الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نيتشه في رواية

آرام كربيت

2021 / 1 / 15
الادب والفن


من قال أن الرواية لا تنغنغ الذائقة الجمالية والفكرية والنفسية للنفس الإنسانية، بالعكس تمامًا، أنها تنقل القارئ إلى عوالم مختلفة، خاصة إذا كان الرواي يمتلك أدواته في السرد والتعرية وتقريب الواقع الهارب من نفسه إلى واقع نابض بالحياة والكلمات، والعمل على خلق شموس منيرة تضيء الذوائق الفنية والأدبية الرفيعة في حيثيات النص، وعوالم الرواية، نقلها من الصمت إلى اليقظة.
عنوان الرواية، عندما بكى نيتشه، رواية عابقة بالتحليل النفسي والفلسفي، للروائي، الأستاذ في التحليل النفسي من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة الأمريكية، إرفين د. يالوم، يتناول عوالم الناس والعلاقات والصداقات، وأسلوب العيش والحياة في القرن التاسع عشر، عندما تناول في متن هذه الرواية، ثلاثة شخصيات ما زال حضورها قائم إلى اليوم، الفيلسوف فريدريك نيتشه المعتل جسديًا، المدقع الفقر والحاجة، وعالم النفس الغني عن التعريف، فرويد الشاب النابض بالحياة والذكاء، وجوزيف بريوير مكتشف الفيزيولوجية العصبية.
لا يمكننا أن نلم بكل حيثيات ما جاء في الرواية، أنما سنسلط بقعة من الضوء على بعضها، وعن العلاقة الذي ربطت هؤلاء العظماء، خاصة نيتشه المحطم لكل الصلبان والأصنام الفكرية والفلسفية التي كانت قائمة قبله، دون بناء أصنام جديدة
أراد الدكتور جوزيف بريوير أن يعالج نيتشه، بيد أن هذا الأخير لديه آراءه في الحياة تجعله يتعافى عن هذا العلاج، وطوال الوقت كان بريوير يريد أن يمارس التورية في عمله لمساعدة الفيلسوف، وعلاجه من أمراض كثيرة ألمت به بناء على توصية من لو سالومي، حبيبة نيشته من طرف واحد.
أراد جوزيف، استدراجه إلى المكان الذي يريده عله يتعاون معه، ليعرف الأبعاد النفسية لكآبة نيتشه، بيد أن هذا الأخير وقف له بالمرصاد، "واللقاء أشبه بمبارزة في لعبة الشطرنج أكثر من كونها استشارة طبية"
ولم يقبل كل العروض التي قدمها له الدكتور، كدخوله في المشفى مجانًا، أو يعمل عنده مستشارًا من أجل مساعدته ماديًا، من أجل تأمين لقمة خبزه بكرامة، أن يعيش كباقي الناس، خاصة بعد أن سمع أنهم سيقطعون راتبه التقاعدي من الجامعة، الكبرياء وعزة النفس والإباء كان يعمل ضد نيتشه نفسه، حجته أنه لا يرغب أن يكون موضوع دراسة شخص أخر، ويريد أن يكون هو نفسه موضوع دراسة نفسه.
إن من دفعه للذهاب إلى العلاج هو ضغط قوي من أصدقاءه، عمليًا أن هؤلاء الأصدقاء، هي لي سالومي فقط، الحب الذي ملك عقله وقلبه، مع أن نيتشه" يكتب بذكاء حاد ويمجد الضحك في الكلمة المكتوبة" بيد أنه كئيب، وكآبته قاسية جدًا دفعته للانتحار أو الجنون.
الحوار بين جوزيف ونيتشه يأخذ شكل النقاش الحاد والعميق بين مفكرين من طراز رفيع، ينتقل الحوار عبر مستويات بسيطة سهلة، ثم يرتقي ويعلو ويتشابك، بله يتعقد إلى أن يصل إلى الصدام.
ففي حوار العقل، هناك شغل نخبوي عالي المستوى، معقد في تواصله، صراع لا هوادة فيه، كما لا يوجد براءة فيه أو حسن نية، تتداخل في اللغة الكثير من الرموز والإشارات والالتقاطات الدقيقة تتعلق بعمق النقاش وأبعاده. حوار في الفلسفة والعوالم الداخلية للإنسان أو المصيدة:
" شرّح دوافعك بشكل أعمق! ستجد أن لا أحد يعمل شيئًا من أجل الأخرين. إن جميع التصرفات ذاتية التوجيه، وجميع الخدمات هي لخدمة المصالح الذاتية، وكل حب هو حب للذات". يضيف:
ربما تفكر بالذين تحبهم. أسبر في أعماقك وستعرف أنك لا تحبهم:
إن ما تحبه هو الأحاسيس اللطيفة التي تنبعث في داخلك؟ إنك تحب الشهوة، لا المشتهى".
نيتشه رجل جاد إلى أبعد الحدود، حاد الطبع، لا يتهاون في أية قضية، هدفه الاساس أن يعرف الدوافع وراء أي فعل، لهذا أدخل جوزيف في قوقعة، وحاصره وأذله، بمنتهى الوقاحة، بالأسئلة:
ما هي دوافعك من وراء مساعدتي؟
وقف الدكتور جوزيف أمام نفسه، وراح يتساءل عن دوافعه، فجأة جاءت لو سالومي الذي أفتتن بجمالها أمام عينيه:
" فتن بها إلى حد أنه وافق على مساعدة نيتشه على الفور"
متذكرًا أن رغبته في المساعد بدأت عندما التقى بها في فينيسيا أثناء ارتشاف القهوة معها على طاولة واحدة،. ومحاولًا أن يستلطفها، ليرفع قدره في نظرها، وهناك فاغنر الموسيقار العظيم، لعب دورًا في تقريبه من الفيلسوف، ولكن بعد تعرفه على هذا الأخير أصبح الاهتمام مختلفًا، وهناك فرويد، كلاهما، جوزيف وفرويد، أرادا ان يحولا نيتشه إلى حالة دراسية او مادة دراسية لأبحاثهما.
ومضى يفكر في كلام لي سالومي:
ـ إن نيتشه يمثل مستقبل الفلسفة الألمانية، إذ تنبعث منه رائحة عبقري بين تلك الكتب الذي ألفها.
شعر الدكتور جوزيف أن تغيير اتجاه الحوار ليكون على توازي وتقارب مع فكر نيتشه، على الأقل أن يحاوره ليس بصفته مريضه، أنما راغب في رفد التقاطع بينهما إلى مستوى أخر:
" أنا أجد متعة في الحافز الفكري الذي أتلقاه من تواصلي معك"، يرد عليه نيتشه:
" في هذه الدوافع على الأقل رائحة صدق" اعترف بهذا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الذكاء الاصطناعي يهدد صناعة السينما


.. الفنانة السودانية هند الطاهر: -قلبي مع كل أم سودانية وطفل في




.. من الكويت بروفسور بالهندسة الكيميائية والبيئية يقف لأول مرة


.. الفنان صابر الرباعي في لقاء سابق أحلم بتقديم حفلة في كل بلد




.. الفنانة السودانية هند الطاهر في ضيافة برنامج كافيه شو