الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مباحث في الاستخبارات ( 249) المحطة الصامتة

بشير الوندي

2021 / 1 / 16
الارهاب, الحرب والسلام


مباحث في الاستخبارات ( 249)
المحطة الصامتة
------------
مدخل
------------
العمل الاستخباري الخارجي هو عمل استثنائي في كل خطواته من البداية الى النهاية , وهو عمل يتم في بيئة خطرة للغاية لاتحتمل اقل الاخطاء , فالاخطاء فيه قاتلة , لذا يقع العاملون فيه تحت ضغوط نفسية تحتاج الى اعصاب حديدية , ولكن حتى الاعصاب الحديدية لابد من وجود تحضيرات للطواريء وخطط للإفلات والاختباء , واحد اهم تلك التحضيرات هي المحطات الصامتة موضوع بحثنا .
-------------------------------------
انواع المحطات الاستخبارية
-------------------------------------
تناولنا في مبحث سابق (انظر مبحث 53 المحطات الاستخبارية ) انواع المحطات الاستخبارية التي يتم انشاؤها في داخل البلد و بيئة العدو , وقلنا انها على سبعة انواع هي : المحطات العلنية , وشبه السرية , والسرية , والبديلة , والوهمية , والجوالة (المتحركة ), والصامتة , وتناولنا بالوصف المختصر كل نوع من الانواع السبعة واهميتها وطبيعتها , وقلنا ان منها ماهو داخلي كالمحطات العلنية ومنها ماهو خارجي كالمحطات الصامتة , وكما يلي :
1- المحطات العلنية: محطات علنية داخلية , كدوائر الاستخبارات الجنائية وشعبة الاستخبارات في مراكز الشرطة ومراكز الاستجواب والتحقيق وهي بمثابة مكاتب رسمية .
2- المحطات شبه السريّة : ممكن ان تستخدم داخل البلد , كالتواجد في مجمع حكومي اوعسكري, وفي الخارج من قبيل السفارات والقنصليات في الخارج , فيكون الموقع علنياً والعمل سريٌّ , وقد يكون موظف الاستخبارات علنياً ومعروفاً في السفارة ومعروف للدولة المضيفة , ولكن جهده بعيد عن الانظار , فالجميع يقرُّ بأن سفارات الدول الاجنبية هي اوكار للتجسس الرسمي بغطاء دبلوماسي .
3- المحطات السريّة : وتشكل المحطات السريّة اغلب دوائر الاستخبارات في الجهد الاستخباري الداخلي والخارجي , فكل مراكز اللقاء وتبادل المعلومات والمقرات الآمنة والمثابات ومحل استلام البريد ودوائر الجهاز الاستخباري يجب ان تكون محطات سريّة , كأن يكون الموقع بإسم شركة او منظمة او يقع في جزء خلفي لشركة او مستشفى او مركز دراسات او الخ من انواع الواجهات الممكنة , وقد تكون المحطة السريّة شقة في عمارة او طابق ثان لمطعم, وغير ذلك , وداخلياً تعد المثابات البعيدة في المناطق الحدودية التي تقوم بعمليات نقل المصادر من والى البلد المستهدف محطات سرية لوجستية داعمة للجهد الاستخباري.
4- المحطات البديلة : موقعها في المواقع الساخنة , كبديل للمحطة السريّة لتدارك التعرض للمخاطر والانهيار , وهي مهمة كمقرات بديلة, فمثلاً مركز الاستخبارات في الرمادي وتكريت والموصل كان يجب ان يكون لها مواقع بديلة قبل سقوطها عام 2014 لانها في مواقع ساخنة وخطرة .
5- المحطات الوهمية : الغرض منها تشتيت الانتباه كان تأخذ موقعاً في معسكر او دائرة حكومية وتضع فيها عناصر استخبارات ولكن بلا جهد استخباري حقيقي , وتنسج حولها الاشاعات بانها دائرة استخبارات او محطة استخبارات لتركيز انتباه العدو عليها وجعل المحطات الحقيقية في امان .
6- المحطات الجوالة او المتحركة: داخلية في الغالب , على شكل عجلة كبيرة جوالة للمراقبة والعمل الفني السمعي والبصري والتنصت القريب , وتستخدم العجلات وحتى طائرات التجسس تعتبر محطات متحركة .
7- محطات صامتة : محل بحثنا ولها عدة مسميات منها ( بوابة الهروب , او محطة الانقاذ , او البيت الآمن , او البيت السري , او الموقع الخاص ), (انظر مبحث 53 محطات الاستخبارات) , ولأهمية الموضوع نستعرضه بشيء من التفصيل.
----------------------------------------
بين المحطات السرية والصامتة
----------------------------------------
ان كل المحطات الاستخبارية الخارجية التي تعمل في بيئة العدو , لايمكن ان تكتمل اعمالها من دون المحطات الصامتة , فحتى لو كانت لديك محطة شبه سرية كحال السفارات والقنصليات لابد ان تكون لديك محطة صامتة او اكثر لاسيما في الدول غير المستقرة (انظر مبحث 81 الغطاء الاستخباري ) , فماهي المحطات الصامتة وماهو فرقها عن المحطات السرية ؟ هذا ماسنبينه .
المحطة الصامتة هي محطة محاطة بسرية كبيرة كباقي المحطات , الا انها تكون خاملة في الظروف الاعتيادية ولايتم تفعيلها الا عند الطواريء, حيث تقوم الاستخبارات بإختيار محطات صامتة تجهزها بكل شيء وتبقى ساكنة تحسباً للانسحاب والانهيار , غالباً ماتكون المحطات الصامتة في بلد الهدف او في مناطق حدودية متداخلة او في ارض محتلة او في بلد غير مستقر أمنياً وسياسياً واجتماعياً.
وللمحطات الصامتة اهداف ومهام جسيمة في حالات الخطر والانهيار , وتعتمد كمنقذ لعدد من السيناريوهات والمهام الاستثنائية , من قبيل ان يكشف مصدر معلومات مهم من قبل عناصر الاستخبارات المضادة لبلده , اوعندما ينهار الوضع الامني في البلد (انقلاب عسكري , احتجاجات , اقتحام السفارة او القنصلية , تعرض وفد امني لتهديد خطير , تعرض ضابط ارتباط الى مطاردة من قبل استخبارات البلد الهدف , وغيرها من السيناريوهات التي لاحصر لها) , حينها تبرز الحاجة الى المحطة الصامتة , فالبيت الصامت هو لحالات الطوارىء القصوى .
ومن هنا يتضح الفرق بين المحطة السرية التي تكون مفعّلة في الحالات الاعتيادية , وبين المحطة الصامتة التي تكون خاملة لحين انهيار الاولى حيث يتم تفعيلها في حالات الطواريء وتضاف اليها مهمات اخرى استثنائية بحكم الوضع الاستثنائي .
---------------------------------
مقومات المحطة الصامتة
---------------------------------
ان المحطة الصامتة مكان لاجتياز الازمة والعاصفة والخطر , وتعود خاملة وساكتة عند اجتياز المخاطر , اي انها مكان توقف و امان وليست مكان جهد استخباري بل مكان حفظ الجهد الاستخباري كفترة هدوء وترقب ومكان لتأمين العاملين وللانتظار , فالمحطة الصامتة تستخدم كبديل لمرور العاصفة وعبور مرحلة الخطر , ثم تصبح محطة سرية ويعاد العمل بعد تأمين الاوضاع.
فهذا الحجم من الجهد السري في بيئة معادية يحتاج الى اماكن سرية و محطات صامتة ومواقع منتقاة تحفظ العناصر المهمة كضباط الارتباط وقادة الشبكات السرية وابرز الجواسيس ومن هنا لابد من توافر شروط من حيث المكان والتجهيزات للمحطة الصامتة كي تقوم بدورها عند التفعيل .
فمن حيث الموقع , تكون المحطة الصامتة في مواقع جغرافية مختارة بعناية (قرب منفذ حدودي , مطار , اطراف المدينة , مجمع سكني) ويتم اختيار الموقع بحيث يؤدي الى عدة شوارع لا تكون ذات مدخل واحد, وفي منطقة فيها عدة مخارج الى طريق سريع.
وهنالك مواقع يجب ان يتم اخيارها بعناية من خلال خبراء ضمن جغرافيا المدينة فلا تكون في منطقة شعبية او دبلوماسية او عسكرية , ومن الاخطاء القاتلة ان تكون المحطة الصامتة متميزة في المنطقة كما هو حال منزل بن لادن الذي كان تميزه بمثابة سقطة استخبارية اثارت الشبهات وادت الى كشفه لكونه منزل غير اعتيادي واسواره عالية ومتميز ويحيطه الغموض , مما ادى الى كشفه , بل ان التأخر في كشفه من قبل الاستخبارات الامريكية كان هو الاخر سقطة استخبارية بحقها.
امنياً , لابد ان تتبع اجراءات امنية مشددة في المحطة الصامتة , لان الاستفادة من المحطة يأتي في وقت الازمات والانهيارات الامنية والانسحاب والانقلاب والفوضى السياسية والاجتماعية , فيجب ان لايلفت الانتباه وفيه تمويه معقول من قبيل ان يكون مستتراً خلف مرأب سيارات او مطعم , وحتى لو كانت في عمارة سكنية او في الجزء الخلفي لسوبرماركت , كما يفضل ان يحتوي على مخزن سري ووجود سرداب او ممر سري ان امكن , او جدار كاذب اي غرفة صغيرة معزولة.
اما عن المحتويات . فيوجد في داخل المحطة الصامتة مخزن للطوارىء يشمل اسلحة خفيفة وقنابل دخان , معدات طبية وادوية , مال نقدي من الدارج في البلد ومن العملة الصعبة , وثائق واختام ضرورية , هواتف نقالة مع شرائح اتصال , ملابس رجالية ونسائية , مكياجات تمويه , ماكولات جافة ومعلبات , مكان للتحقيق , عجلة جاهزة للحركة , حاسبة محمولة , جهاز استنساخ ورقي ورقمي , جوازات سفر , اجهزة اتصال لاسلكي بينية , جهاز جي بي اس , زورق مطاطي ان كانت المحطة على ضفة نهر , دروع واقية , احذية رياضية و... .
--------------------------
قشور البيض القاتلة
--------------------------
قد تكون المحطة الصامتة فارغة فيمر عليها ضابط الارتباط من حين لأخر , وقد تكون مأهولة بالسكان من قبيل التمويه , فتسكن في المحطة عائلة وزوجة واطفال ويعيشون حياة طبيعية , او ان يسكن فيها عمال يعملون في النهار في مصنع , مع مراعاة التنبه الى محتويات القمامة , فعائلة من ثلاثة افراد تسكن في محطة صامتة كمنزل او شقة , وتأوي بشكل طاريء عشرون شخص لابد ان لاتبين اي من آثارهم وان لاتحوي القمامة قشور لثلاثين بيضة !!, وان يكون تسوق العائلة من عدة محلات بشكل مجزأ كي لايتبين انهم يشترون كل يوم 50 رغيفاً .
وفي قصة ذات مغزى , استطاع الحرس الثوري في ايران عام 1982 من العثور على وكر "موسى خياباني" الرجل الثاني في منظمة خلق وقتله مع 20 شخص من قياديي الحركة في وكر لهم حيث كانت المراقبة الاستخبارية قد حصرت بثلاثة بيوت في طهران , الا ان الترجيح الاستخباري واستمكان المجموعة جاء بسبب كمية كبيرة من النفايات وقشور البيض الكثيرة كانت لا تتناسب مع وجود زوج وزوجته فقط كانا يسكنان المنزل الامن , ليتبين لاحقا عدد الافراد ب 20 شخص.
كما ان هنالك توصيات امان لاستخدام المحطة حيث يتم تدريب الساكن فيها على بعض الاجراءآت , فلابد من وجود علامة تبين للقادم للمحطة من الخارج ان الامور مستتبة من قبيل مزهرية في الشرفة او ستارة من نوع معين او لون معين لملابس على حبل الغسيل في حالة الأمان ولون آخر في حالة الخطر , لعل اذكى من استخدم علامة امان الاوكار هو ما كانت تستخدمه منظمة خلق الايرانية المسلحة ضد الجمهورية الإسلامية الايرانية , فكانت علامة الأمان في بيوتهم السرية هي أن تكون ستائر غرفة الطابق الأعلى المطلة على الشارع مفتوحة مما يعني أن المقر السري آمن , فإذا حدث اقتحام او كمين للمكان , يعمد رجال الأمن الى غلق الستائر بشكل روتيني حتى يبعدوا أنظار الفضوليين عما يحدث داخل البيت دون ان يدركوا انهم قد ارسلوا رسالة الى من يأتي للوكر ان هنالك خطر داهم , فيبتعد ويسلم من القاء القبض عليه!!! (انظر مبحث 59 تحوطات العمل الاستخباري) , وكتأمين للمحطة لاسيما عند لجوء افراد الى المحطة , ويجب مراعاة الصمت والتمسك بقلة الحركة, فلابد من تأمين المحطة الصامتة تماماً.
--------------------
لابد من الحذر
--------------------
إن اول من عمل بفكرة المحطات الصامتة بنجاح هي الاستخبارات الفرنسية , فعندما انسحب الجيش الفرنسي من الاراضي الفرنسية أمام الألمان اثناء الحرب العالمية الثانية , تركوا في كل مدينة وقصبة بيتاً آمناً تسكنه عائلة , وزودها بجهاز اتصال واسلحة ومتفجرات وأموال مدفونة , الامر الذي ساهم بشكل جوهري في تكوين محطات للمقاومة الوطنية وايواء الجرحى وعمليات انقاذ الطيارين وتزويد القيادة بالأخبار ودعم المقاومة المسلحة للجيش الوطني بقياده الجنرال ديغول.
ولانستبعد ابداً – بل نؤكد هنا ان داعش , ومنذ خسارة وضعها العلني والسيطرة على الارض في العراق , قد تركت مجموعة من المواقع المشابهة للمحطة الصامتة , وهي محطات صامتة مجهزة تنتظر بعض الوقت لتقوم بالعمل السري , لتكون بمثابة مركز قيادة وسيطرة للجهد الارهابي السري لاحقاً , فداعش تعتمد على مفهوم المحطات الصامتة وليس الخلايا النائمة في العراق , لأنها الأشمل والأخطر.
وكان مهماً للغاية ان تقوم استخباراتنا بانتاج هكذا محطات في الاماكن المتشنجة والساخنة قبل ان تسقط بيد الارهابيين والتي انسحب الجيش منها منذ سنوات, للإفاده منها عند الضرورة , وكان يجب ان تكون هنالك محطات متكاملة التجهيز , ولكن للأسف أغفلت استخباراتنا الاهتمام بتلك النقطة .
ولعل الكثير من الدول الكبرى وقعت في هذا الخطأ كحادث السفارة الامريكية في طهران ايام سقوط الشاه حيث لم يتهيؤوا لبديل آمن ينقلوا فيه عناصرهم لحين اخراجهم من البلاد , وكذلك حادث مقتل السفير الامريكي في ليبيا فاية سفارة في ليبيا المضطربة في وقتها كان يجب ان تفكر بانشاء محطة صامتة بديلة لها للطواريء , بالاضافة الى حوادث مشابهة وقعت في بلدان اخرى تغير النظام فيها من صديق الى عدو بشكل متسارع , ولعل هروب صدام الى حفرة بشكل بدائي في منطقة من المتوقع ان يبحثون فيها عنه يمثل فشل لنظام حكمَ امنياً بقبضة استخبارية دون ان تكون له محطات صامتة رغم علمه بالغزو وحتمية ذلك.
ومن هنا تعمد بعض الدول الى اقامة شركات كواجهات استخبارية كشركات نقل بضائع او شركات سياحة او تجارة في الخارج , وحينها تصلح تلك الشركات ان تكون محطات صامتة متميزة وآمنة في مخازنها وفروعها في حالات الاضطراب شريطة ان لاتحمل الشركة جنسية تشير الى البلد الذي تنتمي اليه الاستخبارات( انظر (مبحث 81 التغطية الاستخبارية).
-----------
خلاصة
-----------
لايوجد ظرف او حال مضمون في العمل الاستخباري لاسيما الخارجي منه , لذا لابد ان تتوافر للجهاز الاستخباري العامل في البلد المستهدف ان يكون لديه مقر بديل آمن ليس عليه غبار , يتم اللجوء اليه في الاحوال المضطربة وهو المحطة الصامتة التي تصلح كبديل للطواريء وكمهرب من العيون , بل وتهيئة للهرب للخارج , وفي الحالة العراقية وماجرى من سقوط لمدن على يد داعش , كان بالامكان ان تكون للاستخبارات محطات صامتة , لو وجدت لكان لها دور جوهري في دحر الاعداء , والله الموفق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف تتطور الأعضاء الجنسية؟ | صحتك بين يديك


.. وزارة الدفاع الأميركية تنفي مسؤوليتها عن تفجير- قاعدة كالسو-




.. تقارير: احتمال انهيار محادثات وقف إطلاق النار في غزة بشكل كا


.. تركيا ومصر تدعوان لوقف إطلاق النار وتؤكدان على رفض تهجير الف




.. اشتباكات بين مقاومين وقوات الاحتلال في مخيم نور شمس بالضفة ا