الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روتيني اليومي: الرزق بين عرق الجبين وعرق المؤخرة : إقرأ المزيد على العمق المغربي

الفرفار العياشي
كاتب و استاذ علم الاجتماع جامعة ابن زهر اكادير المغرب

(Elfarfar Elayachi)

2021 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


روتيني اليومي لم يعد حدثا غريبا ،و انما تحول إلى نشاط تجاري مدر للربح. العائدات المالية و الرمزية لصناع محتوى روتيني اليومي كبيرة و مغرية،مما يجعلها ظاهرة منسجمة مع روح العولمة و التي جعلت من جسد المرأة سلعة وتجارة. الظاهرة تكشف الكثير من التحولات التي مست نسق القيم الاجتماعية، من عناوين هذا التحول ما يتعلق بطبيعة العمل و سبل تحصيل الرزق. قصة الرجل الذي اعتدى على زوجته بعشر طعنات في مؤخرتها انتقاما لذكورته،وبعد قضاء فترة السجن أعلن التصالح مع زوجته والاعتذار لها.لم يكتفي بالتصالح و انما اصبح شريكا لها في عمليات تصوير روتينها اليومي،والدافع بحسب تصريحه : محاربة البطالة وضمان مصدر من المال. القصة تكشف طبيعة التحول القيمي من تحصيل الرزق بعرق الجبين الى تحصيل المال بعرق المؤخرة،وهو تحول دال على حجم التحولات المتسارعة و الكبيرة. القيم الاجتماعية والثقافية للمجتمعات المحافظة حددت دور المرأة بالمنازل كفضاءات خاصة، وأن العمل وتحصيل الرزق من اختصاص الرجل، وفق منطق القوامة في دلالته الاجتماعية ، فالرجل لا يعيبه الا جيبه حسب المثل الشعبي . المجتمع صنع للمرأة هويتها بناء على معايير وسلطة الذكو، وحدد لها إطار للفعل كإطار مراقب و محكم، حتى ان رهانات الحركات النسائية هو كان دائما هو البحث عن ذاتها و تساميها عن كل السياقات الذكورية، لدرجة ان عالم النفس كارل أدلر Adler اعتبر كل سلوك انتوي هو استلاب انثوي:تسلق الاشجار و القفز الرياضات العنيفة مثلا، ذلك ان المرأة تريد محاكاة الذكر فيما يفعل إثباتا لذاتها ، وهو ما عبر عنه هيجل في صيرورة الوعي الشقي ان الذات لا تدرك ذاتها إلا عبر الآخر / المخالف. العولمة كسرت الكثير من الحدود وقلبت مجموعة من القيم ، بما فيها تلك القيم الصلبة المتعلقة بالبحث عن الرزق و سبله،بعد ان كان الرزق الحلال و المقبول مرتبط بالمجهود المبذول،وحجم المشقة لاسيما الأعمال الشاقة المرتبطة بالفلاحة و الحرف اليدوية و الصناعة، فكان الرزق الحلال هو مكافاة للعمل المضني وبذل الجهد و سيلان العرق ، لدرجة ان الفلسفة الماركسية جعلت العمل هو أساس هوية الإنسان لأنه بالعمل يستطيع الانسان تغيير ذاته و تغيير الواقع و المجتمع.وان الإسلام دعا إلى تكريم العامل وهو المتضمن في الحديث النبوي ان خير الارزاق ما كان من عمل اليد و تعبها . فصناعة المحتوى المرتبط بروتيني اليومي أصبح يعتمد على الجهد المبذول من طرف المؤخرات و ليس ذاك المرتبط بعرق الجبين ، ان تتعرق المؤخرات تعني التغير في النسق الوظيفي للمؤخرة، و التي كانت وظيفتها الاساسية الجلوس و الراحة. و هو ما كان ينسجم مع وضعية المرأة بالمنزل كفضاء خاص ، أي أنها تملك فائض من الوقت يت تبقى بلا عمل وبلا وظيفة . التحولات الجديدة المرتبطة بنسق العولمة بناء هوية سائلة ، حيت أصبح الجسد سلعة ، لم تعد وظيفة المؤخرات هو الجلوس و إنما الاغراء. وهو ما يعني الانتقال من اللا -حركة الى الحركة/ الكسل و التبعية والهيمنة الذكورية،الى الحركة داخل سوق الاغراء عبر التمايل و الهبوط و النزول مع تغيير الزوايا، وهو جهد عضلي شاق لجسد المراة حيث تنويع زوايا النظر من أجل تغطية شاملة و إرضاء لكل الزبائن، وبالتالي ارتفاع منسوب العوائد المالية . عرض المؤخرات و اخرجها من إطار السكون الى اطار الفعل و الديناميك، يعني انفجار فائض الانوثة و هي مرحلة تكشف منطق التعامل النفعي مع الجسد ، و استغلال كل ما ينفع و ترحيل ما لا ينفع ، اي تغيب المراة المفكرة و العاقلة لكي يتكلم الجسد . فرفع منسوب المشاهدات مرتبط بفائض الجسد و ليس بموفور الفكر و المعرفة. روتيني اليومي خلق أفقا جديدا للعلاقة بين الرجل والمرأة ، من خلال تجاوز الإطار الصراع بينهما. الى بناء منطق جديد مؤسس على قيم الربح والمنفعة، فالعلاقة بينهما لم تعد محصورة في إطار الخصومة التي عمرت طويلا، بسبب الرؤية الذكورية للمراة انطلاقا من التصور الفيثاغوري (نسبة الى فيتاغورس )، حين أشار الى وجود مبدأين : مبدأ جيد : خلق النظام و النور و الرجل ، و هناك مبدأ سئ خلق الظلمات و الفوضى و المرأة . فعلى امتداد التاريخ الانساني لا صوت يعلو فوق صوت الخصومة بين الذكور و النساء، حيث انتصار قيم الذكورة ، وأن المرأة كان يتم تعريفها انطلاقا من المبدأ الآتي : الرجل ليست سوى ما يقرره الرجل ، لذا فهي تسمى جنسا . ثمة فرضية مهمة تستحق التفكير ان المراة تجيد فن الصراع، و انها تماهت مع جسدها كموضوع اولا ، ثم عملت على تجاوزت لحظة التماهي، الى لحظة الاستغلال النفعي للجسد من خلال تكثيف البعد النزوي و استثارة عرائزالذكور . روتيني اليومي و تكثيف المعروض الجنسي يكسر مقولات الصراع المؤسسة على معيار الجنس، الى منطق السوق و التسليع ، فالجسد لم يعد مجرد عضو بيولوجي و انما اصبح اداة ربح ، عبر تسويق الجسد و فن الاثارة و مخاطبة الغريزة ، أي العمل على تغييب العقل و مخاطبة الغريزة. فائض الانوثة ليس من اجل الرجل و لكن من اجل ماله، وربما انتقاما منه ، وجعله في دائرة المتلقي لما يعرض من منتوجات متنوعة، لكنها تثير شهية واحدة ما دامت مستندة على أساس نزوى. فبقاء المرأة في المنزل و حجم الراحة وعدم استقلاليتها من الناحية المالية جعلها تدرك ان سلاح عدم تحمل المسؤولية و الانفلات من قبضة الهيمنة الذكورية تكون بتفتيت سلطة الرجل، و تشتيت انتباهه و هو ما يتحقق عبر فعل الغواية، كفعل مضاد للعقل عبر قلب موازين الهميمة الذكورية، و جعلهم يستسلمون للجسد و هو ما يحقق فائض من الاعجابات واللايكات و عدد المشاهدات والمتابعة المليونية، لنكون أمام فائض من الانوثة ينتج فائضا من المتابعات ،و بالتالي أرباحا خيالية من منتج و عوائد جسد اصبح عاريا. بهذا المعنى فالثقافة عبء على المرأة الراغبة في استثمار جسدها، فالتاريخ و القيم و العادات و التقاليد و نظم اللباس والأخلاق الجمعية كلها حواجز ضد المراة و لربما لسجنها. حين تحررت المراة من لباسها و تجاوزت منظمة الحياء حققت عوائد مالية ضخمة، و هو ما يجعل الحرية اداة للربح حين تتخطى القواعد و تحكم الحدود بين العقل و الغريزة حيث يصبح التعري شرطا للربح. روتيني اليومي هو إطار اصبح للجسد صوت و بريق، و عوائد مالية ضخمة تتحقق عين أصبح الجسم عاريا. كمان محتويات روتيني تغذي نرجسية العارضة وهو اما أكدته الباحثة فرانسوا جودار في كتباها je selfie , donc j’existe حيث يصبح المعروض او السيلفي وسيلة تعبير عن الذات أكثر منه أداة تواصل، مما يجعل البحث عن الاعتراف بالذات يبدأ من خلال الإعجاب بالذات، و اعتراف الآخرين بوجودها . فالسيلفي هو إثبات للذات عن طريق الصورة الذاتية ، أي بناء كوجيطو جديد انا** كنسليفي انا موجود ** ، بالتصوير الذاتي أصبح وسيلة لإثبات وجود الذات المعجبة بنفسها . أي ان قيمتها لا تحددها إمكانات الذات العقلية و قدرتها على ممارسة التفكير ، وإنما أصبحت نشاطا سيلفيا ، أي تحويل الذات إلى صورة مثيرة و جذابة تنال أكبر كم من التقدير الافتراضي . البعض اعتبر ان روتيني اليومي هو فضيحة اخلاقية ، و عارا أصاب المجتمع يجب التخلص منه، و إدانته. و انه مسلسل الانحدار في سلم القيم الاجتماعية و تمزيقا لها ، ان شبكات التواصل أصبحت شبيهة بمصيدة الفئران المستعملة بكثافة في سرديات أدب الحرب لاسيما في التراثين الصيني واليوناني، المصيدة مفهوم كثيف يحمل جملة معاني منها : الإغراء والتورط والموت الحتمي بسبب استحالة الخروج بسلام، لأن من يقع فيها ، لا بد أن يفقد أحد أطرافه، و قد يفقد حياته و بشكل نهائي . محتوى روتيني اليومي لا يخرج عن هذه القاعدة، لأن من يدخل اليه لا يفقد جسده فقط ، لكن سيفقد قيمه الصلبة، لان العولمة فسحت المجال لصيادي المتعة بتعبير السوسيولوجي ريجموند باومان ان يقتنوا كل شئ بما في ذلك منتجات فائض الانوثة السيالة على شبكات التواصل. :

إ








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - روتيني اليومي
سعيد زارا ( 2021 / 1 / 17 - 17:21 )
الفاضل الفرفار العياشي المحترم

استمتعت بمقالك فذكرني بكتابات السيميائي القدير سعيد بنكراد، لي ملاحظات على ما اوردته اعلاه:
الرزق بين عرق الجبين و عرق المؤخرة
سنحاول ان ندفع بهذه المقابلة المجازية الرائعة الى الحدود التي يجب ان تفهم فهما صحيحا

المسالة لا علاقة لها بتكريس الصورة النمطية للمراة حيث مكانها في المنزل و و و الخ...و الاثارة و الايحاء الجنسيين لفائدة السلطة الذكورية ، فنحن لسنا هنا امام وصلات اشهارية لمنتوج معين يتحدد تسويقه في تكريس صور نمطية معينة و قيم معينة ، بل نحن امام تحول في كل الهيكل الاجتماعي مع سيادة المجتمعات الاستهلاكية في كل العالم و خاصة الغرب منذ اواخر ستينيات القرن الماضي، تسيدت من خلاله البورجوازية الوضيعة و لانها لا تملك مشروعا مجتمعيا بديلا بحكم وضاعة وسائل انتاجها فتحن نعيش انحطاطا على جميع الاصعدة من تدمير لقوى الانتاج الى الانحطاط القيمي. هذه البورجوازية التي لا تستجيب لمقومات الطيقة انتاجها هو الخدمات. روتيني اليومي هو نموذج لمن يربحون المال دون ان ينتجن قطمبرا من الثروة ناهيك عن انحطاطهن و التفسخ القيمي الذي يرسخنه

يتبع


2 - روتيني اليومي
سعيد زارا ( 2021 / 1 / 17 - 20:34 )

شركة غوغل العملاقة هي من يمتلك اليوتيوب منذ اكتوبر 2006 ، فهي تجازي اصحاب القنوات كما يعلم الجميع تبعا لعدد المشاهدات و المشتركين بقناة معينة ، و هي اي غوغل بدورها تربح من الوصلات الاشهارية التي تبثها و تفرض على المشاهد كل وقت معين. بحيث تشكل الوصلات الاشهارية 80 بالمائة من مواردها المالية حيث تعدت سنة 2018 130 مليار دولار.


المجتمع الاستهلاكي افسد و خمج ذائقة المستهلك و انحط بها الى القاع فلا عجب ان تحصد المؤخرات المعروضة في روتيني اليومي مشاهدات كثيرة تدر لعارضاتها المال الوفير في شهر واحد تفوق دخل العامل السنوي الذي ينتج الثروة الحقيقية . لكن هذا الواقع يستوي على كل المجتمعات العالمية، واقع ان المنتجين الحقيقيين للثروة لا ينالون منها الا النزراليسير و الباقي تمتصه هذه الطفيليات بل و تستدين لتستمر في السيادة . منذ ان انهار قانون القيمة الراسمالي مع سبعينيات القرن العشرين اصبحت منتوجات هذه الطفيليات من خدمات تبادل باضعاف اضعاف السلع التي ينتجها العمال.

يتبع


3 - روتيني اليومي
سعيد زارا ( 2021 / 1 / 17 - 21:31 )
سيادة هذه الطقيليات هي من شوه الهيكل المجتمعي و ازاحت قاطرة الانسانية عن مسارها الصحيح نحو التقدم، الراسمالية تقدمت بالانسانية و ارتقت بها درجات عالية في سلم الرقي و التقدم و حبلت بالشيوعية ، لكن الاستهلاكية هبطت بالانسانية الى الدرك الاسفل فضخمت الانا عند الانسان الحالي لان وسيلة انتاجها هي فردية ، فاصبحت الذات منتفخة بخمج و قيح الفردانية ، فلا تستغرب من ظاهرة السيلفي و و عرض الكم الهائل لصور الاشخاص كل يوم على جدران حساباتهم الفايسبوكية او على قنوات اليوتيوب. فتخيل معي مدى الانحطاط الذي نعيشه ، اشخاص يصورون ما يفعلون في كل لحظة بعيدا عن نموذج عرض المؤخرات(هنا على الاقل هناك اثارة جنسية) ، يتقاسمون رتابتهم اليومية و نع ذلك يحصدون نيب مشاهدة عالية اي انهم يتقاضون اموالا لانهم يجيدون تقاسم رتابتهم اليومية. انتشار هذه الوسائل الوضيعة من الانتاج هي من سيادة طفيليات البورجوازية الوضيعة بعد ان انهار قانون القيمة الراسمالي، ادى الى الانحطاطعلى جميع الاصعدة.
كل المساوئ التي راكمتها المجتمعات الطبقية عبر التاريخ نفخت فيها الاستهلاكية

تحياتي و للنقاش يقية

اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا