الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن تسييس الفيروس في المغرب لتمرير التطبيع... هل كذبوا علينا؟!

فؤاد بلحسن الخميسي
كاتب وباحث

(Belahcen Fouad)

2021 / 1 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


بعد معاينة مؤشرات الإصابة والشفاء والتحاليل المخبرية ودرجة الفتك الخاصة بالمغرب خلال الفترة نونبر-دجنبر (فترة الموجة الثانية من انتشار الفيروس)، يبدو من الضروري طرح 3 أسئلة رئيسة في ضوء السياق السياسي العام الجاري. *ما هو الوضع الوبائي في المغرب اليوم؟ *هل من مبرر لتشديد حالة الطوارئ الصحية؟ *هل تم تسييس الفيروس؟
أولا: في الصورة العامة: منذ ظهور الفيروس وحتى أمس، السبت 26 دجنبر، بلغ عدد الإصابات الاجمالي: 430562، الوفيات: 7204، المتعافون: 396095، معدل التعافي: 92%، مؤشر الفتك: 1.7% (أقل من المتوسط العالمي)، مرتبتنا عالميا: 30.
ملاحظة 1: مؤشر فتك أقل من المتوسط العالمي. لكن الترتيب عالميا بحسب عدد الإصابات غير جيد إذا ما قارنا أنفسنا مع دول تضم عدد سكان مساو لنا (أو أكثر منا) و تحظى بمستوى تنمية مشابه، سواء في آسيا أو شمال إفريقيا (مصر، الأردن، الجزائر،...)، وحتى مع بعض الدول الأوروبية (السويد، البرتغال، جيورجيا، بلغاريا،...) وغيرها (اليابان مثلا).
ثانيا: في يوم 12 نونبر وصلنا إلى ذروة الإصابات اليومية: 6195 إصابة، وفي في 20 نونبر وصلنا ذروة عدد الوفيات اليومية: 92 حالة وفاة. بينما في 21 دجنبر سجلنا أقل عدد للإصابات منذ تاريخ الذروة: 877 حالة إصابة، وسجلنا في 22 نونبر أقل عدد للوفيات منذ تاريخ الذروة: 30 حالة وفاة. وأمس، 26 دجنبر، استقر المؤشران في: 2369 حالة إصالة، و34 حالة وفاة.
ملاحظة 2: بين مرحلة الذروة لمؤشر الإصابات (في 12 نونبر) ولمؤشر الوفيات (في 20 نونبر)، المذكورين أعلاه، بدأ منحنى كِلا المعدلين يشهد تراجعا تدريجيا (نعم، يتغير بصورة مضطربة، صعودا ونزولا، لكن تحت سقف معدَّلَي الذروة). وهذا يعني أننا بدأنا نسير في الاتجاه الصحيح منذ تاريخي الذروة.
ثالثا: هذا التوجه الإيجابي يجب ألا يحجب حقيقة أساسية، وهي أن معدلات التحليلات والمخبرية بدأت تتراجع هي الأخرى، خاصة في شهر دجنبر، حيث كانت أغلب التحليلات لا تزيد عن 20 ألف. وفي بعض الحالات كان عددها قليلا جدا (مثلا في 14 و20 و 21 دجنبر، بلغ عدد التحليلات، على التوالي، 9652 و13356 و7131 [فقط!]).
ملاحظة 3: من وجهة نظر صحية، لا شيء يبرر هذا التراجع في عدد التحليلات. ما زال الخطر قائما، وما زال الفيروس يفتك ويعطل الحياة العامة. كما لم يبدأ بعد التلقيح.
رابعا: في 10 دجنبر جاء بلاغ القصر الملكي بخصوص قرار ترامب، والذي أعلن مسألتين: الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على كامل الصحراء، والتطبيع مع "إسرائيل". في نفس هذا اليوم، سجل المغرب: 3345 حالة إصابة، و65 حالة وفاة. وبعده مباشرة، بدأ عدد الإصابات يتراجع، ولم يعد قط لا إلى العدد المسجل يوم الذروة (12 نونبر) ولا إلى ما كان عليه في يوم البلاغ (10 دجنبر )، باستثناء في يوم واحد (16 دجنبر). ونفس هذا المسار التراجعي سجله عدد الوفيات؛ فبالرغم من تأرجحه صعودا ونزولا، لكنه لم يصل أبعدا لا إلى الذروة (20 نونبر) ولا إلى ما كان عليه في 10 دجنبر.
ملاحظة 3: إن الاتجاه الذي سلكه كل من مؤشري الإصابات والوفيات كان في المنحى الإيجابي، انطلاقا من يوم البلاغ المذكور وإلى تاريخ 26 دجنبر. والسؤال الذي يتعين طرحه هنا: هو لماذا، إذن، اتخذت الحكومة قرار تشديد تدابير الطوارئ الصحية؟ ولماذا جاء هذا التشديد عاما على كامل التراب الوطني؟
خامسا: جاء قرار التشديد في 21 دجنبر. وفي 23 منه بدأ سريان تنفيذه. هل كل هذا صدفة؟ لنحاول الإجابة بالأرقام...
ماذا حدث بين 10 دجنبر (تاريخ البلاغ) و22 دجنبر (تاريخ النفاذ)؟ حدث التالي: انطلقت 4 مسارات أساس:
مسار 1: انقسم الشارع المغربي بين «موقف مرحب بقرار ترام» (باعتباره قرارا يدعم الموقف المغربي بشأن أقدس قضية وطنية) و«موقف رافض لقرار مقايضة القضية الفلسطينية بالتطبيع مع الإسرائيلي» (باعتباره قرارا يمس المغاربة بالعار كونه تاجر بأقدس قضية أممية بالنسبة لهم). وانقسم الشارع في تحركاته: الموقف المرحب نزل إلى الشارع بإشراف من السلطات (الرباط، ميدلت، سلا، ورززات، تيفلت،...) [لم تقل السلطة هنا أن التظاهر فيه خرق للحظر المفروض على التجمعات وللضوابط الاحترازية!]، والموقف الثاني نزل أيضا إلى الشارع لكنه تعرض للتضييق والمنع في أكثر من مدينة وموقع (تطوان، تارودانت، الرباط، المضيق، مكناس،...).
مسار 2: في 20 دجنبر، تعلن بريطانيا عن سلالة جديدة من الفيروس. وبعض الدول تغلق الحدود معها (منها المغرب). لكن منظمة الصحة العالمية تُطمئن وتنفي وجود أدلة بشأن تطور مواز في خطورة الفيروس. ولا تعليق مغربي رسمي بخصوص خطورة السلالة الجديدة.
مسار 3: في 21 دجنبر: الحكومة تعلن تشديد الطوارئ الصحية (كان «منع التجمعات العامة والخاصة» من ضمن الإجراءات المعلنة). لكنها لا تقول لماذا بالضبط، حتى أنها لم تربط بين الأمر وبين ظهور السلالة الجديدة. فإذن هناك سبب/أسباب أخرى.
مسار 4: في 22 من دجنبر، زار الوفد الأمريكي-الإسرائيلي الرباط للتوقيع على الاتفاق الثلاثي أو الصفقة الثلاثية (اختر الاسم الذي يناسبك!). وهو الأمر الذي لقي رد فعل سلبي واسع تجاه الزيارة؛ لأن المشاهِد كانت صادمة لمشاعر فئة واسعة من المغاربة. حتى أعضاء العدالة والتنمية ردوا بمواقف قاسية ضد الزيارة بالرغم من أن الموقع، تحت إشراف الملك واختياره، كان هو العثماني، رئيس الحكومة وأمين عام حزبهم. وهو ما أدى إلى ارتفاع الأصوات المنددة بالزيارة أكثر مما حدث عقب البلاغ.
ملحوظة 4: أغلب المسارات التي انبثقت خلال هذه الفترة كانت عبارة عن معطيات سياسية مستجدة في المشهد العمومي العام. ويبدو أنها كانت السبب الراجح فيما يخص قرار الطوارئ الصحية، كخطوة استباقية نحو ضبط تحركات الشارع ومنعه من التظاهر ضد قرار التطبيع.
فلا السلالة الجديدة تشكل خطرا على الأشخاص أكثر من سابقاتها (بل ولم يثبت حينها أنها وصلت فعلا للمغرب) من جهة، ولا منحنيات المؤشرات الوبائية العامة من جهة أخرى، كانت تبرر تشديد الطوارئ الصحية على الصعيد الوطني ككل [كان من الممكن التشديد في الجماعات الترابية التي تشهد مؤشرات وبائية مقلقة. وهذا مقبول ومطلوب]. والتوجه الذي كان هو أننا سندخل يوما واحدا فقط تحت حظر التجوال، وذلك ليلة 31 دجنبر، أي ليلة رأس السنة الجديدة- لا أكثر، فإذا بنا ندخل توجها آخر مخالف تماما.
ولنتذكر أنه في فترة "نونبر-النصف الأول من دجنبر" كان عدد الإصابات اليومية مرتفع جدا أكثر مما هو عليه الحال قبيل البلاغ المعلن عن التطبيع وبعده، ومع ذلك لم تبادر الحكومة إلى إعلان التشديد العام على سائر التراب الوطني (قبل بلاغ التطبيع كان نادرا ما ينزل عدد الإصابات عن 3000 إصابة يومية وكثيرا ما كان يزيد عن 5000 إصابة، بينما بعد بلاغ التطبيع كانت معظم المؤشرات تقل عن 3000 حالة يومية). فالتوجه الإيجابي كان واضحا خلال هذه الفترة اللاحقة عن بلاغ التطبيع، ومع لك تم إعلان التشديد العام!!!
وكما كان متوقعا، خرج فعلا بعض المتظاهرين إلى الشارع في وقفات احتجاجية (عمالات الدار البيضاء، طنجة، تازة، جرسيف، ولاد تايمة، إلخ، بالإضافة إلى وقفات طلابية في أكثر من كلية [فاس، تطوان، الدار البيضاء،...]). وجرى قمع ومنع العديد منها.
سادسا: الخلاصة
مؤشرات الإصابة والوفيات والعلاج كانت تتجه في الاتجاه الصحيح (باستثناء مؤشر التشخيصات الذي تراجع عددها بصورة غير مفهومة ولا مقبولة). والأمر الذي تحكم في قرار التشديد كان عبارة عن اعتبارات سياسية أمنية بالأساس أكثر منها صحية-وبائية (خشية الدولة من قيام مظاهرات ضد قرار التطبيع، كما حدث في 1991 عندما قصف الحلف الدولي العراق، أو كما حدث في 2011 على أثر اندلاع الربيع العربي ). والظاهر أن كوفيد-19 في المغرب لا ينتشر ولا يفتك المشاركين في مسيرات "نعم لقرار ترامب بشأن الصحراء"؛ لذا سمح لهم بالنزول إلى الشارع وتمت حراستهم. بينما يشكل هذا الفيروس خطرا على المشاركين في وقفات "لا للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي"؛ لذا يتم منعهم أو قمعهم!
فإذن السلالة المغربية من الفيروس موجودة، وهي، على ما يبدو، سلالة مُسَيسة؛ لأن السلطات العمومية، ومن ورائها الدولة العميقة، تكيل بمكيالين، وتتعامل بلا مساواة تجاه المغاربة. والمطلوب أن يتوقف هذا التلاعب بعقول الناس، ومطلوب احترام المساواة في التعامل مع المغاربة، ومطلوب أن يتم ربط القرار الصحي بالمعطيات الصحية لا بغيرها.
أخيرا أقول: احذروا الفيروس فهو ما يزال خطَرا حقيقيا، وكذلك احذروا ألاعيب السَّاسة! فربما كذبوا علينا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة