الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من تتويج فيصل ملكاً على العراق.

سعد سوسه

2021 / 1 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


رأت الحكومة البريطانية مدى المعارضة التي تواجهها الحكومة العراقية المؤقتة ، ولاسيما معارضة المؤسسة الدينية ، لذلك عملت على إشغال الرأي العام العراقي في قضية من يتولى عرش العراق ، فاختلفت آراؤهم بشأن نظام الحكم ، إذ ايد البعض منهم فكرة النظام الجمهوري الذي كان له دعاته وانصاره من أمثال توفيق الخالدي وفخري الجميل، والبعض الأخر طالب بإقامة نظام ملكي دستوري الذي هو الآخر كان له مؤيدوه . ولكنهم اختلفوا فيما بينهم ، فمنهم من رأى ضرورة تتويج رجل عراقي ، من امثال عبد الرحمن النقيب او طالب النقيب او عبد الهادي العمري أحد الشخصيات الموصلية المعروفة ، وبالمقابل وقف آخرون مؤيدين لترشيح احد انجال الشريف حسين بن علي من الأسرة الهاشمية في الحجاز للملكية ، كالأمير فيصل او الأمير عبد الله او الأمير زيد، في حين كــانت هنـاك جماعـــة قليلة تروج للشيخ خـــزعل شيخ المحمرة (1897-1925) . ويشير أحد التقارير البريطانية إلى ان الشيخ خزعل دفع اموالاً طائلة إلى الشيخ عبد اللطيف الجزائري(وهو الأخ الأصغر للشيخ عبد الكريم الجزائري ، وعلى الرغم من الخلاف بين الشيخ عبد الكريم والشيخ خزعل بعد وقوف الأخير مع البريطانيين ضد العثمانيين، إلا إن الصلات بين الشيخ خزعل والشيخ عبد اللطيف ظلت على حالها ، وعلى اساس هذه الصداقة فقد شاع في اوساط النجف عندما رشح الشيخ خزعل لعرش العراق أنه قد دفع للشيخ عبد اللطيف مبلغاً قدره عشرون الف ليرة عثمانية لينفقها في بث الدعاية وتهيئة الرأي العام لهذا الترشيح) ليكسب بها موالين له .
وعلى الرغم من تأسيس حكومة عراقية مؤقتة ، إلا إن الأوضاع في العراق كـانت غير مستقرة، ممّا يكلف بريطانيا كثيراً ، لذا قررت نقل ونستون تشرشل(Wnston Churchill) ( (1874-1965) : ونستون ليونارد سبنسر تشرشل ، سياسي بريطاني ، ينتمي إلى اسرة مارلبورو الانكليزية ، تقلد الكثير من المناصب العسكرية ، خدم في الجيش البريطاني برتبة جندي في الهند وكوبا والسودان عام 1895 ثم اصبح مراسلاً حربياً ، عين وزيراً للتجارة ما بين عامي (1908-1910) ، وعين وزيراً للداخلية عام 1911 ثم وزيراً للبحرية عام 1913، ثم وزيراً للمستعمرات في كانون الثاني 1921 ،اصبح رئيساً للوزراء (1940-1945)) ( 1) من منصب وزير الحربية إلى منصب وزير المستعمرات، فكان اول ما فكر فيه الوزير الجديد هو العمل على تخفيض النفقات البريطانية في الشرق الأوسط إلى ادنى حد ممكن ، وتمهيداً لذلك قررت بريطانيا عقد مؤتمر في القاهرة يحضره ممثلوا بريطانيا في بلدان المشرق ومن ضمنها العراق للمذاكرة في افضل الطرق لخفض النفقات البريطانية وتعيين مستقبل الحكم في العراق(2) .
بعد مداولات عديدة ومناقشات بشأن اختيار الشخص الذي يتولى الحكم في العراق، رُشحَ الأمير فيصل بن الشريف حسين ملكاً على العراق )( رُشح فيصل ملكاً على العراق ، بعد ان كانت بريطانيا قد رفضت عدة مرشحين اخرين ، وعارضت في الوقت نفسه بشدة فكرة اقامة النظام الجمهوري . وقد اعلنت السلطات البريطانية منهاجاً واسعاً لتأييد هذا الترشيح فكانت بريطانيا تنظر إلى الأمير فيصل بوصفه الرجل المناسب القادر على خلق حالة من التوازن بين مصالحها الاستعمارية من جهة ، وبين إرضاء الشعب العراقي نظراً للمؤهلات التي تجعل فيه الرجل المرغوب لدى العراق من جهةً اخرى (3)
في خلال ذلك المؤتمر الذي عقد في القاهرة برئاسة تشرشل في الثاني عشر من آذار عام 1921 ، الذي حضره عن العراق برسي كوكس المندوب السامي البريطاني في العراق ، والمس بيل السكرتيرة الشرقية للمندوب السامي ، وجعفر العسكري وزير الدفاع ، وساسون حسقيل وزير المالية ، والجنرال هالدن (Halden) قائد القوات البريطانية في العراق وعدد من المستشارين البريطانيين .
وفي ضوء هذا الترشيح ، أبرقت الحكومة البريطانية إلى الحجاز في بداية حزيران عام 1921 ، تطلب توجه فيصل إلى العراق بعد أن مهدت وأعدت الدعاية الكافية (4) حتى ان مجلس الوزراء عقد جلسته في الحادي عشر من تموز لمبايعة فيصل ملكاً على العراق ، ولكن السياسة البريطانية ذات الأقنعة المتعددة ارادت إضفاء جانب الحرية والولاء معاً ، فلم يوافق المندوب السامي على هذه البيعة بالرغم من سروره العميق بها ، إلا بعد إجراء استفتاء للآمة ، لذا أوعز مجلس الوزراء إلى وزارة الداخلية باتخاذ الخطوات لإجراء عملية التصويت العام تمهيداً لترشيح فيصل ملكاً على العراق ، واعدت وزارة الداخلية مضابط الاستفتاء ، يسجل فيها المندوبون عن السكان آراءهم في قرار مجلس الوزراء ، ويُوقع عليها في حال الموافقة على قبول ترشيح فيصل ملكاً للعراق .
ثمة حقيقة تاريخية لا يمكن تجاوزها بأي حال من الأحوال ، ألا وهي أن المعارضة الإسلامية التي كانت محكمة ومتماسكة في وجه البريطانيين قد بان فيها التباين والتصدع في هذه المرحلة ، فقد كانت أراء علماء المؤسسة الدينية بين مؤيد لتنصيب فيصل ملكاً على العراق ومعارض لذلك . فعبد الرحمن النقيب قد اعلن بصراحة اعتراضه الشديد على تنصيب فيصل ملكاً على العراق ، ملمحاً إلى ضرورة تنصيب عراقي ، ننقل نصاً ما قاله النقيب بشأن ذلك : " انني من اقارب الشريف ، وانحدر من نفس السلالة ، وأشاركه في مذهبه الديني . ولذا فاني ارجو ان تفهموا باني لست مدفوعاً بدافع الاختلاف في الدم او العقيدة عندما اقول لكم باني سوف لا اوافق ولن اوافق على تعيين الشريف او احد انجاله اميراً في العراق . حيث ان الحجاز غير العراق وليس هناك علاقة بينهما غير علاقة العقيدة ... واني افضل الف مرة عودة الترك إلى بغداد على ان ارى الشريف او ابناءه ينصب احدهم على عرش العراق .
وبعد ان رأى النقيب أن رأيه لم يصمد امام الواقع سرعان ما غير رأيه، ولاسيما ان بريطانيا كانت مصرةً على تولية فيصل عرش العراق ، وهذا ما ظهر جلياً في دعوة النقيب للأمير فيصل إلى مأدبة طعام فاخرة في داره(5) ، وكان اهم ما جرى في تلك الدعوة ، قصيدة ألقاها الشاعر معروف الرصافي مؤلفة من أربعة مقاطع تشيد باجتماع النقيب والأمير فيصل ، ننقل بعض ما جاء في ابياتها :
مد النقيب إلى الأمير
فليخز كل مشاغب
وليحيـا مولانا الـــــــنقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــيـب يد المعاضد والنصير
في القوم يلهج بالشرور
حياة مولانا الأمير

وفي السياق ذاته ، اراد بعض علماء المؤسسة الدينية في النجف وفي مقدمتهم الشيخ عبد الكريم الجزائري ، أن يرشح الشيخ خزعل الكعبي أمير المحمرة ، إذ أرسل اليه الشيخ الجزائري رسالة يطلب منه ان يعيد ترشيح نفسه بعد ان سحب خزعل ترشيحه لصالح فيصل جاء فيها: " اني اعجب كل العجب منك ، مع علمي بمعرفتك وعقلك، نجنبك في هذه المدة من امور العراقيين . مع انك تربطك لهم رابطة المذهب والوطن واللسان ، والان بعد ان شاع ان الدولة البريطانية قد اعطت الحرية للعراقيين بانتخاب من يشاؤون لأمورهم العامة..." (6) .
بالمقابل ، كان السيد ابو الحسن الأصفهاني والشيخ محمد حسين النائيني ضد فكرة ترشيح ملكاً على العراق سواء كان المرشح فيصلا او أي مرشح آخر ما لم يضمن استقلال العراق وإنهاء الانتداب البريطاني أولاً ، واعتبار استقلال العراق وتشكيل الحكومة المستقلة المنفصلة عن التدخل البريطاني المقيدة بدستور ومجلس نيابي هدفاً مقدماً على مسألة الترشيح لعرش العراق ثانياً. وقد ظهر ذلك واضحاً عند زيارة فيصل إلى مناطق الفرات الأوسط ولاسيما المدن المقدسة النجف وكربلاء ، اذ كان الاستقبال الجماهيري ضعيفاً على الرغم من جهود السلطات الإدارية في تحشيد الناس لاستقبال الملك بالشكل المناسب واللائق به ، وإن علماء المؤسسة في تلك المناطق لم يخرجوا الا البعض منهم لاستقباله ، وشاع بين الناس ان المرجعية لا توافق على تنصيب فيصل ملكاً على العراق(كان في مقدمة المستقبلين الشيخ محمد جواد الجواهري ، والميرزا مهدي الخراساني ، وعدد من الزعماء والوجهاء) .
اما الموقف الآخر ، فقد مثله السيد محمد الصدر ويوسف السويدي واحمد الداود والشيخ مهدي الخالصي ، ولم يكن فيه معارضة لترشيح فيصل . فالسيد الصدر كان مؤيداً لهذا الترشيح ، من المفيد أن نشير هنا إلى ، أن السيد محمد الصدر قدم لجلالة الملك فيصل سيفاً ذهبياً وقلده اياه في اثناء زيارة الأخير مرقد الإمامين الكاظمين عليهما السلام في الخامس والعشرين من اب عام 1921 . وقد بعث في خلال وجوده في الحجاز برقية إلى الشريف حسين يطالبه فيها بالموافقة على ترشيح نجله فيصل لعرش العراق . وأنه رافق فيصلاً في اثناء قدومه إلى العراق مع يوسف السويدي وآخرون ، واعد مذكرة بيعة ترشيح الأمير فيصل ملكاً للدولة العراقية المستقلة دستورياً ، وقد وقع عليها مواطنون من مختلف انحاء العراق(7) . لنقرأ سوية خطاب الشيخ أحمد الداود الذي وجهه للأمير فيصل عند زيارته المدرسة الجعفرية في التاسع من تموز 1921:" أنت الرئيس المفدى الذي التفت حوله القلوب ، ولا نرضى بغيرك. ثم التفت نحو الواقفين وخاطبهم: اتبايعون رجلاً بالملوكية غير سمو الأمير فيصل المعظم؟ فاجابوه بأصوات عالية: كلا ثم كلا ، لقد بايعنا فيصل بالملوكية ولا نريد غيره. وانطلقت عندئذ عشرات الهتافات "(8) .
