الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة المعادلاتية و تحليل الجمال

حسن عجمي

2021 / 1 / 20
الادب والفن


الجمال إنتاج استحسان المعاني و انتظامها. من هذا المنطلق ، تعتبر الفلسفة المعادلاتية أنَّ الجمال معادلة رياضية مفادها التالي : الجمال = استحسان المعاني × انتظام المعاني. من فضائل معادلة الجمال توحيدها بين النموذجيْن الفلسفيين الأساسيين المتنافسين فحلّ الإشكال الفكري حيال تحليل الجمال.

ثمة نموذج فلسفي يصرّ على أنَّ الجمال صفة ذاتية معتمدة في وجودها و تكوّنها على الإنسان و نسبية تختلف من فرد إلى آخر أو ثقافة إلى أخرى بينما نموذج فلسفي آخر يؤكِّد على أنَّ الجمال صفة موضوعية في الكون و ظواهره و غير ذاتية أي غير معتمدة في وجودها على الذات البشرية وبذلك ليست نسبية. لكن معادلة الجمال توحِّد بين هذيْن النموذجيْن المتصارعيْن فتحلّ الإشكال الفلسفي بينهما وبذلك تكتسب هذه الفضيلة الجوهرية ما يدلّ على نجاحها فصدقها. فبما أنَّ الجمال = استحسان المعاني × انتظام المعاني ، و استحسان المعاني يعتمد على الذات البشرية فيختلف من فرد إلى آخر و من ثقافة إلى أخرى لأنَّ الاستحسان شعور بشري ، إذن الجمال صفة ذاتية معتمدة على الإنسان وبذلك الجمال صفة نسبية تختلف بين الأفراد والثقافات. هكذا تتضمن معادلة الجمال النموذج الفلسفي الأول حيال الجمال. و بما أنَّ الجمال = استحسان المعاني × انتظام المعاني ، و تنتظم المعاني بانتظام مدلولاتها أي بانتظام الظواهر في الكون أو الأكوان الممكنة التي تدل عليها المعاني ، إذن الجمال صفة موضوعية في الكون أو الأكوان الممكنة التي من ضمنها عالَمنا الواقعي و بذلك الجمال ليس نسبياً من منطلق هذه الحيثية. من هنا ، تتضمن معادلة الجمال النموذج الفلسفي الثاني حيال الجمال تماماً كما تتضمن النموذج الفلسفي الأول. وبذلك توحِّد معادلة الجمال بين هذيْن النموذجيْن المتنافسيْن.

إن كان الجمال = استحسان المعاني × انتظام المعاني ، و علماً بأنَّ الاستحسان مرتبط بالشعور بينما انتظام المعاني كانسجامها المنطقي والعقلاني مرتبط بالعقل ، إذن الجمال مرتبط بالشعور و العقل و معتمد في وجوده و تكوّنه على العقل و المشاعر في آن. من هنا ، تنجح معادلة الجمال في التعبير عن الارتباط الضروري بين الجمال من جهة و العقل و المشاعر من جهة أخرى. و بذلك تكتسب معادلة الجمال هذه القدرة التعبيرية الناجحة ما يعزِّز صدقها.

بالإضافة إلى ذلك ، إذا كان الجمال = استحسان المعاني × انتظام المعاني ، و لا استحسان و لا انتظام بلا انسجام لأنَّ غير المنسجم غير منتظم و غير مستحسن ، إذن الجمال يتضمن بالضرورة الانسجام كانسجام المعاني و صُوَرها. هكذا تنجح معادلة الجمال في التعبير عن أنَّ الجمال يتضمن بالضرورة الانسجام وبذلك تكتسب هذه الفضيلة الأساسية ما يدعم مقبوليتها.

إن كان الجمال = استحسان المعاني × انتظام المعاني ، فحينئذٍ يزداد الجمال و يرتقي بتعدّد المعاني و ارتقائها. هكذا تنجح معادلة الجمال أيضاً في تفسير لماذا يرتقي الجمال بارتقاء المعاني المُعبَّر عنها فيما هو جميل. وبذلك تكتسب معادلة الجمال هذه القدرة التفسيرية ما يدلّ على صدق معادلة الجمال و تفوّقها. فالجمال مرتبط بالمعنى و ارتقائه لأنَّ الجمال = استحسان المعاني × انتظام المعاني. و لكن لا معنى بلا صورة مُعبِّرة عن المعنى و إلا أصبح المعنى غير مُعبَّر عنه لاستحالته أو تناقضه. من هنا ، يرتقي الجمال بارتقاء الصُوَر المُعبِّرة عنه تماماً كما يرتقي بمعانيه. هكذا تنجح معادلة الجمال في التعبير عن ارتباط الجمال بالمعنى و الصورة معاً.

إذا كان الجمال = استحسان المعاني × انتظام المعاني ، و العِلم مُنتظِم المعاني و معانيه مستحسنة لانتظامها بفضل انسجام العِلم و قدراته التحليلية و التفسيرية المعتمدة على تصوير الكون بشكل ٍ منتظم و عقلاني ، فحينها من المتوقع أن يتصف العِلم بالجمال. من هنا ، تنجح معادلة الجمال في تفسير جمالية العِلم و الأفكار المنتظمة المعاني ما يجعلها تمتلك هذه القدرة التفسيرية الكبرى ما يشير بدوره إلى نجاحها و صدق مضمونها.

الكون جميل لأنه مُنتظِم المعاني من خلال انتظام ظواهره بعلاقات سببية و رياضية ما يحتِّم انسجامه فيتجلّى جماله. و العقل جميل بانتظام معانيه فمعتقداته. الكون جميل بانتظام ظواهره و معانيها و العقل جميل بانتظام معانيه لأنَّ الجمال انتظام المعاني و استحسانها تماماً كما تؤكِّد معادلة الجمال.

الآداب و الفنون جميلة لأنَّ معانيها منتظمة و مستحسنة. إن كانت معاني العمل الأدبي أو الفني غير منتظمة فغير مستحسنة كأن تكون غير منسجمة مع ذاتها فتكون بذلك متناقضة فحينها يمسي العمل الأدبي أو الفني قبيحاً من جراء قبح اللامنسجم و المتناقض. لذلك الجمال يستلزم انتظام المعاني فاستحسانها. و بما أنَّ الجمال = استحسان المعاني × انتظام المعاني ، إذن من المتوقع أن تكون الآداب و الفنون جميلة بانتظام معانيها و استحسانها ما يُفسِّر لماذا الأديب أو الفنان يصوغ عمله الإبداعي على ضوء انتظام المعاني كانسجامها فاستحسانها. هكذا معادلة الجمال تصوِّر بنجاح كيفية بناء العمل الإبداعي المُتصِف بالجمال من خلال مضمونها القائل بأنَّ الجمال = استحسان المعاني × انتظامها ما يدلّ مجدّداً على صدق معادلة الجمال و تفوّقها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية


.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-




.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ


.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ




.. كيف أصبحت المأكولات الأرمنيّة جزءًا من ثقافة المطبخ اللبناني