الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الوضعية الاقتصادية والإجتماعية لقبائل الجنوب الشرقي بعد معركة بادو:نموج قبائل أيت حديدو.

عدي الراضي
باحث في التاريخ والتراث.

([email protected])

2021 / 1 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نص محاضرة عن بعد بعنوان:الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لقبائل الجنوب الشرقي بعد معارك بادو :ايت حديدو نموذجا.من تنظيم المكتب المحلي لفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بميدلت بمناسبة الذكرى 87 لمعارك بادو.
تحية طيبة ؛ومودة صادقة؛ومحبة خالصة للمشاهدين الكرام الذين يتابعون الصفحة الفايسوكية لفضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير بميدلت.
والشكر الجزيل لهذا المكتب المحلي الذي حرص منذ تأسيسه على توثيق وصيانة الذاكرة المحلية و الوطنية.وذلك عبر سلسلة من الأنشطة اليومية والدورية التي تهدف في عمقها التعريف بأهم محطات المقاومة والتحرير بالمغرب عامة وبالمنطقة خاصة. بمناسبة الذكرى السابعة والثمانين لمعارك بادو سوف نلقي أمام المشاهدين الأعزاء محاضرة متواضعة بعنوان:الوضعية الاقتصادية والاجتماعية لقبائل أيت حديدو بعد معركة بادو.
تشكل معركة بادو والتي وقعت أحداثها خلال شهر غشت من سنة 1933م(11غشت إلى29 من نفس الشهر(1) منعطفا حاسما في مسار لمغرب عامة وبالأطلس الكبير الشرقي على وجه الخصوص.
وتعد أخر حلقة ضمن مسلسل المقاومة المغربية؛ والربوة الأخيرة
لتي غمرتها طوفان الاستعمار الفرنسي بالمغرب.ولن ندخل في تفاصيل المعركة لان ذلك لايندرج ضمن موضوع مداخلتنا .بل سنحاول تقديم ورقة تعريفية مختصرة ووجيزة لهذه المعركة كتوطئة ومدخل وبوابة نحو صلب الموضوع.
بعد احتلال تافيلالت سنة 1932م وجبل صاغرو 1933م ثم أعالي ملوية؛ومنابع زيزوأسيف ملول بداية الثلاثينات من القرن الماضي ؛تم تطويع وإخضاع جميع القبائل بالأطلس المتوسط والسفوح الشمالية للأطلس الكبير الشرقي بعد عدة معارك أبرزها وأشهرها معركة ايت يعقوب؛معارك تونفيت وسيدي يحيى ويوسف؛ معركة مصطريد؛معركة تازيزاوت...وغيرها من المعارك.
بعد كل هذه المحطات تحصن المقاومون بجبل بادو وجبل حمدون؛ وتمت محاصرتهم من جميع الجهات بطوابير من الجيوش الاستعمارية القادمة من تافيلالت ؛مراكش؛ومكناس.وبعد شهر من المقاومة استسلم الجميع مع نفاذ المؤونة وخزائن الطعام.وقام المقيم العام لوسيان سان بزيارة للوقوف شخصيا على عملية الاستسلام ؛والابتهاج بنكهة الانتصار.وفي هذا الصدد ذكر المؤرخ عبد الكريم الفلالي في كتابه التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبير(2)رواية مفادها أن لوسيان سان سأل أحد زعماء المقاومة بالمنطقة ويتعلق الأمر بسيدي لمقدم الأخ الشقيق لسيدي بن حماد الذي لم يمهله القدر لحضور والمشاركة في معركة بادو؛حيث استشهد بأحد المعارك بجبل ترغيست.ورغم قصر الحوار بينهما فهو يحمل أكثر من دلالة.إذ قال لوسيان لسيدي لمقدم :لماذا ضيعتم رجالنا وضيعتم أنفسكم ؟
أجاب سيدي لمقدم:نحن لم نضيع شيئا لأننا مجاهدون في سيل الله.
قيل من حضر هذه المقابلة كما ذكر الفلالي بتبدل وجه ولهجة الجنرال وطأطأ رأسه في صغار؛ خجلا من الرد القوي للرجل المفعم بكلمات وجيزة ذات مغزى عميق.وسيدي لمقدم من شيوخ زاوية تلمي المتشبعين بالطريقة الدرقاوية كما صمم نهجها سيدي محمد العربي وتلميذه مولاي أحمد السغروشني من بعده(3).وتتمحور هذه الطريقة حول القناعة الراسخة لدى اتباع الزاوية بوجوب مقاومة العدو الغاشم طبقا للمقولة المغربية المتداولة بقوة في الذاكرة الجماعية للمغاربة ( الهاجم يموت شرعا) الشعار المركزي للقبائل التي ضحت بالغالي والنفيس من اجل الدفاع عن حرمة وحوزة الوطن.
بعد استسلام أبطال المقاومة بجبل بادو تنفست السلطات الاستعمارية الصعداء؛ لكن فرحتها لم تدم طويلا؛لأن حركة المقاومة لم تهدأ بعد بظهور المقاومة الفردية على شكل عمليات فدائية بزعامة الأسد المقاوم زايد وحماد اومخداش. البطل المرغادي القح من أيت عيسى أزم فصيلة الرجال الشجعان.هذا الرجل الذي روع الجيوش الاستعمارية .وشملت عملياته المجال الممتد من جبال تودغا بتنغيرإلى قمم وسفوح جبال أسيف ملول بإميلشيل.وكان يستهدف الفرنسيين وكل من شم في أفعاله وأقوله رائحة الخيانة.وخسرت القوات الاستعمارية جراء مقاومة زايد وحماد حوالي 46 قتيلا بين الكوم ؛المخازنية والضباط ؛ بالإضافة إلى غنائم كثيرة تتكون أساسا في غالب الأحيان من الأسلحة والعتاد التي يستولي عليها أثناء عملياته الفدائية(4).واستغرقت مقاومة زايد وحماد عامين من سنة 1934-1936.واستشهد مع ثلة من رفاقه بقرية تدفالت يوم 5مارس 1936(5).
وقد نسخ المقاوم احمد الحنصالي تجربة مماثلة لأسلوب ونهج وطريقة زايد وحماد في المقاومة
بالجبال القائمة بين أزيلال والقصبية خلال بداية الخمسينات 1951-1953وهي التي تم تنفيذ الحكم بالإعدام في حق هذا البطل الشجاع الذي زرع الخوف والرعب في نفوس قوات الاحتلال بهذه الناحية من المغرب(6).
بعد استشهاد زايد وحماد؛ شرعت قوات الاحتلال في تطبيق السياسة الأهلية؛ كما وضعها ونظر لها الجنرال اليوطي وذلك بصفة فعلية وعملية وميدانية بالأطلس الكبير الشرقي.وبعد السيطرة العسكرية التامة على المنطقة تم عيين قياد بالمجال الوظيفي لقبائل ايت حديدو*7*.وتقسيم هذا المجال إلى دوائر ترابية تتكون من مراكز ومكاتب الشؤون الأهلية.
فماهي الوضعية العامة لقبائل ايت حديدو بعد معركة بادو؟
1-الوضعية الاقتصادية:
بعد إخضاع واحتلال بادو عادت عشائر وفصائل أيت حديد وإلى قصورها وقراها ومواطنها الأصلية؛التي غادرتها منذ وصول المستعمر إلى أراضيها سنة 1929م.وبعد خمس سنوات تقريبا التي تشمل المدة الزمنية بين معركة أيت يعقوب ومعركة بادو؛والتي تميزت بالحرب والفوضى والإضطربات مما أدى إلى تدمير القاعدة الاقتصادية لقبائل ايت حد حديدو بشكل كلي.إذ تم إحراق المحاصيل الزراعية ؛وإتلاف خزائن ومطمورات العائلات والأسر؛والقصف الجوي المكثف لقرى وقصور ايت حديدو بعد رفضهم فكرة الخنوع والخضوع والاستسلام؛ أدى إلى هدم المنازل وإحراق القرى بأكملها .فقرية تقشاشت العريقة بقصر افراسكو تم تدميرها بوابل من القنابل واشتعلت الننيران في دورها.وأضحت بين عشية وضحاها كومة من تراب. ونهبت قطعان القبيلة م ن الأغنام والماعز والأبقار.وفقدت العديد من الأسر ممتلكاتها من الحلي والنفائس والأموال والملابس.كما أن مغادرة القرى والقصور لمدة طويلة أثناء زمن المقاومة ساهم في هدم السواقي والجداول والسدود.والمزارع غمرتها الأحجار والحصى؛ ويبست الأشجار المثمرة ؛ كل هذه العوامل ساهمت في تأخير وعرقلة عملية الحرث والزراعة .وفرض على القبيلة العودة للبداية من الصفر؛ببناء المنازل وإصلاح الحقول والجداول والسدود ومد القنوات والسواقي.ولإحياء قطعانها من الأنعام اضطرت جل الساكنة لاقتراض الأموال من بعض الخونة بطرق غير شرعية مثل الربا.وبشكل عام فجل ساكنة القبيلة تذوقوا خلال الثلاثينات وألاربعينات من القرن الماضي مرارة الفقر المدقع وعاشوا وضعا بئيسا لعقود.وقاوموا من جديد من اجل بناء اقتصاد ذاتي ؛ولم يندموا يوما على الظروف المعيشية القاسية لمرحلة المقاومة وما بعدها؛لان الدفاع عن الوطن والكرامة يتطلب التضحية بالغالي والنفيس.
2-الوضعية الاجتماعية:
يمكن تلخيصها في هذه النقط العامة:
-استشهاد العديد من رجال القبيلة مما أدى إلى كثرة الأرامل واليتامى*8*وأصبحت الكثير من الأسر بدون معيل.
-ارتفاع في عدد المعطوبين والمعاقين في صفوف سكان القبيلة نتيجة شظايا القنابل ورصاص البنادق التي تركت في الكثير من المقاومين عاهات مستديمة.
دها-انهيار قاعدة الهرم السكاني للقبيلة باعتبار أن اغلب الشهداء من فئة الشباب.
-ظهور فئات اجتماعية جديدة حيث نجد أن بعض الأسر والعائلات عززت مواقعها في المجتمع والبعض الأخر فقدها ؛واختلت التركيبة والبنية القبلية ببروز ظاهرة فقدان المكانة الاجتماعية*9*؛بفعل أعمال السخرة التي فرضتها الإدارة الاستعمارية.
-شعور بواسل وشجعان القبيلة بالاهانة والاحتقار بإرغامهم للعمل في أشغال بناء الهياكل الاستعمارية مثل الثكنات ومراكز الشؤون الأهلية ثم منازل الضباط المشرفين على هذه المكاتب؛ ومد الطرق والقيام بالزراعة والغراسة مجانا بالحدائق التابعة للإدارة الاستعمارية *10*.مدن
-الهجرة نحو المدن ومغادرة القرى الأصلية وبداية مايعرف بالهجرة القروية بعد فقدان القرى والبوادي لمقوماتها الاقتصادية لصالح المدن بظهور وسائل نقل بديلة؛وأنشطة اقتصادية حضرية .وكانت مدينة ميدلت من المدن الحضرية الأولى بالمنطقة والتي استقطبت الكثير من الاسرضمن القبائل المحيطة بها خاصة ايت يحيى وايت حديدو ثم أيت مرغاد وايت يزدك... باعتبارها مدينة منجمية بامتياز بداية من الثلاثينات من القرن الماضي؛لما تحويه من مناجم خاصة بمنطقة ميبلادن وأحولي.
باختصار شديد هذه أهم مميزات وسمات الوضعية العامة لقبائل
الأطلس الكبير الشرقي عامة اقتصاديا واجتماعيا بعد أطوار ومعارك جبل بادو.وقد اعتمدنا قبيلة ايت حديد وعينة ونموذجا ونفس الوضع ينطبق على كافة القبائل في الجبال والأعالي والتي قاومت الاستعمار بشراسة.
والموضوع يحتاج للمزيد من الأبحاث العميقة والمعمقة؛ وسوف نعود إليه بالتفصيل في مناسبات قادمة بحول الله.
خلاصة القول :إن المقاومة المسلحة أثرت سلبيا على الواقع الاقتصادي والاجتماعي لجميع قبائل الأطلس الكبير الشرقي لأنها ضحت بالغالي والنفيس من أجل الحرية والكرامة؛وفي نفس الوقت فقد ساهمت المقاومة في البوادي والجبال في إحياء وبعث الحس الوطني بالمدن وذلك بظهور انوية وبذور الحركة الوطنية منذ سنة 1934م .
والسلام عليكم.
وشكرا على المتابعة والتفاعل.
الإحالات:
-بن محمد قسطاني ؛الواحات المغربية قبل الاستعمار:غريس نموذجا.الرباط 2005م ص98.
2-عبد الكريم الفلالي؛التاريخ السياسي للمغرب العربي الكبيرالجزء الثامن؛ص279.
3-زار مولاي احمد السغروشني زاوية تلمي في إطار رحلته بين القبائل للحث عن الجهاد.
4-سيدي محمد الكتاني؛زايد وحماد ومقاومته للاحتلال الفرنسي1934-1936؛مجلة تاريخ المغرب؛العدد رقم5 ملف المقاومة الشعبية في الجنوب.نونبر1994م ص122.
5-سيدي محمد الكتاني المرجع السابق ص121.
6-مريم مبطول ؛ زاوية أحنصال في المقاومة 1912-1956م؛منشورات المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير2018م.ص185.
7-تعيين قياد للاشتغال إلى جانب ضباط مراكز الشؤون الأهلية بالمجال الجغرافي لقبائل ايت حديدو.أشهرهم :رهو اونو ثم علوبان قائد ايت هرهور.
8-واشهر مثال على ذلك هو أحد الأطفال من قرية تاحيانت ؛الذي فقد والديه خلال معارك المقاومة وبقي فريدا بدون معيل بعد معركة ايت يعقوب وتبنته أسرة فرنسية.وعاد الى المغرب وترشح في الانتخابات التشريعية سنة 1977م.وكان مستشارا بالمجلس القروي لجماعة أموكر خلال التسعينات من القرن الماضي.
-9مريم مبطول؛ المرجع السابق؛ ص164.
10-نظام العمل المجاني المفروض على القبائل على أشكال أعمال سخرة بالتناوب وهو المعروف بنظام أربعة أيام ومعناه كل رجل بالغ من القبيلة يعمل في أشغال إصلاح الطرق وغيرها لمدة أربعة أيام عن طريق المداومة بين رجال كل قرية.
حرر بفاس يوم 30 دجنبر2020.
باحث في التاريخ والتراث المحلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في