الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الادباء بين الفقر والغنى

حسام الخطيب

2021 / 1 / 2
الادب والفن


كتب الكاتب المصري "احسان عبد القدوس" مقالا ذات مرة يتعجب من امتلاك الممثلة المصرية " فاتن حمامة" لبناية كاملة وكيف انه لا يمكن لأي كاتب حينها او أديب ان يتحصل من الكتابة في عمره بأكمله على ثمن بناية كاملة وردت عليه الفنانة ساعتها معاتبة بأن الكاتب يظل يكتب حتي بعد بلوغه سن الشيخوخة وبالتالي هو قادر على الكسب اما الممثلة فتتوقف عادة عن التمثيل مع الشيخوخة وتصبح عاجزة عن الكسب
تلك القصة الحقيقية الطريفة فتحت الباب امام الادباء والكتاب والمفكرين للتسائل عن متى يصبح الاديب غنيا من أدبه، باستثناء الاديبة البريطانية جي كيه رولنج صاحبة سلسلة روايات هاري بوتر لم يتجاوز أي اديب بالتاريخ حاجز المليار وبعدها يأتي عدة كتاب غربيين قلائل في نادي المليون اما بقية أهل الادب علي اختلاف اجناسهم فيتكسبون بالكاد ما يكفي معيشتهم
بالطبع مثل أي وسط اخر وصناعة مثل صناعة الأدب هناك الاغنياء والفقراء في ذلك الوسط ، نذكر من قائمة الاغنياء الذين تكسبوا من قلمهم الكاتب الأمريكي الشهير مارك توين والذي كانت تقام حفلات مدفوعة الأجر للاستماع له وهو يتلو جانبا من رواياته ، وكان هناك الكاتب الامريكي كذلك ستفن كينج بل ان رواية واحدة وهي فتاة في القطار جلبت لكاتبتها البريطانية بولا هوكينز 15 مليون دولار امريكي سنويا حتى انها أسست شركتها الخاصة
ولكن على الجاتب الأخر فنادرا ما يتكسب الادباء من الادب ويضطر الكثير منهم الى العمل في مهن أخرى مختلفة لاعالة نفسه واعاشة أسرته ، نذكر ان الاديب الانجليزي برنارد شو قد قضى تسع سنوات من حياته في فقر مدقع اضطر خلالها ان يكتفي ببدلة كالحة وحذاء ممزق ، كما ضحي الاديب تشارلز ديكنز بأول حب في حياته حينما رفض الاشتغال بغير الادب وقالت حبيبته "ماريا بيرنل" مقولتها الشهيرة " ديكنز شاب لطيف لكنه اديب فهل يستطيع ان يعولني بقلمه".
وفي عالمنا العربي هناك الكثير ومنهم الكاتب العربي الشهير نجيب محفوظ والذي ظل محتفظا بوظيفته الحكومية حتى تقاعد منها رغم شهرة اعماله الادبية وتحولها لافلام ومسلسلات فيما بعد ولكنه رأي ان الوظيفة هي حماية وأمان له من التكسب بالأدب وحده
بل ان من الحكايات الطريفة عن نجيب انه ذات يوم وقف على الإشارة المرورية الحمراء في أحد شوارع القاهرة بسيارته القديمة التي يرثى لحالها، ووقفت إلى جانبه راقصة مشهورة بسيارتها الفخمة الحديثة.. فنظرت إلى الأديب وقالت له

هل رأيت ماذا فعل بك الأدب

فأجابها على الفور قائلا:
وهل رأيت أنت ماذا فعلت بك قلة الأدب"
بل أن الكاتب المصري عباس محمود العقاد انتهي به المآل فقيرا معدما رغم شهرته وكثرة مؤلفاته وطول اشتغاله بالادب حتى انه اضطر لبيع جزء من مكتبته حتي يتعيش منها في اواخر حياته وكذلك الكاتب والشاعر بيرم التونسي الذي في فترة ما من حياته كان يبحث عن الطعام في صناديق القمامة والشاعر امل دنقل الذي حكي يوما انه بحث في شوارع القاهرة عن صديق له ليشترى له وجبة غداء
وقد قام الباحث المصري العظيم عمار على حسن بعمل دراسة بحثية تحت اسم "المفكرون والادباء في أرض العرب" خلص فيها إلى النهايات المحزنة والمؤسفة لبعض الشخصيات الادبية التي كانت ملء السمع والبصر مثل الروائي علاء الديب الذي لم يجد ما يدفعه لعلاج نفسه من مرض عضال بالقلب وهو الجائزة التقديرية للدولة في الأدب وكذلك الكاتب محمد عبد الحليم عبد الله والذي فقد حياته عقب شجاره مع سائق سيارة أجرة علي فارق خمسة قروش لا غير، وبات الشاعر المصري عبد الحميد الديب عدة ليال خاوي البطن ، اما عبد الحكيم قاسم فأكل الكساح والعجز من جسده دون أن يلقى الرعاية ، كما أجبر الفقر وقلة الحيلة الكاتب المصري الدكتور جمال حمدان على اعتزال الحياة، واستقر على العيش فى حجرة فوق سطح بيت، إلى أن مات بسبب عدم قدرته على توفير العيش والمال، رغم كتابته التى مازالت بين أيدينا
وإلى الشرق باع ادباء العراق ساعة الحصار كتبهم لتغطية نفقاتهم ، وقام الروائي السوري حنا مينا بالتشرد في بلاد غريبة من اجل بضعة ليرات
وصف الروائي الشهير وليم ماكس ثاكري الأدب بأنه "ليس تجارة ولا مهنة ولكنه الحظ الأنكد"، كان يعنى أنه إذا قيل أن فلانا أدركته حرفة الأدب، فإننا نستخلص من ذلك أن هذا الشخص المشار إليه قد وقع فى مصيدة الفقر والحرمان وشظف العيش، وهذا ما جعل البعض يتساءل هل هناك ثمة علاقة بين الفقر والاشتغال بالأدب أوالفن، يؤكد على ذلك شواهد من حياة عباقرة الأدب، الذين عانوا من الفقر والحرمان كثيرة.
ولعل مدعاة ذلك الاعتقاد ان فقر الادباء والكتاب ليس حديثا بل قديما قدم مهنة الادب نفسها
من بين هؤلاء نقف عند “ديوجين” أكثر الفلاسفة إثارة للجدل بسبب نمط عيشه؛ فقد ذكرت المصادر أنه كان يعيش في برميل خشبي، مبتعداً عن صخب الحياة، وقال عنه الإسنكدر الأكبر : “لو لم أكن الإسكندر لوددت أن أكون ديوجين“.
نجد كذلك الخليل بن أحمد الفراهيدي مؤسس علم العروض، وأحد أهمّ أئمة اللغة العربية والأدب على الإطلاق وواضع معجم العين- أول معجم عربي – ذكر النضر بن شميل أنّ شيخه الخليل أقام في خصٍّ (خيمة صغيرة من القصب) من أخصاص البصرة، لا يقدر على فلسين، وأصحابه يكسبون المال بعلمه، ولطالما رفض عطايا الأمراء ولم يُهن نفسه لهم.
وجاء في كتب السيّر أنّ الشاعر العباسيّ سَلَم بن عمرو بن حماد لُقّب بالخاسر، لأنّه باع مصحفاً واشترى بثمنه ديوان امرئ القيس، وقيل أيضاً لأنّه أنفق مئتي ألف في صناعة الأدب

ولا ننسى الأديب الكبير الجاحظ، أحد كبار أدباء العصر العباسي، والذي كان يعمل في مخبز وينام في مكتبة كحارس لها بالليل، ويظل يقرأ الكتب على ضوء شمعة، حتى جحظت عيناه، وسمي بالجاحظ ،بل ان زوجة النحوي الشهير سيبويه احرقت كتبه وكتاباته لانها لم تأتي لهم بما يعيلهم

ويقف السر وراء فقر غالبية اهل الأدب في بلادنا العربية الي عدة اسباب منها عزوف القاريء العربي عن القراءة وقلة القدرة الشرائية لدي الاسر القارئة نتيجة لتدني مستوي المعيشة وكذلك انصراف الحكومات عن دعم بعض الادباء ان كانوا يتخذون مواقف مناوئة او مخالفة للدولة ومنح الجوائز الادبية القيمة لبعض الادباء دون غيرهم وخاصة من يشغلون مناصب ثقافية حكومية او مقربون من دوائر السلطة فضلا عن احتكار بعض دور النشر لاعمال الكاتب ومنحه الفتات من ارباحها والأفة الكبرى مؤخرا وهو تسرب الكثير من الاعمال الادبية فور صدروها كنسخ الكترونية او ورقية غير قانونية لايدي القراء مما يحرم الكاتب او الاديب من نتاج عمله المادي بخلاف قلة ترجمة الاعمال العربية إلي لغات اخرى مما يحرم الكاتب من بيع كتبه لغير الناطقين بالعربية
تلازمت المفردتان “فقر” و”أدب” حتى كان العرب يبكون حظ من سلك نهج الأدب، ويقول محمود المسعدي: “الأدب مأساة أو لا يكون
وأرى ان تلك المعادلة الظالمة تجاه الادباء والكتاب الذين يثرون حياتنا بالافكار والاراء والعلم يجب ان تجد لها حلا سريعا لأننا نفقد الكثير من المواهب والقامات الادبية الذين اما امتهنوا الكتابات التجارية والتي لا تضيف جديد او محتوي او اعتزلوا الكتابة لحساب غيرها من المهن ، ويكمن الحل في انشاء كيانات ثقافية وافرة اقتصاديا لدعم انتاج الكتاب والادباء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا