الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية بين الإسلام والثقافة الغربية

أحمد هيكل

2021 / 1 / 5
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


من أكبر الأكاذيب التى طالما روَّج لها كثير من مثقفى العرب ودائما ما كانت تنطلى على الكثيرين منا أن ثقافتنا هى ثقافة الحرية والمساواة وأنها تدعم التنوع والاختلاف. وهنا نتساءل : عن أى حرية يتحدث هذا المثقف العربى أو ذاك؟ أى تنوع أو اختلاف يعنيه عندما يلوك لسانه بهذه المصطلحات التى هى نتاج العصر الحديث والتى لم يكن يعرفها أسلافه أو أجداده؟!!
إن ثقافتكم لا تعرف هذه المصطلحات، فهل كانت الحرية إلا نقيض العبودية والرق ؟ هل زادت عن ذلك قيد أنملة ؟ ما هو محل الحريات الشخصية - التى هى أم الحريات - من الإعراب فى ظل هذه المنظومة الثقافية التى تجعل من حق أى مسلم التدخل فى المساحة الشخصية لأى إنسان وتسمح له بتقييدها؟ فوفق القاعدة الحديثية الشهيرة التى كثيرا ما نرددها :"من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه"، يحق لكل امرئ مسلم أن يتدخل لدفع ما يراه منكرا ومعصية من وجهة نظره إذا ما رأى - مثلا - امرأة متكشفة أو رجلا يعاقر الخمر أو رجلا وامرأة يجلسان سويا فى مكان عام أو مغلق، أو عُرسًا به مظاهر سفور وخلاعة من وجهة نظره.
هناك فرق شاسع بين القيم الثقافية الغربية والقيم الثقافية الإسلامية فيما يخص مسألة الحريات، فالحرية فى الثقافة الغربية هى وليدة ذلك الصراع العنيف بين فكر العصور الوسطى وفكر عصر التنوير، صراع أنتج لنا فى النهاية منظومة حريات عظيمة، وأدى إلى فصل الدين عن الدولة، وحماية الحقوق الفردية، وصيانة الأبناء وحمايتهم من تغول السلطة الأبوية، إلى غير ذلك من المنجزات التى أدى إليها عصر التنوير. كما أن الحرية فى الثقافة الغربية هى منظومة واحدة متكاملة لا تتجزأ ، بعكس وضع الحريات فى المنظومة الثقافية الإسلامية، التى تضع قيودا على الحريات تستحيل معها الحرية إلى قيد، فأين هى الحرية مع وضع سيف مسلط على رقاب أتباع الدين إن هم تساءلوا أو فكروا ؟ وأين الحرية حين تمنع المرأة من الخروج من بيتها باسم حقها على الزوج ؟ وأين الحرية حين توضع قيود على ملابس النساء ويطلب منهن أن يغطين أعضاء لا حاجة إلى تغطيتها ؟
كما أن مشكلة الثقافة الإسلامية أنها تتدخل فى خصوصيات الأفراد، وهذا ما يجعلها على النقيض تمامًا من الثقافة الغربية التى تحترم خصوصيات الفرد، فحتى فى غرفة نومك وعلى سريرك تحدد لك هذه الثقافة ما يجب أن تفعل وما يجب ألا تفعله !! ، كيف تدخل الحمام وماذا تقول عند الدخول، وإذا أكلت كيف تأكل !!. وقد يكون تدخل الثقافة الإسلامية فى كثير من تفاصيل حياة المسلم هو الذى أدى إلى خلق أزمة حريات حقيقية لأنها منظومة لا تترك متنفسا لأتباعها أو تسمح لهم بحرية الحركة فى إطار محدود وضيِّق. وقد يقول قائل إن الإسلام لم يمنع الحريات الشخصية لكنه وضع لها ضوابط وقيودًا، وفى حقيقة الأمر، إن الحرية الشخصية ليست لها ضوابط أو قيود، لأن الحرية الفردية ليست ممارسة جماعية أو مجموعة من التصرفات التى تمارس فى إطار عام حتى نقول عنها إن لها ضوابط وقيودا، ولكنها سلوك فردىّ يمارسه كل فرد من أفراد المجتمع بدون تأثير على غيره وبمعزل عن الآخرين، فالضوابط والقيود إنما توضع لتنظم وضعا عاما أو ظاهرة مجتمعية، لكنها إذا وضعت لتنظيم السلوك الشخصىّ، فإنما تمثل حينئذ اعتداءً على جوهر الحرية الفردية. فأنت حر أن تشرب الكحول سواء فى بيتك أو فى الشارع لكنك لست حرا أن تشرب الكحول وأنت تقود السيارة ! . أما فلسفة الإسلام فتقوم على منع الفعل سواء فى البيت أو فى الشارع أو فى السيارة، وهذا يعود إلى أن الإسلام يغلق الباب أمام الفعل ذاته بمنع مقدماته ومسبباته، فلكى يمنع الزنا منع النظر إلى الأجنبية، وفرض الحجاب، ومنع المرأة من ارتداء ما تريد من لباس، وقيد خروج المرأة وجعله للضرورة التى تقدر بمقدارها!، ومنع الخلوة بالأجنبية، وقيد اختلاط المرأة بالرجل، وحرم سفرها بدون محرم!. فالنظم الشمولية من أجل حماية نظامها السياسى والاجتماعى والأخلاقى الذى تقوم عليه تجنح إلى غلق المجال العام وتقييد الحريات الشخصية ، هذا هو حال كل فلسفة أو فكر أو نظام شمولى، فالاشتراكية مثلا بسبب رؤيتها المنغلقة للمجتمع تغلق الباب فى وجه كل عمل اقتصادى حر، وإذا ذكرت كلمة "حرية الفرد" تحسس المسئولون عنها مواضع مسدساتهم !، وفى سبيل سعى المنظومة الإسلامية لخلق نظام اجتماعى يخلو من الجرائم وحرصها على حماية النظام الاجتماعى والسياسى الذى بنته، نراها قد قيدت الحريات وفرضت ألوانا وأشكالا مختلفة من القيود والضوابط استحال معها وضع الحريات الاجتماعية إلى وضع سىء، وليس أدلّ على ذلك من أن تطبيق هذه التعاليم الدينية قد أسفر عن غياب الحريات فى كل البلدان التى أقدمت على تطبيق هذا النموذج .
ففلسفة الحرية فى الثقافة الغربية تقوم على مبدأ " أنت حُرٌّ ما لم تضر" أى تقف حريتك عندما تعتدى على حرية الآخرين، لكن ثقافة الإسلام تكرِّس لخضوع الفرد تحت وصاية المجموع، فحتى لو فعلت فعلا ليس من شأنه إلحاق الضرر بالآخرين فأنت فى محط أنظارهم وتحت رصد عيونهم وقمع أيديهم !!، فأنا أو أنت لا نملك الحرية الكاملة فى أن نفعل ما نريد أو لا نفعل ما لا نريد، وتفرض عليك القيود وتسلط عليك العيون والعسس وأنت فى داخل بيتك! .فلو أنكِ أردت أن ترتدى من الأزياء ما تريدين فأنتِ إذن تحرضين على المعصية، وتجاهرين بالمنكر وتضعين نفسك تحت طائلة القانون !، وأنتَ لو راودتك نفسك وأفطرت فى نهار رمضان أصبحت مجاهرا بالمعصية وكنت مستحقا للعقاب سواء من ألسنة الناس وتطفلهم أو بتسلط الجلاد حارس الشريعة وحامى حمى الدين!! . مجرد وجود الوصاية المجتمعية والدينية على الحريات تعنى عدم وجود حريات من الأساس، فوصاية الزوج على زوجته والأب على أبنائه هو انتقاص للحريات بل هو هدم لفكرة الحرية من أساسها . والتغنى بأن هذه الثقافة قد قررت حرية الإنسان هو محض هراء؛ فالواقع يكذبه، فمجتمع يقع تحت قهر سلطة الأب والحاكم باسم الدين هو مجتمع غير حرّ مهما برروا ومهما سوَّغوا الباطل بأكثر من حيلة.
الحرية الحقيقية عندما تمتلك المرأة جسدها، ولا يصبح زوجها أو أبوها وصيا أو وليَّا عليها، عندما لا يخاف المفكر أو المثقف أن يزج به فى السجن بتهمة ازداء الدين أو إهانة الرموز والمقدسات الدينية، عندما لا يخاف السياسى انتقاد الحاكم ، عندما لا تصبح طاعة الحكام من طاعة الله، عندما لا يصبح الحاكم ظل الله على الأرض، عندما تصبح ولاية الأب على أبنائه هى ولاية تقويم وتوجيه لا ولاية استبداد وقهر، عندما تقوِّم مؤسسات المجتمع المدنى أخطاء التربية الأسرية وتصلح ما أفسدته الأسرة فى حق الأبناء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة


.. عادل نعمان:الأسئلة الدينية بالعصر الحالي محرجة وثاقبة ويجب ا




.. كل يوم - الكاتب عادل نعمان: مش عاوزين إجابة تليفزيونية على س