الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأساتذة الوطنيون : الإدماج أو الطوفان

المهدي بوتمزين
كاتب مغربي

(Elmahdi Boutoumzine)

2021 / 1 / 13
التربية والتعليم والبحث العلمي


لم يتبقَّى من عمر الحكومة المغربية الحالية , التي يترأسها الحزب الإسلامي العدالة و التنمية إلا بضعة أشهر , لترحل مثقلة بفراغات سوداء؛ تفعمها خيبة أمل العديد من الفئات الاجتماعية الشعبية , التي اصطدمت بحجم المكر و الخداع التي تمارسه و تمتهنه لأجل الموازنة بين أيديولوجيتها المغلَّفة بالإسلام و أجندتها السياسية المعلَّبة داخل أبعاد ميكافيليلية . و من أهم البقع السحماء و الإختلالات السحيقة نجد ملف الأساتذة ما بعد 2015 م , الذين وضعت لهم الحكومة صيغة عمل كولونيالية لم نكن لنقبلها إبَّان التواجد الفرنسي و الإسباني في المغرب النافع و سلسلة المغرب غير النافع .

بعد خروج الإدارة الفرنسية من المغرب , غادر العديد من المواطنيين الفرنسيين, و تركوا الوظائف التي كانوا يشغلونها شاغرة , ليحل محلهم مغاربة لضمان استمرارية عمل المرفق العمومي , و هكذا دخلت أفواج كثيرة لشتغل في الوظيفة العمومية و في قطاع التربية و التعليم خاصة ؛ لاسيما في السبعينيات من القرن الماضي . و بعد أن وصل هؤلاء الموظفون إلى سن التقاعد , تركوا فراغا كبيرا , كان من العويص شغله من خلال المساطر العادية , و عليه اعتمدت الحكومة حلاَّ غير موفق في تدبير الملف , مما فاقم حدة المشكل . فقطاع التربية سنة 2016 م , كان بحاجة إلى ضخ الاَلاف من الأساتذة لسد الخصاص الناجم عن إحالة جموع موظفي قطاع التربية و التكوين إلى التقاعد أو التقاعد النسبي , علاوة على تشييد عدد من المؤسسات التعليمية نص عليها المخطط الإستعجالي, و هذه الأعداد الكبيرة من الوافدين الجدد كان من الصعب أن تلج نفس منظومة التكوين السابقة؛ التي تمتد لما يناهز سنة كاملة وذلك لإعتبارات عدة , منها غياب تخطيط مسبق لتدبير المرحلة الإستثنائية التي فاجأت قسم التخطيط نفسه , فتم توظيف الأساتذة الجدد بموجب قوانين إستعمارية و دون تكوين أساسي , لكن تم تجاوز هذه العبثية بعد ذلك , حيث يستفيد الأساتذة اَنيا من تكوين نظري لشهور عدة يوازيه اَخر عملي .

الإشكالية الحقيقة اليوم تكمن في تكريس الهشاشة و النظام المكتبي و الخوصصة, من خلال صياغة بنود تخالف روح الدستور و القوانين, و تُجهز على المكتسبات النقابية و الحزبية و الشعبية النضالية السابقة , حيث نعيش في زمن تواطئ الأضداد كما يجسمه تحالف النقابات و الأحزاب المعارضة مع الدولة , لأن الإدارة المركزية التي تمثل المستوى الأول من القرار تمكنت من لي ذراع كل الكيانات التي تحدث قدرا من الجلبة المشروعة قانونيا, من خلال فعل النضال و السؤال و المحاسبة , وذلك بمنحها هامشا واسعا للإستفادة من الريع السياسي و النقابي , فأضحت بدورها مشاركة أو مساهمة في الفساد المستشري داخل قطاع التربية و التكوين , كما يمثل ذلك التفرغ النقابي و غياب المساءلة الحقيقية من جانب النقابات و الأحزاب للمسؤولين , كما ظهر تحالف النقابات كأشخاص معنوية مع وزارة التربية الوطنية فيما يخص العمل بموجب القيود المجحفة , إننا نعيش في زمن الإهانة و فقدان الروح النضالية المتواصلة التي تكون جزءا من حياة الفرد و ليس شعورا أو تصورا مرحليا عابرا .

في الوقت الذي تريد فيه الكمبرادورية داخل المغرب, خوصصة قطاع التربية, على غرار استلاب الهوية و الثقافة و الدين و العرف و الثروة و الفكر, لصالح إحلال نظيراتها الغربية في إطار العولمة المتوغلة , خاض الأساتذة الوطنيون معارك إجتماعية شعبية نضالية تطالب بالمساواة و إصلاح الإدارة ,و تدافع عن سيادة البلد و استقراره و أمنه , من خلال الدعوة إلى تأميم قطاعاته السيادية , في مقامنا قطاع التربية , أسوة بباقي القطاعات مثل الدفاع و الداخلية و الخارجية و العدل .و هم بذلك يُتمُّون مسار رموز الحركة الوطنية التي طالبت بإستقلال المغرب , إنها مسيرة خضراء حديثة تبتغي إعادة إسترجاع قطاع سيادي و تأميمه لصالح الوطن . فالأساتذة اليوم أمثال ربيع الكرعي و الحسن هلال و سهام المقريني و غيرهم, هم خلَف لأعضاء الحركة الوطنية التي ضمَّت في زمانها أبو بكر القادري و الحاج أحمد الشرقاوي و المهدي بن بركة .

إن نظام التوظيف اللاوطني الحالي بقطاع التربية لا يرتكز على أسباب حقيقية , إنما مرده إلى تعنث الحكومة التي تجسد إرادة الدولة العميقة و أباطرة المال و الكمبرادورية , التي هدَّت قطاع الصحة و الإستثمار و السياحة , حيث تنفرد بالصفقات و المشاريع و لا تهتم بالتنمية أو السيادة و الاستقرار إلا من باب الربح فقط . و هي نفسها التي زعمت صياغة مخطط إستعجالي لترميم صرح التعليم , لكن غايتها المبطنة و عملها الخفي كان هندسة سبل لتحصيل أموال كبيرة من وراء ذلك, و هذا ما تحقق بعد نهب حوالي 43 مليار من ميزانية المخطط , الذي أضحى بنفسه بحاجة إلى خطة إستعجالية لإنقاذه . كما درجت الإدارات على الإبقاء على أجور الموظفين و المنح في حسابات مصرفية للإستفادة من الفائدة و هذا جزء بسيط من اللعبة .

المعطيات الاَنية توثق أن الغاية من نظام التوظيف الإستعماري الذي يستهدف منظومة التربية الوطنية لا تعزى فقط إلى الخوصصة و الديون , بل لها أوجه أخرى عديدة , تتماهى كلها مع الرغبة في إيجاد نظام تعليمي أهلي ضعيف البنية الإدارية لا يمنح للأساتذة مساحة كبيرة للإستقلالية و الإبداع و ممارسة فعل التأطير و النضال و سيغدون مجرد أرقام في البورصة لا قيمة لها .

إن الخطوة المقبلة التي سيقدم عليها المغرب , هي خلق نماذج و اجسام جديدة داخل المنظومة التربوية , حيث يمكن للدولة أن توظف عددا من الأشخاص تحت صفة أستاذ مناوب أو أستاذ مكلف , لسد الخصاص الذي يحدثه الإضراب الوطني و الجهوي . إن مجاميع الأساتذة المناوبين أو المكلفين الذين سيقومون بمهمة تصريف الأفعال , يمكن أن يكونوا من أستاذة التعليم الخصوصي أو أي جسم مهني اَخر , ومن بين البنود التي سيتضمنها عقد عملهم , إمكانية المزاوجة بين أستاذ مناوب و عمل رسمي أو حر اَخر يزاوله المعني بالأمر . فالدولة المغربية لا تضع لنفسها حدودا للمنطق الإداري و المهني , حيث تَعتبر أن قطاع التعليم ليس على أهمية كبيرة لأنه يقع خارج دائرة القطاعات المنتجة أي المربحة ماديا. أما الخطابات و التصريحات الصادرة عن الدولة و التي تثمن فيها مجهودات موظفي التعليم , فهي فقط للإستهلاك الإعلامي و بروبغندا للإلهاء و مجاراة الأحداث الراهنة .

إن قطاع التعليم من بين القطاعات التي يعاني فيها الموظفون من إكراهات كثيرة , لذلك لا حاجة لصب الزيت على النار , و يجب على الحكومة أن تعود لرشدها السياسي , فحكامة قطاع التربية و التعليم , يبدأ بضمان حق الاستقرار المهني و النفسي للموظفين , و إلا فإذا كانت الدولة العميقة تريد تدمير المنظومة التربية فلا حاجة للدفاع عن الاستقرار و الأمن القومي , و يمكن للأساتذة أن يشكلوا بدورهم شبكات تهريب و تخريب , من خلال تجارة المخدرات و زرعها على طول الحزام الجبلي , لأن هذا هو الكفيل بجعل دور الأستاذ منتجا و رافعا للإقتصاد الوطني و يمنح للأساتذو نفوذا و أموالا طائلة على سبيل النكثة التي تفيد في اللغة العربية الخبر .

إني لست من الأشخاص الذين يدعون الوطنية , كما لا أعتبر نفسي وصيا على ما يسمى الإستقرار الوطني , فإذا كان مجموع الوطنيين الذين استفادوا من الإمتيازات اللامتناهية من مناصب عليا و صفقات و مقاعد برلمانية أو في مجالس الجماعة و الجهة , فإنه في المقابل نجد أن البروليتاريا و الطبقة الكادحة تبذل جهدا مضاعفا بعشرات المرات لتعليم أبناءها و أن توفر لهم أدنى الشروط المعيشية , لكنهم في النهاية لا يجدون مكسبا في ما يسمى وطنهم العربي , لأن المحتل الوطني أخذ كل شيئ . فالوطنية أضحت للفقراء و الأموال و المكاسب لمن يعرف كيف يلعب بالشطرنج و بسيكولوجية الجماهير .

المطلوب من الأساتذة في المغرب و لبنان و العراق و في غيرها من الدول التي تريد خوصصة قطاع التربية , تعزيز التنسيق الوطني و لما لا على المستوى القطري و الإقليمي , لكشف التاَمر الذي يستهدف الطبقات الفقيرة الشعبية التي تمثل الجزء الأكبر في المجتمعات العربية . و في الوقت الذي أتابع فيه عن كثب الإضراب الذي يخوضوه أساتذة لبنان الذين يشكلون 70 بالمئة من الجسم التعليمي الذين يشتغلون بموجب عقود إذاعان إستعمارية , فإن الإطلاع على نضال اتحادهم الأستاذي و موقفهم المشرف كما تقدمه رئيسة اللجنة الفاعلة نسرين شاهين يؤكد أنهم على الخط الصحيح لنيل نصابهم المشروع و القانوني . إن القاسم المشترك بين المغرب و لبنان هو حجم الفساد الذي أحدث أزمة إقتصادية خانقة , مازال المغرب يحاول إخفاء معالمها , لكن أصحاب جوازات السفر و التأشرات الأوروبية و الأميركية و مزدوجي الجنسية و رجال الأعمال الذي يلعبون بمستقبل و أمن الملايين من الشعب المغربي , قد حزموا حقائبهم و قاموا بتحويل أرصدتهم المالية لحسابات بنكية أجنبية , تحسبا لأي أزمة لم تعد مفاجئة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا