الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملح هذه الأرض: عن الوجود المسيحي الأصيل في فلسطين

نهى نعيم الطوباسي

2021 / 1 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ملح هذه الأرض: عن أصالة الوجود المسيحي في فلسطين
*نهى نعيم الطوباسي
اختتم العالم عام 2020، بكل ما حمله من آلام ومصاعب، بأعياد الميلاد المجيد، وفي فلسطين، وعلى الرغم من المشهد الحزين لمدينة القدس وسائر المدن الفلسطينية، التي بدت فارغة في أعياد الميلاد، عدا قطعان المستوطنين التي تتجول في المكان وتعتدي على المواطنين، ومع ذلك أطلت علينا زينة العيد والأشجار المضاءة، لتدخل شيئا من البهجة على نفوس أبناء شعبنا، لعل هذه الأعياد تحمل رسالة تذكير من أطفالنا لكل العالم، بتلك الجرائم بحق أبناء شعبنا. ومخططات التهويد للمقدسات المسيحية والإسلامية، ومحاولات الاحتلال طمس كل المعالم الفلسطينية، بالإضافة إلى الاعتداءات التي تهدد الوجود المسيحي الأصيل في فلسطين، والتي لا يحصرها مقال، وسنكتفي بذكر بعضها على سبيل المثال.
في عام 1948 قامت إسرائيل بتدمير كنيستي قريتي البصّة والشجرة، بالإضافة إلى تهجير مئات آلاف الفلسطينيين، مسيحيين ومسلمين، جراء النكبة، وفي عام 1967 قام الاحتلال الإسرائيلي بالاعتداء على كنيسة القديس يوحنا المعمدانية والعبث بمحتوياتها، وتغيير أيقونة السيدة العذراء التي تحمل صورة السيد المسيح بمنظر مخجل، وفي نفس العام قام الاحتلال باستخدام الكنيسة الأرمينية للقديس المخلص كثكنة عسكرية، وغيرها من الاعتداءات العنصرية من قبل المستوطنين والتهديد بالذبح والقتل لكل من هو فلسطيني. تماما كما حصل في عام 2016، عندما استيقظ أهالي القدس على شعارات عنصرية، كتبت على أبواب كنيسة رقاد السيدة العذراء في القدس القديمة. بالإضافة إلى أن الاحتلال استولى على كثير من أملاك الكنائس والأديرة في المدينة المقدسة بهدف إنشاء البؤر الاستيطانية، وقام بمصادرة أحد عشر ألف دونم من أراضي بيت جالا وحدها لبناء مستوطنة "غيلو". ولم يسلم رجال الدين المسيحي من اعتداءات الاحتلال، ففي عام 1974 تعرض المطران هيلاريون كابوتشي للاعتقال من قبل الاحتلال، إلى أن تدخل البابا بولس السادس شخصيا.
ساهمت هذه العوامل بتناقص أعداد المسيحيين في فلسطين منذ النكبة حتى الآن، حيث تقلصت نسبتهم في المجتمع الفلسطيني حاليا إلى أقل من 1% من تعداد السكان في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة. وسبق للبابا بولس السادس في رسالة الفصح سنة 1974 أن أعرب عن قلقه الشديد من التناقص المستمر للمسيحيين في القدس، عندما قال"إذا زال الوجود المسيحي من القدس فإن حرارة الشهادة الحية في الأرض المقدسة ستنطفئ، والأماكن المقدسة في القدس وفلسطين ستصبح متاحف". نعم هذا ما تسعى له إسرائيل، أن يزول هذا الوجود الفلسطيني الأصيل، وأن يشوه المكان بالغرباء.
أي تدقيق في حجم ونوعية الانتهاكات من قبل الاحتلال ، يظهر أن إسرائيل لم تفرق بين مسيحي ومسلم، باعتداءاتها، فمشهد إطلاق النار من قبل جنود الاحتلال على المصلين داخل كنيسة اللاتين في مدينة يافا عام1998، مشابه لمشهد إطلاق النار على المصلين في الحرم الإبراهيمي، ومشاهد إضرام النيران في كنيسة دير اللطرون عام 2012، ومشاهد حريق كنيسة شارع الأنبياء في عام 2010 في القدس المحتلة، تماثل مشاهد الحريق للمساجد من قبل قوات الاحتلال.
ولا تختلف مشاعر الحزن، وألم الفقدان، لأطفال الأسرى والشهداء المسيحيين عنها لدى أطفال المسلمين، وغني عن القول أن أبناء شعبنا المسيحيين كانوا دائما في قلب الحركة الوطنية، سواء في مقاومة الانتداب البريطاني، أو الاحتلال لإسرائيلي، بهم ومعهم انطلقت الثورات الفلسطينية، فكانوا في طليعة من قدموا التضحيات والدفاع عن فلسطين، وهم ليسوا طائفة أو أقلية، بل مكون رئيسي من مكونات المجتمع الفلسطيني وأساس أصيل للهوية الوطنية والرواية الفلسطينية، فمنهم المفكرون والأدباء والشعراء والإعلاميون والقادة السياسيون، أمثال ادوارد سعيد، وروز ماري سعيد، وأميل حبيبي، وكمال ناصر وحنا مقبل، ومنهم الكفاءات التي تعمل في جميع ميادين بناء الدولة الفلسطينية، فكل أبناء الشعب الفلسطيني على اختلاف انتماءاتهم العرقية أو الدينية أو السياسية في خندق واحد، يواجهون أشرس احتلال عرفه التاريخ، ويقفون كجسد واحد يدافعون عن فلسطين ومقدساتها ويتقاسمون الوجع والحلم سويا.
لكن المثير للاستغراب هو هذا الصمت، من العالم الغربي الذي يدعي أغلبه أنه مسيحي من جهة، وأنه ديمقراطي من جهة ثانية، لكل هذه الانتهاكات التي تتعرض لها فلسطين وشعبها والقدس قبلة المسيحيين الأولى، لا بل تقوم الدول العظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم سياسات الاحتلال ومخططات الضم والتهويد والاستيطان، المطلوب هو فعلا تحرك عاجل وفوري من جميع المرجعيات الكنسية والمسيحية والأحرار في مختلف أنحاء العالم، اتجاه هذا التهديد للوجود المسيحي الأصيل في الأرض المقدسة. وتحريك المجتمع الدولي والعالم أجمع للضغط على إسرائيل للالتزام بالقانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، ومبادئ حقوق الإنسان.
وأخيرا، تستذكر كلمات الشهيد الرمز ياسر عرفات عندما قال"إن حياتي ليست هي القضية بل حياة الوطن والقدس مسرى الرسول ومهد المسيح"، هذه هي القضية الكبرى التي قدّم الشعب الفلسطيني من أجلها التضحيات، من أجل عودة الأرض والمقدسات، وسيبقى نموذج التماسك بين المسلمين والمسيحيين في فلسطين، فريدا من نوعه في نموذج العيش المشترك بتآلف وتسامح وتعددية، من أجل تحقيق حلم ياسر عرفات وكل الشهداء الفلسطينيين، بعودة القدس والمقدسات، لنمض قدما باتجاه القدس، ولنحذر الفتنة وخطاب الكراهية وليكن عام 2021 عاما للوحدة والمحبة، فعلى هذه الأرض إرادة لا تنكسر وعلى هذه الأرض ما يستحق الحياة.
*باحثة، ماجستير في التنمية وحل الصراعات








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلة الجزيرة: أكثر من 430 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في


.. آلاف المستوطنين الإسرائيليين يقتحمون المسجد الأقصى لأداء صلو




.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah