الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحو دور قضائي لديوان الرقابة المالية الاتحادي في مجال المخالفات المالية

احمد طلال عبد الحميد
باحث قانوني

(Ahmed Talal Albadri)

2021 / 1 / 6
دراسات وابحاث قانونية


يعد ديوان الرقابة المالية الاتحادي من المؤسسات الرقابية العريقة ، حيث مرت الرقابة المالية في العراق بعدة مراحل، ففي البداية تم إنشاء (دائرة تدقيق الحسابات العامة) بموجب القانون رقم (17) لسنة 1927 متأثراً بالنظام القانوني الانكليزي، ثم تلاه قانون ديوان الرقابة المالية رقم (42) لسنة 1968 الذي جعل الديوان بمثابة النائب والوكيل عن السلطة التشريعية فيما يتعلق بالرقابة على نفقات السلطة التنفيذية، ثم تلاه قانون ديوان الرقابة المالية رقم (6) لسنة 1990 الذي عدل في فترة الاحتلال الأمريكي للعراق بموجب أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلة) رقم (77) لسنة 2004، ثم صدر أخيراً قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم (31) لسنة 2011 ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4217) في 14/تشرين ثاني/2011، وعدل بموجب قانون التعديل الأول رقم (104) لسنة 2012 ونشر في جريدة الوقائع العراقية بالعدد (4265) في 28/1/2013، وهو من الهيئات المستقلة التي نص عليها دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ويرتبط بمجلس النواب استناداً للمادة (103) منه ، وهو يعد أحد أجهزة الرقابة الخارجية التي تعمل وفق فلسفة ايجاد جهة محايدة ومستقلة تتولى مهمة الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، وبرغم صدور قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي رقم (31) لسنة 2011، إلا أن القانون المذكور تضمن العديد من نقاط الضعف التي تشكل تراجعاً كبيراً عن مكتسبات الديوان التي حازها منذ تأسيسه قبل أكثر من (70) عاماً، وهذه النقاط تشكل قصوراً في نصوص القانون الموضوعية والفنية المتعلقة بعمل ديوان الرقابة المالي الاتحادي وأدواته، وحتى نضمن لهذا الديوان تحقيق أهدافه في الحفاظ على المال العام من الهدر والتبذير وسوء التصرف وضمان كفاءة استخدام حسب نص الماة (4/أولاً) من قانون الديوان سابق الذكر، فاننا نرى ضرورة ان يمارس ديوان الرقابة المالية دوراً قضائياً فيما يتعلق بالمخالفات المالية تحديداً وضرورة تمييز المخالفة الادارية عن المخالفة المالية كما هو الحال في فرنسا ومصر ، فمن قراءة وتحليل نصوص قانون ديوان الرقابة المالية الاتحادي نجد أنه لا يمارس أي دور قضائي في مجال فرض الجزاءات على المخالفات المالية، كما أنه يمارس دور محدود وضيق في مجال التحقيق الإداري، وبرغم من أن إنشاء ديوان الرقابة المالية الاتحادي يستند الى الدستور المادة (103) منه ، إلاّ أن المشرع الدستوري لم يتجه لاعطاء الديوان أي سلطة قضائية في مجال الرقابة على مشروعية القرارات المالية الصادرة من الإدارة، في حين أتجه المشرع الدستوري لاخضاع القرارات الإدارية لرقابة المشروعية عندما نص على إنشاء مجلس الدولة ليضطلع بمهام القضاء الإداري باعتباره هيئة قضائية مستقلة إلاّ ان هذا النوع من الرقابة ليسَ تلقائياً وانما يتحرك بناءً على طلب من ذي مصلحة يقدم للقضاء الإداري للطعن بعدم مشروعية قرارات الإدارة ، وهذا مانص عليه الدستور في المادة (100) و(101) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، وكذلك المادة (1) من قانون مجلس الدولة رقم (71) لسنة 2017 في حين أن الرقابة المالية القضائية تتحرك تلقائياً من الجهاز الرقابي مباشرة دون أن تكون هنالك دعوى إذ تعتبر الرقابة هذه من النظام العام تتولاها أجهزة إدارية ذات طابع قضائي.
ففي الدول التي تمارس فيها أجهزة الرقابة المالية العليا دوراً قضائياً خالصاً في حماية الاموال العامة ومراقبة الحسابات واعمال المحاسبين تكون قرارات القضاء المالي تتمتع بقوة تنفيذية كالتي تتصف بها الاحكام القضائية كما هو الحال بالنسبة لمحكمة المحاسبات في فرنسا ومحكمة المحاسبات التركية (TCA) وديوان المحاسبة اللبناني الذي يُعد محكمة إدارية تتولى القضاء المالي والتي تتولى الى جانب مهامها الرقابية محاكمة المسؤولين عن مخالفة القوانين والأنظمة المتعلقة بها ، وكذلك الحال بالنسبة لمجلس المحاسبة الجزائري فهي مؤسسة تتمتع باختصاص إداري وقضائي ويمارس المهام الموكلة إليه باعباره هيئة عامة ذات طابع قضائي، إذ بموجب الأمر (95 - 20) الصادر في 17/7/1995 المعدل والمتمم بالأمر (02-10) أصبح مجلس المحاسبة الجزائري أكثر فعالية في إطار ممارسة رقابة الانضباط في مجال تسيير الميزانية والمالية، إذ يمارس دور رقابي إداري وقضائي، وقدر تعلق الأمر بالدور القضائي للمجلس فإنه يمارس الرقابة بصفته هيئة من هيئات القضاء الإداري الخاصة على وفق ما ذهب إليه الفقه في فرنسا حول طبيعة محكمة الحسابات الفرنسية، مع إمكانية الطعن بأحكام وقرارات هذه المحكمة أمام مجلس المحاسبة نفسه وأمام جهة قضائية خارجية، وتشمل الرقابة القضائية كافة الحسابات العامة للهيئات المذكورة في المواد (7-12) من الأمر (95-20) المعدل ، حيث ينظر الطعن بالاستئناف من قبل مجلس المحاسبة ذاته مشكل من كل الغرف القضائية عدا الغرفة التي أصدرت القرار محل الطعن ويتم اتخاذ القرار في الطعن الاستئنافي بأغلبية الأصوات، وتكون قرارات مجلس المحاسبة قابلة للطعن بطريق النقض أمام مجلس الدولة الجزائري استناداً للمادة (1) من القانون العضوي رقم (98-58) ، وفي العراق : نلاحظ أن ديوان الرقابة المالية الاتحادي يفتقر الى الأطر الدستورية والتشريعية لمباشرة الاختصاصات القضائية كقضاء مالي مختص، كما أن مقومات التحول الى القضاء المالي يتطلب تغيير فلسفة النظام الرقابي في العراق من الرقابة ذات الطابع الإداري الى رقابة قضائية، وتغيير البنية الهيكلية للديوان ليتألف من قضاة ومراقبين ومدققين حسابات وإداريين إضافة لتغيير بنيته الوظيفية ليمارس نوعين من الرقابة المالية ذات الطابع الإداري والقضائي وزيادة الصلاحيات المقررة لمجلس الديوان، إلا أن وضع الديوان الحالي يسمح باجراء تعديلات تشريعية تمنحه الاختصاص القضائي في مجال فرض الجزاءات على مرتكبي المخالفات المالية من خلال أعطاء الديوان صلاحيات التحقيق والتحري الإداري والمالي وفق تنظيم خاص ومنح رئيس الديوان صلاحية الاحالة الى محكمة مالية متخصصة تلحق بالديوان تتولى فرض جزاءات على مرتكبي المخالفات المالية حصراً وهذا يقضي تحديد مفهوم المخالفة المالية ونطاقها وأنواعها، ونوع الجزاءات، وجهة الطعن استئنافاً وتمييزاً، وهذا يقتضي وجود تنظيم قانوني متكامل من حيث تشكيلة المحكمة واختصاصاتها وإدارتها واجراءات المرافعة والاثبات وحجية الاحكام التي تصدرها واجراءات المراجعة وجهات الطعن الاستئنافي والتمييزي، وجدير بالإشارة إليه ان المحاكم المالية ليست بغريبة على نظامنا القانوني، إذ سبق وأن تضمنت المادة (64) قانون البنك المركزي العراقي رقم (56) لسنة 2004 النص على تشكيل (محكمة الخدمات المالية) وتتكون تشكيلة المحكمة من خمسة قضاة وهي تختص بمراجعة القرارات والاوامر التي يصدرها البنك المركزي وتنفذ أحكامها كغيرها من أحكام المحاكم الاخرى، إذ تعد هذه المحكمة أول محكمة مالية شكلت بالعراق تختص بمراجعة نشاطات البنك المركزي العراقي د.احمد طلال البدري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عائلة فلسطينية تقطن في حمام مدرسة تؤوي النازحين


.. الفايننشال تايمز: الأمم المتحدة رفضت أي تنسيق مع إسرائيل لإج




.. رئيس مجلس النواب الأمريكي: هناك تنام لمشاعر معاداة السامية ب


.. الوضع الإنساني في غزة.. تحذيرات من قرب الكارثة وسط استمرار ا




.. الأمم المتحدة تدعو لتحقيق بشأن المقابر الجماعية في غزة وإسرا