الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علماني … ولكن ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 1 / 4
الادب والفن


انا شاب متحرر ، وعلماني الهوى ، والثقافة حتى النخاع .. هكذا كنت أُقدم نفسي ، وأصفها امام اصدقائي ، ومعارفي ، وهكذا عرفني الناس رغم اني لم اختبر صدق ، وثبات علمانيتي ، وتحرري على ارض الواقع … خطبت الانسة رجاء ، وبعد حصول الموافقات ، وانتهاء الترتيبات التقليدية بمثل هكذا مناسبات .. سمح لنا اهلها ان نخرج في سهرة بسيطة على العشاء لوحدنا ، وهي فرصة لنا لنتعارف … !
كانت مناسبة جيدة لاختبر نفسي ، وآرائي ، واضعهما على المحك ، وكانت الخطوة الاولى عندما اخذت رجاء رأيي في نوع الملابس التي تنوي ان ترتديها في السهرة ، وما اذا كانت ثمة ملاحظات عندي او تحفظ معين … اعتبرت هذا اهانة لمبادئي التي تصورتها ثابتة .. فقلت لها بانني اترك لها كامل الحرية في ان تلبس ما تريد ، ولا احب ان اضغط عليها في أمرٍ بسيط كهذا … فرحتْ ، وذهبت لكي تجهز نفسها !
الستُ علمانياً حتى النخاع ؟!
اطلّت عليَّ ، وهي في كامل اناقتها ، وجمالها ! ترتدي ثوبا صيفيا موشى بالازهار يكشف عن ذراعيها ، وجزء غير يسير من نحرها ، ومفتوح ببذخ من الامام في منظر بدا لي خليعاً … انا المدعي العلمانية ، والانفتاح ، فكيف بالناس الاخرين .. الرجعيين ، والمنغلقين كما نطلق عليهم ، وعلى تراثهم ، وهم السواد الاعظم من المجتمع … ونحن بالتاكيد لسنا وحدنا على هذا الكوكب ؟!
ذهبنا الى مطعم اقترحت اسمه رجاء بتوصية من صديقتها ، كما تقول ، يرتاده الناس من كل الطبقات تقريبا ، لكنه بالعموم يصنف درجة اولى … اخذتْ مكانها مقابل كرسيي ، وهي لا تكف عن التحديق فيّ ، وبالزبائن من الجانبين ، والابتسامة لا تغادر شفتيها ، والسعادة تكاد تفر من عينيها … كل شئ كان رائقاً كأننا نقف على حافة حلم جميل … 􏰫يرفع الزبائن رؤوسهم ، ويرمقوننا بنظرات خاطفة يعودون بعدها للمضغ ، والتهامس ! نختار مكانا بعيدا نسبيا عنهم .. كنا لا نرغب في ان يستمع الى حديثنا احد … جاء نادل ممسكاً بقلم ودفتر .. تلقى الطلبات .. اشعل شمعة في وسط المائدة ، وانصرف .. تأملتها مسحوراً ، واحتضنت يديها بيديي … شعرت بمدى رقتهما ، وبمدى الكنز الذي فزت به … فتاة تبدو مثل زهرة متألقة غاية في الجمال ، والرقة ، والثقافة …
كنت بدون شك في غاية السعادة .. حاولتُ تناسي مسألة الملابس المتحررة ، والتي تُظهر مفاتن خطيبتي ، وزوجة المستقبل … قالت بانها تؤمن بحق المرأة في الحرية ، ولا تؤيد مصادرة حريتها بأية حجة … قاطعتها بادب جم ، وكأنني أُكمل ما بدءت :
المسؤولة ، والمنضبطة …
اومأت برأسها تأييداً لما قلت ، واسترسلت :
فرحت عندما عرفت بانك علماني منفتح ، وليس لديك عقدة الماضي في حجر المرأة في قفص ذهبي ، وتسيير حياتها بعقلية الذكر ! أومأتُ برأسي مستعذباً كلماتها ، ومتمتعا بآراءها …
الستُ علمانياً حتى النخاع … ؟
تأخذ راحتها في الجلسة ، وكأنها قد اعتادت على تلك الاجواء .. عكس ما كانت تقول بأن اهلها لم يتركوا لها حرية الخروج ، واختيار نمط الحياة التي ترغب … اما الان ستكون على ذمة رجل متحرر ، وهو اقصى ما كانت تريد ، وتتمنى … ثم أكملت ، وهي تبتسم في انشراح … انا سعيدة ، بل بغاية السعادة …
لا أُخفي سرا اذا قلت بانني قد تضايقت كثيراً من حماسها المفرط ، وتحميلها علمانيتي المسكينة مسؤوليات قد تنوء بحملها … سألتها :
هل سبق وان جئتِ الى هنا ؟ لا تنتبه لسؤالي او لعلها تجاهلته ، ولما لاحظتْ بأنني استمريت محدقا بها بانتظار الرد اجابت باقتضاب ، وبنبرة فيها شئ من التردد ، والبرود :
لا …
تجلس مقوسة الكتفين الى الامام قليلا ، ومرفقيها مرتكزين على المائدة … ومن خلال فتحة ثوبها الامامية تظهر منابت نهديها بوضوح في مشهد مثير للغاية … تتولد داخلي رغبة عابرة سرعان ما تنطفئ … اشعر بعيون الجياع من حولنا ، وقد بدءت تُحدق … شعرت بالتوتر ، والضيق ، واحسست بان معتقداتي في خطر ، وكم بدت لي في تلك اللحظة متداعية ، وهشة ، وعلى وشك الانهيار !
بقيتْ هي ساكنة غير مبالية بما يدور حولها ، ولا بنار الغيرة ، والغضب المشتعلة في داخلي … اتأملها من خلال ضياء الشمعة امامنا ، ارى وجهها الجميل هادئاً مسترخياً سعيداً … اقابلها بدوري بابتسامة مشجعة حاولتُ ان تكون مسالمة ، ومهذبة … اردت منها ان انال بها رضاها ، واحضى باعجابها … !
حدثتُ نفسي .. هل ادعيتُ أشياءً غير موجوده عندي ، وهل انا فعلاً منفتح ، واتقبل ان تلبس زوجتي ما يحلو لها دون تدخل مباشر مني ، وهل ساتقبل خلاعتها هذه بعد الزواج ، واتجاهل المجتمع المحافظ الذي نعيش فيه … ؟ لا ادري لحد الان … لكني شعرت بخيبة امل من اول اختبار يبدو انني قد فشلت فيه … ! وتوصلتُ الى قناعة بان التناقض في الاراء بين النظرية ، والتطبيق ، لا يمكن ان يوَّلد سلاماً داخلياً ! كما قررت ان لا أُقيم ميزان حياتي على الاحلام … !
بدءتُ اتضايق اكثر عندما لاحظت شابا يجلس مع صديق له قريباً منا … مدعياً بانه ذاهب الى الحمام ، وهو يختلس في طريقه نظرات مفترسة بعينيه المتحفزتين على نهدي رجاء ، وجسدها الابيض البض اللذان اصبحا منظراً مشاعاً للجميع … تلقيت وقتها دفقة من انفعالات مفاجئة … تسري في بدني رعدة هزتني كأنما مسني تيار كهربائي … ! حدجتهم بنظرات استنكار من عيون منكسرة …
تسائلت : هل هذا هو مفهوم الحرية عند المرأة الشرقية ، ان تتعرى امام الجميع بهذه الطريقة المبتذلة … ؟
عاد الشاب من الحمام ثملا باستهتاره ، وكأنه قد همس في اذن صديقه الذي قام هو الاخر ، وكرر ما قام به الشاب الاول ، وكأننا قد اصبحنا مشهداً لا يفوَّت للجياع من رخيصي الشهوات … تضايقت كثيراً ، وكنت على وشك ان اقوم بعمل يتناقض مع ما ادعيته من تحرر ، وانفتاح ! روحت عن انفعالاتي بضربات خفيفة رتيبة على اطراف المائدة … عاجلتني : متوتر … ؟ حركت رأسي نافياً … !
والمفاجاة الكبرى حدثت عندما انتصب امامنا فجأةً شاب وسيم انيق ، والقى التحية ، وهو يبتسم ابتسامة ذات معنى ، ووجه كلامه الى رجاء مباشرةً ، وكأنه يعرفها منذ زمن ، ثم عرفتني به بصفتة زميلاً كان معها في الكلية … تبادلا الابتسامات ، وعبارات المجاملة ثم غادر … تسري في داخلي رعدة خفيفة ، وكأن بهجتي قد فَسُدت …
لم استطع ان أُمسك نفسي فسألتها اذا كان بينهما شئ ما … تضايقت من سؤالي ، وتغير لون وجهها الواضح امامي تحت نور الشمعة التي تطلق شعاعها بوجهها فتعكس جماله ، وروعته … نفت ذلك .. ثم انطلقت بدفقة توصيات ، وهي تحاول ضبط انفعالاتها : مجرد زماله … لا اريدك ان تتصور اشياء لا وجود لها ، ولا تحفر في الماضي ، ولا تسمي الاشياء بغير اسمائها !
أدركت بأن الشك قد وجد ثغرةً بيننا ، ونفذ منها … !
فجأةً.. أخذ وجهي شكلا جامداً متيبساً ، وساكناً … ثم توقف سريان الكلام ، وساد صمت ثقيل على الجلسة التي يبدو ان التوتر ، والبرود قد بدءا يسيطران عليها ! تناولنا عشاءنا بصمت ثقيل ، وانشغلنا عن بعضنا بالطعام … كان عقلي خلالها مشغولاً ، دائم التفكير … بحثا عن قرار نهائي لا رجعة فيه !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما