الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دحلان من عبثية التغييب إلى ميثولوجيا طائر الفينيق

طلال الشريف

2021 / 1 / 2
القضية الفلسطينية


رئيس وأحزاب ودول وأجهزة أمنية وجهات عدة أعملوا سكاكينهم في ظهر دحلان بلا رحمة وأهالوا على الرجل أحمالا تنوء من حملها الجبال في مشهد قتل حقيقي، وتهم أكبرها الخيانة وأصغرها السرقة والقتل في مشاهد على شاشات الإعلام الرقمي والتلفزيوني مازالت باقية كشاهد على إجرامهم وتزويرهم وقد توهموا أنهم أزاحوه من طريقهم كما قال ذات مرة الرئيس بأن دحلان إنتهى!! لينهض وينبعث دحلان من جديد بعد صبر وعناء تَمَثَلَ ميثولوجيا رماد طائر الفينيق.

هذا الرجل، دحلان، كل ذنبه أن نجمه قد سطع مبكرا، متحلياً بالشجاعة والذكاء وكاريزما القيادة، كنموذج قائد أول يمكن أن يقود مسيرة شعب تيتم بعد ياسر عرفات.

أرادوه، أول من يتخلصوا منه حتى قبل ياسر عرفات، لأنهم أيقنوا أنه الخليفة القادم بعده، كما وضحت فصول المؤامرة الكبرى لاحقا أمام الجميع لتصفية قضية الشعب الفلسطيني، التخلص من ياسر عرفات، ثم انقلاب حماس والسيطرة على غزة، ثم الخلاص من محمد دحلان، ثم إذلال غزة وشعبها بحصارها وتعذيب أهلها ليزحفوا على بطونهم حيث هم مخزون الثورة، أعقبوها بعقاب وعقوبات الرئيس لأهل غزة وفتحاوييها وتمكين حماس، ومواكبةً بتفريغ الحالة الوطنية في الضفة الغربية، وحل المجلس التشريعي وإنهاء دور منظمة التحرير ومجالسها التمثيلية، ليتبعها إنهاء دور الأنروا، وتنفيذ خطة ترامب، بمصادرة القدس وضم الأراضي لدولة الاحتلال، لتنتهي إلى الضياع الفلسطيني... وهذا هو ما نعيشه من واقع حقيقي الآن.

المتآمرون نجحوا في كل ذلك، ومازالوا ينفذون فصول المؤامرة .. وفجأة يظهر طائر الفينيق من وسط الركام ليبدأ التصحيح مع نشر "الرواية المفقودة" عن مؤامراتهم .. إنه القائد دحلان.

ماذا تبقى لكل مناويئي دحلان وعلى رأسهم الرئيس وحماس ودول المؤامرة وكل الذين حاولوا استئصاله بعد كل ما عرض من وثائق وأحداث موثقة بالصوت والصورة لتصحح التاريخ وتفند الكذب والتزوير وتنصف الحقيقة ودحلان، واضعة الرواية المفقودة في مكانها الصحيح وفي سياقها الطبيعي لتختفي المزورات وتذوب بشروق شمس الحقيقة، فلم يتبق للمزورين إلا الاختباء خلف أصابعهم وانتظار حساب التاريخ في محكمة الجماهير " صندوق الانتخابات" ، فهل سيتوقفون الآن عن تزوير الحقائق بعد أن كبرت آثامهم بما فعلوا ومازالوا يفعلون بشعبنا وقضيتنا ومعارضيهم؟

سأذكر قصة من بعض قصص ذاتية في سياق قصص كثيرة لكل الشجعان الذين وقفوا وقفات عز في وجه المزورين الذين حاولوا الخلاص من دحلان ليس من باب الفخر فأنا لا أرمي لذلك ولكن لأن هذا ما حدث.

لا يتوقع الكثير من الكتاب والمفكرين إمكانية النجاح في تغيير ثقافة الجمهور سريعا وتلك الأكاذيب التي رسخت في أذهانهم سنوات من قصص التشويه التي تلبست عقول جمهور عريض تزويرا، فتراثنا مليئ بالحقائق التي تحتاج عملا طويلا لطرد الأكاذيب وإبراز الحقائق حيث كانت رحلة تشويه دحلان كبيرة ومتعددة الأطراف.

