الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية لم يكن مجرد -هبو- وفاء عمران محامدة

رائد الحواري

2021 / 1 / 20
الادب والفن


قلة من كتبوا في مجال أدب الخيال العلمي، وغالبية من كتبوا توجهوا نحو الأطفال والناشئة، مثل الأديب السوري طالب عمران، والفلسطيني سعادة أبو عراق، لكن هناك من حاولوا أن يطرقوا هذا الباب مثل "شيراز عناب" في رواية "الرحيل إلى كوكب إسجارديا" اعتقد هذا ما تحتفظ به ذاكرتي حول أدب الخيال العلمي.
تأتي رواية وفاء عمران "لم يكن مجرد "هبو" ضمن محاولة اختراق هذا الامتناع عن الكتابة في أدبي الخيال العلمي، واعتقد أنها نجحت بصورة لافتة، حيث استطاعت أن تبني رواية متسلسلة، تعتمد على عنصر التشويق، وعلى المخزون العلمي الذي تمتلكه، بحيث لا يجد المتلقي هفوات علمية في الرواية، وبما انها تمتلك ملكية الكتابة الأدبية، فقد استطاعت أن تقدم مادة علمية بصورة أدبية، وإذا اضفنا إلى ما سبق طريقة تقديم الأحداث والتي كانت قريبة من الرواية البوليسية، يمكننا القول أننا امام عمل روائي يستحق التوقف عنده، وعند الشكل الذي قدم فيه.
تبدأ الرواية في تناول حالة الخراب الجغرافي والسكاني الذي أصاب الأرض، فساردة تقدم معلومات حول خراب الأرض وعن تراجعها العلمي، حتى أنها تعيد القارئ إلى عصر بداية الحضارة البشرية: "..مكث على الطريق مدة أربعة ايام وهو يمتطي حصانه... قطع مسافات طويلة بين الغابات والمباني المهجورة منذ مئات الأعوام والمخضرة من الطحالب الناشئة عليها والنباتات المتسلقة" ص2، ما يحسب لطريقة السرد أنها تبتعد عن المباشرة، وتجعل القارئ يستنتج بنفسه أن هناك خللا حدث على الأرض، فهذ الصورة تجعله يتوقف عند الزمن، وعند التغيير السلبي الذي حصل، متسائلا: أين ذهبت المركبات والطائرات والقطارات والبواخر؟، وهذا بحد ذاته عامل تشويق له، ويدفعه للبحث عن التفاصيل، ففاتحة الرواية جاءت مثيرة ومحفزة على الدخول إلى متنها لمعرفة ما حدث على الأرض.
لم تقتصر التغييرات على فقدان وسائل المواصلات، بل تعداها إلى وسائل إعداد الطعام: "...كان يعد لنفسه إبريقا من الشاي على نار أشعلها من بعض الأخشاب الرقيقة الجافة" ص3، بعد هذا الإثارة تقدمنا الساردة من سبب هذه التغييرات: "...أخبره أبوه من قبل إن حربا كبيرة اندلعت بين الدول العظمى وتم إلقاء القنابل الكهرومغناطيسية على الدول ومعها فقد كل شيء" ص5، ففكرة الحرب وما تحمله من هلاك وقتل وفقدان، تجعل المتلقي يقف ضدها، وهذا يحسب لسرد الرواية الذي حمل فكرة معارضة الحرب ومناهضتها وقدمه للقارئ بطريقة غير مباشرة.
يبدأ الحوار بين الضابط "سامي" ومعاونه "خالد" ومن خلال الحوار يحصل القارئ على مزيد من المعلومات حول حجم الخراب الذي حدث على الأرض بسبب الحرب: "ـ سمعت عن الغاز، اختفى من الأرض، جفت كل الحقول عام 2200م، لم يبقى منه شيء" ص6، فالخراب طال كل ما هو موجود على وفي الأرض، البشر والنبات والحيوان مصادر الطاقة: "...لقد عادت تنمو نبتة القهوة عام 2400م، أي بعد 100 عام على الحرب المدمرة للأرض" ص24، التركيز على الزمن في العديد من الحوارات والمشاهد، يحرر القارئ من (حصر) ما يجري من أحداث بزمنه/بعصره، وهذا ساهم في تحرير عقل المتلقي من (تقيد) المعلومات والأحداث وجعلها أسيرة لما يعرفه/يعلمه.
أما ما يتعلق بالأحداث الخيالية فهناك "الإنسان الآلي "تشاكي" الذي صنعه "هبو" ووضع فيه خلاصة التطور العلمي والتكنولوجيا البشرية: "...وتم إنتاج الكثير من روبوتات تشاكي التجارية، حيث بدأت تباع بالمحلات العادية، ...حيث عملت روبورتات تشاكي على القيام بجميع الأعمال المنزلية وزراعة الحدائق وأيضا العناية بالأطفال رغم أنهم كانوا نادرين وقتها" ص67، أما "هبو" فقد صنعة العالمة "نورا" التي خُدعت بفكرة المؤسسة العلمية، مما جعلها أسيرة/سجينة فيها،/ لهذا قررت أن تصنع "هبو" بحيث تتحكم فيه لوحدها، وهي فقط من يعلم (سره) وقدراته.
لكن بعد رحيلها أخذ "هبو" يقوم بالأعمال نيابة عنها، فقد صممته ليكون قادرا العمل والاختراع، "هبو" يبرئ نفسه مما جرى على الأرض بقوله: "من يتحمل الإثم ليس الآلات، الآلات لا تعقل، من يتحمل الإثم هم البشر، لذلك لا تلمني، لا يمكنك لوم السكين إن قطعت بها حقيبتك المفضلة بل اللوم على الشخص الذي فعل" ص112.
وهناك مشهد يتحدث عن الأرض الجديدة يؤكد على أن البشر بطبيعتهم مجرمين: "...قدرة منذر على اصلاح بعض اعطال ربوتات تشاكي ...لقد كان مايكل من سلالة بشرية بيضاء، شعر بالغيرة الشديدة من منذر، ...ومع مرور الأيام تغذى الحقد لديه حتى قرر ذات يوم أن يتخلص من منذر، انتظر خروجه إلى إحدى المزارع ثم نهال عليه بعصا غليظة حتى فارق الحياة، تركه ينزف ثم اتهمت الربوتات بتلك الجريمة" ص121، وهذا يعيدنا إلى بداية خلق الإنسان على الأرض وكيف قتل ابن آدم أخاه، فالرواية تعيدنا إلى بدايات الخليقة، وإلى الجريمة الأولى والكبرى التي حدثت، فالقصة تجرم البشر وتبرئ الآلة.
واللافت في هذه القصة أنها جعلت القاتل/المجرم من عين الفئة "البيضاء" التي خربت الأرض وقتلت سكانها، بمعنى آخر، أن الساردة تحمل العرق الأبيض ما جرى على الأرض من خراب وقتل.
والجميل في قصة "منذر ومايكل" أنها اعتمد على عين الخلاف بين الأخوين "قابيل وهابيل" الغيرة والحسد، فكان مايكل يغار من "منذر" ويحسده.
واللافت في الرواية أنها لا تتناول الدين بأية حال من الأحوال، فكانت متحررة من تحديد دين بعينه، وهذا منحها بعدا إنسانيا شاملا، فهي غير متعلقة بشعب، بأمة بعينها، والفقرة الوحيدة التي جاء فيها ذكر لله، كانت بهذا الشكل: "...وسار سامي من جديد بين الحقول وهو يشعر بالراحة، ويبتسم ويحي من بقلي عليه السلام والشمس الساطعة مشرقة فوق رأسه والهواء عليل، سحبا نفسا قويا وتوجه بالشكر إلى الله" ص128، وهذا ما يجعلنا نقول ان سرد الرواية وطريقة تقديمه كان منسجما مع فكرة الخيال العالمي.
ورغم أن الساردة تركز على شخصيات في المنطقة العربية من خلال الأسماء، إلا أنها اعطت شخصيات من مناطق أخرى دورا، وهذا ما جعل الرواية تأخذا بعدا عالميا، غير متعلق بمكان أو بأمة/بشعب معين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا