الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موعد مع اليأس … ! ( قصة قصيرة )

جلال الاسدي
(Jalal Al_asady)

2021 / 1 / 20
الادب والفن


سلوى … امرأة ناضجة ومثقفة .. تتعثر في العقد الرابع من عمرها ، تذوب خلف تراكم الأيام والسنين ، والزمن يمر ، ولا يتوقف .. لم تأتها فرصة تراها مناسبة للزواج ، فهي تؤمن بان الحب هو الاساس في اختيار الزوج ، وليس شيئاً آخر .. تقدم لها اكثر من رجل ، ولم تجد فيهم ضالتها المنشودة حتى بدءت أخيراً تقلق ، وتشعر بحاجتها الى رجل وزوج ، والى الحنين الطبيعي لتكوين أُسرة .. !
كانت الايام تمر ببطء ، وملل قاتلين ، كل يوم يمر ينتزع من عزيمتها املاً ، حتى ناء قلبها عن حمل احلامها البسيطة كما تفعل بقية النساء .. في عملها الوظيفي تشتغل كالآلة حتى تبدو لمن يراها بان الشغل هو همها الاول والاخير ، لكن الحقيقة عكس ذلك ، فهو ليس سوى ملاذٍ آمن للهروب من هواجسها التي باتت تسبب لها حرجا بين اهلها ، وزملائها حتى اصبحت على وشك ان تتشرف بلقب العانس ، وتتحول الى مجرد جسد جميل .. لا يُنجب ، ولا يُشارك في صنع الحياة !
سحابةٌ راحلة تحمل معها زخات من مطر انزلتها كلها بشكل مفاجئ ، اخذ الناس في الشوارع يتراكضون ، ومنهم من كان يتقافز فوق برك ماء صغيرة متفادياً البلل ، ومنهم من يهرب الى اقرب ملجأ يحميه من دموع هذه السحابة الضالة …
فجأةً وقف امامها رجل كأنه عصفور مبلل ، يبدو في نهاية الاربعين ، وبداية الخمسين حسب تقديراتها ، تُميزه قامة طويلة .. وسيم ، تغزو رأسه شعيرات بيضاء يتركز اكثرها في سوالفه ، يبدو عليه الهدوء والوقار .. يلقى عليها ، وعلى المكان نظرة غير محددة …
صباح الخير .. هل أبو عصام موجود ؟ ثبتت عليه عينيها ، ولم ترد .. تنحنح ثم كرر ما قال متصوراً انها لم تسمعه .. افاقت من ذهولها : من نقول له ؟ دكتور كامل من فضلك .. قامت من مكانها بعد ان طلبت من الضيف ان يستريح .. دخلت على المدير ، واخبرته بالاسم ، بدا الحماس واضحاً على وجهه ، وطلب منها ان تدخله فوراً .. تلكأت قبل اغلاق الباب لترى مدى العلاقة التي تربط هذا الرجل بالمدير ، تعانقا بحرارة ، ثم اغلقت الباب بهدوء .. !
يقولون بان الحب ومضة قادمة من لا مكان تخطف فجأةً ، وعلى غير ميعاد .. فاجأها شعور غريب بث فيها الامل ، هل حانت تلك اللحظة التي ياما انتظرتها طوال حياتها ؟ هل يمكن ان يكون هذا هو الرجل الموعود ؟ خرج الاثنان بعد نصف ساعة ، والحديث موصول بينهما .. حرصت الا تتقابل مع عينيه في نظرة طويلة رغم احساسها بانه كان يسدد اليها نظرات خاطفة .. لا تدري أفيها اهتمام ، ام مجرد فضول ؟!
وفي تلك الليلة لم يطرق النوم جفونها رغم حاجتها اليه ، ظلت تتقلب في فراشها ، وصورته المضحكة ، وهو مبلل تغازلها ، تضحك تارةً ، وأخرى تدفعها الى الاستغراق في تفكير عميق ، اكيد انه متزوج ، وربما عنده نصف دستة اطفال .. يا ربي !
وفي اليوم التالي تاخرت الشمس كثيرا قبل ان تتمكن من تجفيف الشوارع ، ويعود للمدينة رونقها القديم .. واصلت اعمال يومها في انهماك ملحوظ كأنها تدفن همومها فيه ، و تهرب من نفسها ، ومن مواجهة مخاوفها ، ومن هذا الاحساس الجديد الذي بدء يغزو كل كيانها …
تمر الايام متكاسلةً ، وهي تمارس طقس الانتظار الممل على أمل ان يأتي ثانيةً .. لم يظهر .. حتى اصابها الانهاك من التفكير ، والترقب .. احست ان كل شئ بدء يتبدل نحو نوع جديد غير متوقع من الحياة ، هل هو ايجابي ؟ هل هو سلبي ؟ لا تدري .. هل ستكون ضحية حب من طرف واحد ، وهو اشد انواع الحب عند المرأة ألماً ، واتعسها .. ؟ لا تعتقد ان كبريائها الانثوي سيتحمله .. بدءت تشعر بآثار العذاب على وجهها ، وعلى نفسيتها ، وحتى على شهيتها للعمل .. هل بدءت تبني قصورًا في الهواء من جحيم مخيلتها الملتهب على رجل لم يبدو عليه اي اهتمام حقيقي ، ام هي عقدة البحث عن زوج تشكلت عندها دون ان تشعر اسوة بالمتأخرات عن الزواج .. أم انه خوفها الكامن من ان تتحول يوماً الى مجرد تحفة منسية.. مركونة على رف يغطيه غبار الزمن ؟!
كان الهدوء ، والصمت يسودان المكان عندما مزقهما صوته الذي كانت بقايا ذبذباته مازالت عالقةً في ذهنها ، رفعت رأسها فوجدته امامها كأنه قدر ، غاص قلبها في هاوية ، ولم يكف عن الخفقان كأنه تحول الى بركان يتهيأ للثورة .. يبدو هذه المرة اكثر روعة ، نموذج رائع للرجل الذي كانت تنحت رسمه في مخيلتها ، آه كم احست بالذوبان ، وهي تستنشق عطره الرجالي الطيب .. استقبلته هذه المرة بحرارة ، وبابتسامة ودود وصادقة ، وطلبت منه ان يستريح لان المدير غير موجود ، وعودته لن تطول …
جلس مقابلها ، وهو يقلب نظره في المكان ثم استراح على وجهها الذي يبدو منهمكاً في العمل : مدينتكم صغيرة ، ومكتظة .. وكأنها ستطبق عليَّ بضلوعها ، وتخنق انفاسي ! ثم أكمل ملاحظته : متهالكة .. تنتظر من يطلق عليها رصاصة الرحمة !
الى هذا الحد .. ! اجابته دون ان ترفع رأسها مما هي فيه متظاهرةً بالعمل ، واللامبالاة : هل تعيش في مدينة أوسع ؟ نيويورك .. اجابها مباشرةً ، وبفتور وهو يعود الى تقليب نظره في المكان …
لقد اعتدنا عليها ، اجابت باستسلام : تبدين مشغولة ! وكأنه يوجه لها نقداً لاهمالها اياه .. رفعت رأسها كألمعتذرة ، وهي تكشف عن شفاه اعتادت ان تحمل نصف ابتسامة ، ثم حدّثها عن عمله في الامم المتحدة ، وانه كثير الترحال ، واليوم هو في مهمة قصيرة شارفت على الانتهاء ، وقد جاء لتوديع ابو عصام قبل السفر .. !
فتحت أُذنيها كأنها تتشرب رنين كلماته الاخيرة حتى آخر همسة .. بدء قلبها يشتعل نارا تحت وطأة كلماته الصادمة ، واللامبالية .. مرَّ على بالها صورة السياسي ، والدبلوماسي العبوس ، واللامبالي ، وتسائلت : هل انا على موعد مع هذا العذاب ؟ هل هذا هو الحب الذي كنت أنتظر ، ام هي لحظة من الشجن العابر ؟! هل مشاعري تجاه هذا الرجل حقيقية ام ان أُمنياتي الدفينة هي التي صنعت هذا الوهم ؟ وهل هو حقا من كنت انتظر ام مجرد كيان يتشكل امامي كي يمنحني الامل ، والقدرة على الامساك بالحياة ، وعدم السقوط في عتمة اليأس ؟
تاخر ابو عصام … قالها قاطعاً عليها تأملاتها ، وهو يذكر كعادته منذ ان جاء اسم المدير دون القاب .. اتصل المدير للاطمئنان على سير العمل ، وطلب منها ان تأخذ الدكتور في جولة في المدينة لانه سيتأخر ، واحتمال لن يأتي ، واوصاها ان تعتذر منه .. !
وعندما اخبرته برغبة المدير في ان تأخذه الى جولة في المدينة ، كانت الصدمة الغير متوقعة ، اعتذر وقال انه لا يريد ان يأخذ من وقتها اكثر مما أخذ ، وانه في عجلةٍ من أمره .. انتظر قليلا حتى تستقر كلماته في وعيها المشتت .. ثم نهض .. سمعت الباب يُغلق بهدوء ، فساد صمت .. تحولت فيه الغرفة الى كهف مظلم .. !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه


.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما




.. فنان بولندي يعيد تصميم إعلانات لشركات تدعم إسرائيل لنصرة غزة


.. أكشن ولا كوميدي والست النكدية ولا اللي دمها تقيل؟.. ردود غير




.. الفنان الراحل صلاح السعدنى.. تاريخ طويل من الإبداع