الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثانياً: الصحراء والديكتاتورية

فارس تركي محمود

2021 / 1 / 19
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


إن البيئة الصحراوية تندرج ضمن البيئات المثالية لظهور وازدهار الديكتاتورية فكراً وممارسةً ، وذلك لأن الإنسان عندما يعيش في الصحراء تصبح خياراته محدودة جداً أو شبه معدومة ، ففي تلك البيئة القاسية والجافة والقاحلة والعدائية ، وفي تلك البيئة التي تندر فيها أو تقل كثيراً الأماكن الصالحة للعيش كالواحات والمناطق التي توجد فيها الآبار والمياه ومصادر الحياة الأساسية ، لا يبقى أمام الإنسان أي خيار سوى أن يصبح جزء من كيان أكبر وهو القبيلة ينتمي إليه ويذوب فيه تماماً حتى لا يبقى من فرديته شيء ، وهو ليس لديه خيار آخر فالقبيلة هي طوق النجاة الوحيد في البيئة الصحراوية أو شبه الصحراوية ، لذلك كان الخلع أو النفي من القبيلة من أشد العقوبات التي قد يتعرض لها الإنسان في تلك البيئة القاسية . إن ذوبان الفرد في القبيلة تترتب عليه آثار ونتائج كثيرة وخطيرة تؤدي بدورها إلى نتائج أكثر خطورة ليس أقلها انعدام الاستقلالية والمبادرة الفردية ، كذلك يؤدي إلى نشوء النظام الأبوي والخضوع للعقل الجمعي للقبيلة وغرس وتجذير بل وتقديس الطاعة العمياء لشيخ القبيلة وسدنتها ليكون ذلك أساسا متيناً وأرضاً خصبة لظهور الديكتاتورية والحكم الشمولي – ابتداءً من العائلة الصغيرة وصولا إلى أعلى سلطة سياسية - وعدم تحمل المعارضة والرأي المخالف والنقد .
كما إن الصحراء بحد ذاتها تعد دكتاتورا جغرافيا لا مثيل له ، فهي بجفافها وبشمسها الحارقة وبمناخها شديد القسوة وبامتداداتها الرملية اللامتناهية أكبر كاسرة للإرادات لا تعرف سوى أن تملي أوامرها وشروطها ولا يملك ساكنها سوى التسليم والانصياع بدون أن يمتلك أية فرصة للأخذ والرد أو الدخول في نقاش وحوار إيجابي ، وبدون أن تكون له أية قدرة على تغيير ظروف الصحراء أو التقليل من قسوتها ، فالصحراء لا تناقش ولا تحاور بل هي تأمر فحسب . والصحراء تشعر ساكنيها بالعجز التام عن الفعل الإيجابي ولا تقدم لهم أية فرصة أو هامش للمناورة والتساؤل والاعتراض الأمر الذي يساعد على جعل الديكتاتورية سمة أساسية لهم وتجعل السلوك الديكتاتوري شأن يومي معاش وأسلوب حياة بكل تفاصيلها سواء على مستوى العلاقات البينية بين أفراد المجتمع البسطاء أو على مستوى العائلة وعلاقة الرجل بالمرأة وسطوة الأب على باقي أفراد الأسرة وسطوة الزعماء والشيوخ والكهنة ورجال الدين ، مما يؤدي في نهاية الأمر إلى تحويل ساكني الصحراء والبادية إلى كائنات سلبية مستعدة لتلقي الأوامر وتنفيذها ، بل تصبح كائنات لا تستطيع العيش والاستمرار بدون فلسفة الديكتاتورية وبدون وجود الديكتاتور لذلك نرى أن المجتمعات التي تعيش في ظروف صحراوية أو ظروف مشابهة لها ما أن تزول عنها الديكتاتورية - لسبب أو لآخر – حتى تدخل عالم الفوضى والتمزق والصراعات والاقتتال وتبدأ بالتوسل والتضرع من أجل ظهور ديكتاتور جديد يضبط تفاعلاتها ويقوم اعوجاجها ويضمن بقائها واستمرارها . إن الصحراء تقدم دعماً منقطع النظير لسمة الديكتاتورية التي تتميز بها المجتمعات البدائية بحيث أن هذه السمة تزداد قوةً ورسوخاً في بنية المجتمعات الصحراوية وتكتسح أي فكرٍ معادٍ لها أو أية محاولة لتغييرها واستبدالها .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي