الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ميخائيل باكونين (1814 – 1876 )

غازي الصوراني
مفكر وباحث فلسطيني

2021 / 1 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



"ثوري روسي، أرستقراطي المولد، مؤسس أيديولوجية المذهب الفوضوي"([1])، المُنَظِّر الرئيسي للشعبية الفوضوية، شارك في عامي 1848 و 1849 في الانتفاضات الشعبية في براغ ودرسدن، وبعد تسليمه إلى حكومة روسيا سُجِنَ في قلعتي بتروبافلوفسكايا وشيليسبور غسكايا، حيث كتب "الاعتراف"، الموجه إلى نيكولاي الأول، والذي يُعَبِّر فيه عن "توبته" عن ضلالاته، وكتب بعد ذلك رسالة إلى الكساندر الثاني من سبيريا (حيث نفي مدى الحياة) يتوسل فيها الرحمة، لكنه هرب عام 1861 من المنفى السيبيري، وعمل في مجلة غير تسين "كولوكول" (الجرس) ثم انتقل عام 1864 إلى إيطاليا، حيث أخذ في تشكيل المنظمات الفوضوية، التي جمعها، عام 1868، في "التحالف الدولي للديمقراطية الاشتراكية".
بدأ باكونين بعد انضمامه إلى الأممية الأولى، صراعا قاسياً ضد ماركس وانجلس وأنصارهما، معارضا الماركسية بالفوضوية مما كان سبباً في فصله من الأممية عام 1872 "([2])، كما انتقده ورفض أفكاره ماركس وانجلز ثم من بعدهما لينين.
كان "باكونين من أبرز إيديولوجيي الفوضوية الدولية، عرض أفكاره الفوضوية، بشكل رئيسي، في مؤلفيه "الدولة والفوضى" (1873)، و"الفيدرالية والاشتراكية والالحاد"، كانت الفوضوية كتيار اجتماعي، إيديولوجية الطبقات البرجوازية الصغيرة وحثالة البروليتاريا  التي كانت تعاني من تعزز سلطة الرأسمالية الكبير، وتبحث عن مخرج من وضعها المتردي في التمردات العفوية وتحطيم الدولة، لم يدرك باكونين وأتباعه في روسيا وفي الغرب، القيمة التاريخية للصناعة الضخمة، وللبروليتاريا الصناعية، في تهيئة الظروف للثورة الاشتراكية المظفرة، وهو، في هجومه على الدولة البرجوازية ومطالبته بتحطيمها، ينفي، بشكل قاطع، امكانية اقامة البروليتاريا لدولتها الخاصة، وامكانية استخدام هذه الدولة، والمحافظة عليها، من أجل سحق مقاومة الطبقات المخلوعة، وبناء الاشتراكية".
رفض باكونين فكرة الدولة من حيث المبدأ، "فالدولة عنده -مهما كان نظامها السياسي– هي دولة لحراسة الرجعية، تقمع الفرد وتضطهد الجماهير الشعبية، وتعادي الكادحين، ولذا كان لابد من تحطيم آلة الدولة اذا أردنا تحرير الجماهير من الاستغلال والاستعباد والعنف، كما يطابق باكونين بين دكتاتورية البروليتاريا وبين سيطرة الاقلية المثقفة وتَحَكُّمها بمجمل الكادحين، فقد كان باكونين "يتصور الثورة الاجتماعية على شكل تمرد عالمي، تقوم به الجماهير المسحوقة من الفلاحين واللومبن – بروليتاريا، هذه الثورة يجب أن تبدأ، أولاً، في أقطار مثل روسيا وايطاليا واسبانيا وبلدان أمريكااللاتينية، حيث لا تغلب البروليتاريا الصناعية، بل أفقر الجماهير الفلاحية والعمال اليدويين، وقد ترافقت لديه الدعوة إلى الثورة الاجتماعية مع الغض من قيمة الثورات السياسية والتحريض السياسي، كان يرى أن الشعب قد نضج للانتفاضة، وبالتالي، فإن مهمة الثوري ليست في الدعاية، بل في "تنظيم تمرد شعبي عام" وبث "التيار الحي للفكرة الثورية، والإرادة والعمل" في المشاعيات، وكان باكونين يرى أن المشاعيات المتحررة يجب أن تنظم على أساس الفيدرالية والتسيير الذاتي"([3]).
لقد "سار تطور باكونين الفلسفي في منحى بالغ التعقيد، ففي الثلاثينيات كان هيجلياً متعصباً، وفي الأربعينيات أصبح هيجليا يساريا، وفي الستينيات والسبعينيات ظهر – ولو ببعض التردد – كداعية للمادة والالحاد، عرض أفكاره الفلسفية، في المرحلة الأخيرة، في مؤلفاته "الامبراطورية الكنوتية – الألمانية" و "معارضة اللاهوت" و "الله والدولة". في هذه المؤلفات ينتقد باكونين بحدة المذاهب المثالية واللاهوتية، والكنيسة والصوفية والغيبية، ويعتبر الاله "فراغا مطلقا"، و"تجريدا ميتا"، و "عدما" ، ويعتبر الكنيسة خادمة لدولة المستبدين العالم، عنده، ازلي، غير مخلوق لاحد، وكل ما فيه من أحياء – من أبسط النباتات وحتى الانسان وعالمه الروحي – إنما هي وليدة العالم المادي، خلال عملية الارتقاء الطويلة""([4]).
كتب باكونين، في معرض دفاعه عن المادية يقول: "المادية تنطلق من الحيوانية لتقيم الانسانية؛ أما المثالية فتنطلق من الالوهية لكي تقيم العبودية، وتحكم على الجماهير بالحيوانية، التي لا مخرج منها، المادية تنفي الإرادة الحرة وتصل إلى إقامة الحرية؛ أما المثالية فتدعو، باسم الكرامة الإنسانية، إلى الإرادة الحرة وتقيم سلطتها على أنقاض كل حرية، المادية ترفض مبدأ السلطة، لأنها تعتبرها، ومعها كل الحق، نتاجا للحيوانية، ولأن سيادة الانسانية – التي تشكل عند الماديين هدف التاريخي ومغزاه الرئيسي – لا تتحقق إلا في ظل الحرية، وبكلمة واحدة، نستطيع، في أية قضية، تكذيب المثاليين في التحقيق العملي للمادية، في حين نرى الماديين، على العكس من ذلك، يتبنون، ويحققون، اعمق وأنبل التطلعات والأفكار"([5]).
"انتشرت آراء باكونين الفوضوية في سبعينات القرن التاسع عشر بين الشعبويين الثوريين في روسيا وايطاليا واسبانيا""([6]).
وعن نفسه قال باكونين بأنه "يؤمن بـ"المادية الاقتصادية" لدى ماركس وانجلس، وبموضوعتهما القائلة بأن الوجود الاجتماعي يحدد الوعي الاجتماعي.
إلا أن "من الخطأ اعتبار باكونين فيلسوفا ماديا تاريخياً، لأنه فهم هذه الموضوعة بروح الاقتصادية العامية، إذ استخلص الأفكار، مباشرة، من اقتصاد المجتمع، كما أنه لا يعتبر الإنسان جملة من العلاقات الاجتماعية، بل "تجلياً أسمى للبداية الحيوانية"، وكان باكونين، في كثير من الحالات، ينسى "المادية الاقتصادية" ليعطي الدور المحدد في التقدم التاريخي لـ"الحيوانية الإنسانية"، و"الفكر"، و"التمرد"، ولم يتخذ موقفا انتقاديا من تعاليم الماديين العاميين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وبالغ في تقدير الفلسفة الوضعية، دون أن يلاحظ طابعها المثالي"([7]).
 


