الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وللقدر كلمةٌ أُخرى … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 1 / 6
الادب والفن


الاخوات .. ساجدة وماجدة من رحم واحد ، لكن ميولهن مختلفة او متناقضة ، فالاولى اي ساجدة تعشق الادب بكل اشكاله ، وتموت فيه ، ونادرا ما تراها تقضي ليلها بدون كتاب تقرأه في الرواية او المسرح او النقد …تعرف الادباء العرب ، والاجانب بأسمائهم الحقيقية ، وليس اسماء الشهرة ، وحتى سيرة حياة كل واحد منهم تقريبا ، وتتابع اخبار الفن الراقي ، والثقافة بالساعة …
اما اختها ماجدة … فلا تستأثر الثقافة باهتمامها ، ولا بأي شئ آخر يتعلق بها ، وبالخصوص الادب فهي لا تطيقه ، ولا تطيق مدمنيه من المعقدين كما تسميهم … اهتمامها اولا واخيرا بالملابس ، والموضة ، وتسريحات الشعر ، والاتيكيت … وغيرها من سطحيات الامور ، ولا تطيق المطالعة ابداً .. فهي تبدي تعجبها ، واستغرابها ممن يقرء ساعات دون ان يغفو بعد دقائق على الكتاب او في احسن الاحوال يصاب بالصداع ، ويتناول حبة او اثنين من الاسبرين …
لكنها في مجال اهتمامها تعرف كل مصممي الازياء العالميين ، وآخر اخبار العروض ، واحدث الافلام السينمائية ، وآخر اخبار النجوم المثيرة ، وحكاياتهم .. حتى ، وهم في السرير ، ومن هو اللقيط فيهم ، ومن هو الابن الشرعي … وساجدة بدورها ايضاً تبدي دائماً تعجبها ، واستنكارها الشديدين لمن يستهلك الوقت الثمين في امور أخرى تسميها بالتافهه بصحبة شئ آخر غير الكتاب …
فكان لكل واحدة منهن حياتها ، ولا دخل للاولى بحياة الثانية ، والعكس صحيح ، والحياة ماشية على هذا القياس المعتدل ، والمنطقي ، والمتوازن ، ولا مشاكل بألمرة … الاسرة سعيدة ، ومنسجمة ، والوالدين رأسهم بارد ، والحياة ما احلاها … لكن هذا الامر لا يعجب بالتاكيد القدر صاحب القرار الفصل في حياتنا ، ولا راد لامره !
هل يوجد مخلوق واحد على سطح هذا الكوكب يستطيع معاندة القدر ، وينفرد بصنع مستقبله بنفسه متحدياً هذا الذي نسميه بالقدر الذي يحشر انفه في الصاعدة ، والنازلة ؟ لا يوجد … من نحن حتى نستطيع صنع مستقبلنا بانفسنا دون ان يخطه لنا القدر ؟ ولا شئ … ! مجرد كتل من اللحم نصفها معدة ، والنصف الاخر اعضاء تناسلية … تمشي على اثنين ، واحياناً على اربع ، والناس معادن !
في طرف آخر من المدينة … الاخوين محمد ، ومحمود ايضا اشقاء من رحم واحد ، ولكن ميولهم ليست واحدة .. فمحمد له نفس ميول ساجدة الادبية ، والثقافية ، وهو نسخة ذكورية متطابقة منها في كل شئ ، وبالذات الاهتمام المشترك بالثقافة بشكل عام ، وبالخصوص منها الادب ، والفن التشكيلي ، والباليه ، وغيرها من الفنون الراقية الاخرى .. أما محمود فلا ميول له الا في السيارات ، وموديلاتها ، وانواعها ، والملابس ، والرقص ، وقصات الشعر للذكور ، وتسريحات الشعر للاناث ……
يعني الامر غاية في البساطة ، ومحلول لاي انسان عنده ذرة عقل ، او حتى خبل ، فيكون التوزيع : محمد مع ساجدة ، ومحمود مع ماجدة ، هكذا يقول العقل ، وهكذا يقول المنطق ، وهو ما نريده ويريده الكل … وينتهي الامر … ماذا عن القدر ولي امرنا ، وصاحب القرار النهائي في حياتنا ، ومسيّرها ، ومنغصها … هل يتفق مع هذا المنطق ام له كلمة أخرى ؟
اكيد له … فهو يتدخل ، ويحشر انفه كعادته دائماً ، ويعكس الاية ، فيكون عنده الصح خطأ ، والخطأ صح … ويكون محمود زوجاً لساجدة ، ومحمد زوجا لماجدة هكذا ببساطة ، وبمنتهى الغباء … اي الثقافة مع اللاثقافة ، واللاثقافة مع الثقافة … هذا ما خطه القدر ، وغادر !
ومن هنا تأتي التعاسة … وتُخلق المشاكل الزوجية من طلاق ، وتشريد للاطفال ، وعنف ، وجرائم ، وخيانة ، وغيرها من المشاكل الاسرية … ليس لقلة المنتوج ، وانما ببساطة لسوء التوزيع ..
تتم الخطبة ، وكما يعرف الكل ان فترة الخطبة هي في حقيقتها فترة التصنع ، والتكلف ، والزيف ، والخداع ، وغياب الصراحة ، والضحك على الذقون ، ولا يمكن التعويل عليها في قياس نجاح او فشل مشروع الزواج المرتقب … فادعت ساجدة على ضرسها حبها للسيارات ، والملابس مجاراةً لخطيبها محمود ، وهذا ما بادلها به محمود من ادعاء حبه الكاذب للادب ، واضاف عليها من عندياته الفلسفة ، والمنطق لزيادة التقارب ، وتكثير المحبة الهشة ، والسريعة الكسر … ساجدة كانت تعرف انه يكذب ، وخطيبها محمود كان يعرف هو الآخر انها تكذب ، وتنسحب هذه التمثيلية على ماجدة ، ومحمد … وهكذا يعيش الكل في كذبة كبرى !
فيتم العرس ، وتقام الافراح ، والليالي الملاح ، ويبدء شهر العسل … وطبيعي لابد ان يأتي اليوم الذي يذوب فيه الثلج ، ويبان المرج … فيقوم الاربعة بسفرة سعيدة مشتركة الى شمال البلاد ، وتبدء اولى ملامح النقار ، والخلاف بين المتناقضات الحادة الاربعة .. فالزيت لا يمكن خلطه مع الماء ، لا يطيق الاول الثاني …
فيبدء محمد بالتململ من زوجته ماجدة التي يصفها بالسطحية ، والعديمة الفهم ، وفي ساعات الغضب ، والشدة بالغباء في اهم ، وامتع شئ في الحياة الا ، وهو الادب .. منشط العقل ، وباني الذوق ، والشخصية ، ومهدم الوهم والخرافة ، ورافض للدجل والخزعبلات والترهات … وينسحب هذا على ساجدة التي ترى في زوجها محمود شخصاً باختصار ، ومن الآخر .. سطحي ، وتافه ، وهذا التشخيص ، والوصف القاسي على ذمة ساجدة ، ولا دخل لنا في الامر … !
الاعتيادي عند كل زوجين ان يجلسوا مع بعض على مقعد واحد في الباص … يتبادلون الاحاديث ، فتنفتح امامهم دنيا جديدة من الاحلام ينسجون منها بخيالهم عالما افتراضيا جميلا لهم ، ولأطفالهم في المستقبل ، ويخططون لقادم الايام والسنين ، وطبيعي ايضا عندما ينتهون من كل هذه الامور العائلية .. يعرّجون على الاهتمامات المشتركة الاخرى فيذوبون في بوتقة واحدة ، ويحلمون نفس الحلم … لم لا وهم من ذوي الاهتمام المشترك ، والرؤية الواحدة …
اما اذا جلس زوجان من مختلفي او متناقضي الاهتمام فلك ان تتصور المشهد … فترى الزوجة تهرب بنظرها الى النافذة ، وهي تتظاهر بمتابعة المناظر الطبيعية ، وغير الطبيعية … حتى ولو كانت غير خلابة ، وقبيحة .. هربا من زوجها الذي يصدع راسها باهتماماته ، واحاديثه السخيفة ، والبعيدة كل البعد عن ميولها ، واهتماماتها … وهذا ما فعله محمود مع ساجدة … ظل يهذي في حديث ممل عن السيارات ، ونوع المكائن في اللومبرديني ، ومن هم ابطال الرالي للعام الماضي ، ومن هو المرشح للفوز هذا العام ، فهو شخصيا يرشح شوماخر ذ جونيور ، ويسألها رأيها ، فتتجاهله ، وتتجاهل سؤاله السخيف ، فهي لا تعرف الاب ، فكيف لها بالابن … !
ماذا تفعل ساجدة زوجة محمود مضطرة ؟
تتحايل ، وتخلق الاعذار ، وتجلس بجانب محمد ، وهي تقول في جذل : هذا مكاني الطبيعي ، وابتسامة الرضا تملأ وجهها ، ويستمرون في حديثهم المعمق عن الادب ، والادباء … مستمتعين بلحظات من نشوة الانسجام ، والتوافق الفكري بالغة الندرة ، والتي تغمر العروق فتعطيها حياة ، وهو ما تفعله شقيقتها ماجدة .. تتسلل بدورها لتجلس مع محمود ، وتعطيه توقعها بفوز شوماخر ذ جونير في الرالي القادم ، ويعم الانسجام ، ويتوازن الميزان ، ويقل النقار بل ينعدم … تنتهي كل الخلافات بالمزيد من القبل المحمومة ، ويعود الزوج الزعلان الى فراشه بجوار زوجته ، وكل شئ يسير باتجاهه الصحيح ، وتعود الامور الى طبيعتها …
هناك اعتلال في الكون سببه الرئيسي سوء توزيع كل شئ في الحياة ، وليس في الزواج فقط … لهذا لا تتوقع ان ينتهي يوما الفقر ، والحرمان ، والظلم ، والعذابات بكل اشكالها … والالم !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ


.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني




.. بعد فيديو البصق.. شمس الكويتية ممنوعة من الغناء في العراق