الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين رأس السنة الميلاديّة الجديدة ورؤوس الرعاة الثلاث... نذكّر حتّى لا ننسى

هاجر منصوري

2021 / 1 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


أدرك أنّه لا رابط بين الرأس الأوّل والرؤوس الثلاثة إلاّ على مستوى اللفظ، ولكن في استعارة اللفظ مجاز لغويّ يعبر بنا إلى خطورة الأوضاع في تونس وفظاعة بعض وقائع السنة الماضيّة وحتّى قبلها. وها قد تصّاعد إلينا رأس هذه السنة الجديدة متعاليا متخايلا، دون أن يخفي عنّا شريطا كاملا من الأحداث عاشتها تونس، فيها أينعت رؤوس وهرمت أخرى، وطأطأت رؤوس وقطعت أخرى.
وفي عين التونسيّ/ة المقبل/ة على سنة جديدة، سعيدا/ة بها مبتهجا/ة بتباشيرها، راجيا/ة الصحة والسعادة والحبّ لأهله/ها وذويه/ها وصحبه/ها، لا يسعه أن يطبق أجفانه عن حصيلة السنة الماضية بمستوياتها الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة. وإذا ما اختصرنا العبارة فيما مضى من سنة 2020، فقد شهد الوضع الاجتماعي فيها احتقانا ملحوظا بلغ ذروته في كثرة الاحتجاجات، وحسب منظّمة المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بلغت الاحتجاجات في شهر أوت معدّل 12 احتجاجاً في اليوم. وتمثّل فيها نسبة المحتجيّن عن العمل 45%، يليهم أصحاب الشهادات العليا 20%، ثم العمّال 17%، وتندرج مطالبهم المشروعة في حقّ التشغيل والتنمية.
وأمّا المؤشّرات الاقتصاديّة، فإنّ الأرقام الرسميّة الصادرة عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس، تشير إلى أنّه خلال النصف الأوّل من سنة 2020 انكمش الاقتصاد بنسبة 11,9 % مقارنة بالفترة ذاتها من سنة 2019 . وسجّل تراجعا في الناتج الإجمالي بأسعار سنة 2019 خلال الثلاثي الثاني من سنة 2020 بنسبة غير مسبوقة بلغت 21,6 % سلبية. ويبدو أنّ الازمة السياسيّة التي عرفتها تونس بسبب التجاذبات المختلفة بين رئيس الدولة قيس سعيّد ورئيس البرلمان راشد الغنوشي أو الأحزاب من جهة أولى وبين الأحزاب فيما بينها والكتل الممثّلة لها في البرلمان من جهة ثانية لم تؤثّر فحسب في عدم استقرار البلاد بل أثّرت أيضا في اتخاذ القرار الاقتصادي المناسب بل وعسّرت من مهمّة تحفيز الاقتصاد وتعزيز قدرته على مواجهة تحدّيات التشغيل والتنمية وقد ضاعفت جائحة الكورونا من تأزّمه.
وكلّ هذه الأزمات ناخت بكلكلها على رؤوس التونسيين والتونسيات، فاشتدّت خصاصة الفئات المهمّشة وزاد فقرها وعمّ العنف والتعنيف الفضاءات الخاصّة والعامّة وارتفعت نسب البطالة ومنسوب الجريمة بشكل غير مسبوق، وحصدت الكورونا أرواح ما يقارب 4730 شخص. ولعلّ أفظعها ما بلغه الإرهاب في تونس من قطع للرؤوس اهتزت له جبالنا التي استعار شاعرنا أبو القاسم الشابي صورة علوّها وشموخها لحثّنا نحو المعالي والمراقي في قوله: ومن لا يروم صعود الجبال .. يعش أبد الدهر بين الحفر"، ولكن في جبل سمّامة بولاية القصرين يقطع رأسي الأخوين وهما مبروك السلطاني في 13 نوفمبر 2015 أمام مرأى ابن عمّه ليحمل رأسه إلى والدته، ويتكرّر نفس الجرم المشين مع أخيه خليفة في يوم 19 أفريل 2019، ثمّ يلحق بهما عقبة الذيبي في 20 ديسمبر 2020 وقد ذبح أمام ابن عمّه في جبل السلّوم من نفس الولاية.
وهكذا، فإنّه بين رأس السنة الجديدة ورؤوس الرعاة الثلاث أحداث جمعت بين القهر والانتفاضة والإرهاب، وهي لا تمنعنا من الاحتفال برأس هذه السنة الجديدة وكلّ رؤوس السنوات القادمة ولكن في الآن ذاته تنقش في ذاكرتنا عهدا بألاّ ننساها أو نتناساها، بل قد تحفّزنا إلى أن نقوم بجملة من المراجعات الضروريّة التي نصوغ من خلالها استراتيجيّة محكمة في التعاطي مع الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي معتمدين/ات في ذلك على خبراء في هذه المجالات، وما عدا ذلك فلن تكون لنهاية سنة وبداية أخرى جديدة من معنى ومنطق وفلسفة للعبور نحو إنسانيّة أرقى وأسمى. وإن لم نفعل ذلك فقد نفوّت على أنفسنا فرصة في إصلاح ما أفسده الفاسدون والانتهازيون قبل أن تجنّ فينا الأزمات فيتكالب المتربّصون بنا من كلّ صوب وحدب في ظلّ خارطة سياسيّة عالميّة لا تتوانى في إعادة توزيع الحدود والمجالات.
وأقدّر أنّ هذه المراجعة ليست بعزيزة علينا إذا اجتمعنا على هويّتنا التونسيّة، فنحن أوّلا وقبل كلّ شيء قبل أن نكون من جماعة "زيد" أو "عمرو " أو "عبلة" أو "بثينة" نحن تونسيون وتونسيات، تجمعنا مواطنتنا التي تفرض احترامنا لبعضنا، وولاءنا لوطننا الذي إن تشتّتنا تشتّت معنا وإن توحّدنا توحّد وازداد قوّة سنحصدها في رخائنا الاجتماعي ونمائنا الاقتصادي وسلمنا السياسي .. فلا خيار إلاّ وحدتنا لمواجهة القادم الذي قد يكون أخطر ممّا قد نتوقّعه...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل