الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بصدد الانحسار الكوني لليسار

مصعب قاسم عزاوي
طبيب و كاتب

(Mousab Kassem Azzawi)

2021 / 1 / 17
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


حوار أجراه فريق دار الأكاديمية للطباعة والنشر والتوزيع مع مصعب قاسم عزاوي.

فريق دار الأكاديمية: هل تعتقد بتآكل «اليسار» على المستوى الكوني؟

مصعب قاسم عزاوي: إذا كان المقصود باليسار ذلك الجزء من الجسم السياسي المنافح عن حقوق الإنسان، وتأصيل الديموقراطية الحقيقية التشاركية، و التي تعني انخراط أبناء المجتمع في اتخاذ القرارات التي تخص وترتبط بواقع ومستقبل مجتمعهم، وتمكنهم من التحكم بمصادر الثروة وصناعة القرار بشكل ينقل الفرد من «عضو في قطيع منقاد» إلى «إنسان فاعل في مجتمع حر منفتح» يعتبر التنوع في الخصوصيات الفردية والثقافية والتلاوين الاجتماعية فيه إغناء لقدراته على تحقيق «كينونته الاجتماعية» بشكل يساهم ويعزز «الإحساس بالقيمة المعنوية لوجود كل المتشاركين في ذلك المجتمع»، في نهج يقترب قليلاً أو كثيراً من ذلك التصور للمجتمع الحر في فكر «جان جاك روسو»، و«إمّا جولدمان» و«هنري ديفيد ثورو»، فأعتقد أن هناك القليل منه على المستوى العالمي، إلى حد يجعله شبه معدوم.

والسبب الأكثر أهمية في ذلك الانعدام على المستوى الكوني هو «خصخصة السياسة»، وتحول «العمل الاجتماعي» إلى نشاط «يحكمه اقتصاد السوق» الذي يحكمه «البقاء للأكثر فتكاً وبأساً وقدرة على تحقيق الربح السريع»، وليس «الأكثر تلبية لحاجات المتشاطرين في ذلك المجتمع في الحفاظ على حيواتهم، وحيوات أبنائهم، وكرامتهم، وإحساسهم المتجذر بقيمة وجودهم معنوياً في الحياة الدنيا»، وهو ما يفصح عن نفسه في اختزال الأحزاب السياسية في نظم الديمقراطيات الشكلية سواءً في دوال الشمال الغني أو الجنوب المفقر في غالب الأحايين إلى حزبين متنافسين، الفارق في خطابهما السياسي واه إلى درجة كبيرة، وتحول المشاركة السياسية في تلك المجتمعات إلى طقوس دورية كل بضع سنوات لاختيار ذلك المرشح أو ذاك «لقيادة قطيع الجماهير»، وغالباً بالاستناد إلى مبررات ومسوغات لا تمت إلى السياسة بصلة من قبيل «جاذبية المرشح، وحضوره الخطابي» وغير ذلك من السمات الشخصية التي لا تقترب من مشروع انتخابي واضح المعالم لانعدامه من الناحية الفعلية العملية. إذ أن خطاب كل الأفرقاء السياسيين هو «عملية ترويجية دعائية» لاختيار «قائد فذ» من فصيل «السياسيين المصطنعين بطعومات وألوان مختلفة» لا يختلفون فيما بينهم -إلا بدرجات واهية- في مستوى التزامهم المطلق في خدمة «سادتهم وأولياء نعمتهم» الذين قاموا بتصنيعهم وتمويل حملاتهم الانتخابية، منتظرين منهم «القيام بواجبهم الوظيفي الضروري» في خدمة من أوصلهم إلى سدة الحكم، عبر مطية هي «أصوات الناخبين» الذين ليسوا ضالة السياسة في نموذجها الرأسمالي «النيوليبرالي» المعولم الذي ليس فيه أي مادي أو معنوي «غير ممكن الشراء والبيع» وفق قوانين اقتصاد السوق الحر المنفلت من كل عقال.

ويضاف إلى «الفعل الشيطاني لاقتصاد السوق» في «تسليع السياسة»، تآكل «الأرحام الطبيعية» التي أسهمت في تشكل غالبية الأنساق الفكرية اليسارية على المستوى العالمي، وهنا أعني النقابات، وإلى درجة أقل منظمات المجتمع المدني الأخرى، فهناك تراجع مهول في أعداد المنضوين في النقابات في الدول الصناعية، لأسباب متعددة، أهمها الانكسار العميق الذي تكبدته النقابات في معركتها مع «الغول الرأسمالي الليبرالي الجديد» في حقبة دونالد ريغان في الولايات المتحدة، ومارغريت تاتشر في بريطانيا، و هي السياسية التي كان شعارها الإيديولوجي الأسمى بأنه «لا يوجد أي شيء اسمه مجتمع»، وكان بنتيجته سنِّ الكثير من التشريعات و القوانين التنينية، عبر الساسة المنتخبين إلى المراكز التشريعية، و الذين صنعتهم من قبل الشركات الرأسمالية العابرة للقارات، بتمويل حملاتهم الانتخابية، مما صير العمل النقابي المثمر «معقداً وشبه مستحيل» من الناحية العملية من خلال ما اختطه تلك التشريعات و القوانين من عراقيل كأداء في وجهه، من قبيل الشروط المعقدة المطلوب تحقيقها ليكون أي «إضراب عمالي» قانونياً وغير قابل للإبطال بحكم قضائي، في حقل لا يفترض بالقضاء أن يتدخل فيه، إذ أنه لا يؤثر على حالة السلم في المجتمع من قريب أو بعيد، و لأن «الإضراب عن العمل» هو السلاح السلمي شبه الأوحد لدى النقابات و العمال للدفاع عن نفسهم بشكل متحضر غير عنفي.

وذلك التآكل في قدرة النقابات على الفعل، كان بنتيجته تراجع أعداد المنتسبين لتلك النقابات، وبالتالي تآكل مصادر تمويلها، و إضعاف قدرتها على تمويل المؤسسات الرديفة للنقابات والتي كانت بجملها «الموئل و الحاضن الطبيعي» لنضح الفكر اليساري، من قبيل الصحف ودور النشر المدافعة عن حقوق العمال، والمدارس الليلية لتعليم من فاته قطار التعليم والتنوير، والاجتماعات الثقافية والتنويرية التي يتم من خلالها شحذ وإنضاج «الأفكار اليسارية الجنينية» عبر «الحوار وتبادل الآراء» الذي دونها يستحيل تشكيل أي نتاج فكري بشري يمكن له المساهمة في «ترقية» واقع الإنسان الاجتماعي إلى مستوى أفضل.

وأسهمت حالة «التعضي التخصصي» الاجتماعي في زيادة صعوبة خروج «فكر يساري» قادر على الفعل في ظل شروط التوازن الذي تقتضيه المتطلبات الاجتماعية لاقتصاد السوق، والتي أفرزت كماً هائلاً من منظمات المجتمع المدني «المتخصصة» في حقول ضيقة، قد يصعب إيراد أمثلة عنها، من قبيل «رعاية نوع معين من الحيوانات المهددة بالانقراض»، والعناية «بمرضى ذلك المرض العضال أو غيره»، وهي كلها أنشطة تطوعية مهمة، ولا بد من القيام بها، ولكنها بنفس الوقت توحي للإنسان البسيط بأن الواجب الذي تقوم به تلك المنظمات غير الحكومية التطوعية، هو فضل «خيري» بينما هو واجب طبيعي تخلت عن القيام به «الدولة التنينية» التي تحولت إلى «جابي ضرائب شمشوني» مخول بتحويلها إلى جيوب الشركات الكبرى المهيمنة على كل مفاصل تلك الدولة، عبر عقود ومناقصات عجائبية، بمصادقة الساسة المصنعين من قبل تلك الشركات نفسها. وهو «التعضي التخصصي» نفسه الذي أسهم في نموذج من «الرؤية الضيقة» لدى كل تلك «المنظمات غير الحكومية»، التي لا ترى في واجباتها أبعد من الحدود الضيقة التي رسمتها لنفسها. فمن الممكن أن تعمل وتجتهد تلك «المنظمة غير الحكومية» في رعاية «مرض نوع ما من السرطانات»، دون أن يتفكر أي من كوادرها «برفع صوته بالتساؤل» عن الأسباب التي أدت إلى تلك الزيادة المهولة في وقوعات مرضى السرطان على المستوى الكوني، والمرتبطة بشكل عضوي بإزاحة كل «كوابح التنظيم والرشاد والفحص والتدقيق» في أي من النتاجات الصناعية التي تقوم بتصنيعها نفس تلك الشركات العابرة للقارات المهيمنة كونياً، وبيعها للمستهلكين في عموم أرجاء المعمورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي


.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا




.. يونس سراج ضيف برنامج -شباب في الواجهة- - حلقة 16 أبريل 2024


.. Support For Zionism - To Your Left: Palestine | الدعم غير ال




.. كلام ستات | أسس نجاح العلاقات بين الزوجين | الثلاثاء 16 أبري