الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شفرات حلاقة صالحة للتدوير -19-

علي دريوسي

2021 / 1 / 11
الادب والفن


أدعوك أن تقف بأفكارك أمام سينما الدنيا في مدينة اللاذقية
قبل أعوام مديدة
شكراً
ها أنت تقف أمامها الآن
رائع
أدر ظهرك الآن لبوابتها الحديدية المدهونة بالأسود
دع وجهك الطيب يطل على الساحة الصغيرة
الساعة هي الثالثة ظهراً من يوم صيفي قائظ
في يدك سندوتش فلافل
اِشتريتها لتوّك من محل الفلسطيني.
أنت لا تقف أمامها في طريق المحور الرياضياتي
الذي ينصّف بوابتها تماماً
ويخترق تسجيلات آسيا على الطرف الآخر
المحور الذي يصلك عبره صوت فؤاد غازي
وأحياناً عتابا إبراهيم صقر ومواويل سميرة توفيق
بل تقف في الحقيقة حيث يمر منك محور ثانوي آخر
يصنع زاوية رؤية من حوالي ستين درجة مع المحور الرئيسي
إذن أنت تطل على الدرجات البيتونية السبعة
التي يخترقها المحور الثاني على الطرف الآخر.
بينك وبين الدرجات التي تقودك إلى زقاق نصفه مسقوف شارع
شارع نافذ إلى مكتبة كردية
إلى المركز الثقافي ودائرة النفوس
على يمين الدرجات محل قمصان وربطات عنق وجرابات
على يسار الدرجات محل لتلميع الأحذية
محل لحلاقة الشعر
أمامهما يجلس صبيان
أمام كل منهم صندوقه الخاص
صبيان تذكّرك سحنتهم بأولئك الفلسطسينيين الفقراء الغامضين
صبيان يرجونك أن تترك حذاءك ليُنظّف
وأنت في وضعية وقوف
أمامهم يجلس رجل عتيق أمام صندوق نحاسي كبير مزيّن
يدعوك لتنظيف حذائك في وضعية جلوس
على كرسي يذكّرك بكرسي الحلاقين
ممن يحترمون المهنة.
بين صناديق البُوَيْجيين وصوت فؤاد غازي الصادح
من محل تسجيلات آسيا
يبدأ شارع مليء بالأماكن والمحلات والدكاكين
محلات الصاغة
كنيسة
محل الرعوان لتصليح الأحذية
محل خالد دمياطي لتفصيل الأحذية
مقهى للعشاق تحت الأرض
يقودك السوق إلى شارع القوتلي إن أحببت
يتقاطع مع سوق العُنَّابّة
المعروف
بمطاعمه الشعبية
تفوح منها روائح اللحمة المشوية
بدكاكينه المتواضعة
العارضة لمنتجات القرويين
من خضار وفواكه وحبوب وأجبان وألبان.
والآن وأنت ما زلت تقف في مكانك قبل عقود
إذا ما نظرت على يمينك ـ أسفل رأسك ـ مباشرة
أمام محل الأحزمة الجلدية
سترى غلمان التهريب
فرشوا بضاعتهم المهرَّبة من لبنان
أحذية وبيجامات رياضية
بنطلونات وقمصان من الجينز
علب الدخان الأجنبي
وأشياء أخرى.
وقد ترى من يحتال بلعبة الكشاتبين لسرقة جيوب الناس
سيخطر على ذهنك خيَّاط ضيعتك
يغطِّي طرَف إصبعه بالكشتبان
ليقيه وَخْزَ الإبر
وقد تتذكَّر عازف القانون في فرقة صبحي جارور
يضرب على قانونه
والكشتبان في سبَّابته.
وأنت حيث تقف
تنسى كل ما شاهدته عيناك
ولا ترى إلّا الدرجات البيتونية
تحضُّك على الدخول إلى عالم الزقاق
الذي يقودك إلى محلات بيع الأقمشة
على رأسها دكان علي الدّو
الزقاق الذي يوصلك إلى ساحة السمك
إلى ساحة أوغاريت وأعمدتها الحجرية
إلى سينما أوغاريت بفلمها الهندي الشهير التؤامان
تلقي نظرة أخيرة على الأحذية المهرّبة المدهشة
تلعن أسعارها
وتقرِّر أن تخترق الزقاق
يغويك ويخيفك في الآن نفسه.
تخترقه رغم معرفتك للوجع الذي ينتظرك
تحديداً في ذاك البيت الأرضي
في نهاية الثلث الأول من الزقاق
سترى ثلاثة أولاد أرهقتهم الإعاقة المديدة
صبيان وبنت بين التاسعة والخامسة عشر
ستراهم وسخين ونصف عراة
يزحفون على عتبة البيت
يودون الخروج للتنفس ورؤية العالم
ثلاثة أولاد يحلمون بالوصول إلى سوق العنّابّة
لتذوق اللحمة المشوية برائحتها التي تعبق في فضاء المدينة
يحلمون بالدخول إلى محل خالد دمياطي
لتفصيل أحذية
لن يرتدوها في حياتهم
أو إلى محل علي رعوان
لإصلاح أحذية
لم يمتلكوها أبداً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي


.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و




.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من


.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا




.. كل يوم - -الجول بمليون دولار- .. تفاصيل وقف القيد بالزمالك .