الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل يجوز رجوع الشاهد عن شهادته في الدعوى الجزائية؟

سالم روضان الموسوي

2021 / 1 / 15
دراسات وابحاث قانونية


هل يجوز رجوع الشاهد عن شهادته في الإثبات الجزائي؟
عند مباشرتي للبحث في موضوع الشهادة لاحظت بعض الأمور التي تتعلق بها والتي لم تحظى بالعناية الكافية مع إنها تمارس في سوح القضاء ، ومن هذه المواضيع رجوع الشاهد عن شهادته أي أن الشاهد له أن يقدم طلب لاحق إلى المحكمة يطلب فيها الرجوع عن شهادته التي أداها أمام القضاء، فهل يجوز له ذلك وما هو الأثر المترتب عنها وموقف القضاء العراقي، لذلك سأعرض للموضوع على وفق الآتي :
1. تعريف الرجوع عن الشهادة ، إن الرجوع عن الشهادة المقصود منه رجوع الشاهد عن شهادته التي أداها أمام القاضي في جلسة مرافعة قضائية ، وهو نفي ما أثبته أولا بشهادته، مثال ذلك قوله بأنه يرجع عن شهادته أو يقول ان شهادته زور أو كذبت في شهادتي، وبذلك فان الرجوع عن الشهادة يسبقه أدائها أولا أمام القضاء، أما إذا أنكر الشهادة فان الحال ليس برجوع لأنه أصلا ينكر وجود شهادة له أمام المحكمة، وفي القانون العراقي قد اعتبر الرجوع عن الشهادة جريمة تحت مسمى (جريمة شهادة الزور) وعلى وفق أحكام المادة (252) من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل، وكان القانون قد عرف شهادة الزور في المادة (251) عقوبات التي جاء فيها الآتي (شهادة الزور هي أن يعمد الشاهد بعد أدائه اليمين القانونية أمام محكمة مدنية او إدارية او تأديبية او أمام محكمة خاصة أو سلطة من سلطات التحقيق إلى تقرير الباطل أو إنكار حق أو كتمان كل أو بعض ما يعرفه من الوقائع التي يؤدي الشهادة عليها.) وفي ذات القانون نجد ان المشرع قد تطرق إلى الرجوع عن الشهادة وعلى وفق ما جاء في المادة (256/1) عقوبات التي جاء فيها الآتي (رجوع الشاهد عن أقوال الزور وتقريره الحقيقة في دعوى قبل صدور الحكم في موضوعها. أو في تحقيق قبل صدور قرار موضوعي من سلطة التحقيق، وإذا كان التحقيق في جريمة فقبل صدور قرار بعدم المحاكمة) وفي هذا النص اعتبر الرجوع عن الشهادة بمثابة العذر المخفف لكن على أن يكون الرجوع قبل صدور الحكم في الدعوى التي أدى بموجبها شهادته الأولى التي يروم الرجوع عنها أو قبل صدور قرار موضوعي وحاسم من سلطة التحقيق، أما إذا صدر حكم فان الرجوع لا يجوز وعلى وفق ما تقدم ذكره،، ويشير القاضي المرحوم حسين المؤمن في كتابه الموسوم (نظرية الإثبات ـ الشهادة ـ مدنيا وجزائياً وشرعا وقانوناً ـ ج2 ـ الطبعة الثانية عام 2018ـ ص386) .
2. أثار الرجوع عن الشهادة: إن الأثر يختلف فيما إذا كان الرجوع قبل صدور الحكم او بعد صدوره وعلى وفق الآتي :
‌أ. الرجوع قبل الحكم : فان أهم اثر هو سقوط الشهادة الأولى التي أداها أمام المحكمة لان الشهادة كما يقول الشراح (قتلت نفسها بنفسها) وإنها تناقضت ولا يصح الركون اليها، لكن يترتب على الشاهد اثر المساءلة القانونية على وفق احكام المادة (252) من قانون العقوبات.
‌ب. الرجوع بعد صدور الحكم : وفي هذا الصدد يفرق شراح القانون بين رجوع الشاهد عن شهادته في دعوى فأنهم يرون بان القضاء لا ينقض، لان رجوعه هذا فيه شبهة الميل لمصلحة المشهود عليه بعد إغرائه بالمال وغير ذلك لذلك لا يصدق قول الشاهد عند الرجوع مثلما لا يصدق قوله في المرة الأولى عندما يتهم بالميل نحو المشهود له، أما اذا كانت الشهادة تتعلق بالحدود والقصاص مثل جرائم السرقة والقتل فإذا ثبت ذلك بحكم قضائي فان القانون العراقي قد أجاز للمتضرر من تلك الشهادة ان يطلب إعادة المحاكمة فإذا كانت دعوى المدنية له ان يطعن بطريق إعادة المحاكمة وعلى وفق الشروط والآلية الواردة في المادة (196/3) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 المعدل، وفي الدعاوى الجزائية للمتضرر ان يطعن في الحكم على وفق الآلية التي رسمتها المادة (270/1) من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل
3. موقف القضاء العراقي من الرجوع عن الشهادة: إن قضاء محكمة التمييز مستقر تقريباً على إن إعادة المحاكمة تكون بعد صدور حكم بات ونهائي على الشهود بأنهم ارتكبوا شهادة زور ومنها ما جاء في قرار محكمة التمييز الاتحادية العدد (510/هيئة عامة/2010 في 30/8/2010) وجاء في القرار المبدأ الآتي (إذا بني الحكم على شهادات شهود وظهر كذب هذه الشهادات وصدرت أحكام باته بالحكم على الشهود عن هذه الشهادات الكاذبة فيحق للمحكوم عليه بسبب هذه الشهادات تقديم طلب إعادة المحاكمة وتعاد المحاكمة فان ثبت صحة ذلك يصدر القرار بالإفراج ) لكن وجدت ان محكمة الاتحادية قد اتخذت موقف مغاير لهذا المبدأ عندما قبلت الرجوع عن الشهادة دون ان يتم صدور حكم باعتبار الشاهد مرتكب جريمة شهادة الزور ، كما انها لم تتبع طريق الطعن باعادة المحاكمة وكان ذلك في قرارها العدد 18856/الهيئة الجزائية/2017 في 20/12/2017 ولأهمية ذلك سأعرض له على وفق الآتي :
‌أ. موضوع القرار: قضت محكمة الجنايات المختصة بقضايا النزاهة بموجب قرارها العدد ...... في 2017 بإدانة احد المتهمين على وفق أحكام المادة (307) من قانون العقوبات وتأسس حكمها على وجود شهود إثبات أدوا شهاداتهم بصفتهم مخبرين سريين، ثم تم الطعن بالخكم امام محكمة التمييز الاتحادية فقضت بتصديق ذلك القرار بموجب قرارها العدد 15084/ـ155410/ الهيئة الجزائية/2017 في 18/10/2017 ، ثم تم الطعن بتصحيح القرار التمييزي أمام ذات المحكمة وصدر قرارها بقبول التصحيح والمشار إليه سلفا، وفي ذلك القرار قبلت المحكمة طلب التصحيح ونقضت كافة القرارات الصادرة في الدعوى ، وبعدها قضت بالإفراج عن المتهم وإخلاء سبيله فوراً.
‌ب. الرجوع عن الشهادة: ورد في قرار قبول التصحيح ان محكمة الجنايات كانت قد اسست حكمها على شهادات أداها بعض الشهود أمام القضاء بان المتهم المذكور قد استلم رشى وعلى وفق التفصيل الوارد في لإقرار، وحيث ان هذا الشاهد قد رجع عن شهادته المدونة أمام القضاء ، وعلى وفق ما افاد به أمام كاتب العدل في بيروت بأنه كان قد أدى شهادته تحت تأثير الإكراه، واعتبرت محكمة التمييز إن ذلك بمثابة رجوع عن الشهادة، مع إن الفقه القانوني والشرعي لا يعتد بالرجوع عن الشهادة المؤداة أمام القضاء إلا إذا كان ذلك الرجوع يكون أمام القضاء أيضاً ، والكاتب العدل بيروت لم يكن قاضي وإنما من الحاصلين على شهادة في الحقوق ويتقاضى أجوره من أصحاب العلاقة ولا يرتبط بالدولة بصفة وظيفية وعلى وفق ما ورد نظام الكتاب العدول في لبنان رقم 337 لسنة 1994 ، وبذلك لا يمكن اعتبار الإفادة المدونة أمامه بمثابة شهادة قضائية، كما إن الكاتب العدل في لبنان لا يملك صلاحية توثيق شهادة تتعلق بدعوى جزائية وعلى وفق الصلاحيات الممنوحة له بموجب المادة (22) من نظام الكتاب العدول التي جاء فيها الآتي (يقوم الكاتب العدل 1- بتنظيم والتصديق على الإسناد المنصوص عليها في قانون الموجبات والعقود وبصورة عامة على كل سند لا يمنعه القانون او لا يكون حصرا بموجب نص خاص من صلاحية موظف عام آخر وحفظ أصلها واعطاء ذوي العلاقة صورا عنها. 2- قبول وحفظ الإسناد والوثائق والودائع العينية وتسليم المودعين صورة مصدقة عن البيان المنظم من قبله والمتضمن شروط الإيداع ووصف الوديعة. 3- تنظيم الاحتجاج وتبليغه بواسطة مباشر لإثبات التمنع عن قبول او دفع السفاتج وسندات السحب والسندات لامر وفقا للقوانين المرعية الاجراء. 4- وضع تاريخ صحيح على الصكوك التي تعرض عليه. 5- تبليغ جميع الإخطارات والإنذارات بواسطة المباشر وقبول العرض الفعلي والإيداع وفقا لأحكام المواد /822/ وما يليها من قانون أصول المحاكمات المدنية. 6- تنظيم وتصديق الوصايا وفقا لأحكام قانون الإرث لغير المحمديين الصادر بتاريخ 23/06/1959. 7- التصديق على توقيع مترجم الصكوك من لغة الى أخرى. 8- ترقيم صفحات دفاتر وسجلات التجار وأصحاب المهن الحرة وفقا للأصول المنصوص عليها في قانون التجارة. 9- اخذ البصمات وحفظها والتصديق على هوية صاحبها. 10- الاستعانة بالمباشرين وبرجال قوى الأمن الداخلي لأجل القيام بجميع التبليغات الصادرة عن دائرته)
‌ج. موقف القانون من الرجوع عن الشهادة: أما عن القانون العراقي فانه لا يعتد بأي رجوع عن إفادة ما لم يتم ذلك الرجوع أمام القضاء ذاته ويتم الحكم على ذلك الشاهد بالإدانة عن ارتكاب جريمة شهادة الزور وعلى وفق ما ورد في المادة (273/3) من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي جاء فيها الآتي (إذا حكم على شخص استناداً إلى شهادة شاهد او رأي خبير او سند ثم صدر حكم بات على الشاهد او الخبير بعقوبة شهادة الزور عن هذه الشهادة او الرأي أو صدر حكم بات بتزوير السند) فضلا عن المادة (251) من قانون العقوبات التي لا تعتد بأي رجوع عن شهادة مال لم تكن تلك الشهادة قد تم أدائها أمام محكمة او سلطة تحقيقية وعلى وفق النص الآتي (شهادة الزور هي ان يعمد الشاهد بعد ادائه اليمين القانونية أمام محكمة مدنية او إدارية او تأديبية او امام محكمة خاصة او سلطة من سلطات التحقيق الى تقرير الباطل او إنكار حق او كتمان كل او بعض ما يعرفه من الوقائع التي يؤدي الشهادة عليها) وبذلك لا يمكن ان نعتبر تلك الإفادة المدونة امام الكاتب العدل بمثابة رجوع عن شهادة قضائية ، لكن موقف محكمة التمييز كان على خلاف ذلك المنطق القانوني، ولم يرد في القرار التمييزي المذكور سلفاً أي توضيح عن كيفية اعتبار تلك الإفادة بمثابة رجوع عن شهادة قضائية، وهو محل استغراب.
‌د. آلية قبول الرجوع عن الشهادة : في القانون العراقي وردت بعض الاحكام التي تنظم اثر الرجوع عن الشهادة حيث ان قانون اصول المحاكمات الجزائية قد جاء بحكم صريح في المادة (270/3) من قانون الاصول وحدد ان يكون عبر اتباع طريق طلب اعادة المحاكمة ، بمعنى ان يثبت اولا الرجوع القانوني عن الشهادة على وفق احكام القانون ومن ثم يقدم المحكوم طلباً الى رئاسة الادعاء العام وعلى وفق أحكام المادة (271) من قانون أصول المحاكمات التي جاء فيها الاتي (يقدم طلب إعادة المحاكمة إلى الادعاء العام من المحكوم عليه او من يمثله قانوناً وإذا كان المحكوم عليه متوفى فيقدم الطلب من زوجه او احد اقاربه على ان يبين في الطلب موضوعه والأسباب التي يستند اليها ويرفق به المستندات التي تؤيده) ويقوم الادعاء العام بتدقيق الطلب فان وجد فيه الأسباب التي تجيز ذلك الطلب يرفعه بمطالعة الى محكمة التمييز التي تنظر فيه، وهذا هو السبيل الوحيد للأخذ بالرجوع عن الشهادة التي تؤدى امام القضاء، وفي موضوع القرار التمييزي فان تلك الإفادة على فرض صحتها فإنها وردت بعد صدور الحكم بالإدانة مما لا يجوز مناقشتها الا عن طريق إعادة المحكمة، وكان على محكمة التمييز ان اطمأنت الى تلك الافادة ان تنقض الحكم وتعيد الدعوى الى محكمتها لاتباع ما ترسمه محكمة التمييز من إجراءات بصدد ذلك ومن ثم تقرر الاستماع إلى تلك الإفادة، وعلى وفق ما ورد في المادة (275) من قانون الأصول الجزائية التي جاء فيها الآتي (إذا وجدت محكمة التمييز ان طلب إعادة المحاكمة لم يستوف شروطه القانونية فتقرر رده وإذا وجدته مستوفياً لها فتقرر إحالته مع الأوراق إلى المحكمة التي أصدرت الحكم أو إلى المحكمة التي حلت محلها، مرفقاً بقرارها بإعادة المحاكمة) لان لابد وان يقوم الشاهد بأداء اليمين مرة أخرى حيث لا يجوز أن نهدر شهادة تم أدائها تحت القسم واليمين بمقابل إفادة لم يؤديها الشاهد تحت القسم واليمين.
قاضٍ متقاعد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيتو أمريكي ضد منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم الم


.. هاجمه كلب بوليسي.. اعتقال فلسطيني في الضفة الغربية




.. تغطية خاصة | الفيتو الأميركي يُسقط مشروع قرار لمنح فلسطين ال


.. مشاهد لاقتحام قوات الاحتلال نابلس وتنفيذها حملة اعتقالات بال




.. شهادة فلسطيني حول تعذيب جنود الاحتلال له وأصدقائه في بيت حان