل الصدارة وبانفراد لا مثيل له , عن غيرها من نهج الحكم , لابد من الحديث أولا عن ماهية الدولة التي نسعى لإقامتها .

إن الدولة التي نسعى لتأسيسها , لابد أن تحترم جميع مواطنيها بالعدل والمساواة الذي تضمنه لهم. والمقصود المساواة بين جميع أبناء الوطن في الحقوق والواجبات بغض النظر عن دينهم أو قوميتهم أو أي انتماء آخر .إن هذا المبدأ –على بساطته و بديهيته- يشكل الأساس المتين الذي لابد منه لإقامة أي شكل من أشكال العمل المؤسساتي . وهذا أمر لا خلاف عليه .ومتى ترسخ هذا المبدأ في المجتمع فإن الطريق تصبح ممهدة لإقامة باقي دعائم الدولة الوطنية المدنية الديمقراطيه .فالعلمانية ليست سوى الخطوة الأولى والأساس لهذا الهدف النبيل.

إن العلمانية كنهج في نظام الحكم ,يضمن وبشكل مطلق تحقيق هذا المبدأ على أرض الواقع. وذلك من خلال اعتبار إنسانية المواطن . فالمواطن قبل كل شيء , إنسان , وهو ما تقدسه العلمانية - أي الإنسان - فالمواطن على هذا الأساس , له الحقوق والواجبات نفسها , فالإنسان أينما كان وفي أي وقت كان هو الإنسان , وذلك ما يسمى بعالمية حقوق الإنسان .فالدولة التي نتكلم عنها دولة , دولة وطنية بكل ما تحويه الكلمة من معنى , بغض النظر عن انتماءات المواطن الأخرى – أي غير الوطنية -.

إن نهجا آخر غير النهج العلماني , لن يستطيع تحقيق هذا المبدأ وبأي حال من الأحوال . ببساطة لأنه سيعتمد على مفهوم غير مفهوم الإنسانية في تشريع حقوق المواطن وواجباته . سواء كان هذا المصدر دينيا , سلوكا اجتماعيا ,ثقافة ما , أو ظروف طارئه.

إن النظام الديني في الحكم لايمكن له - وبأي حال من الأحوال - أن يضمن هذا المبدأ الأساسي المقدس – أي المساواة – والأسباب أوضح من أن تذكر . إلا أني حريص على ذكرها نظرا لهذه الهجمة الدينية الشرسة التي تصيب أول ما تصيب العقل , فتجمد حركته بما تضعه من أوهام وخرافات غيبية لا يمكن للعقل معها أن يعمل . هذه الهجمة التي تجتاح محيطنا والتي يغذيها غباء كثير وضعف كبير وركود فكري وثقافي وحواريّ في شتى المجالات ..

إن الدين لا يمكن أن يحقق المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين , ببساطه لأن لدينا تعددا كبيرا في المذاهب والأديان . ولن أتكلم عن الفوارق بينها لأن بعضها يصل إلى حد النقيض مع البعض الآخر, بحيث يستحيل معها التوفيق – لن أقول بين جميع الأديان والمذاهب – بل بين مذهبين في دين واحد .إن أي دين يسيطر على السلطة سيلغي بالضرورة حقوقا لأتباع الديانات الأخرى ومعهم اللادينيين . ومثال بسيط على ما ذكر :

إن حكم الإسلام يستوجب تطبيق الشريعة الإسلامية..ومنها تحريم الخمر , الأمر الذي يشكل انتهاكا لحقوق أتباع الديانات التي لا تحرم الخمر- و معهم اللادينيين- . وهذا مناقض لمبدأ المساواة بين مواطني الدولة .

إن هذا التحليل لا يقتصر على البلاد التي تتنوع فيها الأديان والثقافات . فكما أسلفنا , فإن حقوق المواطن – كإنسان- لا تتغير بتغير دينه أو قوميته أو ثقافته . وبالتالي , فإنه يمتلك حرية الاعتقاد - وترك الاعتقاد أيضا- .

أما العلمانية , فإنها توفق بين جميع الأديان والمذاهب والعقائد بشكل ديناميكي مرن . فلا مشكلة إذا كانت ديانتك تحرّم هذا أم لا .. فالعلمانية لا تجبرك على شرب الخمر , كما أنها تضمن حق غير المسلم – أو المسلم نفسه –في شرب الخمر..

فمبدأ الحقوق والحريات الشخصية في العلمانية لا تحده إلا حرية الغير وحقوقهم , على مبدأ : تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين .فبما أنك لا تسبب اعتداء لحقوق وحريات الآخرين- أفرادا أو دولة- فلك الحق في أن تفعل ما يحلو لك.. وهنا تكمن قوة النهج العلماني.ومزيد من التفصيل لن يكون ضروريا.

■ سوريا إلى العلمانية بامتياز :

يتكون الشعب السوري من غالبية سنيه وأقليات متعددة . هذه الأغلبية السنية تشكل ما يزيد على نصف السكان , أما الباقي فيتكون من أقليات عديدة دينية وعرقية وطائفية وحتى قبليه..

فالشعب السوري أشبه بفسيفساء متعددة الألوان والأطياف , فعدد هذه الأقليات يفوق عددها في أية دولة مجاورة – قريبة أو بعيدة-.

إن حتمية العلمانية التي سبق ذكرها تزيد عليها – في الحالة السورية – حتمية أخرى , تنبع من هذا العدد الكبير للأقليات . إن أي حكم ديني ولأية طائفة كانت – أغلبية أم أقلية – يجعل باقي الأقليات تنقلب عليه وبشدة. ونقصد بالحكم الديني هنا : الممارسات السلطوية المستندة إلى الدين , ولا نقصد ديانة الرئيس بشكل خاص.و التحليل نفسه ينطبق على الحالة العرقية أو القومية, وإن كانت أقل خطورة , فالانتماء الديني يعتبر أقوى من الانتماء العرقي في هذا المجتمع .

النقطة الأساسية التي تجب ملاحظتها , أن التعدد الكبير للأقليات في الحالة السورية يشكل عامل قوة لا مثيل له في حماية العلمانية – متى رسخت – . بينما سيكون عامل اضطراب وعدم استقرار في أي نهج آخر في الحكم .

■ الصعوبات والعراقيل التي تواجه العلمانية ...

إن قولنا بأن سوريا جنّة للعلمانية , لا يعني أنها مهيأة ومستعدة لها . فكلما تأخر تطبيق العلمانية , زادت المشاكل والصعوبات شدة.

إن تطبيق العلمانية في الدول المدنية , كان تتويجا لمخاض عسير وطويل مرت من خلاله هذه الدول بمراحل ونقاط علاّم , فمن حكم الكنيسة إلى الملك .... ومنه إلى الشعب . وكل مرحلة بما فيها من صراعات بين الشعب وحكامه , وبين الدولة وأعدائها أدت وبطريقة تدرجية متسلسلة إلى اعتماد العلمانية في تسيير الحكم . فكان الشعب ينتقل إجمالا من مرحلة إلى أخرى بسوية فكريه واحدة ودون فوارق أو تفاوتات واضحة أو خطيرة. نتيجة للخبرة التي اكتسبها الشعب عن طريق التجربة.

أما في الحالة السورية, فإن التفاوتات الثقافية والفكريه بين أبناء الشعب كبيرة جدا , وتكاد تكون من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار, وبالمفهوم المتطرف الذي يحمل طابع العنف في بعض الأحيان . فهناك من لايزال يعيش في أيام الإسلام الأولى وأيام الخلفاء والأئمة .. بما فيها من قيم ومظاهر وممارسات وحتى عادات . ممن تجمد تفكيرهم عند هذه المرحلة . ويعتبرون العلمانية كفرا وزندقة توجب رفضها وبطرق عنيفة جدا. و تلك الفئة – غير قليلة العدد – تحتاج إلى إعادة تأهيل فكري تستوجب جهودا كبيرة لاستيعابهم وترويضهم فكريا .

