الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
-الطائي- إهداء إلى روح الفنان -حاتم علي-
سوزان العبود
فنانة تشكيلية
(Suzann Elabboud)
2021 / 1 / 19
الادب والفن
"الدنيا لسه بخير إذا في بلد كاملة بتطلع بجنازة فنان"*
201
جالساً على كرسيه الضخم غائراً براحة بين جنباته ناظراً إلى شاشة تلفاز ضخمة غطت جدارا سميكا من أوله إلى آخره مراقباً بثاً مباشراً لآلاف السكان النازحين من مخيم اليرموك متدافعين بمشهد تقشعر له الأبدان، مشهد يشبه يوم الحشر, فيثير الرعب في النفوس, حيث يتدافع البشر كنهر جارف غزير لايتوقف..،صراخ أطفال..، عيون أمهات باكيات..، عويلهن.. ،وكسره الرجال..، كل ذلك كان في لحظة مصيرية عندما أعلن وقف إطلاق النار لتأمين المواد الغذائية للسكان الذين حرمهم منها لشهور .
مراقباً المشهد المهول..، كان يبتسم ابتسامة المنتصر.
202
جالساً على كرسيه المتعفن الضخم غائراً متهالكاً بين جنباته فاغراً فاهه محدقاً في شاشته التي مازالت تغطي الحائط السميك الذي بدأت الشقوق تغزوه، يراقب البث المباشر للجثمان العائد إلى الوطن بعد سنين من النفي، مندهشاً من كل تلك الحشود الضخمة التي خرجت في نعي روح طيبة، وكأنه اتفاق ضمني بين أطياف الشعب لرد الجميل لتلك الروح التي أحست بهم، بآلامهم معاناتهم ، فأحبوها من غير إجبار واجتمعوا حولها في يوم الحقيقة، حقيقة أن الشعب طيب، وأن الطائفية التي ألصقت كصفة فيه كانت قد زرعت فيه زرعاً، ولم تكن من جوهره، فلم يعرف أحد منهم الى أي طائفة ينتمي ذلك الإنسان الفنان، كل ماعرفوه أنهم أحبوه فاجتمعوا بإرادتهم الحرة يطوفوا بجثمانه دمشق ويسقطوا كل الأقنعة، فذلك الرجل الذي كان يوماً طفلاً صغيراً معلقاً على أكتاف خاله يعيش نزوحه الأول من الجولان، فينغرس المشهد الأليم في ثنايا قلبه وروحه ليجَسَدَ كل ذلك الألم في التغريبة الفلسطينية، وتمر السنون ليغدو الطفل رجلاً يعيش كل آلالام التغريبتين .
اللاجئين..، المهجرين..، والمغتربين، تسمروا أمام الشاشات الصغيرة التي باتت تكبر وتكبر وهي تبث مشهد الجثمان محمولاً على الأكتاف وهو يطوف حاجاً في حارات دمشق وأزقتها للمرة الأخيرة مودعاً كل حجرٍ فيها، وكل منهم يتمنى لو كان يطوف شوارعها ولو بكفن.
بكى السوريون أنفسهم، بكوا دمشق المدمرة، وبكوا الطائي المُحِب ثم أنشدوا في وداعه :
نامي إذا يا روحو نامي الآن ...
هي آخر الأحلام نطلقها على عجل ونمضي ...
هي آخر الأيام ... نطويها .. وننحي في سلام ...
نامي إذا يا روحي فقد نفذ الكلام ...
وهناك بعيداً اقتحمت أصوات الشعب نافذة قصره صادحةً :
لا تسل عن سلامــته
روحه فوق راحته
بدلته همومه
كفنا من وســـــادته
هو بالباب واقف
والردى منه خائف
فإهدأي يا عواصف خجلاً من جراءته
صامت
لو تكلما لفظ النار والدما
قل لمن عاب صمته
خلق الحزم أبكما
وأخو الحزم
لم تزل يده تسبق الفما
فاهدأي يا عواصفُ
خجلاً مِن جراءتِهْ
علا الصوت وعلا حتى اخترق أذني الطاغية وكل خلية فيه فانصهر جسده المتعفن مع الكرسي، وتلاشى في صمت.
_____________
* “الدنيا لسه بخير، إذا في بلد كاملة بتطلع بجنازة فنان”
عبارة مقتبسة من عبارة قالها الفنان "خالد تاجا" في أحد مشاهد مسلسل الفصول الأربعة في جزئه الأول، ضمن أحداث حلقة حملت اسم “أصدقاء نزار قباني”، واستعان فيها المخرج "حاتم علي" بمشاهد حقيقية من جنازة "نزار قباني" .
حيث يقول عن جنازة الراحل نزار قباني :
“الدنيا لسه بخير، إذا في بلد كاملة بتطلع بجنازة شاعر”.
وللمفارقة فقد دفن المخرج "حاتم علي" بنفس المقبرة التي دفن فيها الشاعر "نزار قباني" وهي مقبرة "الباب الصغير" وشيعهما الشعب بجنازتين عفويتين مهيبتين.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. فودكاست الميادين| مع الممثل والكاتب والمخرج اللبناني رودني ح
.. كسرة أدهم الشاعر بعد ما فقد أعز أصحابه?? #مليحة
.. أدهم الشاعر يودع زمايله الشهداء في حادث هجوم معبر السلوم الب
.. بعد إيقافه قرر يتفرغ للتمثيل كزبرة يدخل عالم التمثيل بفيلم
.. حديث السوشال | الفنانة -نجوى كرم- تثير الجدل برؤيتها المسيح