الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف تنقد مقالا بطريقة علمية؟

سامح عسكر
كاتب ليبرالي حر وباحث تاريخي وفلسفي

2021 / 1 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أولا: يجب أن تفرق بين كونك قارئا وبين كونك ناقدا، فلو جمعت الاثنين ستكون قد حكمت على كل قراء المقال أنهم شعروا مثلك..وهذا قول (مزيف) لأن المقال له عدة أفهام بعدد قراءه، فمثلا عندما تقول أن المقال (مضطرب – مشوش – غير علمي – مدلس – كذاب) هذه أحكام قيمة معممة إذا وجدت في جزء من المقال وفقا لإدراكك العلمي لكنها لا تنطبق على البقية، فالأفضل وقتها أن (تعين مجمل اعتراضك بالقطعة) أي تقول هذه الفقرة بها كذا وكذا..ولا تعمم

ثانيا: يجب أن تنتقد المقال بنقد أفهامه المتعددة، وهذه قدرة لا تتوفر للأغلبية مع الأسف، فالوعي باختلاف الناس وتأثير المقال عليهم هو وعي مرتفع جدا ويتطلب علم غزير وعقل متفتح ونفس متسامحة ..مما يعني أن كثير من نقد المقالات تخطئ هدفها بالفعل لقصور وعي الناقد بأفهام البشر، فضلا عن قصوره هو –المحتمل – عن قصدية الكاتب وسعة خياله..

ثالثا: الناقد لو لم يُقدم ادعاءا مُتكاملا ومُزيّنا من معظم الجوانب المنطقية والعلمية ويكون ادعاءه مُحكما للحس الطبيعي سيقوم القارئ بهذه الأمة..يعني باختصار سيكون الناقد الجاهل محطة لقارئ أجهل منه..وهكذا حتى يصل المقال الأصلي لفئة تهمله تماما وتحكم على كاتبه بالضلال دون فهم حرف واحد مما كتب، وأكثر من وقع في هذه الآفة لدينا هم شيوخ السلفية المهتمين بنقد والردود على خصومهم، لم يُحكِموا ادعاءاتهم علميا كما ينبغي ويجيبوا على الفراغات الموجودة فقام قرائهم وتلاميذهم بتلك المهمة حتى وصلنا اليوم لجيل سلفي ومتدين (لا يقرأ)..

رابعا: يجب أن تكون الحجج متوافقة مع الادعاء، يعني لا يصح تقديم حجج سلفية لادعاء تنويري، فمن حجج السلفية مثلا الناسخ والمنسوخ والولاء والبراء، إذا قام الناقد باستعمالهم في ادعائه ونقده في سياق (عمل تنويري نقدي) يكون قد خرق مبدأه الأصلي الذي انتقد بناء عليه وهو (نقد النصوص والعُزلة المعرفية) فالناسخ والمنسوخ يلزمه نقد وعمل مستنير لتحريره والسبب أن محاور الفكر التقليدي الإسلامي تقوم عليه في فهم النص، وبالتالي تقاعس التنويري عن نقد النص لا يعد عملا تنويريا وسيكون مقدمة لأخطاء بالتراكم..وهذه الفكرة كثيرا ما استعملها فأجد في المقابل من يتهمني أنني أستدل بأدلة الخصوم..وكان جوابي: أن أقوى صنوف الحجاج المنطقي هو الاستدلال على الخصم من أدلته ورموزه، ليس إيمانا بها في الحقيقة ولكن لكونها حجة ودليل في مذهب الخصم..بخلاف من يؤمن أصلا بتلك الأدلة السلفية كأصل معرفي ويجعلها قاعدة علمية عامة يفهم بها أي نصوص..

خامسا: يجب أن يعلم الناقد أنه لا محكمة ستفصل بين ادعاءه وبين صحة المقال، لا يوجد قاضي يحكم أيهما صوابا ، وبالتالي فالتعصب لما قدمته من ادعاء نقدي هو (عمل همجي) ينزع حق الكاتب في الرد عليك ، فيكون النقد الصحيح هنا هو تعبير عن وجهة نظر علمية فقط وللآخر حرية التصرف معها وفقا للعمل الأكاديمي العلمي الذي يتطلب إما الرد الموضوعي على أطروحتك النقدية، أو إهمالها..لكن لا يصح أن يختزل ادعاءك بردود مقتضبة كما حرصت أنت كناقد على تفصيل دعواك وحرصك على معرفة الحقيقة..

أذكر أن جماعة اليوروسينتريزم تعصبوا ضدي لمجرد قولي بالأصول السمراء للحضارة المصرية، وجاءوا بمقالات وادعاءات..لكني لاحظت أن سمة حوارهم في السوشال ميديا يغلب عليه الطابع الشبابي السريع الراغب لاستيفاء المعلومة والرد عليها بسرعة، وبما أنهم كانوا كثيرين العدد لم أقدر على مناقشتهم جميعا بهذا الطابع، فعقدت دراسة علمية كتب منها حتى الآن 6 أجزاء لمناقشة اعتراضاتهم وتفنيد الحجج علميا وإقامة ادعاء مضاد مسلح بجوانب المنطق والتاريخ والعلم الطبيعي، وبما أنهم متعصبين لم يردوا على دراساتي كما توقعت لأسباب تخص العقلية الأحادية والسلطوية للمتعصبين..

سادسا: لكل ناقد مصادر معتبرة وأخرى غير معتبرة، وهذا عيب نقدي كبير يجعل من كل فكر نقدي مهددا بالنسبية والانتقاء..لو لم يحرص الناقد على تنويع مصادرة قدر الإمكان لشاب نقده العيوب..وشخصيا أحاول التقليل من مصادري غير المعتبرة، بمعنى أنني أقيم الحجة على السلفي من كتبه..فهي لدي معتبرة من هذا الجانب، لكنها ليست معتبرة عندي في تشكيل عقائدي الشخصية، وهنا الوسيلة التي يجب أن يسلكها الكاتب بالتفريق بين قناعته وتياره وبين أصول الحجاج والاستدلال..فليست كل البشرية مثلك مؤمنة بأدلتك ومصادرك، ومحاولة إجبار الناس للقول بمصادرك والاعتراف بها تعزلك أكثر عنهم وتجعلك أنت ومصدرك في رتبة واحدة..وهو عمل خطير وصورة ذهنية تكونت عنك في لحظة جهل.

وأذكر أن أولى انتباهي لتلك الجزئية كانت قبل 11 عاما في انتقادي لمحمد حسان بكتاب لسليم العوا، فصدمت من منطقية الخصم في نسف حجية هذا الكتاب وبالتالي وضعت أنا وكتاب العوا معا في رتبة واحدة، بينما الأصل أن يكون الاستدلال ليس بكتاب بل اختياره كمصدر شيوع الفكرة لا غير لا الإيمان بحواشيها وفروعها الممتدة عند نفس الكاتب..

سابعا وأخيرا: يجب اختيار موضوع النقد حسب قدراتك، يعني ليس من حقك نقد موضوع تاريخي وأنت جاهل بالتاريخ، ولا نقد موضوع فقهي وأنت جاهل بالفقه، أو نقد لاهوت ديني وأنت غير مطلع على مذهب الخصم فيه..ومن يحدد أهليتك هنا هو أنت، فضميرك وقتها سيرشدك بمحدودية قدراتك عن مجاراة الخصم، فإذا لم تتوقف وتصر على مناقشة ماليس لك به علم سيطغى هذا السلوك السئ على جوانب لديك حسنة، أي لو كنت بارعا في الرياضيات مثلا ستفسد فيها وتفشل وتنخفض قدراتك على استيعابها، فالإنسان ذو عقل واحد وطبيعة واحدة، إذا أقر لنفسه سلوكا سيئا في جانب لن يكتفي وسيطال هذا السئ شتى جوانب شخصيته..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد