الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرأسمالية الموبوءة والحاجة إلى نظرية ماركسية للتضخُّم - مايكل روبرتس

أسامة دليقان

2021 / 1 / 4
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


(1)
هل سيرتفع التضخم بمجرد أن يتم تخفيف عمليات الإغلاق المتعلقة بالوباء؟ علماء الاقتصاد البرجوازي السائد (بمدارسه، مثل: الكينزية، والنظرية الكمية للنقود وغيرها..) ليس لديهم جواب. كان معدل التضخم في أسعار البضائع والخدمات في الاقتصادات الرأسمالية الكبرى ينخفض كنزعةٍ عامة منذ الثمانينات، رغم محاولات البنوك المركزية تعزيزَ المعروض النقدي من أجل تحفيز الطلب، والوصول إلى تضخمٍ مُستَهدَف معيَّن (بالعادة حوالي 2% سنوياً). وقبل اندلاع جائحة كوفيد19، كانت معدلات التضخم أقل بكثير من هذا الهدف. ولم تكن السياسة النقدية تعمل للحفاظ على معدل تضخم معتدل، بل كان النقد/الائتمان يتدفق إلى الأصول المالية والممتلكات رافعاً أسعارها إلى مستويات قياسية جديدة. خلال الوباء انخفض العرض بمقدار غير مسبوق، ولكن الطلب انخفض أيضاً. أهمية معدّل التضخم تتعلق بالصراع الطبقي؛ فالعمال لا يريدون ارتفاع أسعار ما يستهلكونه من بضائع وخدمات أسرع من أجورهم، وبالمقابل، لا تريد الشركات انهيار الأسعار وتقليص الأرباح لدرجة إيقاف الإنتاج أو الإفلاس.

مايكل روبرتس
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

اقتصاديّو البرجوازية و«القرد على الكيبورد»
ماذا سيحدث إذا انتعشت الأعمال بعد الوباء؟ هل سيبدأ الانكماش مع انهيار الشركات أم سيظهر تضخم مفرط بسبب الكم الهائل من الطلب «المكبوت» المدعوم بالائتمان المستوحى من البنوك المركزية، والذي لا يمكن تلبيته عن طريق العرض؟

كما قلتُ، تيار الاقتصاد السائد ليس لديه جواب. وكما قال وولفغانغ مونشاو في صحيفة الفاينانشال تايمز: «محافظو البنوك المركزية لا يفهمون حقاً كيف يعمل التضخم. هناك الكثير من النظريات والمقاربات الإحصائية، لكن لم يكن أيّ منها قادراً على شرح ما يجري في العالم الحقيقي باستمرار. في حالة البنك المركزي الأوروبي، فإن أفضل ما يرمز إلى هذا الافتقار إلى الفهم هو الفشل الكوميدي تقريباً لتوقعات التضخم. أخطأت التوقعات بسبب الاعتقاد الخاطئ بأن التضخم سيعود في النهاية إلى هدف الـ 2%. كان من الممكن هنا أن تتفوَّق آلةٌ لتوليد الأرقام العشوائية، أو قردٌ مع لوحة مفاتيح، أو حتى توقّعات الأبراج، على أداء البنك المركزي الأوروبي... إننا لا نعرف بالضبط نوع الفترة التي نخوض غمارها».

«النظرية النقدية الكمية» للتضخم
السبب في تعثر التيار السائد، هو النقائص في نظريتيه الرئيستين لحساب التضخم في الاقتصاد الرأسمالي. فأولاهُما: تنطلق من طرف الطلب في معادلة السعر. يتم توفير الطلب من النقود الموجودة في جيوبنا أو حساباتنا المصرفية، وهذه هي النظرية النقدية للتضخم القائمة على أساس النظرية الكمية للنقود. ولها الصيغة أو المعادلة البسيطة التالية:MV = PT حيث ترمز M إلى كمية النقد money وترمز V إلى معدل تداول النقود أي: سرعتها velocity، وترمز P إلى أسعار البضائع والخدمات prices، وترمز T إلى عدد الصفقات transactions في السوق.

وتنطلق حجتهم، كما هو حال أشهر أنصار النظرية الحديثين، ميلتون فريدمان، من أنَّ «التضخم هو دائماً وفي كل مكان ظاهرة نقدية» (فريدمان، أسباب التضخم وعواقبه، 1963). إذا تم تجاهل V وT للحظة، والتركيز على الأسعار P وكمية النقود M ينتج أنه إذا ارتفعت كمية النقود سترتفع الأسعار والعكس صحيح. أو يمكن القول: إذا ارتفعت كمية النقود بشكل أسرع من إنتاج البضائع والخدمات (الناتج المحلي الإجمالي الاسمي) فسوف يحدث تضخم.

أول ما يمكن قوله ضد هذه النظرية البسيطة، هو أن الصيغة تشمل أيضاً V وT وإذا انخفضت سرعة النقود بشكل حاد، وانخفضت المُعامَلات بشكل كبير، فقد يؤدي ذلك إلى معاكسة تأثير أيّة زيادة في المعروض النقدي. وهذا ما يحدث بالفعل عندما تتباطأ الاقتصادات بشكل حاد، ولا سيّما في فترات الركود. لذلك يمكن أن تعمل وتيرة الصفقات على إبطاء أو معاكسة أيِّ ارتفاع في المعروض النقدي. وهذا ما يحدث الآن. ففي عام 2020، قفز نمو المعروض النقدي إلى أكثر من 25% على أساس سنوي، لكن التضخم في معظم البلدان ظل أقل بكثير من 2% سنوياً. لقد تباطأت سرعة النقد بشكل حاد منذ نهاية الركود العظيم (2008) وتباطأت بعمق الآن خلال الوباء.

والدليل التاريخي أيضاً يقف ضد النظرية القائلة بأن ما يحرّك التضخم هو كمية النقود. كبداية، كان تحليل فريدمان وشوارتز التجريبي لمعروض النقود ونمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في فترة الكساد الكبير في الثلاثينات مليئاً بالأخطاء والافتراضات «البطولية». وإذا نظرنا إلى تضخم أسعار المستهلك على مدى الثلاثين عاماً الماضية (أنا أستخدم بيانات الولايات المتحدة هنا، ولكنها تنطبق أيضاً على الاقتصادات الرئيسة الأخرى) فإن المعدل يتجه نحو الانخفاض، ومع ذلك فإن نمو المعروض النقدي كان مستقراً أو يرتفع. بين عامي 1993 و2019، ارتفع عرض النقود M2 بمعدل متوسط قدره 6,7% سنوياً، لكن تضخم مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع بنسبة 2,3% فقط. ومنذ الركود الكبير في عام 2008، تسارع نمو المعروض النقدي إلى 9,6% سنوياً، حيث طبّقت البنوك المركزية «التيسير الكمي»، لكن التضخم بمؤشر أسعار المستهلكين تباطأ إلى 1,8% سنوياً.

«الكينزية» قاصرة أيضاً
النظرية السائدة الأخرى هي الكينزية. وأنصارها ينطلقون هذه المرة من طرف العرض في معادلة السعر. وبالتالي يعتبرون تضخم الأسعار ناجماً عن ارتفاع أسعار المواد الخام وارتفاع الأجور. وطالما كان هناك «ركود» في الاقتصاد (نقص في الطلب)، فيمكن عندئذ تشغيل المزيد من العاطلين عن العمل، ويمكن الاستفادة من السعة غير المستخدمة في المصانع والمخزونات، ولن يرتفع التضخم. ولكن إذا كان هناك توظيف كامل، فلا يمكن زيادة العرض ويمكن للعمال رفع الأجور، مما يجبر الشركات على رفع الأسعار، والدخول في دوامة من التسابق بين الأسعار والأجور. إذاً، هناك تسويةٌ ما بين مستوى البطالة والأسعار، ويمكن تمييزها في منحنٍ يطلق عليه اسم «منحني فيليبس».

تتعارض الأدلة التاريخية مع منحنى فيليبس كتفسير لدرجة التضخم. في السبعينات، وصل تضخم الأسعار إلى أعلى مستوياته بعد الحرب، لكن النمو الاقتصادي تباطأ وارتفعت البطالة. شهدت معظم الاقتصادات الكبرى «ركوداً تضخمياً». ومنذ نهاية الركود العظيم (2008)، انخفضت معدلات البطالة في الاقتصادات الكبرى إلى أدنى مستوياتها بعد الحرب، لكن التضخم تباطأ أيضاً إلى أدنى مستوياته، وتسطَّح منحنى فيليبس لدرجة الانعدام.

لذلك فإن التيار السائد في حيرة. على سبيل المثال، علق عضو مجلس إدارة البنك المركزي الأوروبي بينوا كوري مؤخراً، أنَّ «الاقتصاد يتخبط بالفعل في صراعه مع نظرية التضخم». وعلّقت جانيت يلين، الرئيسة السابقة للفيدرالي الأمريكي: «إطار عملنا لفهم ديناميات التضخم قد يكون عديم التحديد بطريقة جوهرية».

جواب التيار السائد على ما إذا كان التضخم سيعود مع إنهاء الإغلاقات الوبائية وبدء نوع من الانتعاش هو: «لا نعرف، ولكن ربما في مرحلة ما». فهل يستطيع الاقتصاد السياسي الماركسي أن يقدم نظرية تضخّم بديلة وأكثر فاعلية؟ هذا ما سوف أناقشه في الجزء الثاني من هذه المادة.



(2)
فشلت نظريات التضخم السائدة (كالنقدية والكينزية) بسبب عدم استنادها إلى قانون القيمة في نمط الإنتاج الرأسمالي. لم يطوِّر ماركس أبداً نظريةً شاملة للتضخم، لكن يبدو أن الاقتصادي الماركسي الإيطالي غولييلمو كاركيدي Guglielmo Carchedi تمكن حديثاً من ابتكار نظرية تضخم تستند إلى نظرية القيمة لدى ماركس؟ وسوف يتم نشر عمله بالكامل في وقت لاحق من هذا العام (2020). وفيما يلي يلخّص مايكل روبرتس (شريكه في تأليف بعض الأعمال) هذه النظرية الموعودة.


عارَضَ ماركس جوهر النظرية الكمية للنقود (والذي ستنطوي عليه أيضاً النظرية الكينزية لاحقاً) وذلك لسببين: (1) النقود هي داخلية المنشأ، وقد أنشأتها البنوك وليس بأمرٍ من الدولة. (2) بشكل عام، يمثل النقد قيمةً في إنتاج البضائع، وليس مستقلاً عن الإنتاج البضاعي.

في النظرية الكمية لمعادَلةِ النقود MV = PT (انظر الجزء الأول من هذه المادة) الاتجاه السببي الأساس بالنسبة لماركس هو من الأسعار إلى النقود (من PT إلى MV) وليس العكس. النقود داخلية المنشأ بالنسبة للإنتاج الرأسمالي، وتتشكل أسعار الإنتاج من خَلق القيمة، وليس من خَلق النقود. المعروض النقدي هو الذي يَلحَقُ عموماً بتغيرات الأسعار، لذا فإن المحاولات المتعمَّدة لتغيير المعروض النقدي ستفشل في تحديد تضخم الأسعار.