([1]) م. روزنتال و ب. يودين -  الموسوعة الفلسفية – دار الطليعة – بيروت – ط1 اكتوبر 1974 – ص 75
([2])جماعة من الأساتذة السوفيات –  موجز تاريخ الفلسفة -  تعريب: توفيق ابراهيم سلوم –دار الفارابي – طبعة ثالثة (1979 م)– ص 544
([3]) المرجع نفسه - ص 545 / 546
([4]) المرجع نفسه - ص 547
([5]) المرجع نفسه - ص 547
([6]) م. روزنتال و ب. يودين -  مرجع سبق ذكره - الموسوعة الفلسفية – ص75
([7]) جماعة من الأساتذة السوفيات -  مرجع سبق ذكره - موجز تاريخ الفلسفة - ص 548








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الاشتراكية بلا حرية عبودية
منير كريم ( 2021 / 1 / 21 - 15:56 )
تحية للاستاذ
الماركسية واللاسلطوية والبلانكية كونت مايعرف بالاشتراكية الثورية التي اعقبت الاشتراكية الخبالية , والاشتراكية الثورية تلاشت وتتلاشى
الا ان مقولة هامة لباكونين في وصفه اشتراكية ماركس قال (الاشتراكية بلا حرية عبودية ) وقد تحققت هذه المقولة فعلا حينما تاسست النظم الشيوعية في القرن العشرين
شكرا لك

اخر الافلام

.. التصعيد بين إيران وإسرائيل .. ما هي الارتدادات في غزة؟ |#غرف


.. وزراء خارجية دول مجموعة الـ7 يدعون إلى خفض التصعيد في الشرق




.. كاميرا مراقبة توثق لحظة استشهاد طفل برصاص الاحتلال في طولكرم


.. شهداء بينهم قائد بسرايا القدس إثر اقتحام قوات الاحتلال شرق ط




.. دكتور أردني يبكي خلال حديثه عن واقع المصابين في قطاع غزة