الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محمد الإنسان والزوج ج1

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2021 / 1 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


محمد الإنسان والزوج

عندما ندرس تأريخ أي شخص لا بد من الكشف عن ذاتية هذا المدروس من زوايا عدة لتكوين صورة شبه تامة عنه، فلا يكفي مثلا أن نستعرض حياة الإنسان ومنجزه البيني ولا فكره وحركته داخل المجتمع وما يتمتع به من دور وأثر ومسئولية دون أن ندرس علاقته داخل مجتمعه المصغر الأسرة والبيت والعلاقات الإنسانية التي يمارسها داخل هذا الكيان، فقد يكون هنا أكثر تحديدا في تجسيد وجوده وأصدق تمثيل على حقيقته من أي مكان أخر قد يخضع فيه لتأثيرات ومؤثرات حولية، فالرجل في أسرته يمكن أن يعطي مثالا حقيقيا وواقعيا من أي مكان أخر.
في هذه النقطة تحديدا تعرض النبي محمد للكثير من الطعن والمبالغة وأحيانا تغييب هذا العنصر المهم في دراسة شخصية محمد الإنسان بعيدا عن كونه رسول ونبي وقائد وووو، الغريب أن سهام النقد والتجريح تأت من أقلام وأفكار تدعي حرصها مثلا على حقوق المرأة والأسرة، أو ممن يدعون الفضائل الأجتماعية ومنها مثلا أن النبي محمد عندما تزوج السيدة خديجة والتي يوصمها البعض بالعجوز الغنية كان طامعا بما هو أبعد من أن يكون له هدف إنشاء أسرة، فهم يرون ذلك خللا أجتماعيا وفقا لأعرافهم ولما يرونه أستغلالا بشعا للعلاقة الإنسانية بين زوج وزوجة.
1. زواجه من السيدة خديجة
الروايات التأريخية عن هذا الموضوع لا تجزم ولا تثبت ولا تنفي ما هو شائع عن هذه العلاقة، لا عن عمر السيدة خديجة ولا عن واقعها الأجتماعي ولم تتكلم مثلا هل كان فعلا محمد فقيرا للدرجة التي تجعل منه طامعا بمالها وثروتها ومنزلتها الأجتماعية، والحقيقة التي تكلمنا عنها في مباحث سابقة لم يكن محمد الإنسان رجلا فقيرا معدما بقدر ما كان رجلا من سادات مكة ورجالها المعتبرون، فقد ورث عن أبيه وجده وأمه أموالا ومنزلة أجتماعية قد تعادل ما ينسبه البعض من المؤرخين للسيدة خديجة، هذا فضلا عن منزلته الفكرية وقوة شخصيته وقراره الحر الذي جابه بها مجتمع كامل متمكن من كل أسباب القوة والثراء والسلكة ومع ذلك كافح الرجل وواصل مسيرته دون أن يحتاج لأحد أو يستعين بأحد لا من الناحية المالية ولا من القوة القبلية الأجتماعية وهو مدرك تماما لقيمة وأهمية المشروع الذي يسعى له.
هذه الحقيقة لا تروق للكثيرين ولا يستسيغون حتى سماعها، لأن ما ثبتته السيرة التأريخية قدمت محمد الإنسان لنا رجل فقير معدم مهزوز خائف يستعين بغيره ليكون له وجود أجتماعي مؤثر، هذا ينعكس أيضا على سورة السيدة خديجة التي كانت واحدة من شخصيات مكة بمنزلتها وثروتها وكأنها كانت تبحث عن شخص أيا كان لتمنحه ما لا تمنحه سيدة أخرى مقابل ما تعطيه من مال وثروة، إذا كان الدس والتشويه متعمد وهو جزء من الحملة الشعواء التي تعرض لها منذ أن أعلن عن وجوده رجلا مفكرا ومنحاز لقضية الإنسان بأعتباره جوهر الإشكالية البشرية حين يحرم من حقه الأساسي في الخيار والعيش وفقا لمبدأ حر.
الحقيقة المجردة من تفسيرات أهل الأهواء وبالعودة للمنطق التاريخي العقلاني كان فيه تصرف محمد الإنسان لا يعدو أن يكون من سنخ الفضيلة والأخلاق الكريمة، فالرجل تزوج امرأة حرة مالكه لنفسها قيمة على حالها تشترك مع بالنسب والحسب، وقد تجعل هذه العلاقة بينهما سببا للتفاهم والعمل المشترك، فالأحرار أصحاب المبادئ لا يناقضون أنفسهم ويلجئون إلى اللف والدوران، لم تكن هناك سيدة في مجتمع مكة بأكمله على قدر الأستقلالية والحرية التي كانت عليها السيدة خديجة، ولم يكن في مكة كلها وقريش خاصة رجل حر ومستقل وذو مكانة عالية يليق بالسيدة خديجة غير محمد، فأين الخلل في هذا الخيار والأختيار، ونحن نعلم أن مجتمع يؤمن بوأد البنات وأن الزوجة ليست إلا وعاء لنزوات الرجل تباع وتشترى ونطرد وتأوى بمزاج بدوي ذكوري حاد، لم تكن ولا تكون سيدة حرة تشارك في بناء حلم تغيير الواقع ولا يمكنها حتى التفكير في هذا.
لقد كان الخيار بعيدا عن نمطية العلاقات الأجتماعية السائدة وأول علامة ودليل على رقي تفكير محمد مهما كانت الصفة التي كانت عليها خديجة أرملة أو بكر صغيرة أو كبيرة فهو أختار مجموعة قيم مرادة ومميزة بعيدا عن الرضوخ لإرادة المجتمع وقيمه التي ناصبها العداء إلا ما كان منها على خير وصلاح، هذا التقدير وهذا الخيار منح المرأة قيمة أجتماعية بعيدا عن المصالح أو المنفعة كما يزعم الرواة وأصحاب السير، بل كان تمسكه بها وإصراره على المضي في مشروع التغيير القادم جزء مهم منه هو أن يتعامل الإنسان مع الأخر من منطق إنساني لا من منطق المعروف والشائع والتقليدي طالما أنه يجرده من حق الأختيار.
في العودة لحياة محمد الزوجية الأولى وتحديدا إطار العلاقة التي تربطه مع زوجته السيدة خديجة لم يسجل المؤرخون ولا أصحاب السير أنه أساء معاملتها أو تصرف خارج حدود اللياقة والأحترام والتقدير في مجتمع لا يحترم المرأة ولا يعدها جزء أساسي في تكوينه وبناءه، وهذا دليل على الرقي الإنساني الذي تمتع به كرجل خارج عن قيم زمنه وواقعه ليصنع لنا مثالا إيجابيا ومتحضرا يمنح المرأة قيمتها كإنسانة وشريكة في عملية التحديث والتغير، وهذا الأمر لم يفعله أحد من قبله لا في زمنه ولا زمن غيره ولا في مجتمعه ولا مجتمع غيره، كان الزوج الودود الذي حفظ لزوجته كيانها ووجودها، لم يخنها ولم يفضل عليها غيرها وهي كافلته وعاصمته والمحافظة عليه في عملية أحترام وتقدير متبادل، أنجبت له ذريته مع أفتراض القلة والكثرة وهذا دليل على أنها لم تكن عجوزا ولا ممن كانت تبحث عن لذة الرجولة بقدر ما كانت أم وزوجة عمرت أسرة وحافظت عليها لتكون النموذج الأسمى في فكر التغيير الذي سيقوده زوجها في مواجهة مخاض صعب وشرس ومتعدد الرؤوس التي تكن له العداوة والبغضاء.
كان زواج الإنسان محمد من السيدة خديجة ضربة للقيم والأعراف المختلة والتي لا تهتم كثيرا بأصل المشاعر والخيارات الخاصة للفرد، والتي كانت عماد مجتمع مكة وقريش والعرب عموما، يقدسوها ويعتبرون أمر الخروج عليها أمرا معيبا ومنقصة أجتماعية، حتى يومنا الحاضر وبالرغم كل التطور الفكري والعقائدي والأجتماعي ما زالت أغلبها حاضرة في وعي مجتمع منقاد لفكرة الذكورية المتفوقة حتى على مصلحة وخير الفرد، وعلى هذا الفرد أن يحملها بكل قساوتها لأن المجتمع هو من يحدد وليس قرار الفرد وحريته، فلا نستغرب أن ينقل الرواة صورة هذه العلاقة وهم مشبعين حد الثمالة بقيم قريش ومكة والأعراب والعرب في زمنهم.

2. محمد والسيدة عائشة
القضية الأخرى والتي حصل فيها لغط كبير وإساءة متعمدة للرجل والإنسان محمد بعد قضية السيدة خديجة هي قضية زواجه من السيدة عائشة وما أثير حولها من دس وتزييف للحقائق التي تجاهلها الكثيرون عن قصد وأحيانا عن غباء وتجني لا مبرر له ، وقد كتب الكثيرون في هذا الشأن مؤكدين بشكل قاطع ومسهب كذب الرواية التي جاء بها منفردا مسلم والبخاري (في البخاري ومسلم, أن النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو صاحب الخمسين عاما قد تزوج أم المؤمنين (عائشة) وهى في سن السادسة*, وبنى بها-دخل بها- وهى تكاد تكون طفلة بلغت التاسعة, وهى الرواية التي حازت ختم الحصانة الشهير لمجرد ذكرها في البخاري ومسلم, رغم أنها تخالف كل ما يمكن مخالفته, فهي تخالف القرآن والسنة الصحيحة وتخالف العقل والمنطق والعرف والعادة والخط الزمنى لأحداث البعثة النبوية) **.
الأمر الحقيقي كانت زيجة النبي محمد من السيدة عائشة جزء أساسي من أخلاقيات وقيم الدين والمجتمع الجديد الذي صنعه في المدينة، ولا يخالف بأي شكل ولا بأي صورة من المعقول والمنطقي طالما أنه جرى وفقا لرضا وأتفاقا بين الطرفين وهي المالكة لأمرها والحرة في تحديد مصيرها، أما ما يشاع عن فرق العمر بينهما فهذا أمر جاري وشائع ولا يلاقي أعتراضا لا قديما ولا حديثا، فهو بمجمله أمرا شرعيا مستساغا أملته الظروف والرغبة في شد أصر أوامر وقيم المجتمع، أما ما يعيبه الأخرون فلن يعدو أن يكون جزء من حملة التشويه والتضليل والعبث بالتاريخ، لا سيما أن السيدة عائشة لم تذكر ولم تشكو لأحد من هذه الزيجة ولم تخبر أحدا أنها أجبرت أو أقهرت عليها، فسكوت صاحب الأمر ورضاه بل وسعادته بها لا يمنحنا أي حق في أن نتدخل في أمر طرفيه على رضا وأتفاق.
لم تنتهي الإساءة عند هذا الحد من الأنتقاد والعبث بل ظل هم الكثير من المؤرخين والرواة المزيد من الإساءة والتشويه لمرامي في الغالب منها سياسية وعقديه أحيانا، لينالوا من خلاله الإساءة إلى النبي محمد وإلى الإسلام الثورة والتغيير من خلال الدس والتشويه وأختلاق الروايات والأحاديث الكثيرة ونسبتها للسيدة عائشة بما فيها من إنحرافات وأخبار كاذبة وأحيانا حتى تتعارض مع نصوص وأحكام الإسلام، فضلا عن معارضتها للعقل والمنطق والعرف الأجتماعي السائد في فترة النبوة، ويمكن للجميع أن يرى ويلتمس هذا المنهج المزيف في بطون وروايات الصحاح والمسانيد وكتب الحديث عند كل المسلمين، فمن يروي تلك الأحاديث والقصص أما مدفوعا بأثر النزاع الفكري والسياسي الذي نشأ بعد عهد طويل من حياة النبي والسيدة عائشة أو تحت عناوين مذهبية أملتها دواعي التنافس والتنازع بين المسلمين أنفسهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*. أن السيدة عائشة تزوجت الرسول بعمر الـ (18) سنة على التقدير الصحيح, وليس (9) سنوات, وأن هذه الرواية التي أخرجها البخاري ببساطة رواية فاسدة النص ومرتابة السند, لأنها تخالف الشرع والعقل والأحاديث الصحيحة والعرف والذوق والعادة، كما تخالف بشدة قصوى الخط الزمنى لأحداث البعثة النبوية, فلا يجب أن نجل البخاري ومسلم أكثر مما نجل الرسول الكريم, فلنا أن نقبل ما رفضوه وأن نرفض ما قبلوه, فالإسلام ليس حكرا على الفقهاء والمحدثين ولا على زمانهم فقط, لذا فإننا نستطيع وبكل أريحية أن نستدرك على كل كتب الحديث والفقه والسيرة والتفسير, وأن ننقدها ونرفض الكثير مما جاء بها من أوهام وخرافات لا تنتهى, فهذه الكتب في النهاية محض تراث بشرى لا يجب ولا ينبغي أن يصبغ بالقدسية أو الإلهية أبدا, فنحن وأهل التراث فى البشرية على درجة سواء, لا يفضل أحدنا الآخر, فصواب أعمالهم لأنفسهم والأخطاء تقع علينا. أنظر بالتفصيل الحجج الدامغة والأدلة العقلية في ذلك من خلال الرابط التالي _ زواج النبي من عائشة وهى بنت 9 سنين كذبة كبيرة في كتب الحديث. https://www.youm7.com/story/
** نفس المصدر السابق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سيول دبي.. هل يقف الاحتباس الحراري وراءها؟| المسائية


.. ماذا لو استهدفت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية؟




.. إسرائيل- حماس: الدوحة تعيد تقييم وساطتها وتندد بإساءة واستغل


.. الاتحاد الأوروبي يعتزم توسيع العقوبات على إيران بما يشمل الم




.. حماس تعتزم إغلاق جناحها العسكري في حال أُقيمت دولة فلسطينية