الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة بريطانيا تجاه موقف المؤسسة الدينية من تتويج فيصل ملكاً على العراق. ج 2

سعد سوسه

2021 / 1 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وفي السياق ذاته ، عقد علماء الدين في الموصل اجتماعاً في بلديتها في الرابع والعشرين من حزيران عام 1921 ، تقرر فيه تشكيل وفد رسمي يمثل المدينة للسلام على الملك فيصل ، وكان محمد حبيب العبيدي وعبدالله النعمة على راس ذلك الوفد . وقد ألف العبيدي قصيدة اوضح فيها اوضاع العراق ، مصوراً الفساد الذي مثله ادعاء بريطانيا الحكم بالوطني ، إذ شجب العبيدي وصاية البريطانيين على العراق عن طريق الاعيبهم في مطلع قصيدته "أخلافة تحت الوصايا" والتي قال فيها :
خلافة تحت الوصايا
ما بين صهيون ولندن


ما هذه الا نكاية
عرشها وبها كفاية

أما المؤسسة الدينية المسيحية ، فقد أبدت موافقتها على تتويج الأمير فيصل ملكاً على العراق ، وأقيمت في كنيسة الكلدان حفلة كبيرة لتكريم الأمير فيصل من جماعة الكاثوليك، وقد كتبت على جدران الكنيسة عبارات " فليحى الأمير فيصل المعظم" وغيرها من الكلمات التي تدل على العاطفة التي يحملها المسيحيون للأمير فيصل ، وقد افتتح حفل التكريم بأنشودة كان لها أثر كبيرا في نفوس الحاضرين ، ثم القى المطران جرجيس دلال خطبة اعرب فيها عن ترحيبه بالأمير فيصل ، ثم القى فيصل خطبة دعا فيها إلى الوحدة العربية والوطنية العراقية على اختلاف مذاهبها وأديانها ، وتطرق إلى حالة البلاد وما آل عليها من خراب ، ووعد أنه سوف يعيدها إلى مجدها الاثيل في المستقبل العاجل، وطلب من الشعب مؤازرته للوصول إلى ذلك، وانهى الأمير خطبته بانه لا يمكن للعراق أن يكون منفرداً عن العالم إنما عليه التكاتف مع البريطانيين(10) .
بالمقابل ، كانت سياسة بريطانيا متباينة تجاه موقف المؤسسة الدينية من عملية اختيار الأمير فيصل ملكاً على العراق ، فعندما طلب عبد الرحمن النقيب أن توافقه بريطانيا تجاه رفضه أي فرد من عائلة الشريف حسين ، رفض كوكس ذلك ، اذ ذكر بان الشريف وعائلته قدموا خدمات جليلة لبريطانيا ، لذلك فان الأخيرة لا تقف بوجه أي من ابناء الشريف حسين لاعتلاء عرش العراق (11) ، فأدرك النقيب أن ثمة مخطط جديد عليه الخضوع له واتباعه، لذا غير موقفه وكان في مقدمة المستقبلين لفيصل والمرحبين به ، على الرغم ممّا يضمره من كره له .
وفي السياق ذاته ، راى كوكس من الضرورة ان يرسل الشريف حسين برقية إلى السيد عبد الرحمن النقيب يبلغه بما يلي :"انه سيرسل ابنه فيصل إلى العراق استجابة إلى دعوة اصدقائه في ذلك البلد وانه يأمل ان النقيب سيرحب به وانه سيحظى بمساعدته لغرض تحديد المصالح التي يحفظها كليهما قلبياً " .
وقد أوصى كوكس بإرسال برقية من الأمير فيصل إلى النقيب ، وقد عمل الشريف حسين وابنه ما أوصى به كوكس . وبالمقابل ارسل النقيب رسالة ترحيب إلى الأمير فيصل، وهو ما زال على ظهر الباخرة ، ولم يكتفِ بذلك بل حمل مجلس الوزراء على اتخاذ قرار يقضي بتأليف لجنة مؤلفة من كبار الشخصيات والعائلات لاختيار مكان يليق بسمو الأمير، ووضع منهاج لاستقبال سموه ، وان تتعهد وزارة المالية بصرف المبالغ اللازمة لهذا الأمر ، ثم ارسل خمسة أعضاء من مجلس الوزراء للسفر إلى البصرة واستقبال الأمير رسمياً . لنقرأ سوية ماذا كتبت المس بيل عن موقف النقيب من الأمير فيصل : خاتون ، انت ابنتي ، اريد ان اخبرك بكل ما يجول في خاطري .فانا منذ مجيئ السر برسي كوكس لم افعل بخلاف نصيحته ورغبة الحكومة البريطانية .
أن الاختلاف في وجهات النظر بين علماء المؤسسة الدينية تجاه الملك الذي سيجلس على عرش العراق ، خلق اكثر من فجوة في الصف المعارض، واضعفت تماسكه ، إذ أصبح لكل فئة من فئات الشعب العراقي موقفها بشان الأمير فيصل، تبعاً لميولها وولائها لعلماء المؤسسة الدينية . على أية حال ، ترك اختيار موعد التتويج لفيصل ، فاختار بنفسه يوم الثالث والعشرين من آب عام 1921 الذي يوافق الثامن عشر من ذي الحجة عام 1339هـ ، وهو يوم الغدير الذي يحتفل بـــه الشيعة بوصفه اليوم الذي أوصى به الرسول محمد (ص) للامام علي (ع ) بالخلافة في محاولة لكسب ودهم وتذكيرهم بأنه من سلالة آل البيت ويحترم عقائدهم . فلم يرَ المندوب السامي مانعاً من الاستجابة لتلك الرغبة وقبول هذا الاختيار ، فجرى التتويج في ساحة القشلة في بغداد في الموعد المحدد ، إذ القى الملك فيصل خطاباً قال فيه ما نصه : إلا إن اول عمل اقوم به هو مباشرة الانتخابات في المجلس التأسيسي ولتعلم الأمة ان مجلسها هو الذي سيصبح بمشورتي دستور استقلالها على قواعد الحكومات السياسية الديمقراطية ، ويعين أسس حياتها السياسية والاجتماعية ، ويصادق نهائياً على المعاهدة التي سأودعها له فيما يتعلق بالصلاة بين حكومتنا والحكومة البريطانية ، ويقرر حرية الأديان والعبادات شرطان لا تخل بالأمن العام والأخلاق العمومية،ويسن قوانيين عدلية تضمن منافع الأجانب ومصالحها وتمنع كل تعرض بالدين والجنس واللغة، وتكفل بالتساوي في المعاملات التجارية مع كافة البلاد الأجنبية واني لواثق تمام الوثوق بأنه بالاستشارة مع فخامة المندوب السامي برسي كوكس الذي برهن على صداقته للعرب خلدت له الذكر الجميل سيصل إلى غايتنا هذه بأسرع وقت .
وهكذا أنجزت بريطانيا صفحة من صفحات سياستها ، وما وعدت به نفسها تحقيقاً لمصالحها المستقبلية ، وانتقلت إلى الخطوات اللاحقة التي رسمتها مسبقاً لتحقيق مصالحها وحمايتها في الوقت ذاته . وهذا ما اشار إليه أحد التقارير البريطانية عندما دون المعلومات الاتية :" يميل بسطاء العقول إلى الاعتقاد بأن سكان بلاد الرافدين (العراق) سيحصلون على حقوقهم حالياً لأن الأمير فيصل اصبح ملكاً . ولكننا لو تأملنا تصريحات الساسة البريطانيين كلها سنرى أن ذلك ليس سوى تصرفاً اقتصادياً اقترحه تشرشل من اجل تشكيل جيش عربي في بلاد الرافدين يكون تحت سلطة البريطانيين ، وسيحل هذا الجيش محل القوات البريطانية والهندية . وبالتالي ، فإنه سيوفر التكاليف الثقيلة التي يتحملها الشعب البريطاني . وسيكون هذا الجيش الجديد تحت إمرة لجنة عسكرية بريطانية.
كان من الطبيعي بعد أن تسنم الملك فيصل مقاليد الحكم في العراق أن تستقيل وزارة عبد الرحمن النقيب الأولى(بعد اعلان النقيب استقالة حكومته ، اعلن برسي كوكس رسمياً عن منح الملك جورج الخامس وسام الفارس الأعظم للإمبراطورية البريطانية للنقيب تقديراً لخدماته لبلاده) ، وأن تختار وزارة جديدة تمارس دورها بما ينسجم مع متطلبات العهد الجديد ، فحاول ان يوفق بين وجهات النظر المتعددة وان يرضي اطرافاً محددة لاسيما المؤسسة الدينية احدى مراكز القوى في المجتمع العراقي. فانصب هدفه في تأليف وزارة تحظى برضى الحركة الوطنية الاستقلالية بما يحافظ على صورته الوطنية ، وضرورة اسنادها إلى رجل غير متهم بالتعاون مع بريطانيا ، لأن العراقيين سيحكمون عليه بواسطتها ، فارسل الشيخ عبد الواحد ال سكر إلى النجف ليطلب من علماء المؤسسة الدينية التعاون معه في تشكيل الوزارة . وبالفعل ، تداول مع الشيخ عبد الكريم الجزائري والشيخ محمد الجواهري وغيرهما وأرسل عقب ذلك رسالة إلى الملك فيصل قال فيها:" ... ولا يقبل كل فرد منهم ان يكون شاغلاً لأحد هذه المناصب قطيعاً ، ولا يمكن ذلك ، سوى انهم يأملون من جلالتك ان تجعل في هذه المناصب الا المتدين ، المسلم الوطني خصوصاً رئاسة الوزارة ، واخص منها وزارة الداخلية فان عليها المعول بعد الله اذ يترتب عليها امور مهمة تخص تشكيل المؤتمر المطلوب من حضرتكم تشكيله بالوقت العاجل..." .
وعلى الرغم من رفض علماء المؤسسة الدينية الشيعية في النجف الاشتراك في الوزارة، إلا إنه ظهر في الوزارة التي شكلت في الثاني عشر من ايلول عام 1921 اسم الشيخ عبد الكريم الجزائري وزيراً للمعارف (ضمت الوزارة إلى جانب رئيس الوزراء كل من جعفر العسكري وزيراً للدفاع ، ورمزي بك وزيراً للداخلية، وساسون حسقيل وزيراً للمالية ، وناجي السويدي وزيراً للعدلية ، وحنا خياط وزيراً للصحة ، وعزت باشا وزيراً للاشغال العامة ، وعبد اللطيف المنديل وزيراً للتجارة ، وعبد الكريم الجزائري وزيراً للمعارف ، ومحمد علي فاضل وزيراً للأوقاف) ، الذي اعتذر عن قبول هذا المنصب ، لمركزه الروحي الكبير وترفعه عن الاشتراك في الحكم ، واضطر السيد هبة الدين الشهرستاني إلى أن يشغل منصبه بتشجيع من بعض العلماء استناداً إلى فكره الإصلاحي الذي يرى التغيير اولاً ، وضرورة المشاركة بدلاً عن الابتعاد عنه ثانياً (12) .
وفي الواقع ، ان اصرار الملك فيصل على إعطاء المؤسسة الدينية منصباً وزارياً كان يمثل محاولة لكسب ود الشيعة ، وإحراج المؤسسة الدينية ، وإضعاف دورها الثابت تجاه رفضها الانتداب البريطاني ، وهذا ما ظهر واضحاً في إصراره على تولية الشيخ عبد الكريم الجزائري








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مراسلنا: دمار كبير في موقع عسكري تابع لفصائل مسلحة في منطقة


.. إيران تقلل من شأن الهجوم الذي تعرضت له وتتجاهل الإشارة لمسؤو




.. أصوات انفجارات في محافظة بابل العراقية وسط تقارير عن هجوم بط


.. جيش الاحتلال يعلن إصابة 4 جنود خلال اشتباكات مع مقاومين في ط




.. بيان للحشد الشعبي العراقي: انفجار بمقر للحشد في قاعدة كالسو