الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صّ في حفل تخرّج لروائية أميركية: إن الحياة مرض لا شفاء منه

سليم نزال

2021 / 1 / 9
مقابلات و حوارات


صّ في حفل تخرّج لروائية أميركية:
إن الحياة مرض لا شفاء منه

سليم نزال



هذا النص ألقته الروائية الأميركية آنا كويندلين، الحائزة جائزة بوليتزر، في احدى الجامعات
إثر نيلها شهادة الدكتوراه الفخرية في حفل تخرج، وأنقله هنا الى العربية لما يختزن من معان انسانية وروحية. كتبت: "أنا روائية. جوهر عملي يتمحور على الطبيعة الانسانية، والحياة الواقعية هي كل ما أعرفه، فلا تتحيروا إذاً ولا تخلطوا بين الأمرين، حياتكم وعملكم. عصر اليوم ستغادرون هذا المكان وفي حوزتكم أمر لا يملكه أحد سواكم. عشرات الاشخاص يحملون الدرجة العلمية عينها، والألوف منهم سيفعلون ما تفعلونه للعيش. لكنكم، لكنك ستكون الوحيد الذي يملك السيادة على حياته، الحياة "الجوانية"، لا الحياة خلف المكتب او شاشة الكومبيوتر، او خلف المقود، او في الباص، أو في المقهى، بل حياة القلب.
ليست الحياة ما تعنيه أرقام الحساب المصرفي، او مساحة الشقة التي تسكنون، بل ما تعنيه الروح. لا احد يتحدث عن الروح أو يكترث لها في هذه الأيام، من السهولة ان اكتب عن السيرة الشخصية بدل الكتابة عن الروح وأشجان الروح. كتابة السيرة قد تبعث الراحة في ليل الشتاء البارد. ولكن عندما تكون حزيناً أو منكسراً او وحيداً ماذا يعني ذلك؟ او عندما تتسلم نتائج الفحوص الطبية والتحاليل المخبرية ولا تكون على ما يرام؟
سأضع أمامكم ملخص السيرة: أنا أم لثلاثة أولاد. حاولت دوماً ألا أدع عملي يقف في طريقي كأم صالحة. لا اعتبر نفسي محور الكون. أتحرك في الحيز العام. أصغي. استمع. اتفاعل. أحاول ان اضحك. أنا صديقة مخلصة لزوجي، وصديقة وفية لاصدقائي، وهم كذلك. من دونهم ليس لدي ما أقوله اليوم لأنني أكون مجرد ورقة مهملة. لذا أهاتفهم وألتقيهم الى الغداء.
من دونهم يأكلني الصدأ. اتعفن. وفي أفضل الأحوال أكون مجرد وسيط في عملي.
اذا كان كل ما أوردته ليس حقيقة لا يمكنني أن أكون في المصاف الأول في عملي. واذا كان العمل هو كل ما أملك في الحياة فثروتي قليلة. هذا ما أود أن أقوله لكم اليوم. ابحثوا عن حياة حقيقية لا عن مطاردة مضنية للترقي في الوظيفة، ولا عن أكبر شيك، ولا عن أفخم منزل. هل تعتقد ان هذه الأمور ستهمك اذا تبين ذات يوم أن قلبك يبطئ في حركته او اذا اكتشفوا ورماً غامضاً في صدرك؟
ابحث عن حياة يمكنك فيها أن تشتم رائحة الماء المالح في عبير نسيم البحر. حياة تستطيع فيها ان تراقب الصقر الموشح بالأحمر محلقاً في دوائر فوق البحيرة. أو ملاحظاً الطفل الصغير مقترباً من قطعة الحلوى كأنها العالم ومحاولاً التقاطها بكل انتباه وتركيز المرة تلو المرة. حياة لا تكون فيها وحيداً. حياة تلتقي فيها من تحبهم ويحبونك. تذكر دائماً ان الحب ليس الفراغ أو الانتظار، انه عمل. هاتفهم، اكتب لهم رسالة بريدية او الكترونية. ابحث عن حياة تكون فيها كريماً وتحقق من ان الحياة نفسها هي القيمة الأغلى. وان الخير فيها هو ما تسعى الى نشره.
هذه اللحظات مختلفة حقاً ومتميزة ومستعادة. خذ المال الذي وفرته لمتعتك الشخصية وقدمه الى جميعة خيرية. انهمك في تحضير حساء ساخن لأمسية دافئة مع من تحب. كن أخاً كبيراً أو اختاً كبيرة. تسعى في كل ما تريده في الحياة الى أن يكون متقناً وحسناً، ولكن ان لم يكن ما تريده خيراً ونافعاً فسيبقى أبداً غير كاف وناقص. من السهل ان نضيع حياتنا وأيامنا وساعاتنا ودقائقنا. من السهل ان نتأكد من لون حدقات أطفالنا، ومن طريقة تصاعد السمفونية وهبوطها ثم تصاعدها من جديد. من السهل ان نعيش بدل ان نحيا. تعلمت ان أحيا منذ سنوات. تعلمت أن أحب الرحلة وليس المحطة. الشوق وليس الوصول. تعلمت ان الحياة ليست الاثواب التي نبدلها. اليوم هو الضمانة الوحيدة التي نملك، لا الأمس ولا الغد. تعلمت ان أنظر الى الخير في هذا العالم وحاولت ان أعيد بعضاً منه لأنني آمنت بذلك تماماً وكلياً. حاولت أن أخبر الآخرين وأفيدهم بما تعلمت وأشاركهم في خبرتي. اعتبروا من زنابق الحقل ومن زغب الشعر في إذن الطفل. افتح كتابك واقرأه وانت تحدق الى الشمس. تعلم كيف تكون سعيداً. واحسب دوماً ان الحياة مرض لا شفاء منه، لذا ستحياها بفرح وشغف وكما تستحق ان تُعاش".

سليم نزال

كويندلين، الحائزة جائزة بوليتزر، في احدى الجامعات
إثر نيلها شهادة الدكتوراه الفخرية في حفل تخرج، وأنقله هنا الى العربية لما يختزن من معان انسانية وروحية. كتبت: "أنا روائية. جوهر عملي يتمحور على الطبيعة الانسانية، والحياة الواقعية هي كل ما أعرفه، فلا تتحيروا إذاً ولا تخلطوا بين الأمرين، حياتكم وعملكم. عصر اليوم ستغادرون هذا المكان وفي حوزتكم أمر لا يملكه أحد سواكم. عشرات الاشخاص يحملون الدرجة العلمية عينها، والألوف منهم سيفعلون ما تفعلونه للعيش. لكنكم، لكنك ستكون الوحيد الذي يملك السيادة على حياته، الحياة "الجوانية"، لا الحياة خلف المكتب او شاشة الكومبيوتر، او خلف المقود، او في الباص، أو في المقهى، بل حياة القلب.
ليست الحياة ما تعنيه أرقام الحساب المصرفي، او مساحة الشقة التي تسكنون، بل ما تعنيه الروح. لا احد يتحدث عن الروح أو يكترث لها في هذه الأيام، من السهولة ان اكتب عن السيرة الشخصية بدل الكتابة عن الروح وأشجان الروح. كتابة السيرة قد تبعث الراحة في ليل الشتاء البارد. ولكن عندما تكون حزيناً أو منكسراً او وحيداً ماذا يعني ذلك؟ او عندما تتسلم نتائج الفحوص الطبية والتحاليل المخبرية ولا تكون على ما يرام؟
سأضع أمامكم ملخص السيرة: أنا أم لثلاثة أولاد. حاولت دوماً ألا أدع عملي يقف في طريقي كأم صالحة. لا اعتبر نفسي محور الكون. أتحرك في الحيز العام. أصغي. استمع. اتفاعل. أحاول ان اضحك. أنا صديقة مخلصة لزوجي، وصديقة وفية لاصدقائي، وهم كذلك. من دونهم ليس لدي ما أقوله اليوم لأنني أكون مجرد ورقة مهملة. لذا أهاتفهم وألتقيهم الى الغداء.
من دونهم يأكلني الصدأ. اتعفن. وفي أفضل الأحوال أكون مجرد وسيط في عملي.
اذا كان كل ما أوردته ليس حقيقة لا يمكنني أن أكون في المصاف الأول في عملي. واذا كان العمل هو كل ما أملك في الحياة فثروتي قليلة. هذا ما أود أن أقوله لكم اليوم. ابحثوا عن حياة حقيقية لا عن مطاردة مضنية للترقي في الوظيفة، ولا عن أكبر شيك، ولا عن أفخم منزل. هل تعتقد ان هذه الأمور ستهمك اذا تبين ذات يوم أن قلبك يبطئ في حركته او اذا اكتشفوا ورماً غامضاً في صدرك؟
ابحث عن حياة يمكنك فيها أن تشتم رائحة الماء المالح في عبير نسيم البحر. حياة تستطيع فيها ان تراقب الصقر الموشح بالأحمر محلقاً في دوائر فوق البحيرة. أو ملاحظاً الطفل الصغير مقترباً من قطعة الحلوى كأنها العالم ومحاولاً التقاطها بكل انتباه وتركيز المرة تلو المرة. حياة لا تكون فيها وحيداً. حياة تلتقي فيها من تحبهم ويحبونك. تذكر دائماً ان الحب ليس الفراغ أو الانتظار، انه عمل. هاتفهم، اكتب لهم رسالة بريدية او الكترونية. ابحث عن حياة تكون فيها كريماً وتحقق من ان الحياة نفسها هي القيمة الأغلى. وان الخير فيها هو ما تسعى الى نشره.
هذه اللحظات مختلفة حقاً ومتميزة ومستعادة. خذ المال الذي وفرته لمتعتك الشخصية وقدمه الى جميعة خيرية. انهمك في تحضير حساء ساخن لأمسية دافئة مع من تحب. كن أخاً كبيراً أو اختاً كبيرة. تسعى في كل ما تريده في الحياة الى أن يكون متقناً وحسناً، ولكن ان لم يكن ما تريده خيراً ونافعاً فسيبقى أبداً غير كاف وناقص. من السهل ان نضيع حياتنا وأيامنا وساعاتنا ودقائقنا. من السهل ان نتأكد من لون حدقات أطفالنا، ومن طريقة تصاعد السمفونية وهبوطها ثم تصاعدها من جديد. من السهل ان نعيش بدل ان نحيا. تعلمت ان أحيا منذ سنوات. تعلمت أن أحب الرحلة وليس المحطة. الشوق وليس الوصول. تعلمت ان الحياة ليست الاثواب التي نبدلها. اليوم هو الضمانة الوحيدة التي نملك، لا الأمس ولا الغد. تعلمت ان أنظر الى الخير في هذا العالم وحاولت ان أعيد بعضاً منه لأنني آمنت بذلك تماماً وكلياً. حاولت أن أخبر الآخرين وأفيدهم بما تعلمت وأشاركهم في خبرتي. اعتبروا من زنابق الحقل ومن زغب الشعر في إذن الطفل. افتح كتابك واقرأه وانت تحدق الى الشمس. تعلم كيف تكون سعيداً. واحسب دوماً ان الحياة مرض لا شفاء منه، لذا ستحياها بفرح وشغف وكما تستحق ان تُعاش".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا، أي تداعيات لها؟| المسائية


.. الاتحاد الأوروبي يقرر فرض عقوبات جديدة على إيران




.. لماذا أجلت إسرائيل ردها على الهجوم الإيراني؟ • فرانس 24


.. مواطن يهاجم رئيسة المفوضية الأوروبية: دماء أطفال غزة على يدك




.. الجيش الإسرائيلي: طائراتنا الحربية أغارت على بنى تحتية ومبان