الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن اليسار والجبهة الشعبية

كاظم الموسوي

2021 / 1 / 5
مواضيع وابحاث سياسية


ياتي إحتفال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بذكرى تأسيسها الثالثة والخمسين، هذا العام، كفصيل وحزب يتبنى الفكر اليساري الإنساني، بمنهج علمي تقدمي. مناسبة مهمة لإلقاء ضوء على مسيرتها وطبيعة العمل السياسي الفلسطيني وتطوراته وما اختارت الجبهة وباقي التنظيمات والفصائل الفلسطينية التي تتقارب معها في الفكر والمواقف العملية جانب اليسار مقابل قوى وفصائل انضمت الى جانب اليمين، في المصطلح والمفهوم السياسي. بمعناه ودلالته الطبقية والإجتماعية. وتوفرت لمن ارتبط بجانب اليمين ظروف قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، والسلطة في أجزاء من فلسطين المحتلة. واضعا القوى والفصائل في الجانب الاخر، اليسار، في مأزق وأزمة نظرية وعملية تتعمق مع تداخل الصراع الداخلي والخارجي، الذاتي والموضوعي. رغم أن طبيعة المرحلة التي تعيشها كل هذه الفصائل والقوى تتسم بأنها مرحلة تحرر وطني، مع تمايز المهام والمتطلبات المتوجبة فيها. لعل التجارب التاريخية التي مرت بها تعطي دروسا كثيرة وتكشف عن مستويات وعي وادراك لها ولما ينبغي أن تتحمله في كفاحها الوطني وصراعها السياسي، سواء الداخلي أو الخارجي.
وطبيعي أن تكون مجلة الهدف التي أسسها المبدع القائد غسان كنفاني ووضع أسس عملها كمجلة ناطقة عن الجبهة ومنطلقاتها الفكرية والسياسية بمتغيراتها ومنعطفاتها الحاسمة، هي التي تدعو للاحتفال والكتابة والمساهمة فيه، وبالتالي يهمها أن يكون احتفالها تقديرا لدورها وقراءة موضوعية لتجربتها وتقييما شجاعا لاستمرارها، راهنا ومستقبلا. وقد تكون استجابتي نظرية من خارجها ومشاركة لمعالجة متقاربة مع تجارب مماثلة لها في وطننا العربي الكبير، ومستفيدة من كل ما يطرح بجدية واخلاص لتطور أعمالها وتعظيم بنائها وديمومة فعاليتها على الصعد المختلفة.
وكلما تمر السنوات على القضية الفلسطينية كلما تتراكم الاستقطابات والرهانات والتدخلات والضغوط ومعها تتصعب الظروف وتتعقد القضايا والمهام التي تتأثر بالزمن والدور والفعل والمبادرة والإصرار على الإنجاز والتمكن. وهذا يعيدنا الى المرحلة التاريخية والمهمات المطلوبة، والخصوصية فيها، لقضية كالقضية الفلسطينية، في ظروف ذاتية وموضوعية، داخلية وخارجية، محلية وإقليمية ودولية، معا وسوية. تبدأ من تداخل بين جانبي المصطلحين، اليسار واليمين، ولا تنتهي عند تركيبتهما الطبقية والاجتماعية وتعاون قواعدهما، والتي دعت الضرورة للتعبير عنها، نظريا وعمليا. وإذ تختلط هذه كلها في فترات الصراع التحرري وتجتمع عند الأهداف المرحلية أو الاستراتيجية الكلية، تظل في الوقت نفسه مسائل مهمة وأساسية في اتخاذ القرار والقيادة ووضع البرامج والخطوات المرحلية التي تبنى عليها استراتيجية التحرر الوطني والانتصار التاريخي.
الصراع الرئيسي في القضية الفلسطينية هو نفسه لكل القوى والفصائل الفلسطينية منذ نشوء القضية ومنذ انطلاق الفصائل، كحركات وأحزاب سياسية واجنحتها العسكرية، وهذا ما هو مطروح في وثائقها الأساسية. وفي هذا البعد تلتقي أو تتحالف ولكن عمليا تبدأ الاختلافات والصراعات. ولعل في تعددها المتكاثر على مساحتها المحدودة سبب آخر في تفسير التدخلات الخارجية وفي أضعاف الكل الموحد على حساب المصالح الذاتية لكل فلسطين، وتناقض الرهانات والجهات أو الجهة التي يواليها اي فصيل وتدعمه بشتى السبل أو بمختلف الاشكال. وهذا الأمر أضاف إلى ما حصل من انشطارات وانشقاقات داخلية واختراقات خارجية معضلات لكل القوى والفصائل، ولكن كان اشد على اليسار، أو بمعنى آخر أضعف من موقع اليسار عموما وهمش دوره عمليا على الساحة الفلسطينية وحتى خارجها، والأهم طبعا في ارتباطها بقاعدتها الاجتماعية الفلسطينية، داخل فلسطين وفي الشتات الذي انتشر كثيرا مع مرور الزمن وتشابك المخططات المعادية والعاملة على التصفية للقضية برمتها، وليس لقضايا اللجوء والعودة والتمثيل الفعلي.
اذا كانت الفصائل والقوى المحسوبة على اليمين الفلسطيني، وأغلب قياداتها من الرأسمالية الكبيرة والطفيلية التابعة، قد توفرت لها عوامل كثيرة، اقتصادية وثقافية وسياسية واجتماعية، ودعم او اسناد خارجي، ومن خلال تبنيها بشكل ما أو ممارستها للفكر الليبرالي النفعي، (القطروي- القوماني- الاسلاموي) الذي يضع شعارات ومطالب صحيحة ويعمل على نقيضها أو يقوم بتسويقها اعلاميا مع تحجيمها أو تأجيلها عمليا، لما يوفر له مصالحه اولا دون أن يقدم للقضية دفعا أو حلا يرضي الشعب ويحقق مهمات التحرر الوطني، في الحرية والاستقلال والعودة وبناء الدولة المستقلة على التراب الوطني والقدس الشريف عاصمتها، ولا ترعوي هذه الفصائل من استخدام أساليب التضليل أو الاغراء أو الالهاء أو التجويع لاستمرار وجودها واظهارها لموقع القيادة للمشروع السياسي، حتى ولو رفعت إيديولوجيا "دينية أو قومية"، بمنظور ليبرالي، واحيانا بلا حدود أو قيود، لا تخرج قياداتها منها أمام واقعها العملي، فلا تناقض بين القيادة والتعاون الأمني مع المحتل ولا بين التدين والتهادن المرحلي أو القبول بالمزاوجة بين الدعوات العالية الكلية (تحرير كامل التراب الفلسطيني، من البحر الى البحر...) والتطبيقات النازلة الجزئية (برامج أو أساليب التفاوض، الهدن، المصالح الاقتصادية والشخصية...)، بين التعاملات الإيجابية علنا والسلبية خفية (ويجيزها لنفسه وينتقد أو يدين غيره بها)!. مما يحول الكفاح والانتفاضات الى هزات مؤقتة تنتهي زمنيا أو تصلح لإثبات مواقف القيادة لها على حساب تأثيراتها التي لا تمنع القوى المتربصة لها، من العدو المحتل والقوى الدولية المتحالفة معه، من طرح مخططاتها، التي تضعها أمام الشعب بموقف أضعف مما هي تتصوره أو تريده، كصفقة ترامب مثلا، وخطواتها التي كشفت العلاقات السرية بين أطراف اليمين وأصحاب تلك المخططات التصفوية الخطيرة.
هذه التطورات حولت القضية الفلسطينية وكفاح الشعب الفلسطيني والتضامن العربي والدولي الى مجرد خلافات بين فصيلي اليمين الفلسطيني البارزين، حركتي فتح وحماس، والمصالحة بينهما. وطرحت كل فصائل اليسار والقوى الأخرى على هامش الصراع الوطني والنضالي. وتلك ابرز أزمة حقيقية يعيشها اليسار الفلسطيني بكل قواه، ومنها طبعا الجبهة الشعبية. وتتحمل هذه الفصائل الفلسطينية مسؤولية كبيرة من بداية مشاركتها اللعبة السياسية مع اليمين، ودخولها خيمته المعلبة والمشبوهة الاوتاد والأعمدة. وفتحت على اليسار وضعا مربكا ضيّع فيه مواقفه الأساسية ومنهج عمله. والنقطة الرئيسية في تعاملاته الداخلية. ولعل صمته أو تورطه في الدخول في تحالف مع القوى الأخرى دون الإصرار على دور مؤثر او قيادي لاي ىرنامج مرحلي ومهمات التحرر الوطني، هو عمل سلبي عرضه الى ما وصل إليه، من خلال دفعه الى التفرج الميداني وترك القيادة لقوى اليمين والرضوخ لمسيرتها ورهاناتها ومصالحها التي اضرت بالتوجهات والمواقف السليمة المنشودة.
كما أن ترك قيادة التحالفات التي انتظمت باسم منظمة التحرر أو بالمجلس الوطني أو بالتمثيل الشعبي في النقابات والاتحادات لقوى اليمين شجعها على البروز إلى الواجهة واضعاف اليسار عموما، وتهميشه دورا وموقفا ومكانة عملية، في الحل والقرار والإدارة والقيادة، وعلى جميع الاصعدة، سواء في بناء الدولة أو في مراحل النهوض الشعبي وإدارة الصراع مع العدو المحتل الاستيطاني العنصري أو القوى الحليفة له. وهذه ليست مسألة نظرية وحسب، بل هي درس تاريخي مهم.، قدمته تجارب تاريخية عديدة. وهنا يقع على اليسار ليس فهمه وإدراكه ووعيه وحسب وانما العمل من حيث انتهى الأمر اليه، في عودة واضحة للمتطلبات الضرورية التي تؤكد على ضرورة الدور القيادي له، من خلال تمثيله الفعلي للطبقات والفئات الشعبية الاكثر مصلحة بالتطورات التقدمية والتغيرات السليمة لأهداف التحرر الوطني. وعدم الركون للوعود أو الجزرة وهز الحبل أمامها، والعمل على محاصرة اليمين بالضغط الشعبي ورفض التساوم الاستراتيجي باي شكل من الأشكال.
بالنتيجة يحاول العدو الصهيوني وحلفاؤه دائما وضع الفصائل أمام خيارين صعبين، الاستسلام أو القتل، (بعنوانه وأشكاله) وللاسف تسرع قوى اليمين المتنفذة، على الأقل في التجربة العملية الجارية، الى التسارع في تفضيل الاول والسير عليه و"النضال" من أجله، دون اعتبار لخطورة الخيارين ولما يؤلان إليه من بعد. وكأن الخيارين قدر مفروغ منه، لا توجد إمكانيات أخرى والنجاح فيها، وهذا ما يتطلب وعيه الان من اليسار اساسا. علما أو بالضرورة الانتباه إلى ان القوى والفصائل في جانب اليمين، ليست كتلة صلبة واحدة، فقد تتمايز داخليا بين أجنحتها العسكرية والسياسية وحتى بين رموزها القيادية، فبعض منهم اقرب وطنيا الى اليسار منه إلى انتمائه السياسي، والحزبي، كما هو العكس في بعض أطراف اليسار. ويبقى العمل الرئيس والرهان على قدرات اغلبية الشعب وطاقاتها التي لا تعد ولا تحصى، والصمود أمام الضغوط التعجيزية والاقتناع بان وعي الشعب بمصالحه وبقدراته وبإرادته يحقق المعجزات ويختار أساليب كفاحه التي تقود الى النصر، وهذه مهمة أساسية لليسار عموما والجبهة الشعبية بالمناسبة.
ويحسب رغم هذه المسيرة العامة للعمل السياسي الفلسطيني للجبهة الشعبية أمور لصالحها، يتوجب ترسيخ خطها والتأثير فيها عند مكونات جانب اليسار وصولا إلى مرحلة متطورة من التنسيق والعمل المشترك ليكون البديل القيادي والمؤثر الفاعل في الصراع السياسي القائم. من هذه الأمور تجدد القيادات وقبول قيادات شابة فكرا وروحا ونشاطا عمليا ميدانيا مشتبكا، ومأسسة العمل التنظيمي والسياسي والشعبي وقبول التغيير في تركيبه وتعبيره عن المصالح الحقيقية للقطاعات التي يمثلها ويعمل لها. والتواصل الفكري والسياسي مع المتغيرات والتطورات الفكرية والسياسية في كل الميادين المتاحة عربيا ودوليا، ووضع البرامج التقدمية التي تؤكد على مصداقية التحليل للواقع والتغيير المنشود. هذه الأمور تتطلب الوعي بها وتطويره في صفوف التنظيم من القيادة الى القواعد، وحتى الى محيطه، وتوضيح منهجه البناء في صيرورته العملية واستراتيجية برنامجه المقاوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عاجل.. شبكة -أي بي سي- عن مسؤول أميركي: إسرائيل أصابت موقعا


.. وزراءُ خارجية دول مجموعة السبع المجتمعون في إيطاليا يتفقون




.. النيران تستعر بين إسرائيل وحزب الله.. فهل يصبح لبنان ساحة ال


.. عاجل.. إغلاق المجال الجوي الإيراني أمام الجميع باستثناء القو




.. بينهم نساء ومسنون.. العثور جثامين نحو 30 شهيد مدفونين في مشف