الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحَجْر في الذكرى العاشرة لثورة ثروتها محْجُورة

هاجر منصوري

2021 / 1 / 15
مواضيع وابحاث سياسية


من المهمّ أن نذكّر.. فذكرى ثورة 14 جانفي قد تنفع التونسيّين والتونسيّات.. ومن المفيد أن نقيّمها وهي التي مضى عليها عشر سنوات، اندلعت شرارتها في 17 ديسمبر حينما تضامنت شرائح المجتمع المختلفة مع الشاب محمّد البوعزيزي الذي أحرق نفسه في تاريخ ذاك اليوم قهرا على شخصه ووضعه، وتوفّي بعدها متأثّرا بحروقه البليغة. وفي 18 ديسمبر انتفض آلاف التونسيين ضدّ البطالة التي طالت شبابه وشوابه، وانعدام العدالة الاجتماعية، وتفاقم الفساد داخل النظام الحاكم. ولم تكن حينها الثورة موجّهة بأيّة قيادة سياسية بل هي شعبيّة رفعت فيها شعارات " خبز وماء وبن عليّ لا"، "شغل، حرّيّة، كرامة وطنيّة"، «حرّيات، حرّيات، لا رئاسة مدى الحياة"، " الشعب يريد إسقاط النّطام"...
ولا شكّ في أنّها ثورة فريدة من نوعها في الوطن العربي، إلى أن تسفر الأبحاث عن حقائق أخرى، أطاحت في 14 جانفي بالرئيس " ابن عليّ"، وحقّقت على مدار هذا العقد مكاسب هامّة في مجال الحقوق والحرّيات تضمّنها دستور سنة 2014، ويعود الفضل فيها إلى المجتمع المدني وحراك منظّماته الانسانيّة والنسويّة والحقوقيّة. ولكن تعثّرت التنمية الاقتصاديّة، وتفاقمت معضلة البطالة وتشغيل حاملي الشهادات العليا، وغابت العدالة الاجتماعيّة، وزادت جائحة الكورونا الجاثمة على العالم منذ السنة الماضية من تدهور الاقتصاد الوطني العاجز أصلا.
وإذ ندرك أهميّة التحدّيات التي واجهتنا في العقد الأوّل من الثورة، فإنّه يلحّ علينا السؤالان التاليان: أَلَمْ يكن بالإمكان أن تتعلّق همّتنا جميعنا رجالا ونساء إلى تحقيق المكاسب التي من أجلها قامت الثورة ومنها الشغل، والعدالة الاجتماعيّة، وقطع دابر أذرع النظام الحاكم الفاسد..؟ لِمَ زادت البطالة وقلّت العدالة الاجتماعيّة واستبيحت كرامة المواطن/ة التونسي/ة وتواطأ الائتلاف الحاكم مع الفاسدين والليبراليّة المتوحّشة ؟
يبدو إذن أنّ الأحزاب السياسيّة المتنفّذة منذ الثورة لم تكن تعنيها هذه التحدّيات التي أوهمت المواطن/ة التونسي/ة بمواجهتها حينما طلبت ودّه في انتخابها بل عناها التموقع من جديد. حتّى أنّ الأحزاب التي أرادت أن تتنفّس ريح الحريّة والديمقراطيّة لم تتيسّر لها فرصة تكوين أتباع فالأتباع ما يزالون بُعَيْد الثورة وإلى الآن يشترون إمّا بـ"النيّة الطيّبة" أو "الشوكوطوم"، أو" المقرونة" وغيرها...، فقد تقدّم الزمن وثارت البلاد ضدّ الدكتاتوريّة ولكن ما تزال عقليّة الاستغفال والانتهازيّة تقتات من ثورة الجياع.
لقد "هرمنا" من أجل لحظة تاريخيّة أعاد الفاعلون السياسيّون بعد عشر سنوات منها رسكلة" الوجه" السياسي القديم بصور جديدة فتمّ استدعاء" القفا" ليمارس قناعاته السياسيّة التي من أجلها استبعد وتعرّضت قواعده إلى المظلمة الاجتماعيّة .. ونحن الآن نعيش بالعملة كاملة بوجهها وقفاها في مشهديّة سياسيّة على تعدّدها الظاهر فإنّه لم يتنفّذ فيها إلاّ "وجه" أصبح "قفا" و"قفا" تحوّل "وجها"، والاثنان يحاولان التعايش في زواج " متعة" لا نعرف متى ينتهي أجله. وساهمنا جميعنا في ذلك حينما تخاذلنا عن مواطنيّتنا، فالمشهد الحزبي الراهن برمّته لا يحتكم حسب آخر استطلاعات الرأي السياسيّة سوى على 25,6 % من مجموع الناخبين، فنسبة العزوف في الانتخابات التشريعية بلغت 74,4 % من مجموع الناخبين، مقابل 56,2 % في الانتخابات الرئاسية. وهذا التخاذل القائم على عدم وعي المواطن التونسي بحقوقه السياسيّة جرّنا إلى مشهد سياسي فريد من نوعه كالثورة ذاتها يستدعي في كلّ مرّة تحالفا سياسيّا انتهازيّا ومصلحيّا لا يقوم على برامج وطنيّة وسياسّة واضحة تعود بالفائدة على المواطن/ة التونسي/ة.
وقد أدّى هذا التحالف السياسي المصلحي في كلّ مرّة إلى عدم الاستقرار السياسي في تونس ممّا عسّر تحقيق أهداف الثورة ورهاناتها.. عشر سنوات مرّت بين " النداء"، و" النهضة" و" تحيا تونس" و" قلب تونس و" التيار" و" ائتلاف الكرامة" و " حركة الشعب" و" الدستوري الحرّ "... أسماء على تعدّدها ووهج معناها حينما ارتبطت بالأحزاب خلت من أيّ روح ومعنى. ومن المفارقات العجيبة أنّ أصحابها لم يستجيبوا لنداء تونس في إغاثتها، ولا أحيوا نبض قلبها، ولا نهضوا بها، ولا حرّكوا ساكنا ليقودوها إلى برّ الأمان بل جدّفوا بها إلى تيّار الفساد وائتلاف الخيانة وضاعت معهم كلّ حريّة حقيقة للمواطن/ة التونسي/ة. عشر سنوات من النهب و"الرسكلة" بين أحزاب موجودة وأخرى مفقودة أو منشودة.
ولم يبق لنا إلاّ التذكير في هذه الذكرى العاشرة للثورة ببيت من أبيات نشيدنا الوطني:
" فَلَا عَاشَ فِي تُونِسْ مَنْ خَانَهَا ... وَلَا عَاشَ مَنْ لَيْسَ مِنْ جُنْدِهَا"
فلتستحوا أيّها الساسة جميعكم، إذ لم تحموا تونس بل خنتم الأمانة، وأيّ مفارقة عجيبة فيمن توسّمنا أنّهم الحماة فإذا بهم يحكموننا بالبيضة والحجر ويلقموننا الحجر بعد ثورة ثروتها محجورة عنّا... وتلك لعمري نكبتنا الكبرى .. نكبتنا في ساستنا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. WSJ: لاتوجد مفاوضات بين حماس وإسرائيل في قطر حاليا بسبب غياب


.. إسرائيل تطلب أسلحة مخصصة للحروب البرية وسط حديث عن اقتراب عم




.. مصادر أميركية: هدف الهجوم الإسرائيلي على إيران كان قاعدة عسك


.. الاعتماد على تقنية الذكاء الاصطناعي لبث المنافسات الرياضية




.. قصف إسرائيلي يستهدف منزلا في مخيم البريج وسط قطاع غزة