رفض ماركس أيضاً نظريات «رفع التكلفة» cost-push لأن ارتفاع الأسعار ليس نتيجة ضرورية لارتفاع الأجور. وكما قال في مؤلَّفِه «القيمة والسعر والربح» في نقاشه مع النقابي ويسطون الذي جادل بأنّ ارتفاع الأجور يسبب التضخم: «الصراع من أجل زيادة الأجور يأتي فقط تالياً لمسارٍ من تغيُّراتٍ سابقة، وهو الوليد الضروري الذي تتمخَّضُ عنه التغيرات السابقة في مقدار الإنتاج، وقوى العمل المنتجة، وقيمة العمل، وقيمة النقد، ومدى أو شدة العمل الذي تمّ انتزاعه، وتقلبات أسعار السوق، التي تعتمد على تقلبات العرض والطلب، والمعتمِدَة على المراحل المختلفة للدورة الصناعية؛ أيْ: وبكلمة واحدة، كردِّ فعلٍ مِن العمل على الفعل السابق لرأس المال». ويتابع ماركس: «من خلال معالجة النضال من أجل زيادة الأجور بشكلٍ مستقلٍّ عن كل هذه الظروف، ومن خلال النظر فقط إلى تغيُّر الأجور، وتجاهل كل التغييرات الأخرى التي ينبثِقُ منها هذا التغيُّر، فإنكَ تنطلقُ من فرضية خاطئة لتصل إلى استنتاجات خاطئة». وبشكل عام، يجادِلُ ماركس «إنّ الارتفاع العام في معدل الأجور من شأنه أن يؤدي إلى انخفاض المعدل العام للربح، ولكن لن يؤثر على أسعار البضائع».

نحو نظرية تضخُّم تستند إلى قانون القيمة
يسعى الإنتاج الرأسمالي باستمرار إلى زيادة إنتاجية العمل (ما ينتجه كلّ عاملٍ من وَحَدات مِن المنتوج). لكن هذا يعني انخفاض وقت العمل لكل وحدة. ونظراً لأن العمل، لا غيره، هو الذي يخلق القيمة [في شكل قيمة تبادلية، أما «الثروة» بشكل عام فقد أكد ماركس بأنّ العمل ليس مصدرها الوحيد، بل والطبيعة أيضاً. انظر «نقد برنامج غوتا» – ملاحظة المُعرِّب]. وفي حين أن هناك اتجاهاً عاماً لزيادة معروض وحدات البضائع والخدمات، فثمّة أيضاً اتجاه عام لانخفاض قيمة البضائع على المدى الطويل. هذا لأن التراكم الرأسمالي عمليةٌ تقتصِدُ في العمالة، وبالتالي ستنخفض قيمة البضائع مع ارتفاع إنتاجية العمل. يتم إنتاج القيم الاستعمالية بكميات أكبر من القيمة المحتواة فيها. فإذا كانت أسعار الإنتاج تعتمد على القيمة، فثمّةَ مَيْلٌ متأصّل لانخفاضِ أسعار البضائع لا ارتفاعِها، إذْ ستنخفض القيمة الإجمالية نسبةً إلى إجمالي الإنتاج بمرور الوقت.

يعتمد طلب البضائع على القيمة الجديدة المخلوقة في الإنتاج. القيمة الجديدة هي التي تفرِضُ الطلبَ أو القوةَ الشرائية على عَرْض البضائع. ويَقسِم الصراعُ الطبقي القيمةَ الجديدة إلى أجورٍ وأرباح. وتشتري الأجورُ البضائعَ الاستهلاكية، بينما تشتري الأرباحُ البضائعَ الرأسمالية أو الاستثمارية.

لكن القيمة الجديدة تميل إلى الانخفاض، أولاً: لأن القيمة الإجمالية تنخفض بالنسبة لمعروض البضائع. وثانياً: بسبب ارتفاع التركيب العضوي لرأس المال (c/v). التراكم الرأسمالي مُقتَصدٌ في العمالة، وبالتالي فإن قيمة الآلات والمصانع والمواد الخام...إلخ (رأس المال الثابت c) ستميل إلى الارتفاع بالنسبة إلى قيمة قوة العمل (رأس المال المتغيِّر v). ونظراً لأن سعر الإنتاج، محسوباً بمقياس القيمة، يتكوّن من رأس مال ثابت (c) وقيمة منتَجة مجدَّداً (رأس المال المتغيِّر+ القيمة الزائدة، أيْ: v+s)، يميل ارتفاع التركيب العضوي لرأس المال (c/v) إلى تقليل حصة هذه القيمة الجديدة في سعر الإنتاج.

ستنخفض القيمة الإجمالية بالنسبة إلى القيمة الاستعمالية المُنتَجة، وستنخفض القيمة الجديدة بالنسبة إلى القيمة الإجمالية. لذلك فإنّ هناك ضغطاً على أسعار البضائع يدفع إلى الانكماش، أو إلى مَنْع التضخُّم على المدى الطويل. ولكن بالمقابل توجد عواملَ مُضادَّة يمكن أن تمارس ضغطاً رافعاً للأسعار على المدى الطويل، ولا سيّما تَدَخُّل السلطات النقدية في محاولاتها للسيطرة على المعروض النقدي.

نظرية كاركيدي للتضخم
يقول كاركيدي: إنّ هناك معدل تضخُّمٍ مستنِداً إلى القيمة Value Rate of Inflation (واختصاراً VRI) يجمع بين تأثير التغيُّرات في القوة الشرائية للأجور والأرباح (القيمة الجديدة) والمعروض النقدي، مقيسةً كودائع نقدية في البنوك (يرمز لها M2). العامل الأول: هو العامل المحدِّد ويميل إلى إنقاص تضخم الأسعار، في حين يميل العامل الثاني المعاكس إلى زيادة التضخم دون أنْ يفلِحَ بذلك دوماً.

معدل التضخم على أساس القيمة (VRI) = النسبة المئوية للتغيُّر في الأجور والأرباح (أيْ: في القدرة الشرائية المشترَكة CPP) + النسبة المئوية للتغير في المعروض النقدي (M2). وباستخدام بيانات من الولايات المتحدة منذ 1960، وجدنا أن VRI يهبط على المدى الطويل. بسبب النموّ الأبطأ للقوة الشرائية المشترَكة للأجور والأرباح، ولأنّ أية تغييرات في المعروض النقدي (M2) لم تكن كافية لوقف تباطؤ VRI.

ولكن هل ثمّة علاقة وثيقة بين VRI وتضخّم أسعار المستهلك؟ نعم. فبين 1960 و1979 ارتفع معدل قيمة التضخم، وكذلك تضخم مؤشر أسعار المستهلك في الولايات المتحدة. وبين 1980 و2019 تباطأ هذان المؤشران معاً.

الأفضلية التنبُّؤية لنموذج التضخم على أساس القيمة
إذا قمنا بنمذجة توقعات VRI لكل سنة مقابل تضخم المؤشر الفعلي لأسعار المستهلك، سنُلاحَظُ ارتباطاً وثيقاً على المدى الطويل، يمكن توضيحه برسمٍ بياني يتماشى فيه صعوداً وهبوطاً منحنياً VRI لتضخم أسعار المستهلك الأمريكي مع منحني التضخم الفعلي لمؤشر أسعار المستهلك. فالنظرية إذاً تقدم نتيجةً أفضل بكثير من التوقعات التي تقدمها النظرية النقدية، أو ما يسمى «منحنى فيليبس»، وخاصةً منذ أوائل التسعينات (وهي فترة تثبيط التضخُّم disinflation التي حيَّرتْ أتباع المدرستين البرجوازيّتين النقدية والكينزية معاً!)، كما تقدِّمُ تفسيراً علمياً لتباطؤ تضخُّم أسعار المستهلك السنوي منذ الثمانينات، على عكس النظريات السائدة المُحيِّرة.

ورغم ضخ البنوك المركزية لمزيد من الأموال في الاقتصاد، وتسارع نمو المعروض النقدي M2، ولا سيّما منذ التسعينات وبعد الركود العظيم [2008]، ولكن نظراً لاستمرار تباطؤ نمو القيمة الجديدة، واصَلَ تباطؤ القوة الشرائية المشترَكة لنمو الأجور والأرباح في دفع التضخم نحو الانخفاض.

كيف سيكون التضخم إثر الوباء؟
إذا كانت نظرية كاركيدي صحيحة، فيمكنها التنبُّؤ بأنّ عودة التضخم بعد كوفيد 19 ستعتمد على ما هي توقعات القيمة الجديدة ونمو النقود M2، وبالتالي، على توقعات معدل التضخم المستندة إلى القيمة. عندما يقرأ كاركيدي تحليلي هذا، سيشتكي من أن نظرية التضخم المستندة إلى القيمة مناسبة على المدى الطويل فقط، وليس لبضع سنوات. ولكن مع ذلك لنحاولْ.

شهد عام 2020 ارتفاعاً كبيراً في المعروض النقدي M2، بزيادة 25% على أساس سنوي حتى الآن. ولكن يمكننا توقّع انخفاض الأرباح 25% والأجور 20%، وبالتالي انخفاضاً كبيراً في القوة الشرائية المشترَكة للقيمة الجديدة.

إذا افترضنا للعامين المقبلين 2021 و2022 ارتفاع الأجور الاسمية 5% والأرباح 10% و15% على التوالي، وتباطؤ نمو المعروض النقدي إلى 10% سنوياً، فإنَّ نموذج VRI يتنبّأ بأنّ أسعار المستهلك في الولايات المتحدة ستمر بتضخّم 3,0 – 3,5% على التوالي، وليس بانكماش كما يتوقع البعض.

بالطبع، هذه النتيجة تعتمد على الافتراضات التي بُنيَت عليها. لكن الأهم من ذلك، هو أنّ نظرية التضخم المستندة إلى القيمة تكشف فشل نظريات التضخم السائدة، وسببه الكامن في تجاهلها، أو جهلها لنظرية القيمة الماركسية. إذْ إنّ تحليل التغييرات في القيمة، وليس في النقد أو التوظيف، هو ما يمكِّننا من فهم مسار التضخم في ظل الإنتاج الرأسمالي.
مايكل روبرتس Michael Roberts: باحث اقتصادي ماركسي، من بريطانيا. ومَصدَر هذه المادة هو منشور روبرتس على جزأين (الأول 17 آب، والثاني 21 آب 2020) في مدوّنته «الركود التالي» التي يُعرِّفُ فيها عن نفسه بأنه: «خبير اقتصادي في لندن لأكثر من 40 عاماً. ومراقِبٌ عن كثب لمكائد الرأسمالية العالمية من داخل عرين التنين. منذ تقاعده، ألّف عدة كتب: (الركود العظيم من وجهة نظر ماركسية 2009)، (الكساد الطويل 2016)، (ماركس 200: مراجعة لاقتصاد ماركس 2018)، وبالاشتراك مع غولييلمو كاركيدي Guglielmo Carchedi حرّر عام 2018 كتاب (العالَم في أزمة). نشر العديد من الأوراق في مجلات اقتصادية أكاديمية مختلفة ومقالات في منشورات يسارية». ومن أحدث كتبه (إنجلس 200: مساهمته في الاقتصاد السياسي) الصادر في تشرين الأول 2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد المترجم
فؤاد النمري ( 2021 / 1 / 4 - 08:01 )
ما يسمى بالتضخم وهو في الحقيقة ليس تضخما إنما مؤامرة دعوية لإنكار انهيار النظام الرأسمالي في سبعينيات القرن الماضي

يمكن فضح المؤامرة بكل بساطة
وهي أن الولايات المتحدة الأميركية تنفق 15 ترليون دولار سنوياً لإنتاج الخدمات والخدمات لا تضيف لثروة الدولة قطميرا إذ تستهلك تماما حال إنتاجها
ولذلك تضطر الولايات المتحدة إلى طباعة 15 ترليون جديدة تعيد إنتاج الخدمات وقيمة الطبعة الجديدة تتم على حساب كامل كتلة الدولار في العالم
وهكذا كان ثمن أونصة الذهب في العام 1970 (59) دولاراً وهي اليوم 1900 دولارا أي أن دولار اليوم لا يساوي أكثر من ثلاث سنتات من دولار 1970

تحياتي

اخر الافلام

.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري


.. عمران خان: زيادة الأغنياء ثراء لمساعدة الفقراء لا تجدي نفعا




.. Zionism - To Your Left: Palestine | الأيديولوجية الصهيونية.


.. القاهرة تتجاوز 30 درجة.. الا?رصاد الجوية تكشف حالة الطقس الي




.. صباح العربية | الثلاثاء 16 أبريل 2024