ومن الجهة المقابلة , فإن ثورة الإعلام والاتصالات أتاحت لعدد لا بأس به من ذوي الخلفية الاجتماعية والثقافية المنفتحة المهيئه لتقبل الرأي والرأي الآخر , أتاحت لهم حرية نسبية في اكتساب المعلومة وزيادة الوعي حتى أصبح بعضهم على سوية ثقافية واحدة مع رجالات العلمانية في الدول المدنية الحديثه. وذهب بعضهم بعيدا في ذلك ,من تفهم للشذوذ الجنسي والمطالبة بحقوق الشاذين جنسيا وحتى شرعنة الشذوذ بقوانين كما حدث في بلدان كثيرة.

إن هذا التفاوت الكبير والخطير في نظرة السوريين إلى العلمانية كان غذاؤه الرئيسي الركود السياسي الرهيب وتغييب الحوار بكافة أشكالة خلال عقود أربعة عجاف .

فكان التكفير والتخوين السلعة الوحيدة لرجال الدين والسياسة - سواء بسواء –دون أية محاولة لفهم الآخر أيا كان هذا الآخر, فإما أن تصمت أو تلقى أحد هذين المصيرين . إضافة إلى حالة الركود هذه , فإن الولادة غير السليمة لفكرة العلمانية في بلادنا كانت عاملا مهما في زيادة حالة الشقاق هذه , فسوريا لم تمر خلال تاريخها بمراحل مميزة نسبة إلى ما مرت به الدول المدنية الحديثة , مما يصعب الأمر على كثيرين في تقبل فكرة العلمانية.

ومن الجدير بالذكر أن الزمن ليس في صالح تطبيق العلمانية على الإطلاق , وكل يوم يمر دون العلمانية , تزداد معه الفجوة أمتارا , ويزداد معه التشنج و الحقد الدفين- للإسلاميين خاصة - , كما أن كل تأخر للعلمانية يرافقه وباتجاه معاكس , زيادة في الخطاب الديني الغيبي الذي يُعتبر مخدرا فعالا للعقل ,هذا العقل الذي يتوجه إليه الخطاب العلماني .. ولك أن تتخيل النتيجة..

هذا بالإضافة إلى صعوبات أقل أهمية , لا مجال لذكرها الآن...

إن العلمانية حتمية مضاعفة .. ولا يمكن التخلي عنها تحت أي ظرف , هذه الحقيقة يجب أن تكون الأساس في أي تحرك يهدف إلى التغيير , فمهما كانت الصعوبات والعراقيل التي تعترضها , فإن ترسيخها في المجتمع سيؤمن – وعلى المدى الطويل والمتوسط – أرضية صلبه لقيام دولة ديمقراطية مدنية حديثة وعصريه .. نعم قد تكون البداية صعبة وقاسية جدا, لكن ما إن تبدأ العجلة بالدوران حتى تتسارع تدريجيا وبمعدل كبير يستحيل معه إيقافها. السرعة والصبر والعقل والهدوء وعدم الانفعال عناصر أساسية وجدّ مطلوبة لتحريك هذه المياه الراكدة , في سبيل بناء وتأسيس العلمانية.

أخيرا:

يكفي أن نقول إن العلمانية نهج لا مثيل له , فهو ليس إناء جامدا راكدا , إنها نهج لا حدود له يتطور يوما بعد يوم , وهذا ما يؤمن استمرارية فريدة في أنظمة الحكم , فهي بحق مناسبة لكل زمان ومكان , قادرة على استيعاب كل الأديان والثقافات والأعراق بمرونة كبيرة , دون صهر لتلك الثقافات أو إلغائهـا, سيتوسع جسد العلمانية حتى تصبح فكرة الإنسانية الأساس الذي تقوم عليه جميع دول العالم , عندها وعندها فقط , نستطيع القول إن العالم أصبح دولة واحدة....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل