الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روسيا في أرتساخ/غاراباغ الجبلية

آرا دمبكجيان

2021 / 1 / 9
دراسات وابحاث قانونية


روسيا في آرتساخ (غاراباغ/الجبلية)

في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 حصلت روسيا على موضع قدمٍ لها على أرض خارج حدودها تتنازع عليها دولتان أقليميتان، أرمينيا و آذربيجان. الأولى تدَّعي ملكيتها بإثباتات تاريخية، و الثانية حصلت عليها كهدية من ستالين عندما قبِلَتْ بالنظام السوفييتي الشيوعي. حصلت روسيا على تلك البقعة من الأرض من دون أن تحرِّك جندياً واحداً من جيشها و لا من خلال حرب هجينة خاضتها. و الأخيرة هي عن طريق الاستخدام المتكامل لأنواع مختلفة من الإجراءات العسكرية وغير العسكرية لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الشاملة. بل، على العكس، فقد فاوضت (أحتلالها) امام أنظار العالم و الولايات المتحدة بالذات و من دون أن يسألها أحد عن استقرارها في المنطقة.
سبقت دخول الروس حرباً كانت قائمة بين أرمينيا و آذربيجان حول آرتساخ الجبلية التي كانت من ضمن جمهورية أرمينيا السوفييتية قبل ان يهبها ستالين الى جمهورية آذربيجان السوفييتية في 1923، فتعيد قوات التحرير إستعادتها من الدولة المحتلة في 1994 بعد انهيار دولة السوفييت. أستعرت الحرب ثانية في أيلول/سبتمبر الماضي بالأعتداء الآذربيجاني المدعوم من تركيا و أفغانستان و باكستان و مرتزقة من سوريا دفعت تركيا رواتبها الشهرية، ثم حلَّت الهدنة ... و دخلت روسيا المنطقة منصورة، على الأقل ظاهرياً بأسم قوات حقظ السلام.
باعتبار روسيا الحامية التقليدية لأرمينيا كان لها تأثيراً ظاهرياً لأقناع الأخيرة بقبول وقف اطلاق النار، فتخلَّت عن مطاليبها في المنطقة و قبِلَت بالأنسحاب المشرِّف، و في الوقت نفسه حافظت على ماء وجه خصمها، آذربيجان التي عانت من خسائر أكبر. و كانت النتيجة النهائية أن دخلت روسيا المنطقة تحت مسمى حفظ السلام...و بهذا تكون منطقة آرتساخ (غاراباغ الجبلية) ملكاً صرفاً لروسيا للسنوات الخمس القادمة، مع امكانية التمديد الى خمس سنوات أخرى اذا لم تعترض أي جهة من الدول الثلاث على التمديد قبل ستة أشهر من الموعد المقرر. بطبيعة الحال، لن تعترض روسيا اطلاقاً، فهي الآن حامية البوابة لمنطقة تعتبر مركز تنويع الطاقة لأوروبا (مع تقليص الواردات الروسية منها). فإذا كانت المنطقة مهمة استراتيجياً للولايات المتحدة، فهي مهمة أيضاً للكريملين.
لن تعترض أرمينيا على خروج قوات حفظ السلام الروسية لعدم ثقتها بآذربيجان المعتدية دوماً. أصبح جلياً ان المعارك القصيرة الأمد قد أثبتت أن أرمينيا لن تخرج منتصرة من حرب تحالفت آذربيجان مع تركيا التي تموِّل مرتزقة من سوريا و باكستان و آفغانستان، و لهذا السبب على أرمن آرتساخ/غاراباغ أن يرضوا إمّا بالحكم الآذربيجاني أو حماية روسيا، فوجدت يريفان مجبرة على القبول بوصاية روسيا على أقليم آرتساخ/غاراباغ الجبلية لعدم منح العدو نصراً كاملاً، و قبلت الإرتماء في حضن روسيا. و يعني الأخير كارثة مستقبلية على أرمينيا التي لن تتمكن من ان تدير وجهها نحو الغرب و لا نحو الشرق، لا دبلوماسياً و لا اقتصادياُ...لأن روسيا ستصبح السيد الفعلي للمنطقة.
و في الجانب الآخر فيما يخص آذربيجان التي تتوقع دعماً فاتراً من الولايات المتحدة و الأتحاد الأوروبي، كما في السنوات السابقة، قد بدأت بتعميق علاقاتها الدبلوماسية و الأقتصادية مع روسيا كحاجة مطلوبة أولاً و غياب البدائل الجدية ثانياً. و أما الآن، و مع دخول القوات الروسية الى (منطقة آذربيجانية) لأول مرة بعد سقوط الأتحاد السوفييتي، فتأثير موسكو في المنطقة أصبح اقتصادياً؛ فقد ضمنت هذه الأخيرة ممراً عبر أرمينيا، كان مغلقاً قبل وقف أطلاق النار، الى ناخيجيفان (الأرمنية المهداة من قبل الأتحاد السوفييتي الى آذربيجان السوفييتية). تسيطر روسيا الآن على طريق أرضي مباشر يمتد من بحر قزوين الى البحر الأبيض المتوسط وصولاً الى أوروبا.
لم يكن هذا الأمر خافياً على الغرب الذي كان ينتظر ان يتم استحواذ الروس على المنطقة. تبدأ العملية بالحصول على موضع أصبع قدم الذي يتطور الى موضع أثر قدم؛ حصل الشيء نفسه في القرم و أوكرايينا الشرقية و في أوسيتيا الجنوبية و أبخازيا...و القائمة تطول، فيتحول التواجد الروسي الى سيطرة روسية، و هو المنطق الوحيد لسياسة الرئيس بوتين لتحقيق الطموحات القيصرية الجديدة.
بعد عدة اسابيع من دخول قوات حفظ السلام الروسية الى الأقليم المتنازع عليه، بدأت الكريملين بالمناورات الميدانية. فقد تطورت الأنحناءات على الخطوط المرسومة على الخرائط، فقصرت بعضها و طالت اخرى. ففي 13 كانون الأول/ديسمبر امتدت الأراضي التي تحت سيطرة قوات حفظ السلام الروسية الى مساحات أوسع، و رجعت هذه القوات في اليوم التالي الى الحدود المنصوص عليها في اتفاقية وقف اطلاق النار بعد الضغط الدبلوماسي الآذربيجاني. تدل هذه العملية على سعة خيالات واضعي الخرائط الروس في الكريملين.
عندما تحتل روسيا أرضاً معينة تكون الدولة ملزمة أن تقوم بتغييرات معينة على الوضع الجديد. و تقول الشائعات عن نية روسيا بمنح جنسيتها الى مواطني آرتساخ/غاراباغ و خلق حالة ديمغرافية جديدة و فرض نفوذها على الأمور الداخلية على الدول التي تكونت بعد الأنهيار السوفييتي. و هذه الحالة ليست بالجديدة بل من الذاكرة التقليدية للكريملين، فقد سبقت غزوها للقرم، و حدثت في منطقتين في جورجيا، أوسيتيا الجنوبية و أبخازيا؛ خرجت روسيا هي المنتصرة حتى قبل قيام الحرب. و تتوقع الكريملين أن تأتي بمليون روسي الى المنطقة قبل نهاية السنة مزودين بوثائق روسية حديثة الطبع. كما حصل في عمليات التجنيس التي فُرضَت بالقوة في شرق أوكرايينا. في جميع الحالات في أعلاه تكون روسيا قد أمَّنت قبضتها على المنطقة.
و عملية التجنيس تعني شيئاً واحداً لا غير. لن تعود آرتساخ/غاراباغ الجبلية كأقليم بحكم ذاتي تحت السيادة الآذربيجانية كالسابق. سيكون الأقليم بمثابة محمية تابعة لروسيا يحمل سكانها جوازات السفر الروسية و تعطي روسيا الذريعة – او كما هو معرَّف في معجم الكريملين، الحق القانوني – بالتدخل في المنطقة كلما شعرت روسيا وجود خطر محدَّق بـ "مواطنيها".
أما قضية منطقة ناخيجيفان الأرمنية، التي أهداها السوفييت الى آذربيجان، فلها قصة أخرى و الكريملين حبلى بمستجداتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تواصل الاستعدادات لاقتحام رفح.. هل أصبحت خطة إجلاء ا


.. احتجوا على عقد مع إسرائيل.. اعتقالات تطال موظفين في غوغل




.. -فيتو- أميركي يترصد عضوية فلسطين في الأمم المتحدة | #رادار


.. مؤتمر صحفي مشترك لوزيري خارجية الأردن ومالطا والمفوض العام ل




.. ليبيا - الأمم المتحدة: بعد استقالة باتيلي.. من خذل من؟