الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البداية من القمة ( 17 )

آدم الحسن

2020 / 12 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


يتحدث الكثير من الاقتصاديين و المتابعين للشأن الاقتصادي من أن الاقتصاد الصيني هو ثاني اكبر اقتصاد في العالم بعد اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية و يقصدون هنا حجم الدخل المحلي لهاتين القوتين الاقتصاديتين الكبيرتين , حتى صار هذا التسلسل في درجة قوة اقتصاد هاتين الدولتين يرد في الكثير من التقارير الاقتصادية و كأنه اشبه بالبديهية رغم ما يحتويه من غموض و عدم وجود مقاييس مشتركة لتحديد حجم الدخل المحلي و قوة اقتصاد اي من هاذين البلدين .

تعتمد المؤسسات الدولية كالبنك الدولي و صندوق النقد الدولي على ما متوفر حاليا من مقياس لتحديد حجم الدخل المحلي او ما يسمى ايضا بالدخل القومي او الدخل الوطني لأي دولة ألا و هو القيمة التبادلية لأجمالي السلع و الخدمات المنتجة محليا فيها و هنا لابد من التوقف كثيرا عند مسألة القيمة التبادلية اذ أن هذه القيمة هي قيمة نسبية و ليست قيمة مطلقة لارتباطها بعوامل السوق كقوانين العرض و الطلب لكل سوق على حدة أو على قوانين العرض و الطلب للسوق العالمية و على سعر صرف العملة المحلية للدولة المعنية مقابل عملات الدول الأخرى و سياسة دعم المنتج الوطني و هنالك ايضا العوامل السياسية كالحصار و المقاطعة و العقوبات الاقتصادية و غيرها فكل هذه العوامل تؤثر بهذا القدر او ذاك على القيمة التبادلية لأجمالي الناتج المحلي لذلك يصبح الركون الى القيم التبادلية لتحديد حجم الدخل القومي لأي دولة امرا ليس غير دقيقا فحسب و انما قد يكون بعيدا بشكل كبير عن القيم الحقيقية .

يفترض بأن يكون اجمالي القيم الاستعمالية للسلع و الخدمات المنتجة في اي دولة هي المقياس المنطقي لتحديد حجم ناتجها المحلي , لكن الصعوبة و التعقيد في احتساب القيم الاستعمالية جعل المعنيين بالشأن الاقتصادي افرادا أو مؤسسات يعتمدون على اسلوب سهل و هو اعتماد القيم التبادلية لتقدير اجمالي الناتج المحلي رغم ما يتضمنه هذا الأسلوب من ركائز تقود الى نتائج شبه وهمية .
و على سبيل المثال , قد يكون الناتج المحلي للصين في هذه المرحلة اكبر بكثير و لربما اضعاف الناتج المحلي للولايات المتحدة الأمريكية اذا اعتمدنا على اجمالي القيم الاستعمالية للسلع و الخدمات المنتجة و ليس على اجمالي القيمة التبادلية للسلع و الخدمات المنتجة فيهما , لكن و لعدم توفر اسلوب واضح لقياس القيم الاستعمالية سيبقى الأمر غامضا ... !!

قبل ظهور النقد في حياة البشرية كان التعامل التجاري بالمقايضة و هذا الأسلوب رغم بدائيته هو اكثر معقولية و منطقية من النظام النقدي السائد حاليا الذي من خلاله تستطيع دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية اصدار عملة ورقية بألاف مليارات الدولارات دون غطاء او ضوابط منطقية تشتري بها ما تشاء من السلع و الخدمات من الدول الأخرى , انها فعلا اكبر عملية نهب منظم شهدته البشرية , هذا النهب المنظم لا يمكن أن يتم لولا وجود النظام النقدي السائد حاليا و الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي .

أن انهيار النظام النقدي العالمي السائد حاليا اصبح امرا مؤكدا نظرا لكون الكثير من الدول اصبحت تراه نظاما غير عادلا و يجب أن يسير ا نحو الانقراض التدريجي .
و هنا يظهر دور الصين التي تقود عملية ايجاد نظام نقدي عالمي بديل يمتاز بالعدل في التعبير الى درجة لابأس بها عن القيم الاستعمالية للسلع و الخدمات المنتجة في الأسواق المختلفة .

و من خلال متابعة الاتفاقيات الخاصة بالاعتماد على العملات المحلية لأغراض التبادل التجاري التي تعقدها الصين مع دول منظمة شانغهاي للتعاون و التي هي عضوا مؤسسا و اساسيا في هذه المنظمة او مع دول اخرى خارج هذه المنظمة نجد ان الصين قد بدأت فعلا قيادة المعركة لأسقاط النظام النقدي العالمي السائد حاليا و سنجد ايضا أن اقتصاديات كبرى كاليابان و كتلة اليورو لا يعارضان النهج الذي تسير عليه الصين بل بالعكس بدأوا ينخرطون فيه بشكل تدريجي كما حصل من اتفاق بين الصين و اليابان باعتماد العملة المحلية للبلدين لأغراض التجارة البينية بينهما .

كل المؤشرات تدل على أن الصين تسعى لتحويل البنك الدولي و صندوق النقد الدولي الى ما يشبه العنصرين الذين سيتشكل منهما مستقبلا ما يشبه البنك المركزي الدولي الذي سينهي هيمنة الدولار على سوق النقد العالمي .
لن ينجح تشكيل هيئة دولية جديدة للنقد يمكن تشبيهها بالبنك المركزي الدولي ما لم يكن اساسها عبارة عن ضوابط مقبولة من قبل العولمة الجديدة التي لا تسمح بظهور عملة محلية لدولة ما تهيمن على نظام النقد العالمي من جديد .

السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو :
هل يمكن أن يعود الذهب كغطاء معتمد للنقد الورقي الذي تصدره الدول ام ان العالم مقبل على نظام نقدي عالمي جديد يتمثل بأنشاء بنك مركزي عالمي يصدر عملة عالمية موحدة تعتمدها كل الدول لتغطية التجارة البينية بين الدول كافة او أن هنالك شيء آخر خلف الأفق .... !!


(( يتبع ))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لبنان.. مزيد من التصعيد بين إسرائيل وحزب الله | #غرفة_الأخبا


.. ماذا حققت إسرائيل بعد 200 يوم من الحرب؟ | #غرفة_الأخبار




.. قضية -شراء الصمت-.. الادعاء يتهم ترامب بإفساد انتخابات 2016


.. طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة يهتفون دعما لفلسطين




.. قفزة في الإنفاق العسكري العالمي.. تعرف على أكبر الدول المنفق