الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوم كدت أشارك مريضي غيابه عن الوعي

جعفر المظفر

2020 / 12 / 31
الصحة والسلامة الجسدية والنفسية


في مرة, وبعد أن غرست إبرة التخدير في فم المريض إستعدادا لمعالجة سنه الملتهبة, رأيته يتشنج بطريقة مخيفة. إعوج فمه وتشنجت يداه ودخلت أصابعه على بعضها وكأنا قد بدأنا توا تصوير فلم مخيف بعنوان (مقتل إنسان في عيادة طبيب أسنان).
لم يكن الوضع كما هو متوقع. في الجهاز هناك آلية لتشغيل الكرسي على وضع (الإغماء). المتوقع هو أن يؤدي الإدرينالين الذي يفرزه جسم الإنسان نتيجة خوف المريض إلى دخوله في حالة إغماء, وعادة ما يحدث ذلك بعد زرق إبرة المخدر في فمه.
لمعالجته يجري الضغط على الزر الخاص بوضع الإغماء لكي يتحرك مسند الظهر في الكرسي إلى الوضع الذي يصبح فيه بمستوى أدنى من القسم الأسفل لجسم المريض بما يجعل ساقيه في موضع أعلى من ظهره ورأسه. ذلك سيكفل بطبيعة الحال رجوع الدم إلى رأس ومخ المريض ويضمن وصول الأوكسجين الذي يتكفل بإعادة الإنسان إلى وضعه الطبيعي قبل الإغماء.
مع ذلك المريض,الأمر كان قد إختلف. لقد ظهر واضحا إنه بات في وضع خطير جدا, وحسبت أن اللجوء إلى ألية التعامل مع حالة الإغماء في كرسي جهاز الأسنان لن تنفع لأن شكل ردة فعله كانت مختلفة. اللحظات كانت تمر مسرعة وقد أنبأتني أن مريضي على وشك أن يغادر الحياة. أما الممرضة المساعدة التي كانت إلى جانبي فقد ظهر عليها الإرتباك والخوف.
كانت لحظة القرار الفاصلة التي راهنت على أن يكون فيها العلاج والشفاء. رفعت يدي إلى الأعلى ثم تركتها تنزل مسرعة على صفحة وجه المريض بكل قوة. ومع سرعة الصفعة كانت سرعة الإستجابة. إنتفض الرجل بكل قوة وعاد إلى وضعه الطبيعي بعد أن إسترد أنفاسه, وكان سؤاله الأول بعد أن راح يجول بنظره في أركان الغرفة بحركات سريعة ويلتفت من الأمام إلى الوراء كمن يحاول إستعادة اللحظة المفقودة ومعرفة أين هو بالضبط, وحينما تمالك وعيه وعرف أنه كان قد أغمي عليه تساءل:
- دكتور ممكن أسألك كم كانت فترة غيابي عن الوعي ؟
لا أستطيع أن أحسبها بالتحديد, لكني أعتقد أنها لم تتجاوز الخمسة عشر ثانية.-
هل تصدقني يا دكتور إذا قلت لك إنني رأيت خلال هذه الثواني القليلة شريط ذكريات ربما أحتاج وأنا في وضعي الطبيعي إلى ساعات لكي أراها. لقد أخذني إغمائي في رحلة سريعة عبر الزمن ليجعلني استعيد ذكريات من شبابي ومراهقتي وصولاً إلى ألعاب الطفولة في حينا الشعبي ووجوه أصدقائي الصغار ونحن نلعب لعبة (الغُمَّيْضَة). هل تستطيع يا دكتور أن تشرح لي ما الذي حدث ؟!
قلت وقد كنت أفكر بإدخال (الراشدي) في قائمة علاج المتشنجين في عيادة الأسنان مفترضا إنني سأصير أرخميدس زمانه: الحمد لله أنك عدت لنا من "غميضتك" سريعا وإلا لشاركتك أنا فيها.
وأنا في حيرة أشد من حيرته أجبته :
لو كان آينشتاين وفرويد على قيد الحياة لإتصلت بهما على الفور طالبا منهما تفسيرا شافيا فربما يقدم لنا الأول من خلال (النسبية) بعض أجوبة تتعلق برحلتك الزمنية الخارقة السرعة, وربما يتكفل لنا الثاني بتوضيحٍ له علاقة بمخزونات العقل الباطن وبموجودات اللاوعي حينما يتدفق فجأة إلى مساحة الوعي والإدراك.
كلما أعرفه يا صديقي إستنادا إلى فرضيات كنت قد قرأتها في كتب متفرقة تتحدث عن الدماغ والوعي والعقل والإدراك أن الذكريات القديمة تترسخ عميقا في الدماغ وهي لا تغادره, إنما وعيها وإدراكها يتراجع ثم يخرج إلى دائرة الوعي في لحظة الإستدعاء. .. هذا على الصعيد السايكوباثولوجي.
أما على الصعيد السياسي فسوف أقدم لك تفسيرا سياسيا يقول أن (الخلايا النائمة) في دماغك هي التي إستيقظت فجأة وكادت أن تأخذنا سوية للـ (باي باي).
نظر لي وهو يتحسس صفحة الوجه التي أنزلت عليها يدي الغليظة متسائلا : لقد جئتك يا دكتور والألم كان في الجانب الأيمن من الوجه فكيف تحول إلى الجانب الأيسر ؟
أجبت وأنا أستعجله النزول من الكرسي :
إنه (الراشدي) يا صديقي الذي أعادك إلى رشدك ! وإلا لماذا يسمونه (الراشدي) .. ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف