الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شطحات ماركس

عبد الحسين شعبان

2021 / 1 / 13
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


في استفتاء أجرته هيئة الإذاعة البريطانية الـBBC في مطلع الألفيّة الثالثة كان ماركس واحداً من بين أهم 100 شخصية مؤثّرة في العالم، ولا أخال أحداً من جيلنا الستّينيّ إلّا وترك ماركس شيئاً عنده، لكن ذلك لا يعني أنّه دون أخطاء أو شطحات، وباستثناء المنهج الذي اعتمده والقوانين التي اكتشفها بشأن الصراع الطبقي وفائض القيمة، فإنّ الكثير من تعاليمه لا ينبغي التعامل معها كنصوص مقدّسة لدرجة اعتبارها أقرب إلى الأسفار التوراتية أو الآيات الإنجيلية أو القرآنية، ويذهب البعض أكثر من ذلك إلى تنزيهه من الأخطاء، بل يضعه خارج دائرة النقد، سابغاً عليه نوعاً من المعصوميّة؛ في حين إنّ تعاليم ماركس واجتهاداته هي مجرّد آراء بعضها تجاوزها الزمن أو أن الحياة لم تزكّها، لكن ذلك لا ينفي عبقريّته ومواهبه وموسوعيّته كفيلسوف ومفكّر وعالم اجتماع واقتصادي وسياسي يسيل من قلمه حبر الأديب وتتدفّق لغته بالشعر.
في العام 1984 كتبتُ في مجلّة "الهدف" خاطرة تأمّلية بعنوان "بروموثيوس هذا الزمان" جئت فيها على منجز ماركس الفكري والثقافي، وذلك بمناسبة وفاته (14 مارس/آذار1883). وإذا كان أعداؤه وخصومه يعتبرونه تهديداً لهم ولمصالحهم لدرجة أنّ شبحه لم يعد يجوب "أوروبا العجوز" فحسب، بل شطر العالم إلى نصفين في القرن العشرين، فإنّ أنصاره ومريديه تعاملوا مع تعاليمه وتفسيراته كمعتقدات "منزّلة"، مردّدين بعض مقولاته بطريقة أقرب إلى التعاويذ والأدعية والتلقينيّة المدرسية التي لا علاقة لها بجوهر منهجه، ناهيك عن روح العصر.
ثلاث قضايا يمكن التوقّف عندها في هذه المساحة بشأن بعض شطحات ماركس؛
أولاها - موقفه الخاطئ بخصوص الاستعمار الاستيطاني الفرنسي في الجزائر (1830)، ورسالته "التمدينيّة"، ولعلّ الفضل في إطلاعنا على موقفه هذا يعود إلى الصديق جورج طرابيشي الذي ترجم كتاباً عن الفرنسية بعنوان "الماركسية والجزائر" كشف فيه عن قصور وُجهة نظر ماركس، علماً بأن الطبعة الروسية كانت قد حذفت فقرات منه لأنها صادمة ومُحرجة، خصوصاً رؤية ماركس المغلوطة وتقديره المخطوء للإستعمار الفرنسي في الجزائر بوصفه شكلاً من أشكال الهجرات التي تنقل التمدين والتحضّر إلى شعوب شبه بدائيّة أو شعوب متخلّفة" بوصفها: بدوًا، قطّاع طُرق، لصوصًا، وكانت نظرته تلك تقوم على وجهة نظر اقتصادية بحتة، بعيداً عن الجوانب الحضارية والثقافية والإنسانية، بتفسير مبتسر مفاده أنّ الثورة الصناعية أدّت إلى تضخّم رأس المال واحتاجت إلى الموارد والأسواق والأيادي العاملة، فكانت الهجرات. ومثل هذا الرأي يهمل الطابع الإجرامي لتلك المحاولات الاستعمارية الاستيطانيّة وسعيها لقهر شعوب هذه البلدان ونهب ثرواتها وتدمير ثقافاتها وإلغاء هُويّاتها، ومع أنّه لم ينسَ التعاطف مع الضحايا، لكنّ ذلك جاء من زاوية أخلاقية.
بتقديري إن فترة بقاء ماركس في الجزائر للاستشفاء من 20 فبراير/شباط إلى 2 مايو/أيار 1882 لم تكن كافية لمعرفة معمقّة للمجتمع الجزائري، وانطلق في حكمه من "المركزية الأوروبية" التي هيمنت على تفكيره والرأسمالية الصاعدة فيها، حيث قام ماركس بتحليل قوانينها بدقّة كبيرة مشخّصاً عيوبها ومثالبها ونظامها الاستغلالي على نحو عميق وعظيم.
ثانيتها - موقفه المتناقض من تقرير المصير، فعلى الرغم من أنّه هو الذي صاغ فكرة "أن شعباً يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حرًّا" ودعا إلى استقلال بولونيا في حركة قادها الإقطاعيون ضدّ روسيا لأن ذلك سيكون خطوة مهمّة تسمح بإنضاج التناقضات، وهي استنتاج دقيق لكنه وقف ضدّ حقّ تقرير المصير للشعبين التشيكي، والسلوفاكي، اللذين كانا يطالبان بالاستقلال من الامبراطوية النمساوية - المجريّة، والسبب حسب وجهة نظره أنّهما "شعبان رجعيّان" وضعيفان وصغيران ويمكن أن يقعا تحت هيمنة الروس وسيكون نجاحهما في الظّفر بذلك تقوية لدور روسيا بتشجيع من فرنسا، وسيتم توظيفهما ضدّ ألمانيا المتطوّرة صناعيًّا، وهي نظرة خاطئة قامت على فرضيات اقتصادية بعيدة عن الجانب الإنساني التحرّري.
وثالثتها - كان موقفه المُلتبس والخاطئ من ايرلندا، لا سيّما في المرحلة الأولى، ففي رسالة منه إلى إنجلز بتاريخ 23 أيار (مايو) 1856، يقول "لقد تحوّل الإيرلنديون بواسطة القمع المنهجي إلى أُمّة ساقطة"، وهناك رسالة ثانية بهذا الخصوص بتاريخ 24 تشرين الأول (أكتوبر) 1869، ويبني استنتاجاته انطلاقاً من منظور تقدّميّة الطبقة العاملة الإنكليزية تجاه إيرلندا المتخلّفة والمحتلة، التي يعزو إليها سبب سقوط الجمهورية في زمن كرومويل، ويدعو إلى أن تقطع الطبقة العاملة الإنكليزية علاقتها مع ايرلندا بعيداً عن كلّ جملة أُمميّة وإنسانية بشأن العدالة، وحسب رأيه إن لم تنتصر الطبقة العاملة وتتحرّر في إنكلترا فلن يتمّ تغيير الأوضاع في ايرلندا، أيّ أن التحولات الاشتراكية في المركز ستؤدي إلى تحسّن الأمور في البلد الطرفي والمتأخر، لأن رافع التقدم هو لندن، وليس دبلن، لكنه يعود في العام 1870 ليتحدّث عن اضطهاد مركّب رأسمالي متزامن مع اضطهاد قومي ضدّ ايرلندا.
وباستثناء المنهج فجزء كبير من تعاليم ماركس وشطحاته بالطبع يمكن الاحتفاظ به في المكتبات أو المتاحف، حتى وإن بقيت الأحلام واليوتوبيّات ورديّة، فتلك مأثرة أيضاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - هذه ليست شطحات بل هي صلب الماركسية
منير كريم ( 2021 / 1 / 13 - 17:50 )
تحية للاستاذ
هذه ليست شطحات بل هي صلب الماركسية وقد نوقش موقف ماركس وخلفائه من المسالة القومية بواسطة مقالات الاستاذ تركماني والتعليقات على صفحات الحوار المتمدن
وسوف تجد ماهو اغرب اذا قرات موقف ماركس وخلفائه من الفلاحين والمسالة الزراعية ومن الدولة ومسالة البيروقراطية , اما تراث ماركس الضخم يخلو تماما من قضية حقوق الانسان الفرد
الفكرة الكامنة في نظرية ماركس ان التاريخ يسير وفق قوانين محددة لبلوغ هدف الشيوعية وكل شيء اخر كالمسالة القومية والمسالة الزراعية لابد ان تخدم التطور هذا بسيادة البروليتاريا
العلة الاساسية في الماركسية ان ماركس بقي هيجليا رغم انتقاداته لهيجل وقد كان للماركسية فرصة للتطور بواسطة كاوتسكي الا ان لينين قطع هذا التطور وفرض الاصولية الماركسية
شكرا


2 - برج عاجي
عبد الحسين سلمان ( 2021 / 1 / 15 - 13:43 )
تحية الى زميلي منير كريم

عبد الحسين شعبان جالس في برج عاجي ويستخدم مفردة ( صوفية : شطحات) في موضوع غاية في الاهمية.

1. فكرة -أن شعباً يضطهد شعباً آخر لا يمكن أن يكون حرًّا- ليس ماركس من صاغها بل إنجلز في عام 1847.

2. ويغفل او يتجاهل عبد الحسين شعبان رسالة بعث بها ماركس إلى إنجلز مؤرخّة في 18 نيسان 1882 جاء فيها:
-يجب أن أذكر لك هنا مقلباً دبرته السلطة الفرنسية ضد لصّ مسكين وقاتل محترف من العرب. اكتشف بأنه سوف لا يعدم رمياً بالرصاص، وإنما سيقطع رأسه بالمقصلة!غير أنّ السلطة الفرنسية قطعت الرأس عن الجسّد بالتمام والكمال. والآن إذا ما ذهب الجذع إلى الجنّة، فإنّ محمّداً سيسأله: أين أضعت رأسك؟ أو من ذا الذي فصل رأسك عن جذعك؟ إنّك غير آهل لدخول الجنّة، فتلذهب طعماً سائغاً لكلاب المسيحيين، وهكذا كان الأهل يولولون وينتحبون-.


3 - المقالة ماخوذة من القدس العربي
منير كريم ( 2021 / 1 / 15 - 14:58 )
تحية
مقالة الاستاذ الكاتب ماخوذة من القدس العربي ولم نعرف منها العبارات التي شطبها السوفييت واخبر عنها جورج طرابيشي
الموضوع واضح ان ماركس وانجلس اعتبرا ان الاستعمار ظاهرة تقدمية ايجابية تفرضه ظروف التوسع الراسمالي لكنهما ادانا الممارسات اللااخلاقية واللانسانية للاستعمار فلا توجد شطحات
شكرا


4 - الم يكن افضل للشعب الجزائري-والعراقي-وغيرها من ال
الدكتور صادق الكحلاوي ( 2021 / 1 / 15 - 17:28 )
الشعوب العربيه ان تكون جزء من الشعوب السائره في طريق التحضر الارقى راءسماليا مما تبقى متخلفه بثقافة عثمانية حيوانية تقوم بثورات وتقدم ملايين الضحايا ليس لاية مصلحة اقتصادية او اخلاقية-لنتصور حالتها الان لو لم تنقاد لرجال الدين الذين حرضوها ضد التقدم-لنقارن هذه البلدان وحالتها مع تايوان والجزيرة الصينيه التي بقت مستعمرة بريطانيه ثم استقلت -وهي اكثر تطورا من الصين الام واصبح على ناس الجزيرة المنكوبه بالطلم البهيمي وحرمان شعبها من ابسط حقوق الانسان-من ابشع اخطاء الشعوب الملحقه بالمتروبول الراءسمالي هو نضالها انفصالها وعودتها لتخلفه في حين كان ممكنا توجيه نضلها للاندماع والتساوي مع حقوق وواجبات شعوب المتروبولتحياتي


5 - الموقف الليبرالي من الاستعمار
منير كريم ( 2021 / 1 / 15 - 18:09 )
تحية للجميع
لم يكن الليبراليون المؤسسون لهم نفس الموقف من الاستعمار , فمنهم على سبيل المثال كانط وديدرو معاديان للاستعمار فكرة وتطبيقا ويعتبروه اعتداء لا يؤدي الى التمدن والحضارة ومنهم من ايد الاستعمار كناقل للحضارة والمدنية لكنهم انتقدوا الممارسات الخاطئة اللاانسانيية تجاه السكان الاصليين مثل موقف جون ستيوارت ميل , اما ماركس وانجلس وقفا مع القسم الثاني
الامثلة التطبيقية للاستعمار فيها الايجابي وفيها السلبي ,وانا اؤيدك دكتور صادق بان رفض شعوب الشرق الاوسط للاستعمار اساسه ديني حتى وان اتخذ شكلا قوميا والا لماذا سكتنا على الاستعمار العثماني وسكتنا عن فصل لواء الاسكندرون عن سوريا واقليم عربستان عن العراق لان المستعمر مسلم بينما جن جنوننا ضد البريطانيين والفرنسيين ولم نستطع ان نتفاهم مع الاسرائيليين ووضع حد للماساة الفلسطينية

اخر الافلام

.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز


.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز




.. يوم الأرض بين الاحتفال بالإنجازات ومخاوف تغير المناخ


.. في يوم الأرض.. ما المخاطر التي يشكلها الذكاء الاصطناعي على ا




.. الجزائر: هل ستنضمّ جبهة البوليساريو للتكتل المغاربي الجديد؟