أما الشيخ مهدي الخالصي ، فقد اشترط على فيصل لدى زيارة الأخير له في الثاني عشر من تموز عام 1921 والاجتماع به ، بحضور علماء المؤسسة الدينية ، بما فيهم اعيان الكاظمية ، على مبايعة فيصل ملكاً على العراق بشرط أن يسير بالحكم سيرة عادلة، وعلى أن يكون الحكم دستورياً نيابياً ، وأن لا يقيد العراق بأية قوة أجنبية(9) ، وبناءً على ذلك اصدر فتواه التي نورد بعض ما جاء فيها:
"بسم الله الرحمن الرحيم وبه نقتدي
الحمد لله الذي نشر لواء الحق على رؤوس الخلق فأيدهم بالنصر برئاسة من حاز الشرف والفخر ، الملك المطاع الواجب له علينا الاتباع ، الملك المبجل عظمة ملكنا فيصل الاول وافت شوكته ، نجل جلالة الملك حسين فيصل الاول دامت دولته ، فاحكموا بيعته ، وابرموا طاعته، واهتفوا باسمه ، فدعيني لحكمه، ونحن ممن اقتفينا هذا الأثر ، وبايعه في السر والجهر، على ان يكون ملكاً على العراق ، مقيداً بمجلس نيابي ، منقطعاً عن سلطة الغير ، مستقلاً معه بالأمر والنهي ، ولله الأمر.
7 ذي القعدة 1339/13 تموز 1921
الراجي عفو ربه محمد مهدي الكاظمي الخالصي عفي عنه" .
ومن المعلوم ، أن الشيخ مهدي الخالصي كان ضد العائلة الهاشمية لوقوفها في الحرب إلى جانب البريطانيين . يروي لنا ولده الشيخ محمد الخالصي أنه حين وصل فيصل إلى العراق زار الشيخ الخالصي عدة مرات مظهراً انه لا غاية له الا نشر تعاليم القران وتخليص البلاد الإسلامية من تسلط الأجانب ، وإن عمله وبيعته له لا تكون إلا بموافقة الخالصي. فإن بايعه الخالصي والا فإن الامير فيصل سوف يضطر إلى الرجوع إلى الحجاز ، فقال له الشيخ مهدي الخالصي انا قد بايعناك على ذلك وان تخلفت عن احدى هذه الشرائط فلا بيعة لك عندي .
ينبغي أن نشير هنا إلى ، إن الشيخ مهدي الخالصي ليس بتلك السذاجة حتى يمنح فيصلاً كل هذا الدعم السياسي والشرعية الدينية من خلال فتوى البيعة . وبرر الخالصي لولده، سبب الموافقة على بيعة فيصل ، حينما ذكره ان الأخير حليف لبريطانيا ولم يأت إلى العراق الا بعد ان اعطى العهود والمواثيق إلى البريطانيين بإماتة الحركة الوطنية . بتعبير اوضح إن الشيخ الخالصي كان يخشى ان يبايع العراقيون بالملوكية المطلقة او مع قيد وصاية البريطانيين ، فبذلك لا يمكن لنا طرده فيذهب حق العراقيين بتوقيعهم صك العبودية ، فأردت أن اعلم الناس ليبايعوا لبيعتي حق العراق محفوظ متى طالب به ، فضلاً عن ذلك ، اخبره إن نفذ فيصل هذه الشروط فلا نختار غيره ملكاً على العراق ، وان خالفها ، بأيدينا وسيلة طرده .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب