الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلد غنيّ و شعب فقير و حكام (مْخانب) 2/1

محمد بن زكري

2021 / 1 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


* تحميل المواطن تكلفةَ فساد السلطة الحاكمة

في كل نظم الحكم الاستبدادي التسلطيّ ، ذات الاقتصادات الريْعيّة و الراسمالية الطفيْليّة (غير المنتجة) و ما قبل الراسمالية ، بالدول المحيطية المستتبَعة ، و المصنفة - معياريا - كدول متخلفة اجتماعيا و اقتصاديا و ثقافيا ؛ يحدث ما حدث (قبْلاً) بالضرورة ، في دول الشرق الأوسط و شمال أفريقيا العربفونية ، و ما لا زال مستمر الحدوث بها ، في إطار النظام الاجتماعي الراسمالي المتخلف ؛ كما هو الحال في مصر السيساوية ، و في ليبيا الفبرائرية (و خاصة خلال السنوات التالية لاتفاق الصخيرات) ، و في لبنان و العراق .. من الإمعان الحكومي في الأخذ بسياسات إفقار الفقراء و دعم ثراء الأثرياء .
ففي هذه الدول الطرفية ، في نظام العولمة الراسمالي ، التي يسودها الاستبداد و الفساد ؛ كلما أفرزت السياسات الاقتصادية و المالية و النقدية أزمةً جديدة من الأزمات الاقتصادية الدورية ، التي تُعتبر سمة رئيسة من سمات النظام الراسمالي ؛ فتراجع الناتج المحلي الإجمالي ، و عجزت الإيرادات السيادية عن تمويل الموازنة العامة للدولة ، و ارتفعت معدلات التضخم ، و تفاقمت ظاهرة البطالة ، و انخفضت القدرة الشرائية للعملة الوطنية ، و انهار مستوى المعيشة لأغلبية السكان ، و تكدست الثروة في أيدي قلة قليلة من الناهبين ، و اتسعت قاعدة الفقر و العوز ، و طال الفقر قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى ؛ كلما سارعت الحكومة إلى تطبيق روشتة صندوق النقد الدولي و البنك الدوليين ، لإعادة هيكلة الاقتصادات الموشكة على الانهيار و الإفلاس و المثقلة بالمديونية .
فحكومات هذه الدول الطرفية ، المرتبطة ارتباط تبعية مطلقة بالنظام الراسمالي المعولم ؛ نجدها بدلا من أن تعيد النظر في العملية الاقتصادية منظورا إليها على أنها عملية اجتماعية ، أو أن تعالج الاختلالات و التشوهات الاقتصادية ، بتدابير إجرائية فاعلة تُنفّذ واقعيا و بحزم ، مِن قبيل : مكافحة الفساد ، و تفعيل قوانين حماية المال العام ، و فرض ضرائب تصاعدية على أرباح شركات القطاع الخاص ، و تحسين جباية الضرائب و تحصيل الرسوم الجمركية ، و حظر و تجريم المضاربة بالعملة في السوق السوداء ، و تخطيط الاقتصاد ، و ترشيد السياسات النقدية ، و ضبط الإنفاق الحكومي .. وما إلى ذلك من الإجراءات العلاجية الجريئة الصحيحة ؛ فإنها حتى تغطي عجز الموازنات العامة ، تعمد إلى (إجبار) المواطن العادي محدود الدخل ، على دفع فاتورة فشل سياسات تحرير قوى السوق و الآثار الكارثية لممارسات الفساد الحكومي (سطوا على المال العام ، وهدرا للموازنات) ؛ فتلجأ إلى تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي لإعادة هيكلة الاقتصاد الوطني راسماليا ، بعديد من تدابير استقالة الدولة من دورها الوظيفي الأساس كهيئة مؤسسية ضامنة ، ذهابا إلى : رفع الدعم - جزئيا أو كليا - عن السلع الغذائية الأساسية و الدواء و المحروقات ، و التخلي عن - أو التنصل من - مسؤوليتها في توفير حق العمل للمواطنين ، و تخفيض الإنفاق على الخدمات العامة ... حتى ينتهي بها التخبط و الفساد إلى ارتكاب جريمة خصخصة مؤسسات و شركات القطاع العام (ذات الربحية العالية) المملوكة للشعب كالبنوك و شركات الاتصالات و نشاط توزيع الوقود .. إلخ ؛ سواء بحجة الإصلاحات الاقتصادية .. على نحو ما يفعله حكام فبراير الآن . أم بدعوى توسيع قاعدة الملكية (!) و الانفتاح الاقتصادي ، على نحو ما فعله النظام السابق ، فكانت النتيجة انتفاضة فبراير (التي انتهت إلى ثورة مضادة و نكبة كبرى و انتكاسة لحركة التاريخ) .
و الأخطر في أمر تلك التدابير الترقيعية المحكومة - حتما - بالفشل ، هو أن تذهب السلطة إلى (تعويم العملة) ، أو فرض الرسوم الضريبية على مبيعات النقد الأجنبي ، كما فعلت حكومة الكومبرادور و الصيرفة الإسلامية ، برئاسة فائز السراج . أو الذهاب إلى تخفيض سعر صرف العملة الوطنية مقابل الدولار ، كما فعل بنك ليبيا المركزي - بإجماع مجلس إدارته - يوم الأربعاء الأسود 16 ديسمبر 2020 . و لا زال ثمة ما هو أسوأ و أشد إجراما بحق الأغلبية المفقرَة في ليبيا . هذا ، مع أنه من أغرب المفارقات إغراقا في اللامعقول ، أن يصل الاقتصاد الليبي إلى هذا المستوى الخطير من الانهيار ، أو أن يكون في ليبيا فقراء أصلا ؛ رغم مئات المليارات من عائدات بيع النفط و الغاز ، و قلة عدد السكان !
و كما سدد الشعب الليبي قيمة فاتورة : رسملة الاقتصاد الوطني ، و تخبط السياسات الاقتصادية و المالية و النقدية للحكومة ، و الفساد المالي و الإداري المستشري في أجهزة الدولة ؛ متمثلة في فرض رسم ضريبي على مبيعات النقد الأجنبي ، و ذلك عندما اشترى المواطنون - غصبا عنهم - مختلف السلع المستوردة بسعر 3,90 دينار للدولار الواحد ، اعتبارا من 19 سبتمبر 2018 . ثم بسعر 3,60 دينار للدولار الواحد ، اعتبارا من 30 يوليو 2019 ، فتم بذلك استنزاف مداخيلهم المحدودة و (نهب) مدخراتهم ، حتى لقد شارفت الطبقة الوسطى على الاختفاء . علما بأن تَحسُّن سعر الدينار (لفترة وجيزة) مقابل الدولار ، في السوق السوداء (التي تقود العملية الاقتصادية في ليبيا) ، كان حينئذ نتيجة لزيادة واردات بيع النفط ، و ليس نتيجة لاصلاحاتهم الاقتصادية المزعومة .
فكذلك سيدفع الشعب الليبي (المنكوب) قيمة فاتورة سياسات حكومة الكومبرادور و الصيرفة الإسلامية ، متمثلة في التكلفة الباهظة - اقتصاديا و اجتماعيا - لقرار بنك ليبيا المركزي بتوحيد سعر صرف العملة الوطنية عند 4,48 دينار للدولار الواحد (بدلا من نحو 1,40 دينار = 1 دولار) ، و بذلك ستكون النتائج أشد كارثية مما سبق ، و ليس أقل من تدهور القيمة الشرائية للدينار ، بنفس نسبة تخفيض سعره ؛ حيث إن القيمة الشرائية للدينار ستنخفض بنسبة 320% ، أي أن القيمة الفعلية لمرتب 1000 دينار ، ستهبط في السوق إلى 312,5 دينار . و القيمة الفعلية لمعاش تقاعديّ 450 دينار ، ستهبط في السوق إلى 140,6 دينار .
و حسب بيانات بنك ليبيا المركزي ، كانت عائدات - و لا يصح أن تسمى إيرادات - فرض الرسم الضريبي على مبيعات النقد الأجنبي ، على النحو التالي : 13,232.4 مليار دينار لسنة 2018 (13,252,174,636 مليار حسب تقرير ديوان المحاسبة) / 23,447.3 مليار دينار لسنة 2019 / 15,227 مليار دينار للفترة من 1 يناير إلى 30 نوفمبر 2020 .
و لقد دفع المواطنون محدودو الدخل تلك المبالغ ، استقطاعا من رواتبهم المتواضعة و معاشاتهم التقاعدية البائسة ، و على حساب جوع عائلاتهم ؛ دون أن يعود شيء منها إيجابيا على مستواهم المعيشي المتدهور ، حيث ذهبت إلى تغطية تكلفة الفساد المالي و هدر المال العام و سفه السياسات الاقتصادية و المالية لحكومات دولة (المخانب) ، على مستويات الأداء الرسمي كافة .
و ليس من أدنى شك ، أن حجم الكارثة ، سطوا على جيوب المواطنين ، لسنة 2021 ، سيكون - أضعافا مضاعفة - أبشع من سابقاتها الثلاث ، نتيجة لقرار بنك ليبيا المركزي بتخفيض قيمة العملة الوطنية ؛ المصاغ و الموَجّه لخدمة غرضين اثنين هما : تمويل عجز الموازنة ، و إطفاء الدين العام المترتب عن الحرب على طرابلس و إيقاف تصدير النفط . بالتقاطع مع خدمة مصالح القطاع الخاص .


* القطاع الخاص المدلّل !
و يستمر الحكام (المخانب) بدعم الديناصورات اللاحمة .. على حساب البراغيث ! فلا يكتفون بما اقترفوه عمدا مع سبق الإصرار و الترصد - بتاريخ 19 سبتمبر 2018 - من مؤامرة القرار رقم 1 لسنة 2018 ، بفرض رسم ضريبي قيمته 183% على مبيعات النقد الأجنبي ، باسم الإصلاحات الاقتصادية ؛ لتحميل المواطن دفع تكلفة الفساد الحكومي و سياسات تحرير السوق و السطو - بالقانون - على المال العام . (أنظر الرابط)
https://www.lana-news.ly/art.php?id=137164&lang=ar&p=4
بل يبلغ بهم جنون الاستبداد بالسلطة و الاستهتار بالشعب ، أن يبقى رئيس حكومة الكومبرادور و الصيرفة الإسلامية - وبصفته رئيسا للمجلس الرئاسي - وفيّاً لمهنته (كتاجر) و منحازا لطبقة الوكلاء التجاريين التي يمثلها ؛ فيُصدر - بتاريخ 1 أبريل 2020 - قرارا ، يعفي بموجبه القطاع الخاص من غرامة التأخير (التأخر بسداد الضرائب) المستحقة عليهم لمصلحة الضرائب ، زائدا إعفاء التجار و (رجال الأعمال) من سداد قيمة الانتفاع (الإيجارات) المستحقة عليهم للخزانة العامة مقابل انتفاعهم بالمحلات و العقارات المملوكة للدولة ! (أنظر الرابط)
https://lana-news.ly/art.php?id=167250&lang=ar
و المبرر ، هو تعويض المموِّلين (التجار) ، عن (الخسائر !) اللاحقة بهم ، جرّاء الإغلاق الجزئي لمراكز التسوق و المجمعات التجارية (المولات) و أسواق السوبر ماركت و مخازن تجارة البيع بالجملة ، بسبب كورونا !
و بالمقابل فإن المجلس الرئاسي (السرّاج / مْعيتيق) لحكومة الكومبرادور ، لم يتخذ - و لا و لن يفكر باتخاذ - أي قرار بصرف تعويض للعاملين باليومية .. و لو لإطعام أطفالهم وقايةً من الجوع ، أو بصرف (تعويض بطالة) للمعطلين عن العمل ، حقاً لهم - بلا مِنة و بلا منازع - في ثروة بلادهم !
فرئيس حكومة الكومبرادور (الوكلاء التجاريين و السماسرة) ، يسارع في دعم التجار و رجال الأعمال (القطاع الخاص) ، على حساب الخزانة العامة للدولة ، بالرغم من أن حكومته أطلقت لهم العنان ، في نهب جيوب المستهلكين ، و رفع الأسعار بنسب تتجاوز 1000% عما كانت عليه قبل توليه رئاسة السلطة التنفيذية .
و المجلس الرئاسي ، لما يسمى حكومة الوفاق (الوطني) ، أقدم على ارتكاب ذلك القرار (اللاوطني) ؛ دون أن يكلف نفسه عناء التفكير في باقي أحوال (رعيته) ، باتخاذ التدابير الإجرائية اللازمة (الضرورية و الملحة جدا) التالية :
1 : إصدار قرار بتقرير و صرف (تعويض بطالة) للمواطنين المعطلين عن العمل ، و التأمين ضد البطالة .
2 : اتخاذ قرار عاجل ، بتعويض نقديّ للعاملين بالأجر اليومي .. الذين فقدوا أعمالهم ، نتيجة لكورونا .
3 : تطبيق القانون رقم 5 لسنة 2013 ، بتسوية أوضاع معاشات التقاعد ، و صرف مستحقات المتقاعدين (إيفاءً بالتزام قانونيّ ، و ليس منة) ، فلا زال المعاش التقاعدي لموظف حكومي خدم الدولة ثلاثين أو أربعين عاما ، مجمدا عند (450 دينارا / = 100 دولار) !
4 : فرض تسعير جبري لبيع السلع الاستهلاكية (الغذائية) و الأدوية . و فرض الرقابة الحكومية المشددة على تجارة الغذاء و الدواء .
بل إنه على النقيض تماما من ذلك ، و إمعانا في استهداف الأغلبية المفقَرة من الشعب الليبي بمزيد من فرض إجراءات التقشف ، و الدفع بالملايين من محدودي الدخل إلى ما دون مستوى خط الفقر ؛ فقد أقدم المجلس الرئاسي لحكومة الكومبرادور و الصيرفة الإسلامية (12 أبريل 2020) ، على ارتكاب القرار رقم 270 لسنة 2020 ، بتخفيض مرتبات الموظفين العموميين ، بنسبة 20% ، في وقت كانت به أسعار السلع التموينية (العلف) قد تضاعفت بنسب لا تقل عن 200% (زيت الذرة / مثلا) ، و أسعار الدواء و تكاليف العلاج خرجت كليّاً عن السيطرة فتجاوز ارتفاعها نسبة 1000% (الأنسولين / مثلا) ، و السيولة النقدية مختفية تماما من البنوك . (أنظر الرابط)
https://numedia.ly/2020/06/10/%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-
و بذلك يثبت الرئاسي (السراج / معيتيق) ، عدم أهليته لتحمل المسؤولية و عدم جدارته بالموقع الذي وجد نفسه فيه (بالصدفة) ، مثله في ذلك مثل باقي (حكام الصدفة) الذين أتت بهم نكبة فبراير المشؤومة . فهو و كل الآخرين (أكرر : كل الآخرين) من حكام فبراير (هابطي مستوى الكفاءة سياسيا و إداريا) ، لا يعتبرون أنفسهم مسؤولين أمام الشعب أو خدما للشعب ، بل سادة للشعب و أصحاب معالي فوق الشعب . و السرّاج كرئيس لحكومة الكومبرادور و الصيرفة الإسلامية (السماسرة) ، الذين يسمون أنفسهم (رجال أعمال) ، و ما هم في الواقع إلا عصابات مافياوية ؛ لا يهتم لجوع مئات الألوف ، ممن أفقرتهم سياسات الحكومة ، و أنهكهم اقتصاد السوق و تحرير الأسعار . بل كل همه أن لا تتأثر أرباح التجار ، جراء الظرف الطارئ لكورونا ! .
لكن العيب ليس في السراج و مجلسه الرئاسي ، ولا في المدعو عقيلة صالح و برلمانه غير الشرعيّ ( بكل البجاحة قال « فخامة » الحاج عقيلة : إن راتب 16000 دينار هو أقل ما يستحقه النائب !) ، و لا في كل حكام الصدفة ؛ فهم ليسوا أكثر من مرتزقة نكرات ، قدموا من المجهول إلى كراسي الحكم ، و طفحوا من القاع إلى قمة هرم السلطة . بل العيب كل العيب في الجماهير الرثة التي أتت بهم .. و التي فقدت شعورها بالكرامة الإنسانية ؛ فهذه الخِراف الوديعة ، تستحق تلك الذئاب المفترسة .
و إذا كان صحيحا أنّ : " كلُّ شعبٍ .. يستحقُّ حكامَه " . فالصحيح أكثر ، هو أنّ : كلُّ قطيعٍ .. يستحقُّ رعاتَه مِن الذئاب .
يُتبع / جزء 2








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - استدراك للتصحيح .. و أعتذرُ بشدة عن الخطأ
محمد بن زكري ( 2021 / 1 / 15 - 00:06 )

في الجزء الثاني من هذا المقال ، ورد سهوا : - ... بدلا من تحركه حول متوسط 1,7 دينار مقابل 1 دولار ، وفقا للنشرة اليومية .... - .

و الصحيح هو : - ... بدلا من تحركه حول متوسط 1,37 دينار مقابل 1 دولار ، وفقا للنشرة اليومية ... -

لذا وجب التصويب و الاعتذار للقارئ

اخر الافلام

.. توقيف مساعد نائب ألماني بالبرلمان الأوروبي بشبهة التجسس لصال


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تهز عددا متزايدا من الجامعات




.. مسلحون يستهدفون قواعد أميركية من داخل العراق وبغداد تصفهم با


.. الجيش الإسرائيلي يعلن حشد لواءين احتياطيين -للقيام بمهام دفا




.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال