الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حفلة تنكرية للفاقدين عقلهم

مشعل يسار
كاتب وباحث ومترجم وشاعر

(M.yammine)

2021 / 1 / 14
ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات


6 ديسمبر

مقابلة شاملة مع الأكاديمي في أكاديمية العلوم الروسية فلاديمير سرغييف .

نبذة عن العالم صاحب المقابلة:

فلاديمير بتروفيتش سرغييف Vladimir Sergiev هو عالم الأوبئة السوفيتي والروسي وعالم الطفيليات المعروف، والمدير الفخري لمعهد الطفيليات الطبية والأمراض المدارية والمُعدية (معهد مارتسينوفسكي) التابع لجامعة الطب الحكومية الأولى في موسكو (جامعة ستشينوف)، الأكاديمي في الأكاديمية الروسية للعلوم الطبية (1999)، الأكاديمي في أكاديمية العلوم الروسية (2013). نجل عالم الطفيليات وعالم الأوبئة السوفياتي، الأكاديمي في أكاديمية العلوم الطبية في الاتحاد السوفياتي بيوتر غريغوريفيتش سرغييف (1893-1973.(
في عام 2006 حصل على جائزة من حكومة الاتحاد الروسي على إنشائه نظام السلامة البيولوجية في روسيا. هو مؤسس المدرسة العلمية لعلماء الأوبئة والطفيليات. رئيس تحرير مجلة "Medical Parasitology and Parasitic Diseases"، وعضو في هيئة تحرير مجلات "Molecular Medicine" و "Epidemiology and Infectious Diseases" و "Journal of Microbiology و “Epidemiology and Immunobiology"، إلخ. كان (حتى عام 2017) عضوًا في "مكتب قسم الطب الوقائي"، وعضواً في المجلس العلمي للأوبئة والأمراض الطفيلية والمعدية. كان رئيس لجنة مشاكل "الأمراض الطفيلية" التابعة للأكاديمية الروسية للعلوم الطبية، ونائباً لرئيس لجنة التنظيم الصحي والنظافة في وزارة الصحة الروسية، وخبيراً في "لجنة التصديق العليا" VAK في روسيا، وخبيراً في منظمة الصحة العالمية.

يقول فلاديمير سرغييف حول ما يسمى "جائحة الكورونا" في بداية المقابلة:

إني أختار عن عمد جمهورًا مهنيًا من قراء "الجريدة الطبية"، بوسعه، نظرًا لمؤهلاته وتحصيله المتخصص، تقييم ذاك الطيف الكامل من الحجج المقترحة بحيادية وموضوعية. كما أتطلع إلى تلقي آراء ومناقشات مهنية من أجل العمل معًا للوصول إلى الوضع الأمثل للمجتمع الطبي المهني.

بعد مقال الأكاديمي في أكاديمية العلوم الروسية فلاديمير سرغييف بعنوان "هستيريا الكورونا" ("الجريدة الطبية"، العدد 23 بتاريخ10/6/2020) حول عدم وجود أساس للتدابير التقييدية في شأن كوفيد-19 أجرت "الجريدة الطبية" مقابلة معه جاء فيها.


- لماذا تستخدم مصطلح "هستيريا الكورونا"؟ ما المعنى الذي تضمنه إياه؟

الآن في المنشورات والخطب، ظهر العديد من المصطلحات للإشارة إلى الإجراءات غير الملائمة المتخذة من قبل "السلطات" لمكافحة الفيروس الجديد: "جنون فيروس كورونا" و "هستيريا الكوفيد" وغيرها الكثير. هكذا يعبر الناس عن احتجاجهم على التصرفات غير السارة، والأهم من ذلك، غير المعقولة وغير المفهومة من جانب السلطات. إن تصرفات السلطات هادفة ومنهجية: كل هذا الذي يجري هو بزنس مربح لها. ففي محطات مترو موسكو، يطلبون منك شراء قفازات (وهذه "خدمة مفروضة فرضاً"). فبحسب صحيفة "سوت فريميني" (مضمون عصرنا) تم خلال الفترة من مارس إلى منتصف أكتوبر بسبب عدم ارتداء أقنعة وقفازات "تغريم 96 ألف مواطن من سكان موسكو بمبلغ إجمالي هو 480 مليون روبل". وربما تكون الغرامات التي استوفيت من المحلات التجارية على "الانتهاكات" نفسها أكثر مَربحًا. أضف إلى ذلك وقف مجانية التنقل عبر وسائل النقل العام لتلامذة المدارس والمعوقين والمتقاعدين خلال فترة الحجر. وكل هذا كان يتم تحت شعار الاعتناء بصحة الناس، لكنه في الحقيقة أصبح نوعاً من "اقتصاد غرامات" استخدِم لتجديد خزينة المدينة. وعلى غرار موسكو، تفرض مناطق أخرى في روسيا قيودًا مختلفة.

وانتقد سرغييف الظاهرة المسماة "الخنوع للغرب" في روسيا الحديثة، والتي أصبحت فيها مثابة الاتجاه الرئيسي، أو كما يقال، الاتجاه السائد، مضيفا:

من غير المعروف على وجه اليقين كيف ظهر في الصين الفيروس الجديد، المسمى 2019-nCoV أو SARS-CoV-2. ففي نهاية العام الماضي، في ووهان، عاصمة مقاطعة هوبي، بدأ الناس يمرضون بعدوى الجهاز التنفسي. وكانت هناك شائعات حول وفيات في المستشفيات بنسبة 4-5٪ منهم. فأبلغت الصين منظمة الصحة العالمية بظهور مرض جديد في 31 يناير 2020، بعد تطبيق الحجر الصحي في ووهان في 23 يناير (بأمر من الرئيس الصيني شي جين بينغ). وبحلول شهر مارس، توقف المرض، فاعتقد الصينيون أن الحجر الصحي لمدة 72 يومًا هو الذي سمح بـ"وقف" تفشي المرض و"الانتصار" عليه. هذا بالطبع غير صحيح - فبضعة أشهر (من منتصف ديسمبر إلى أوائل مارس) هي المدة المعتادة لتفشي أي عدوى فيروسية تنفسية في مدينة واحدة. هنا يجب التأكيد على أن الطب الصيني له طرق فريدة في علاج عدد من الأمراض، ولكنه لم يحقق قط أي إنجازات ملحوظة في مكافحة الأوبئة.

بلغ معدل الوفيات الناجمة عن السارس -2 في مدينة ووهان 1.2٪، وبلغ خارج المدينة في مقاطعة هوبي، حيث لم يكن هناك حجر صحي، نسبة 0.85٪. وقد تم الإبلاغ عن هذه الأرقام في مجلة Nature Medicine الرسمية من قبل باحثين صينيين وأمريكيين. وهذا يتوافق تمامًا مع بيانات الإحصائيين البريطانيين من أكسفورد، الذين أظهروا أن متوسط الوفيات من الإصابة بعدوى جديدة في البلدان المتقدمة اقتصاديًا، حيث ترتفع نسبة كبار السن، هي 1.6٪، وفي البلدان النامية التي يغلب عليها الشباب - 0.8٪ ...

حتى قبل فرض الحجر الصحي في الصين، تم نقال عدوى كوفيد-19 إلى دول جنوب شرق آسيا وأوروبا الغربية والولايات المتحدة. ونظرًا لظهور مرضى في أوروبا الغربية وشائعات عن ارتفاع معدل وفيات السارس - CoV-2، أعلنت منظمة الصحة العالمية في 11 مارس 2020، دون سبب كافٍ، عن وباء عالمي (جائحة) وخطر شامل لسكان الكرة الأرضية. وها هي المنظمة الدولية تنكر الآن إعلان الجائحة، قائلة إن مديرها التنفيذي وصف الوضع بأنه "يشبه الجائحة". هذا يذكرنا، مرة أخرى بـ"likely Highly" الغربية السيئة السمعة.

بعد الإعلان عن تفشي الوباء في دول أوروبا الغربية، بدأوا هناك، من دون أي تحليل، في نسخ "الطريقة الصينية" في مكافحة الفيروس التاجي، وتبرير الحجر الصحي وحتى إغلاق الإنتاج مع ما زُعِم من ارتفاع في عدد الوفيات وفتك للفيروس الجديد بالناس. هذه القيود، بسبب انخفاض مستوى ثقة السكان المحليين في سلطاتهم، روعيت بشكل أقل صرامة مما في الصين.

في روسيا، تم استيراد أول حالتين من حالات كوفيد-19 على يد التجار الصينيين. ولم يكن لهذا الاستيراد عواقب وبائية، ومع ذلك تم إغلاق الحدود مع الصين. فقد جاء الاستيراد الهائل، الذي أدى إلى انتشار مرض كوفيد -19 في روسيا آتياً من أوروبا الغربية، ولم يتم إغلاق الحدود معها، على الرغم من انتشار المرض في هذه المنطقة بالذات، في الوقت المناسب، ولم تكن هناك مراقبة للقادمين من البلدان الموبوءة، ربما من أجل عدم إزعاج الروس الأثرياء الذين كان عدد كبير منهم يقضي إجازته في منتجعات التزلج في أوروبا.

أدخل "أهل السلطة والمُلك" الروس تدابير تقييدية شديدة في روسيا على النموذج الغربي، انطلاقا من حبهم تقليد الغرب في كل شيء، من دون أي تردد أو تحليل لفعاليتها،. هكذا ظهرت "هستيريا الكورونا". والنتيجة وضع لم يسبق له مثيل في مكافحة الأوبئة. فبدلاً من "العزل التقليدي والفعّال للمرضى وتتبع المخالطين"، جرت لأول مرة في التاريخ محاولة مجنونة لإجراء عزل جماعي للأشخاص الأصحاء.

بحلول أوائل مارس، أصبح معروفًا بشكل موثوق أن الفيروس الجديد ليس لديه معدل وفيات مرتفع. ومع ذلك، فإن هذا لم يهز جبل المزاعم الكاذبة حول "الفتك الرهيب" للفيروس الجديد، الذي لا يزال ينتشر مخالفاً للحس السليم حتى الآن. لقد سبق أن تم في شهر مارس إثبات المستوى المنخفض لخطر كوفيد-19 حتى بالنسبة لمجموعة كبار السن، الأكثر عرضة للإصابة بأي عدوى.

كما يحدث غالبًا، ساعدت الصدفة على ذلك. ربما يتذكر الجميع حيثيات ما حدث لسفينة Diamond Princess السياحية في اليابان. فبعد ظهور مرضى بـكوفيد-19 في 4 فبراير، تم وضع السفينة في الحجر الصحي. فعُزل الركاب (2666 شخصًا) والطاقم (1045 شخصًا) عزلاً تامًّا في كبائن مزودة بنظام تهوية واحد، غير مزودة بأي فلاتر. في الواقع، كانت تلك "تجربة وبائية" عبر إبقاء الناس في "غرفة تقديم الطُعم" (هذه هي الطريقة التي تُعرّض بها الحيوانات عادة لخطر مسببات الأمراض أو الغازات). كان متوسط عمر الطاقم 36 سنة والركاب 69 سنة. وخلال فترة الحجر الصحي التي استمرت 25 يومًا، أصيب 712 (19.2٪) من أصل 3711 "شخصًا" بالعدوى، توفي منهم 14 (1.96٪). وكان جميع المتوفين ركابًا، أي أنهم كانوا في المجموعة التي لا بد أن يُلحظ فيها الحد الأقصى من الوفيات. ولم تظهر على 331 شخصا (47٪ من المصابين) أية أعراض.


- لماذا، إذن، تم، يا ترى، فرض هذه التدابير التقييدية في العديد من البلدان؟

هذا سؤال صعب. إن موقف الدول التي حافظت على نمط حياة عادي لأمر مفهوم ومنطقي. ومن الواضح أن كبير علماء الأوبئة في السويد أندرس تيجنيل هو من صاغه. فقبل تطبيق أي قيود، من الضروري الحصول على دليل قوي على الخطر الشديد لفيروس كورونا. كما هو معروف، لم يحصل أحد على الأدلة العلمية اللازمة. لذلك، لما فرضت السويد قيودًا على الطلاب والتلاميذ لفترة وجيزة، ووجدتها غير فعالة، رفضت متابعة فرضها. وهذا سمح للسويد أن تحافظ على الاقتصاد والصحة النفسية للمواطنين دون إضرار بهما.

أما موقف الدول التي، على خلفية جميع البيانات المعروفة عن خصائص الفيروس الجديد، فرضت القيود التي تعرقل الاقتصاد وتحد من الحريات الشخصية للمواطنين فهو يتحدّى التفسير المنطقي. المحاولة الوحيدة لفهم ما دفع قادة وحكومات هذه البلدان وجدتها في مقابلة مع حائز جائزة نوبل لعام 2013، الأستاذ في جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، مايكل ليفيت Michael Levitt)‏)، الذي حصل على هذه الجائزة المرموقة على النمذجة الكمبيوترية. كان البروفيسور ليفيت هو الوحيد الذي توقع بشكل صحيح تطور تفشي كوفيد-19 في الصين. فقد قال في مقابلة مع صحيفة "التلغراف" المعروفة، إن قرار إبقاء الناس داخل أربعة جدران بسبب انتشار فيروس كورونا كان مدفوعا بالذعر الذي أصاب قادة "الدول المختلفة، وليس باعتبارات علمية سليمة. قال ليفيت: "لا أعتقد أن هذه العزلة أنقذت الأرواح. أعتقد أنها ربما أدت إلى إزهاق أرواح". كما وصف التنبؤات المقلقة المنشورة لعدد المرضى والوفيات بالمبالغ في تقديرها بمقدار 10-12 مرة. وقد تم تأكيد هذا الاستنتاج من قبل علماء آخرين. ومع ذلك، تواصل معظم الحكومات الاعتماد على التوقعات البريطانية المشكوك فيها.

على خلفية "رعب القادة"، بدأت وسائل الإعلام في القيام بدعاية تهدف إلى التخويف في كل مكان. وقد عرض التلفزيون الروسي بوضوح إلى أي مدى تشارك فيه وسائل الإعلام الزاعمة أنها "مستقلة" حتى في الولايات المتحدة، أكثر الدول "ديمقراطية" في العالم، ، حين كان يغطي النزاعات الانتخابية في الولايات المتحدة، المصحوبة بفصل حتى رئيس الولايات المتحدة الحالي عن الأثير.

إذا قمنا بمقارنة ما يجري بمحتوى رواية 1984 لجورج أورويل، والتي تم حظرها في الاتحاد السوفيتي، فليس من الصعب أن نرى أن وسائل الإعلام الحديثة قد تحولت إلى ما سماه أورويل "وزارة الحقيقة". اليوم حتى وسائل الإعلام الرسمية لا تعكس الواقع، بل تجهد لتشكيله. رب سائل: كيف يمكن هذا؟ بالنسبة لأولئك الذين لم يشاهدوا الفيلم الأمريكي "كيف يحرّك الذنَب الكلبَ" "How the Tail Wags the Dog"، أوصيهم وألح على مشاهدته، فهو غني بالمعلومات. هذا الفيلم متاح مجانًا على الإنترنت. في عودة إلى الموضوع، لا بد من القول إن وضعًا قد تطور في العالم ينظر فيه الكثير من الناس إلى القنوات التلفزيونية الرسمية على أنها مصدر للمعلومات الموثوقة، بغض النظر عن مدى سخافة ما يتم عرضه على شاشاتها. إن "الزيف" الصريح، الذي تكرر بإلحاح وبشكل مقصود عدة مرات، بدأ يظهر للناس وكأنه ذا مصداقية.

حاليًا، تركز الحكومة الروسية بشكل أساسي على المبتكرات الفكرية للمدرسة العليا للاقتصاد، تلك التي تروج للنهج الليبرالي حصراً. ونحن بالذات مدينون لتوصيات هذه المدرسة في مجال الإصلاح المستمر والطويل الأمد لمؤسسات الرعاية الصحية في روسيا. وقد بدأ التحول في الرعاية الصحية السوفيتية يتبع الأنماط الغربية، وبدأت الطبابة في التطور كقطاع خدمات، كاستثمار علمي وتجاري في الصحة. فتم إلغاء الكثير من المستشفيات والعيادات الشاملة وتخفيض أعداد الأسرّة العائدة للأمراض المعدية "غير المربحة" بناءً على معايير مالية بحتة. وتم تخفيض عدد الأطباء والعاملين الطبيين الآخرين. فأدى كل هذا معًا إلى صعوبات كبيرة في عام 2020. ووفقًا للموظفة في وزارة الصحة في الاتحاد الروسي كوليكوفا I. Kulikova، فإن المشاكل الرئيسية في مجال مكافحة انتشار عدوى فيروس كورونا في روسيا هي نقص الأطباء وعبء العمل في المؤسسات الطبية.


- لكن الإجراءات الصارمة التي تهدف إلى احتواء "الوباء" لها تأثير سلبي على التنمية الاقتصادية. ما هي عواقبها؟

صحيح تمامًا، إن عواقب الحجر الصحي وجميع الإجراءات الأخرى المتخذة لمكافحة فيروس كورونا هي أشد خطورة من المرض نفسه. فوفقًا للخبراء، قد يكون الانخفاض المتوقع في الإنتاج الحقيقي في الدول الأكثر تقدمًا اقتصاديًا كبيرًا جدًا، مما قد يؤدي إلى انخفاض الدخل بحلول نهاية العام بنسبة تزيد عن 10 ٪. ... وإن العواقب الاجتماعية لانهيار الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم كبيرة بشكل ينذر بالخطر. وبحسب غرفة المحاسبة الروسية، بلغ معدل البطالة في شهر سبتمبر 2020 في روسيا 6.3٪، ويقترب عدد العاطلين عن العمل في روسيا من 5 ملايين. وبلغت نسبة البطالة في السويد، حيث يوجد أقل حجر صحي، 7٪، وبلغت في إسرائيل، حيث كان حجر صحي صارم للغاية، 30٪.
في الوقت نفسه، ينبغي على المرء أن يأخذ في الاعتبار دراسات عالم السياسة والاقتصاد الشهير م. فريدمان، الذي أظهر أن زيادة البطالة بنسبة واحد بالمائة "في الولايات المتحدة، تؤدي إلى زيادة عدد جرائم القتل بنسبة 5.7٪، وحالات الانتحار - بنسبة 4.1٪، والسجناء - بنسبة 4٪، والمرضى في مستشفيات الأمراض النفسية بنسبة 3.5٪ ”.


- كيف تقيمون الإجراءات المتخذة في روسيا للحد من انتشار كوفيد-19؟

لقد تطرقت أولاً إلى العنصر التجاري لهذا "الكفاح". الآن دعونا ننظر في عنصر مكافحة الوباء الأقرب إلي من الناحية المهنية. اتبعت معظم الدول، بما في ذلك روسيا، مسار فرض القيود بالقوة بمناسبة الكوفيد. ولم يتمكن سوى عدد قليل من البلدان من الحفاظ على نهج متوازن للوقاية. أرى أن من الضروري وضع قائمة بالدول التي لم تنسَق إلى حفل الجنون الشامل وهي: بيلاروسيا والبرازيل وفيتنام وكوستاريكا وكوبا ولبنان وكوريا الشمالية والجنوبية وإيران وتركمانستان والسويد. وتقع اليابان أيضًا في نفس المجموعة، حيث وفقًا لدستور البلاد، ليس للسلطات الحق في تقييد حقوق المواطنين، وبالتالي تم الحفاظ على نمط حياة طبيعي في البلاد.

لوحظ تفشي كوفيد-19 (أستخدم كلمة "تفشّي" عن عمد، حيث لم يتم تجاوز العتبة التي تعتبر ما حصل وباء في أي مكان في العالم، وهي عادة تمثل نسبة مرضى تساوي 5 ٪ (أي مرضى، وليس "حاملين للفيروس ولكن أصحاء") من أصل عدد السكان) في جميع البلدان تقريبًا، مثل أي تفشٍّ لعدوى الجهاز التنفسي الفيروسية. ومع ذلك، لم تكن القيود المصممة لاحتواء المرض فعالة في أي مكان في العالم.

إذا قارنا منحنيات عدد مرضى كوفيد-19 في البلدان التي فرضت قيودًا وحتى حالاتِ إغلاق، وفي البلدان التي حافظت على نمط حياة طبيعي، فلن نرى أي فرق كبير. ليفيت الحائز جائزة نوبل الذي سبق ذكره حلل بيانات 78 دولة، تم فيها تسجيل أكثر من 50 حالة إصابة بفيروس كورونا. في أي من هذه البلدان، لم تتطور الإصابة بشكل كبير، مما يثبت القدرة الوبائية المنخفضة للفيروس الجديد.

كانت حالة الوفيات الزائدة في البلدان الباقية دون قيود أفضل قليلاً منها في البلدان ذات القيود. وربما يرجع ذلك إلى حقيقة أنه كان من الممكن تجنب بعض الوفيات الإضافية في مجموعات المرضى المصابين بالسرطان والسكتات الدماغية والنوبات القلبية، الذين ظلت لهم فرصة توفير الرعاية الطبية اللازمة في الوقت المناسب، على عكس البلدان التي أعادت تصميم المستشفيات على نطاق واسع "للفيروس". وكما ذكرت وسائل الإعلام في عدد من البلدان، على سبيل المثال، في إنجلترا وألمانيا، كان من الضروري إلغاء العمليات المخططة لمرضى السرطان على نطاق واسع أو رفض الرعاية الطبية لمرضى السكتة الدماغية والنوبات القلبية بسبب نقص أسرة المستشفيات المجانية.

لن يتضح الهيكل الدقيق للوفيات الزائدة في بلدنا روسيا إلا في نهاية العام، عندما يتم جمع البيانات اللازمة. اعتبارًا من اليوم، لا يُعرف سوى بيانات النصف الأول من عام 2020، حيث أبلغت غرفة الحسابات عن زيادة في الانخفاض الطبيعي في عدد سكان البلاد (زيادة عدد الوفيات على عدد المواليد) لهذه الفترة مقارنة بالفترة نفسها في عام 2019 بأكثر من 30٪، والتي بلغت بالأرقام المطلقة 318 آلف شخص. في المجموع، توفي 1,128,000 شخص في البلاد في النصف الأول من هذا العام. وهذا يزيد بنسبة 5٪ عن نفس الفترة من عام 2019، ووفقًا لمصلحة الإحصاء Rosstat، من بين جميع الوفيات، كانت نسبة الأشخاص الذين تسببت في وفاتهم الإصابة بفيروس كورونا 2٪ أو 22.6 ألفًا. بداهة، يمكننا أن نقول إن الوفيات الناجمة عن الإصابة بفيروس كورونا للعام بأكمله ستصل إلى نسبة قليلة مشابهة.

لن يُعرف ما الذي يحدد الوفيات الرئيسية وما الذي يحدد الوفيات الزائدة، كما ذكرنا سابقًا، إلا في نهاية العام. ومع ذلك، أصبح من الواضح منذ الآن أن هذه المؤشرات لن تتأثر بشكل كبير بـ كوفيد-19. هذا هو تحليل معطيات النصف الأول من العام الذي قدمه الرئيس السابق للرعاية الصحية في العاصمة الشمالية لروسيا، وهو الآن نائب وحامل درجة دكتوراه دولة في العلوم الطبية، البروفيسور ألكسندر رِدكو من سان بطرسبرج. وفقًا له، ارتفع معدل الوفيات في المدينة مقارنة بالفترة نفسها من عام 2019. لكن انخفاض عدد السكان لم يكن مرتبطًا بـ كوفيد-19، بل بزيادة حادة في الوفيات من السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية (الوفيات من جميع أنواع الالتهاب الرئوي، وهو أمر مميز لـ СOVID-19، على العكس من ذلك، انخفض بنسبة 3.8٪) "...

صورة مماثلة لهذه لوحظت في ألمانيا. فبحسب صحيفة "The Essence of Time"، فإن مكافحة كوفيد -19، وفقًا لمصادر حكومية في هذا البلد، أدت إلى وفيات أكثر من فيروس كورونا نفسه. كان مرضى السرطان والسكتة الدماغية أول من يموت بسبب تقييد الوصول إلى الرعاية الطبية اللازمة. فتراوحت الوفيات الإضافية تقديرياً بين 5000 و 125000.

يجب أن نتطرق بشكل منفصل إلى الوضع الكارثي الذي يتطور في التعليم المدرسي عندنا. فالإغلاق غير المبرر للمدارس وإرسال طلاب المدارس الثانوية إلى التعليم عن بعد يؤثر بشكل سلبي على جودة التعليم ويسبب أضرارًا جسيمة لا يمكن إصلاحها لمستقبل بلدنا. في تسعينيات "النكبة"، فقدت البلاد بالفعل جيلا كاملا، عندما أجبر الأطفال، بدلا من الذهاب إلى المدرسة، على كسب لقمة العيش عن طريق غسل السيارات في الشوارع. الإجراءات المتخذة الآن قد تؤدي إلى فقدان جيل آخر. هذه المشكلة مهمة للغاية بالنسبة لمستقبل بلدنا وتتطلب تغطية إعلامية جادة منفصلة.

عند النظر في مدى كفاية التدابير المطبقة ضد كوفيد-19، لا يمكن للمرء تجاوز السؤال المؤلم بالفعل المتعلق بالأقنعة والقفازات السيئة السمعة، والتي أصبحت رمزًا لـ "قيود التكميم ولبس القفازات" المفروضة على المجتمع. في هذا المجال، تراكمت الأكاذيب الصريحة والجهل المطبق ذات الصلة بمشكلة عدوى فيروس كورونا، كما لم تتراكم في أي مجال آخر. وقد وصف سيميون نوفوبرودني Semyon Novoprudny في Gazeta.ru القناع (الكمامة) بأنه "رمز عالمي للذنْب والظلامية".

سأحاول أن أكون موجِزا قدر الإمكان. في 2009-2017. تم إجراء عدد كبير من الملاحظات الوبائية الخاضعة للرقابة في بلدان مختلفة. ونشر العديد من المراجعات في المجلات العلمية ذات السمعة الطيبة. ولم تحصل أي من الدراسات على بيانات عن أي تأثير إيجابي لارتداء الأقنعة المستمر من قبل الأشخاص الأصحاء للوقاية من الإصابة بفيروسات الإنفلونزا ومسببات الأمراض التنفسية الفيروسية الحادة الأخرى (ARVI (. ويؤكد المتخصصون من مركز السيطرة على الأمراض في الولايات المتحدة (CDC) أيضًا أنه لا يوجد دليل علمي على تقليل الإصابة بالإنفلونزا والسارس عند ارتداء الأقنعة. في الوقت نفسه، يرافق ارتداءَ الأقنعة من قبل المرضى المصابين بعدوى فيروسية في الجهاز التنفسي، والذي يمارس منذ عقود في اليابان، تأثيرٌ إيجابي موثق دائمًا.

كل المحاولات التي أجريت لإثبات أن فيروس SARS-CoV-2 هو استثناء بمعنى ما من مجموعة فيروسات الجهاز التنفسي العادية، وأن ارتداء الأقنعة سيكون بطريقة ما عجيبة عقبة أمام الفيروس الجديد، باءت بالفشل. لذلك، جاء في وثيقة منظمة الصحة العالمية "استخدام الأقنعة في سياق كوفيد-19" بتاريخ 5 يونيو 2020، ما يلي: "استخدام الأقنعة الطبية من قبل الأفراد غير العاملين في غرف العلاج والتشخيص والاستشارة غير مطلوب [...] لا يوجد حاليًا دليل مباشر على فعالية الاستخدام الشامل والواسع النطاق للأقنعة من قبل الأشخاص الأصحاء من أجل الوقاية من الالتهابات الفيروسية التنفسية، بما في ذلك كوفيد-19". يمكن للمشككين قراءةُ هذه الوثيقة الرسمية لمنظمة الصحة العالمية على الموقع الإلكتروني لهذه المنظمة.

الآن عن القفازات. في سبعينيات القرن الماضي ثبت أن فيروسات نظير الإنفلونزا من النوع 3 يمكن أن تنتقل بين الأطفال عن طريق الاتصال من خلال الألعاب الملوثة بإفرازات الأنف. ثم في معهد صيسين (Sysin) لأبحاث النظافة العامة والمجتمعية التابع لأكاديمية العلوم الطبية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (الآن مركز التخطيط الاستراتيجي وإدارة المخاطر الصحية الطبية والبيولوجية FMBA -)، تم إجراء دراسة حول بقاء ومكوث فيروسات الجهاز التنفسي على الأسطح. تم إجراء هذه الدراسات ليس فقط على فيروسات الجهاز التنفسي التقليدية (فيروسات الأنفلونزا والفيروسات الغدية وفيروس RS)، بل أيضًا على عدة أنواع من فيروسات كورونا. استخدم علماؤنا والعلماء الأجانب في دراساتهم تقنيات كلاسيكية جعلت من الممكن ليس فقط تقييم مدة وجود الجسيمات الفيروسية نفسها على الأسطح المختلفة، ولكن أيضًا قدرتها على إصابة مجموعة من الخلايا المزروعة. وقد أظهرت هذه التجارب أن أطول فترة (عدة أيام) يمكن للفيروس التاجي أن يستمر فيها هي على القماش (وهذا يشبه القناع الطبي).

إن أبحاث أجراه علماء السبعينيات تختلف نتائجها بشكل لافت للنظر في مغزاها عن النتائج الحديثة المنشورة على نطاق واسع باستخدام اختبار تفاعل PCR البسيط الذي يتم فيه تسجيل وجود جزء فقط من جينوم الفيروس على السطح، والذي لا يوفر أي معلومات لا عن بقاء وسلامة الفيروس نفسه، أو، بالأخص، عن خصائصه. الدراسة الوحيدة المشابهة لتلك التي أجراها علماؤنا في سبعينيات القرن الماضي البعيدة أجراها زملاء إيطاليون في عام 2020، مستخدمين أيضًا الأساليب التقليدية ومصيبين بالعدوى مجموعة خلايا فيرو Vero مزروعة. وقد تم نشر النتائج في نهاية سبتمبر. فأظهر العلماء الإيطاليون أن SARS-CoV-2 قادر على البقاء لبعض الوقت على الأسطح "غير الحية"، لكن "لا يوجد خطر إصابة بالعدوى من مثل هذه الأسطح الملوثة في الظروف الحقيقية". في هذا الصدد، أعتقد أنه يمكن للمرء أن يضع حدًا للتخرصات حول الحاجة إلى إجبار الناس على ارتداء القفازات لمنع الإصابة بـ "الفيروس الرهيب".

المكان الوحيد الذي يمكن فيه، من الناحية النظرية على الأقل، أن يتلامس الناس مع إفرازات جديدة من أنوف وأفواه الآخرين، هو الكنائس حيث يتجمع المؤمنون المتدينون ويقبّلون زجاج الأيقونات المخصص لحماية صور القديسين ذات القيمة التاريخية من تطاولات أبناء الرعية. ويمكن أن تكون النوادي الليلية مكانًا آخر ينطوي على خطر انتقال كوفيد-19 عن طريق الاتصال، حيث يتبادل الشباب أكواب الكحول وتدخين السجائر و "مفاصل الأعشاب الضارة".

تؤكد جميع المواد التي تم الاستشهاد بها الافتراض الذي كررته حتى الآن عدة مرات: التركيز غير المعقول للانتباه فقط على مرض واحد غير خطير للغاية يؤدي إلى الموت المفرط للأشخاص الذين يعانون من أمراض مميتة أخرى معروفة. ويشير هذا إلى التأثير الضار للقيود على صحة الإنسان واقتصاد البلاد. في هذا الصدد، أود أن أقتبس من "فم الذهب" في السياسة الروسية، رئيس الوزراء فيكتور تشيرنوميردين: "يجب أن نفعل ما يحتاجه شعبنا، وليس ما نفعله نحن هنا".


- موقفك من الموجة الأولى لفيروس كورونا واضح تماما، ولكن ما الذي يجب عمله في ظروف انطلاق الموجة الثانية؟

لا يؤمن علم الأوبئة بـ"الموجات" والتصاوير الأخرى المميزة أكثر للشعر. فالآن، كما هو الحال في أي فترة خريف وشتاء أخرى، تسجَّل زيادة في حالات الإصابة بمجموعة أمراض التنفس الفيروسية ARVI. ومن الخطير للغاية اعتبار جميع أمراض الجهاز التنفسي مظهرًا من مظاهر الإصابة بفيروس كورونا. لا ينبغي دخول المستشفى للأفراد الذين لم تظهر عليهم أعراض والذين أظهر التحليل وجود شظايا من جينوم SARS-CoV-2 لديهم. من الضروري عدم زيادة القيود بشكل منهجي، إنما تقليل جميع أنواع القيود والتركيز على المرضى الحقيقيين الذين يعانون من أي أمراض، ويتطلبون مساعدة مؤهلة، وعدم التركيز على إصابة واحدة فقط بفيروس كورونا. يتجلى الوضع الحالي بشكل جيد في نكتة حزينة مفادها: "لئن حاول الأطباء في الموجة الأولى إقناع المرضى بواقع وجود المرض وخطورته، ففي الموجة الثانية يحاول المرضى إقناع الأطباء بوجود أمراض أخرى غير الكوفيد".

لسوء الحظ، لم يوقف الفشل الكامل للإجراءات "القمعية" في مجال مكافحة عدوى فيروس كورونا الجديد حكومات العديد من دول أوروبا الغربية عن غيها. فمع بداية موسم الإصابة بأمراض ARVI، بدأت هذه الدول، واحدة تلو الأخرى، في إعادة فرض عمليات الإغلاق والقيود التي فقدت مصداقيتها في الربيع المنصرم. ولم يتأثر هذا الإصرار حتى بدعوات منظمة الصحة العالمية، التي غيرت خطابها تحت ضغط عدم الفعالية الظاهر لهذه الإجراءات.

فقد أعلن المبعوث الخاص لمنظمة الصحة العالمية الدكتور ديفيد نابارو عن "السياسة" الجديدة بقوله: "نحن لا نؤيد العزل كطريقة أساسية لمكافحة الفيروس". ومضى يقول: "العزل له نتيجة واحدة فقط: هو يجعل الفقراء أكثر فقراً"، وحث الدول على محاربة الفيروس دون الاعتماد على الحجر الصحي. وبالتالي، توصي منظمة الصحة العالمية الآن باتباع مثال السويد والدول الأخرى التي لم تفرض قيودًا غير لازمة وحافظت على اقتصاداتها وأنماط حياتها الطبيعية.

في الواقع، أدركت منظمة الصحة العالمية أن القيود الشديدة وإغلاق الشركات والمرافق التجارية والمؤسسات الترفيهية والثقافية والترفيهية لم يكن لها تأثير إيجابي كبير على صحة الإنسان في مواجهة تفشي عدوى فيروس كورونا. فأكدت كلمة رئيسة وحدة الأمراض الجديدة في منظمة الصحة العالمية، ماريا فان كيركوف، أن زيادة في أمراض السرطان وأمراض القلب والأوعية الدموية تم تسجيلها على خلفية القيود المفروضة. علاوة على ذلك، رفضت ماريا فان كيركوف حاجة الأشخاص الأصحاء إلى ارتداء الأقنعة والقفازات، وقالت بصراحة: "وفقًا لبياناتنا، من غير المحتمل أن ينقل حامل بدون أعراض العدوى إلى شخص آخر. لدينا عدد من التقارير من العديد من البلدان. إنهم يراقبون الناقلين بدون أعراض ولا يكتشفون المزيد من الانتقال".

إن إعادة إدخال القيود الصارمة وعمليات الإغلاق في الخريف، والتي ثبت عدم فعاليتها في الربيع، أمر محير مثير للعجب والغضب. كما قال أ. أينشتاين، "الجنون هو تكرار نفس الأفعال على أمل الحصول على نتيجة جديدة". في الوقت نفسه، لا أتوقع أي نوع من التخفيف من القيود المرهقة وغير المنتجة. إن استمرار الحظر يمكن تبريره بسهولة من خلال مبدأ "التمثل بالغرب"، وإلغاؤه يعني تحمل المسؤولية، وهي "قاتلة" بالنسبة لمسؤول بيروقراطي. ولئن امتنع "المالكون والمتسلطون" في بلدنا يمتنعون حتى الآن عن فرض عمليات إغلاق جديدة فلأن الاقتصاد الروسي قد لا يتحمل ببساطة تكرار مثل هذه الضربة. في روسيا، اقتصرت السلطات حتى الآن على تشديد "نظام القفازات والكمامة" غير الفعال من حيث المبدأ. ويمكن توقع أن يظهر قريباً في دور السينما المفتوحة والتي لا تزال عاملة ، بدلاً من التحذير المعتاد حول مخاطر التدخين: "الفيلم يحتوي على مشاهد مع أشخاص بدون كمامات. التواجد في الأماكن العامة بدون كمامة يشكل خطراً على صحتك".

في ظل هذه الخلفية، يبدو سخيفًا تمامًا الحظر المعلن رسميًا على إقامة حفلات العام الجديد وأشجار عيد الميلاد للأطفال في موسكو، وفي الوقت نفسه ما يزامنه من إذن بالقيام باحتفالات مماثلة من قبل العاملين في الشركات العائدة لمواطنين أثرياء. هل هذا انعكاس لـ "لازدواجية التفكير"، "والفكر التعددي في رأس واحد"، أم هو عدم تصديق حكومة موسكو لأي خطر يتأتى من فيروس كورونا؟ في الحالة الأخيرة، تبدو القيود المفروضة من قبل سلطات المدينة معتمدة فقط على مصالح تجارية بحتة.

أما بالنسبة لتزايد أعداد المصابين المكتشفة في الخريف مقارنة بالربيع، ففي الربيع لم يتم إجراء أكثر من 200 ألف دراسة في اليوم لوجود المادة الوراثية SARS-CoV-2 في المسحات المأخوذة من المفحوصين، وتم التعرف على حوالي 8 آلاف مصاب، والآن أكثر من 600 ألف تحليل، أي أكثر بما يزيد عن ثلاث مرات، وبالتالي تم اكتشاف حوالي 20 ألف مصاب، أي أن النسبة تبقى أو حتى أصبحت أفضل. هذا هو أحد التفسيرات المحتملة. للحصول على نتيجة نهائية، يجب أن يكون لديك الحق في الوصول إلى مجموعة البيانات المتاحة بالكامل.


- إن رد فعلك السلبي على التدابير المستمرة لمكافحة كوفيد-19 واضح، لكن الكثير من الناس يسألون بل ويطالبون بإجراءات تقييدية أكثر صرامة. كيف يمكنك التعليق على هذا؟

هذا مؤسف جدا. أدى الشعور بالخوف والخطر المميت الذي تثيره وسائل الإعلام باستمرار إلى "وباء الذهان" (الذهان هو الهستيريا بكلمة أخرى - المترجم) بين سكان العديد من البلدان، بما في ذلك روسيا. فيتم باستمرار "صب" أرقام غير المفهومة على رؤوس الناس العاديين، وتقديمها دون أي تحليل ومقارنة. كل هذا يخلق بشكل مباشر في الناس شعورا بالرعب وبحلول الكارثة الحتمية. نتيجة لذلك، يتم استبدال الواقع بشكل متزايد في أذهان الناس بصورة افتراضية تعكس بشكل منحرف العالم الحقيقي المحيط. إن جميع المعلومات التي تنشرها وسائل الإعلام فيما يتعلق بـ كوفيد-19 لها طابع التخويف السلبي الواضح، مما يسبب القلق ويساهم في تطوير التوتر. ويتم إدخال فكرة في روع الناس باستمرار مفادها أن الخلاص الوحيد من خطر مميت غيرِ موجود في الواقع هو ارتداء الأقنعة والقفازات. رأي الخبير المتوازن غائب تمامًا على الهواء في قنوات التلفزة والإذاعة، وهو البديل العقلاني عن الضغط السلطوي الإعلامي المفروض من أعلى.

تذكر منظمة الصحة العالمية ومجتمع الأطباء النفسيين في العالم أن الصحة العقلية لأعداد كبيرة من الناس تعاني نتيجة هذه الممارسات الإعلامية المضللة. فأي نشرات إخبارية في وسائل الإعلام تبدأ بإعلان عشرات أو مئات الوفيات الجديدة بسبب الإصابة بفيروس كورونا. وفي الوقت نفسه، يتم تجاهل أن أكثر من 17 مليون شخص يموتون من أنواع العدوى الأخرى في العالم كل عام. فيموت كل عام حوالي 10 ملايين من جراء أمراض القلب والأوعية الدموية، و 1.6 مليون من السل، و 1.34 مليون من التهاب الكبد الفيروسي، ويموت ما يقرب من 900,000 طفل دون سن الخامسة بسبب الالتهاب الرئوي. لذلك، فإن أنشطة وسائل الإعلام العالمية في عام 2020 تشبه أكثر فأكثر أداة دعاية تم شحذها في القرن العشرين في أحلك سنوات الفاشية العجاف في ألمانيا. ونتيجة الدعاية للرعب بلا وازع وشهور من ضغوط القيود المختلفة، بدأ الناس يكرهون الناس. وتنتج عن هذا احتجاجات حاشدة بعيدة كل البعد عن السلمية في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية، مصحوبة في كثير من الأحيان بوفيات.

في روسيا، ليس غضب الأشخاص الذين أصيبوا بصدمات نفسية من تأثير وسائل الإعلام بعد عنيفًا كما هو الحال في الغرب. ومع ذلك، يتم الإعلان بانتظام عن معلومات حول قيام سائق حافلة بضرب راكب بدون كمامة في بلدة صغيرة. وفي سان بطرسبرج، قام سبعة حراس بإسقاط أحد ركاب المترو أرضاً لأنه لم يكن يرتدي قناعا. وفي موسكو، "سحب" قبضايات الحرس الرئلسي البواسل امرأة من المسرح، كانت بمثابة أمهم، لأنها لم تضع القناع على وجهها في الوقت المناسب. وقد حدث هذا الإجراء القبيح وسط تصفيق جزء من الجمهور، مما يشير إلى إخلال هائل بوعي الأشخاص الذين يتعرضون لضغوط قوية ومستمرة جراء المعلومات المتناقضة حول كوفيد-19. ووفقًا لعالمة اللسانيات النفسية تاتيانا تشيرنيغوفسكايا، فإن إحدى المشكلات الرئيسية في عصرنا هي "الكم الهائل من المعلومات، التي يصبح من خلالها اختيار الحقيقة من بينها مهمة غير قابلة للحل"، لأن "التقليد" الكاذب يحيط بنا من كل حدب وصوب".

لقد بدت ذات مرة وكأنها نكتة غبية أن توقعت مجموعة من الأطباء النفسيين أنه في المستقبل يمكن أن تكون هناك حالة يحتفظ فيها 20٪ فقط من الناس بمهارات التفكير النقدي بسبب تعرض وسائل الإعلام المشوه للواقع. لقد وصل هذا المستقبل بالفعل، لسوء الحظ، حيث غيّر "وضع الكمامة" طريقة تفكير الناس وتصرفهم. ووفقًا لشهادة المعالج النفسي ومقدم البرامج التلفزيونية أندريه كورپاتوف، يمكن أن تتطور مشاكل الصحة العقلية لدى 40٪ من السكان بسبب الخوف المصطنع من جراء الإصابة بفيروس كورونا. ويقول سيرجي إنيكولوبوف، رئيس قسم الصحة العقلية في مركز أبحاث الصحة العقلية التابع لأكاديمية العلوم الروسية: "إن الظهور الهائل لمشاكل الصحة العقلية لدى عدد كبير من الناس يرجع إلى حقيقة أنه عندما تتزايد المخاوف، فإن آليات السيطرة الاجتماعية تضعف. لذلك، يمكن للأشخاص الذين يعانون من ضعف السيطرة أو أولئك الذين هم أكثر خوفًا أن يتصرفوا بشكل غير لائق تمامًا. هؤلاء الناس يفتقرون إلى التفكير التكيفي. ولا يمكنهم تقييم الموقف بشكل نقدي واستخلاص النتائج". في الوقت نفسه، من غير المجدي شرح شيء لمثل هؤلاء الأشخاص ذوي الوعي المتغير.

إن معظم العاملين في مجال الإعلام يدركون الدمار الذي تُعرّض له أنشطتهم المجتمع والأفراد. وقد أعلنت هذا على صفحتها على الإنترنت مقدمة القناة الأولى المعروفة إيكاترينا أندرييفا، وهي تشفق على "ضحايا الترهيب العدواني - الأشخاص المرتعبين من الكابوس الذين يُزرَع في عقولهم خطر الفيروس الجديد الرهيب، بينما تقول الإحصاءات إن معدل الوفيات منخفض للغاية ". ولحسن الحظ، بدأ المزيد والمزيد من مواطنينا يدركون أنه يتم تضليلهم عمداً وإجبارهم على القيام بأشياء غير ضرورية تحت طائلة الغرامات. لذلك، بدأ مواطنو روسيا في اللجوء إلى المحاكم في كثير من الأحيان بشكاوى حول الإجراءات غير القانونية للسلطات.

إنه لمن دواعي السرور أن تتخذ المحاكم الروسية أكثر فأكثر موقفًا مؤيدًا للمواطنين المتضررين، بإلغاء الغرامات التي تفرضها سلطات إنفاذ القانون وغيرها من سلطات الإشراف على الأفراد الذين ينتهكون القيود المفروضة غير الضرورية. حتى أن هناك محكمة في موسكو أجبرت على إصدار حكم "ماكر" ردًا على شكوى قدمها رسميًا الممثل نيكيتا دجيغوردا حول عدم قانونية الإجبار على ارتداء الأقنعة وفقًا لمرسوم صادر عن رئيس بلدية موسكو. فقد نص قرار المحكمة على أن شرط ارتداء الأقنعة يتعارض مع القانون الروسي، لكن قرار رئيس البلدية المذكور في الشكوى هو مجرد توصية. وبهذه الطريقة "الماكيافيلية"، تجنبت المحكمة توجيه اتهام مباشر إلى السيد سوبيانين بانتهاك قوانين الاتحاد الروسي.

بعد هذا الحكم، كما أوردت صحيفة "بياتايا جازيتا" (الجريدة الخامسة)، اضطرت محاكم موسكو إلى إلغاء أكثر من 56 ألف قرار بشأن فرض غرامات بسبب انتهاك قرارات "رئيس البلدية" هي قرارات غير قانونية، بناءً على شكاوى عديدة من سكان موسكو. وفي سبتمبر الماضي، أقرت المحكمة العليا لجمهورية أودمورتيا بتوصيات مصلحة حماية المستهلك Rospotrebnadzor الموكلة تقدير وفرض التقييدات بشأن الكورونا على أنها غير ملزمة، وألغت غرامة قدرها عدة مئات الآلاف من الروبلات فرضت على إحدى المؤسسات لعدم إجرائها مسحاً يومياً للموظفين حول صحتهم وفشلها في إجراء قياس الحرارة لهؤلاء الأشخاص كل 4 ساعات. لا يسع المرء إلا أن يأمل في أن هناك إجراءات من هذا القبيل للمحاكم أكثر مما أعرف.

لا يهدف العديد من البرامج الحوارية على القنوات التلفزيونية المختلفة إلى نقل معلومات موضوعية متوازنة إلى المشاهد، بل يهدف إلى زيادة جذب الموارد المالية للمعلنين إلى أقصى حد بسبب النرفزة المصطنعة، وروائح الفضائح والإثارة الرخيصة. في هذا الصدد، اختفى من الشاشة الخبراء الذين لديهم وجهة نظر بديلة تمامًا. نتيجة لذلك، يتم إنشاء صورة مصطنعة مفادها أن هناك موقفاً واحدًا فقط، يتم تثبيته وتقويته بواسطة وسائل الإعلام عبر التلاعب. إنه رأيي الشخصي. لذلك، أنا أختار عن عمد جمهورًا مهنيًا من قراء الجريدة الطبية التي، نظرًا لمؤهلاتها وتعليمها المتخصص، يمكنها تقييم النطاق الكامل للحجج المقترحة بحيادية وموضوعية. كما أتطلع إلى تلقي آراء ومناقشات مهنية من أجل العمل معًا لتطوير الوضع الأمثل للمجتمع الطبي المهني.

بواسطة التخمين بمهارة حول أعداد المصابين بالفيروس الذين تم اكتشافهم على أنهم أكثر مما كان عليه الأمر في الأشهر السابقة (نصفهم، كما كان الحال في الربيع، وربما أكثر من النصف، لم تكن لديهم أية أعراض)، تحرض وسائل الإعلام على الخوف. لذلك، من المناسب أن نتذكر الحكاية القديمة: "رحل الطاعون عن إحدى المدن في القرون الوسطى فالتقى بالكوليرا متجهةً إلى هناك. قال لها الطاعون: لا تذهبي إلى هناك، ليس هناك أحياء. فسألته الكوليرا: لقد قتلت الجميع؟
رد الطاعون: لا، لقد قتلت فقط كل عشرين شخصاً من بين ساكنيها، أما الباقون فماتوا من الخوف".

الآن يتم الترويج للفكرة الخاطئة المتمثلة في "المسؤولية الشخصية للمواطنين عن انتشار عدوى فيروس كورونا" بكل طريقة ممكنة. بهذا الأسلوب "التبسيطي"تحاول السلطات إعفاء نفسها من المسؤولية عن الإخفاقات في مكافحة انتشار أمراض الجهاز التنفسي في فترة الخريف، بما في ذلك كوفيد-19، وتجهد لتحويل المسؤولية عنها إلى المواطنين العاديين. هذا يحرض على عدم التسامح والعدوان المفرط تجاه الناس من بني جنسهم.
لقد وجدت توصيفًا صعبًا ولكنه موضوعي للوضع الحالي في روسيا في ما يتعلق بعدوى فيروس كورونا في مقال للمؤرخ والداعية الاجتماعي ألكسندر يليسييف في صحيفة "زافترا" Zavtra الروسية (العدد 44، نوفمبر 2020): "الآن ليس من المهم حتى مدى خطورة فيروس "الموضة" الآن. يمكنك أن تكرر بلا نهاية أن الأنفلونزا العادية أكثر خطورة وقتلًاً. الشيء الرئيسي هو أن فيروس كورونا أصبح بالفعل أسطورة. بتعبير أدق، أسطورة مضادة سوداء antimyth noir. وبهذه الصفة، ينجح في إخراج البشرية من على وجه الأرض، وإرسالها إلى زنزانة رقمية تحت الأرض. الشيء الرئيسي الآن ليس الفيروس نفسه، بل صورته ومثاله. إنه يخيف الناس إلى أقصى حد، ويجعلهم تحت السيطرة ".


- ما الذي يجب أن يعمله في هذه الظروف للعديد من العاملين في المجال الطبي الذين لا يتمتعون بالسلطة ولا يعملون في ظروف "المنطقة الحمراء" الصعبة؟

أولاً، تهدئة خواطر الناس، والتوقف عن دفعهم إلى الذعر. من الضروري أن نوضح لهم أنه لا يوجد شيء كارثي حقًا مقارنة بالارتفاع الموسمي السنوي المعتاد في حدوث التهابات الجهاز التنفسي الفيروسية سواء في العالم أو في روسيا.

أفضل طريقة هي "إغلاق" موضوع فيروس كورونا في وسائل الإعلام كجدول أعمال دائم يبدأ منه أي برنامج إخباري. لسوء الحظ، لا يمكن القيام بذلك على الفور، حتى لا يحدث صدمة نفسية في أوساط مجتمع "الزومبي" أي السكان المخدوعين بالدعاية المكثفة حول الكورونا، على غرار "الانسحاب" من عادة الإدمان الذي يحدث لدى مدمن مخدرات بعد حرمانه من تعاطيها. وفطام السكان عن الأمور المهيجة للخواطر والمخيفة، ولكن التي أصبحت بالفعل معلومات ثابتة مألوفة حول كوفيد-19، يجب أن يتم بشكل منهجي ومتصاعد، حتى التوقف التام.

للأسف أن ليست لا لدي ولا لديكم، أيها القراء الأعزاء، السلطة الكفيلة بتغيير وسائل الإعلام الحديثة التي تحولت إلى سلاح رهيب ومدمّر، أو بالأحرى سلاح يدمر وعي الناس. لقد بثوا على جميع القنوات والشبكات المتاحة لهم "صورة كوفيد-19 الرهيبة والمميتة" التي يحتاجونها. في إطار هذه الصورة الافتراضية، لم يعد مهمًا ما يحدث في الواقع. فيتعرض ملايين الأشخاص للترهيب والإحباط والحرمان من الحياة الطبيعية. وتم تقويض ثقة الجمهور في معارف الخبراء، حيث أن أي تنبؤات يتم بثها رسميًا لـ "الخبراء المفوضين" من قبل السلطات نفسها تدحضها حقيقة الحياة. بعض الأشخاص الذين احتفظوا بالقدرة على التفكير النقدي باتوا يفهمون أن حرية الوصول غير المحدود إلى المعلومات من خلال وسائل الإعلام والإنترنت تربك الموقف تمامًا.

أطلب منك أن تنصح أصدقاءك ومرضاك برفق وبشكل غير ملحوظ بالتركيز بشكل أقل على البرامج الإخبارية التي تحتوي في الغالب على معلومات سلبية ومزعجة. اشرح لهم الخطر المنخفض الحقيقي للإصابة بفيروس كورونا. يجب على الجميع مشاهدة المزيد من البرامج المسلية والمضحكة. حاول أن تظل متفائلاً.
أتمنى لك ولأحبائك الصحة والعافية!

"الجريدة الطبية"، العدد 47 تاريخ 25/11/2020.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا نعرف عن انفجارات أصفهان حتى الآن؟


.. دوي انفجارات في إيران والإعلام الأمريكي يتحدث عن ضربة إسرائي




.. الهند: نحو مليار ناخب وأكثر من مليون مركز اقتراع.. انتخابات


.. غموض يكتنف طبيعة الرد الإسرائيلي على إيران




.. شرطة نيويورك تقتحم حرم جامعة كولومبيا وتعتقل طلابا محتجين عل