الفكرة بعد اختمارها في العقل الباطن لدى الباحث عن الحقيقة ، وكيف يمضي رسم خطوات الطريق الذي يختاره المحارب من أجل العدل والحقيقة، فكانت لي "الأداة" الأبسط وهي "التكثيف" وإعادة صياغة حقائق الرواية المزورة التي قذفها عباس وجماعته ومن قبلهم حماس، تلك الأكاذيب التي ساقوها عن دحلان، حيث استسلم لها قطاع عريض من المجتمع الفلسطيني والسياسيين، ما جعل المسلك في اتجاه تغيير تلك المسلمات وعراً، فتغيير مسلمات رسخت في ذهن جمهور واسع بعد سنوات طويلة من رواياتهم المزورة عن الرجل دحلان كرجل سياسي بارز كانت صعبة وقاهرة، وتلك الهجمات المكثفة اجتماعيا وسياسيا ومن أكثر من جهة جميعهم أرادوا بها إستئصال شخص دحلان ومكانته لشطبه من الحياة السياسية،.

في مجتمع خاص كمجتمعنا الفلسطيني تتلاطم فيه أمواج عاتية ويتداخل فيها المحلي مع الإقليمي والدولي وتتسع فيها دوائر المصالح والدول والمؤامرات والأجندات وتتعارض فيها الأهداف تزداد القضية صعوبة خاصة في وجود سيادة وسيطرة ليست فقط بالمعنى العسكري للاحتلال، بل سيادة وسيطرة وتحريك سياسي وثقافي واجتماعي وإعلامي لهذا الإحتلال الذي يتلاعب بكل سهولة في محركات توجيه الرأي العام وتحريك الأحداث في مجتمعنا بتقدمه الكبير في مجال الإعلام والتقنيات ودس السيناريوهات التي تأخذ بأرجلها الكثير من الضحايا والأبرياء من السياسيين والمناضلين في مجتمع مازال يرزح تحت الإحتلال، وبديهية أن الاحتلال يصنع من أراد ومتى أراد ويسقط من رغب ومتى رغب، كانت تزداد صعوبة مشروع الانقاذ لحالة مثل حالة "دحلان"، وخاصة في وجود أطراف أخرى ومشاريع لا تمت لقضيتنا بشيء، بل هي صراعات مشاريع على الحكم والمال والسيطرة، وهؤلاء جميعا وضعوا لأنفسهم نفس الهدف ونفس الشخص أو الشخصية القوية القادمة خشية تقلدها مركز قيادة الشعب الفلسطيني بعد ياسر عرفات، كان هذا مشروعهم جميعا نحو استئصال محمد دحلان من الخارطة السياسية، وأضحت مؤامراتهم على تحقيق ضربات قاضية كادت تودي بغريمهم واضحة وضوح الشمس بأن جعلوا من دحلان كالملح في الطعام بأن له سهم في كل معركة أو حدث حول العالم.

لا أتحدث هنا عن حيثيات الرواية المفقودة فقد عرضها تلفزيون الكوفية بكل تفصيل ووضوح، بل أتحدث عن كيف كان التصدي وكشف التزوير والأهم تغيير ما رسخ في ذهن الجمهور الفلسطيني والأثر الممتد على قضيتنا وما آلت إليه من ضياع وهذا فصل واحد في قصة كبيرة في سياق البحث لمن أرادوا العدالة للمظلومين أيا كان الظالمون.

في سياق رحلة الانقاذ كانت لدي قناعة بمظلومية دحلان كمحرك أساسي في وضع فكرة المشروع الذاتي لدعم الحقيقة وإنصاف العدل بدأت مع بدء مطاردة الرجل في العام ٢٠١١ من قبل الرئيس محمود عباس بمقال حمل عنوان" الغول دحلان" سبقتها مطاردة عنيفة من حركة حماس لسنوات سبع بالتشويه والتخوين والتكفير اشتدت في سنواتها الأربع الأخيرة بعد نتائج انتخابات 2006 التي انتهت بانقلاب دموي لم يكن دحلان حينه في غزة بل كان في رحلة علاج في الخارج عاد بعدها لرام الله، ليبدأ مسلسل الإقصاء والاستئصال من جديد، ولكن هذه المرة من قبل الرئيس عباس وحلفائه عالمكشوف على خلفية سوء إدارة السياسة والمال العام وخشية من وصول دحلان لسدة الحكم حيث كان ومازال لتلك اللحظات هو الشخصية الأقوى في فتح والضفة الغربية كما كان منذ البدء في فتح وقطاع غزة.

كان الهدف الذي وضعته لي شخصيا هو تمحيص كل الحيثيات والملابسات في مظلومية دحلان والكتابة عنها بتحليلات خاصة تنطلق من الواقع ودون شطط لتحقيق هدف واحد هو عودة دحلان المظلوم إلى منصة العدل، وكانت أداتي الوحيدة هي "التكثيف" في كتابة المقالات والمشاركات الإعلامية وواجهت صعوبات وملابسات وتشويهات أحيانا وانتقادات لاذعة جمة من الرافضين لموقفي، لأن الكثيرين اعتبروها مسلمات بأن دحلان مدان بالكثير مما أشيع عنه، وأنه قد انتهى كشخصية سياسية وأن كتاباتي ضرب من الخيال ، لكن كانت لي قناعة مغايرة بأن هناك ثغرات كثيرة في روايات الخصوم تم تركها على طول الوقت، ويمكن الاهتمام والتركيز عليها حين لم يستطيعوا إثبات أي إدانة لدحلان، بدأ من حماس ومرورا بعباس وليس انتهاءا بقناة الجزيرة وقطر وتركيا، في المقابل كما قلت إنطلقت من قناعتي بمظلومية دحلان كشخصية فلسطينية وطنية، ومن الواجب انصافها وكان موقفي واضحاَ تماما لي، رغم استغراب الكثيرين من ذلك، والأغرب أنني لست فتحاويا أخوض غمار محاولة تغيير قناعة راسخة في ذهن جمهور عريض استسلم لروايات المتآمرين ، لكن قناعاتي كانت تتعمق نحو "المظلومية" أكثر من الشخص، فالقضية ليست شخصية من دحلان رغم ودي الكبير للرجل، لكنها قضية كيفية إصلاح هذا النظام السياسي وبالأخص شللية الأحزاب المفعمة بمظلوميات هائلة لكثير من الشخصيات النافعة وذات الكفاءة التي غيبت بصيغ السلبية والنفاق والمؤامرات صغيرها وكبيرها داخل الأحزاب الفلسطينية، وقد تكون تجربتي الحزبية الشخصية قد لعبت دورا في ذلك لنصرة دحلان، تلك الشخصية الفريدة التي قلما تجدها في أحزابنا الكثيرة العدد وهناك أعداد من قادة نافعين قد تمت الإطاحة بهم داخل أحزابهم وخرجوا منها وتركوا مجال السياسة وخسر الشعب الفلسطيني قادة كان يمكن أن يكونوا أفضل بكثير ممن تآمروا عليهم، ولمعرفتي بشخصية دحلان المقاتلة شعرت بتشجيع ذاتي لخوض معركة الإنصاف وأصبحت قضيتي وأوليتها اهتماما كبيرا وها هي تنتصر قضية العدل التي أردتها.

ولهذا أعيد من جديد قول ما كان لا يقبله الكثيرين وهذه المرة بعد افتضاح أمر المتآمرين كما وثقت "الرواية المفقودة" الحقيقة وأزاحت الستار عن كذب وتزوير المتآمرين.

قناعاتي بأن دحلان رجل قوي وكاريزمي ولا ألتفت كثيرا لتشويهات السياسيين وأعرف ضعفهم وتواضع قدراتهم، وكيف فشلت كل الخارطة السياسية الفلسطينية اسلاميية ووطنية منذ ما يقارب القرن في نقل شعبنا للامام خطوة، وكيف لم تقدم هذه الخارطة السياسية بمجملها شخصية فلسطينية قائدة تليق بقضيتنا في مواجهة الأزمات ونحو تقرير المصير والخلاص الحقيقي من الإحتلال بحجم أكبر من محاولات ياسر عرفات.

القضية الفلسطينية بالغة التعقيد، جعلت من مسيرة شعبنا نحو التحرر في كل حقبة تعيد التجارب الفاشلة، ليس تقصيرا من شعبنا، بل ضعف الخارطة السياسية الفلسطينية التي يغلب عليها ندرة الزعامات الكاريزمية الحقيقية لإقتحام المجهول.

أنا مقتنع بشخصية دحلان القيادية على المستوى العملياتي، والإنتماء الوطني، والكفاءة الديبلوماسية، والذكاء السياسي، ونسج العلاقات حتى مع دول لها أوزان كبيرة، وإمكانياته كبيرة لتطوير العمل الفلسطيني وإحراز نتائج إيجابية، إذا ما تهيأت الفرصة له لتبوأ القيادة، فدحلان رجل ذكي والأهم أنه شجاع رغم كل التحريض والهجوم عليه، وهذا ليس تحيزاَ للشخص بل للصفات، دحلان مثل ياسر عرفات يستطيع التحرك في كل الإتجاهات والخيارات المتوفرة دون مساس بجوهر الهدف والطموح الفلسطيني وهذا هو القائد المطلوب لحركة تحرر تريد الإستقلال.

عملت مع كثيرين في الحقل الوطني والسياسي، وعرفت شخصياتهم عن قرب، أدعي أن دحلان يمتلك إمكانية أن يكون زعيما حقيقيا قادرا على قيادة الشعب الفلسطيني نحو مستقبل أفضل.


دحلان يستطيع نقل فتح هذا التيار الوطني المركزي الواسع في منظمة التحرير إلى عنفوان جديد تحتاجه القضية الوطنية ويستطيع إنهاء الإنقسام مع منافسي منظمة التحرير حماس وغيرها، والإنطلاق نحو أفق جديد في العلاقات الداخلية، وما يوحد طاقات شعبنا في مواجهة الإحتلال ومؤمرات تصفية القضية،

قل ما تجود الايام بزعيم يمكن أن يقود شعبه للأفضل، وحين تجود الأيام بزعيم قادر على الحركة في إتجاه الخلاص والإنقاذ تنهض هذه الشعوب والثورات، وأنا أرى هذا في شخصية دحلان في مجتمعنا الفلسطيني المتجمد والمتوقف والغارز في كثبان الرمل الإنقسامي
الذي قهر الشعب والقضية.

رأيي قد لا يعجب آخرين، ولكن الشعوب لها حاسة قوية تجاه قياس همة قادتها وزعمائها، ورغم كل التشويهات من المناويئين ، فإن دحلان يعرفه حتى الخصوم ويقرون بقدراته، و قوة إرادته ومعرفته بخيوط اللعبة السياسية.

هذه قناعاتي، ولكل قناعاته، ولكن الواضح من التجربة والأزمة المزمنة وإستعراض إمكانيات القادة والشخصيات المتوفرة لدينا، أن لا قائد ولا زعيم حقيقي للقضية الفلسطينية في وقتنا الحاضر، وحتى الآن، والحاجة ماسة لمن ينقذنا، وينقلنا لغد أفضل، وأرى ذلك فقط في "محمد دحلان" ، ومن لديه زعيم آخر يمكن إنقاذ حالنا فليخبرنا، ولماذا ينتظر هؤلاء عن تقديم أنفسهم وأعمالهم وامكانياتهم ليشاركوا في حل مأساة الفلسطينيين المستمرة دون أمل؟

في نهاية حديثي أود القول بأنني قد شعرت بالسعادة كثيرا بتبيان الحقائق وكشف المستور وتفنيد الأكاذيب في حلقتين وثائقيتين استقصائيتين بثتهما قناة الكوفية في قضية مظلومية محمد دحلان القائد الشجاع، وسأكون أكثر سعادة حين يأخذ محمد دحلان حقه كاملا ويتبوأ مكانته الواعدة في الواقع السياسي الفلسطيني الذي بحاجة ماسة إلى قائد شجاع يحمل هم إدارة السياسة الفلسطينية بذكاء في المرحلة المقبلة لأن هذا القائد يستحق ذلك بجدارة وليحمله الجمهور الفلسطيني لمكانه الصحيح بعد طول ظلم ومعاناة من الذين أرادوا استئصاله وتغييبه وها هو يعود لمسيرته ومسيرة الوطن وينهض من جديد كطائر الفينيق.

بعد وثائق فضائية الكوفية عن " الرواية المفقودة" يمكننا القول أن مرحلة صعبة على محمد دحلان والجميع إنتهت، وعلينا أن نبدأ مرحلة جديدة يكون عمادها النظام والقانون والمشاركة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وإنصاف كل السياسيين المظلومين من قبل الأحزاب والنظام السياسي الفلسطيني، وقبل كل هؤلاء إنصاف المواطن الفلسطيني الصامد وأبناء شعبنا الذين ظلموا من عبث السياسيين وممن أداروا المرحلة السابقة والحالية متمنين الخير لقضيتنا ولشعبنا في التحرر وتقرير المصير وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة والديمقراطية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. القادة الأوروبيون يبحثون في بروكسل الهجوم الإيراني على إسرائ


.. حراك تركي في ملف الوساطة الهادفة الى وقف اطلاق النار في غزة




.. رغم الحرب.. شاطئ بحر غزة يكتظ بالمواطنين الهاربين من الحر


.. شهادات نازحين استهدفهم الاحتلال شرق مدينة رفح




.. متظاهرون يتهمون بايدن بالإبادة الجماعية في بنسلفانيا