الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جريمة شرف … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 1 / 18
الادب والفن


جسد زهرة .. يستعد لاستقبال سنوات النضج ، والتفتح .. متفجرا بشوق عارم للحياة ، والتمتع بمباهجها ، وهو حلم كل شابة تحن مشاعرها الى لمسة حب تداعب قلبها البكر في محيط ضيق خانق محاصر بالتقاليد الدينية والاجتماعية والاخلاقية الصارمة .. انصب اهتمام زهرة اولاً على مساعدة والدها الكادح الذي بالكاد يقدر على تدبير قوت اليوم لعائلة كثيرة العدد ، فمارست مهنة الدلالة .. تهيم في ازقة الحي ، وشوارعه .. تطرق البيوت لتبيع ما تحمل من مستلزمات نسائية متنوعة من ملابس ، وحناء .. وغيرها … !
دار المال بيدها ، وتحسنت احوالها ، واحوال اسرتها .. واثناء تجوالها في بيوت الحارة التقت بصالح ، شاب وسيم ، بسيط ، وهادئ .. يعيش وحيدا كأنه غصن سائب سقط من شجرة .. سرعان ما هبت عليهما نسائم الحب الباردة الساحرة .. بين فتاة جميلة متفتحة ، وممتلئة حيوية ، وبين شاب فقير طيب القلب ، والخلق .. فبادلها الحب بالحب ، تقدم لخطبتها ، رفضه اهلها لانها معقودة لابن عمها .. ضحيةً لقانون النهوة العشائري .. قدرها ان تعيش بدون حلم ، ولا امل ، وانها ستكون لابن عمها سواء كانت راغبة فيه أم لا .. هذا هو نصيبها ، وهذا هو قدرها ، ولا خيار لها فيه .. من المؤلم ان لا تمتلك المرأة في ذلك الزمان ، وحتى الان في مناطق معينة في الوطن حق اختيار شريك العمر بارادتها الحرة !
كانت الريح تتخبط في حركتها بين الاكواخ المتهالكة فتصدر عويلاً كأنه عراك وحوش جائعة ، والدمع الوفير الذي يطفر من عيون السماء يبلل الارض ، ويلوثها بالطين .. ظلت زهرة ، وحبيبها صالح متلاصقين في سرير واحد .. كل واحد يستمد دفئه من الآخر ، تسللت اليه حرارة جسدها المشتعل بالحب ، والوهج .. انسلت رائحتها الى انفه ، ايقظت كل ما كان في داخله من جوع ، ورغبة ، واشتياق .. شفتيها الرقيقتين مفتوحتين في انتظاره .. يحتوى جسدها كله بين ذراعيه .. جسداً نحيلاً ليناً طائعاً يرتجف تحت حركة أصابعه .. محاولاً ان يتلمس من دفء جسدها ، وحرقة رغبتها طريقاً سهلا لامتزاج انفاسهم ، وعرقهم ، ورغبتهم !
يقول متأملاً : ما اجملك ، يا زهرة ، وما اعذبك ! اغمضت عينيها ، ومالت على كتفه ، لتغفو عليه ، تداعبها احلاماً مخنوقة بغدٍ افضل ! تمنيا لو تتوقف قليلاً تلك اللحظات المتسربة من قبضة الزمن الصارمة ! تبحث عن دفئها في احضانه عندما تسربت اليها لسعات البرد ، ورطوبة المكان ، تسأله ، وهي لا تزال تحت وطأة اللحظة الرائعة عن اليوم الذي سينفذون فيه حلم العيش معا تحت سقف واحد ليتزوجا ، وتُكمل حملها .. فهي خائفة من البقاء هنا أكثر .. يصارحها بانه اشد خوفاً .. يقول ، والالم يعتصر قلبه : وانا المسك الان ، يا حبيبتي لا ادري متى اعود ، والمسك مرة اخرى ، تضع ذراعيها حوله ، وتُدخله في اضلاعها ، وتغلق عليه الى الابد ، فهو الحبيب الذي اختاره القلب ..
يوعدها بأن اليوم الذي يجمعهم فيه سقف واحد قريب .. بعثت كلماته في روحها على ضعفها املاً .. امدها برغبة جديدة في الحياة بعد ان كادت تغادرها بسبب حياة البعاد ، ومضغ المخاوف ، وتفاصيل الشقاء اليومي ! تعيد تزرير ثوبها بسرعة ، وقد امتلات عيناها الجميلتان بالخوف ، وهي تقول مرتبكة : لقد تأخرت ، حبيبي ! يلتفت اليها ، ويبادلها نفس الشعور ، ونفس الاحساس فقد شعر الاثنان ، وكأن عينا تراقبهم ، ويداً تسلط عليهم ضوءً .. ام هو مجرد احساس دافعه الخوف الشديد .. يتلفت الاثنان مرعوبين ، وكأنهم فأرين مذعورين ..
يهتف بها في صوت ملئ بالاسى : بالله عليك لا تذهبي ، دعينا نغادر الان بما علينا من ثياب .. ترفض ، وتطمئنه بأن عليها ان تجلب بقية اموالها التي ادخرتها العمر كله ، لتكون عوناً للقادم من الايام .. قالت من خلال دموعها في صوت مجروح : يا الهي ! ما اطول الطريق .. يا صالح ، وما اصعبه .. ! كأنها تريد من هذه الكلمات ان تكون كلمات الوداع الاخير ! تمسح قطرات من دموع كانت تسكن طرفي عينيها .. خذني معك حبيبي الى اي مكان ، الى اي زمان ، لأي وهم ، لاي حلم ، ولا تتركني وحيدةً ، فلا حياة لي بدونك ، تأخذ يده وتقبلها ، تتساقط حبات من دموعها لترطب شيئاً من يده ، يسحبها ، ويضمها كلها الى صدره ، ويقبل جبينها ، ويمسح دموعها .. ويقول : كم احبك ، يا زهرة ! كيف لي ان اعيش حياةً لستِّ فيها .. من ينظر اليهم من بعيد يشعر بانهم في محطة تقف على مفترق طرق .. يتوادعان كأنهم ذاهبان الى فراق أبدي !
هبط سكون غريب على الحي .. السماء عكرة ، والشمس واهنة .. سجينةً خلف تلال من السحب الداكنة .. تُحدق البيوت المبعثرة على الجانبين ببلادة .. بأبن عمها .. وهو يخرج من بيت صالح ، وبيده سكين يتقطر الدم من نصلها .. الذي يتوهج في وجه الشمس دليل على جريمة ارتُكبت بحق ابرياء ، ملابسه ملطخة بالدم ، وكأنه قد استحم ببركة من دماء ، يكسو وجهه الجامد صمت بارد .. شرراً يتطاير من عينيه ، يقطع الشارع بهدوء ، وكأنه لم يفعل شيئاً .. متوجها الى مركز شرطة الحي لتسليم نفسه ، ينظر اليه الناس مذهولين .. لا احد يجروء على الاقتراب منه ، وهكذا غسل عاره ، وانتقم لشرفه من بنت عمه الخائنة ، وعشيقها !
امتزجت دمائهما معا تحت سماء غاضبة .. هز هذا الخبر سكان الحي ، وبعث الرعب ، والاشمئزاز في قلوب العذارى ، اختلف الناس بين مؤيد ، ومعارض .. وفي الحالتين رحلت زهرة ، ومن كان في بطنها ، وحبيبها صالح .. ضحيةً لعقليات ترفض ان تتجدد ، وتتجاوز محنة الزمن .. وجريمتهم أنهم ارادوا ان يعيشوا حياةً حرة من اختيارهم … لا اكثر !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آخر ظهور للفنان الراحل صلاح السعدني.. شوف قال إيه عن جيل الف


.. الحلقة السابعة لبرنامج على ضفاف المعرفة - لقاء مع الشاعر حسي




.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد