الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المغرب من عبد الكريم إلى سعيدة

الطاهر المعز

2021 / 1 / 21
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


المغرب، محطات تاريخية، على خُطى عبد الكريم وسعيدة

الجزء الرابع والجزء الخامس (بعض مظاهر الوضع الإقتصادي)


4
بعض سِمات الوضع الإقتصادي بالمغرب:
بعد غزو الصحراء الغربية، سنة 1975 (إثر اتفاق مع إسبانيا، القوة الإستعمارية التي كانت تحتل الصحراء)، أصبح المغرب من كبار منتجي الفوسفات في العالم، مع ثروة سمكية هامة، تستغلها سفن الإتحاد الأوروبي، ولكنه لا ينتج نفطًا، بل يستورده من الخارج، وكان يتلقّى بعضَ الفُتات من الأُسَر الحاكمة في الخليج، وأدّت أزمة 2008/2009، ثم انخفاض أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية، وبالتالي انخفاض إيرادات دُويلات الخليج، إلى انخفاض “المِنَح” والإستثمارات والقُرُوض الخليجية، فتأثّر الإقتصاد المغربي سَلْبًا، ومع انخفاض إيرادات السياحة وتحويلات العُمال المهاجرين والاستثمارات الأجنبية المباشرة، لجأت الحُكومات المتعاقبة للإقتراض من صندوق النقد الدّولي، ومن الدّائنين الآخرين، الذين اشترطوا تطبيق سياسات التّقشّف وتعميم العمل الهش، وخَفْض الإنفاق العُمومي وخصخصة القطاع العام، واندماج كافة القطاعات في اقتصاد السّوق، فزادت حِدّة البطالة والفَقْر، وارتفع حجم المديونية العمومية (الديون الداخلية والخارجية) إلى 84% من الناتج المحلي الإجمالي للمغرب، سنة 2018، بحسب المصرف المركزي المغربي، وحصلت حكومة المغرب على قرض ائتماني، بقيمة ثلاثة مليارات دولارا، أو ما يعادل 3% من حجم الناتج المحلي الإجمالي، البالغ حوالي مائة مليار دولارا، بنهاية الرّبع الأول من سنة 2020 وعلى قُرُوض أخرى من البنك العالمي ومن أطراف أخرى، في بداية الرّبع الثاني من سنة 2020، لتصل قيمة الدُيُون التي اقترضتها الدولة، خلال النصف الأول من سنة 2020، إلى حوالي 4,2 مليارات دولارا، وقُدّرت قيمة “خدمة الدَّيْن” في المغرب بما يعادل عشرة أضعاف ميزانية الصّحّة، واصبحت الدّيون وسيلة لتوسيع نفوذ وهيمنة الدّول الإمبريالية (أمريكا الشمالية والإتحاد الأوروبي بشكل خاص) ومصارفها وشركاتها، عبر مُؤسسات “بريتن وودز”، وعبر فَرْض شُرُوط وقواعد منظمة التجارة العالمية، مثل “حقوق المِلْكِيّة الفِكْرِيّة” التي رفَعَتْ أسعار الأدوية بمعدّل 25%، في بعض البلدان الفقيرة، ومن بينها المغرب، ما حَرَمَ الفُقراء من الرعاية الصحية، ومثل “تحرير” كافة القطاعات بما فيها تجارة التجزئة والفلاحة، حيث تُقدّم الدُّول الإمبريالية (أمريكا الشمالية واليابان والإتحاد الأوروبي، وأستراليا…) دَعْمًا هامًّا لقطاع الزراعات الكبرى وتربية الماشية واللحوم ومشتقات الألبان، مقابل التّأكيد على مَنْع دول “الجنوب” من حماية اقتصادها، ومن تقديم أي دَعْمٍ للقطاعات الإستراتيجية، كالزراعة، ويأتي هذا التّحريم عبر منظمة التجارة العالمية، أو عبر اتفاقيات “الشّراكة” الثنائية ومتعددة الأطراف، ووقّعت تونس والمغرب ومصر والأردن ولبنان اتفاقيات شراكة غير متكافئة بالمَرّة مع الاتحاد الأوروبي، وكبّلتْ حكومتا تونس والمغرب شَعْبَيْهِما، من خلال المفاوضات المُرهقة التي بدأت منذ 2015، بشأن “اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمّق”، مع الإتحاد الأوروبي، الذي لا يخدم سوى مصالح المصارف والشركات الأوروبية العابرة للقارات، والذي يفرض على الدّوْلَتَين (تونس والمغرب)، تطبيق المَعايير الأوروبية، في مجالات القانون والإنتاج والتجارة، والفلاحة والخَدَمات، وحماية “المُستثمِرِين” والشركات الأوروبيّة، لتعظيم أرباحها، عبر تكثيف استغلال العاملين المَحَلِّيِّين واستغلال واحتكار الثروات والأسواق المحلّية، ما يُعَمِّقُ علاقات التّبَعِيّة، ذات الطابع الإستعماري، وما يؤدّي إلى تهديد الأمن الغذائي لشَعْبَيْ تونس والمغرب، ففي مجال الفلاحة، يعتبر المغرب مُنتجًا غذائيًّا ومُصدّرًا للأغذية الرّخيصة إلى أوروبا، التي تنهب أيضًا الثروات البحرية للمغرب، التي لها واجهتان على البحر (المتوسط والمحيط الأطلسي)، وتنهب ثروات غرب إفريقيا، فيما يتهدّدُ الإفلاس القطاع الفلاحي المغربي، وبالأخص صغار الفلاحين، أصحاب المَزارع الصغيرة، أو الذين يسْتأجِرُون الأرض، المُكبّلين بالدّيُون، خصوصًا خلال سنوات الجفاف، واستحوذَت الشركات الإحتكارية على الدّعْم الحكومي، لتستغل العاملين الفُقراء في الأرياف، ولتحتكر الأراضي والموارد والمياه، وتفرض شروطها على صغار الفلاحين، ولتُدَمِّرَ الغذاء التقليدي والصّحّي، وتستحوذ على معظم الإنتاج الفلاحي، لتوجيهه نحو التّصْدِير، وِفْقَ حاجة الأسواق الأوروبية (والخارجية عمومًا)، بدل تَلْبِيَة حاجة الشعب المغربي، ما جعل الدّولة تستورد قرابة 55% من المواد الغذائية الضرورية، وخاصة من الحُبُوب والقَمْح، وأدّى تطبيق هذه السياسات التي فرضها الدائنون، وفرضتها الإتفاقيات مع الإتحاد الأوروبي، إلى احتجاجات نظّمها الفلاحون الصغار وجمعيات المُستهلكين وبعض منظمات المُجتمع الأهْلِي، سنتَيْ 2018 و 2019، جابهتها أجهزة الدّولة بالقمع والإعتقالات والمحاكمات...
يعاني اقتصاد المغرب، كما العديد من اقتصاد البلدان الأخرى، من آثار التباطؤ في اقتصاديات الشركاء التجاريين، مثل الصين وأوروبا، بالإضافة إلى انخفاض أسعار صادراته من المواد الخام كالفوسفات أو المنتجات الزراعية والمنسوجات وإنتاج صناعات التركيب، وأعلن صندوق النقد الدولي تباطُؤَ اقتصاد المغرب، وكذلك البلدان المغاربية الأخرى، “بشكل خطير”، وفقًا لتقرير الصندوق (تشرين الأول/أكتوبر 2019)، ويشير صندوق النقد الدولي في نفس التقرير إلى نمو هزيل بنسبة 2,7% في المغرب و 2,6% في الجزائر و 1,5% في تونس، ويُشكل التفاوت الطبقي المُجْحف قاسمًا مشتركًا في الدول العربية، بما فيها بلدان المغرب العربي.
في المغرب، بلغ معدل نمو الإقتصاد نسبة 3%، سنة 2018، وفي شهر تموز/يوليو 2019، توقع صندوق النقد الدّولي تراجع معدّل النمو، بناءً على جملة من المؤشرات والبيانات، قبل انتشار وباء "كورونا"، ويلعب الصندوق دورًا هامًّا في تقديم القروض، وفي ضمان قُرُوض الدولة، ويشترط جملة من الإجراءات التي تزيد من حدة الفوارق الطبقية، وترفع نسبة البطالة والفقر، ولكن تقريره (تموز 2019) يدعو الحكومة (الإخوانية) إلى "اعتماد نموذج تنموي يستهدف تقليص الفوارق الاجتماعية، يتسع لأكبر عدد من المواطنين ويكون مبنياً على القطاع الخاص، وخفض الضرائب على أرباح الشركات، ومبنيًّا على تحرير العُملة، وعلى خفض حجم الرواتب وخفض عجز الموازنة، البالغ 3,7%..." ألم يفرض صندوق النقد الدولي "نموذج التنمية" الذي ينتقده، بل يرفض الصندوق تقديم أقساط القُرُوض للحكومات إذا لم تُطبق سياسات التقشف وخفض الإنفاق الحكومي، وتسريح الموظفين، وخصخصة ما تبقّى من القطاع العام.
يعتمد اقتصاد المغرب، مثل العديد من بلدان "الجنوب" على استخراج المعادن (خاصة الفوسفات) وعلى الزراعة، بهدف تصدير الإنتاج إلى أوروبا والخدمات والصناعات التحويلية، وانخفض الإنتاج الزراعي سنة 2018، بسبب الجفاف، وارتفعت أسعار المواد الغذائية، وانخفض نمو قطاع الخدمات، مع انخفاض عائدات السياحة وحجم تحويلات العمال المهاجرين، والإستثمارات الأجنبية (بنسبة 45%، سنة 2019) فانخفض حجم احتياطي النقد الأجنبي إلى حوالي 24,4 مليار دولار، وبلغ المعدّل الرسمي للبطالة 10,5% وهو في الواقع أعلى من ذلك، بالإضافة إلى توسع نشاط الإقتصاد الموازي، ليصل إلى نحو 50% من حجم الناتج المحلي الإجمالي...
يُعتَبَرُ اقتصاد المغرب، كما اقتصاد معظم الدول العربية، تابعًا، وغير متوازن، ومرتهنًا لعوامل خارجية غير مُستقرة، وهشّة، وأدّت السياسات الإقتصادية التي يفرضها صندوق النقد الدولي والبنك العالمي إلى زيادة الفوارق بين الطبقات ومن الفقر ومن تدهور ظروف الحياة، ومن غياب الفئات العدالة الاجتماعية، ما يدفع آلاف الشباب للهجرة غير النظامية، عبر المناطق المُحتلة (سبتة و مليلة)، وعبر مضيق جبل طارق، أو عبر جُزُر الخالدات (كناري).
شكّلت المناطق المغربية المحتلة، مثل الجُزر الجعفرية، و"سبتة"، ، منذ 1415، و"مليلة"، منذ 1497، موضوع خلافات تُثَار خلال بعض المناسبات، ولكن أي حكومة مغربية لا تستطيع رفع الصّوت عاليا، هذا إذا افترضنا "حُسن النّيّة"، وإرادة التّحرير، في وجه إسبانيا، حيث يُقَدّرُ العدد الرسمي للمغرابة المقيمين بإسبانيا (إقامة بصفة نِظاميّة) بنحو ثمانمائة ألف، سنة 2019، بالإضافة إلى مئات الآلاف من المهاجرين غير النّظامِيِّين، ويُعتبر المغرب ثاني شريك تجاري لإسبانيا، من خارج الإتحاد الأوروبي، ويبيع تُجار الجملة وشركات إسبانيا الإنتاج المغربي على أنه إنتاج أوروبي، ليتمتّع بالإعفاء من الرّسُوم، ما يزيد من أرباح الشركات الإسبانية، التي تُصدّر عشرون ألف منها إنتاجها إلى المغرب، لتُصبح إسبانيا أول شريك تجاري للمغرب، حيث تنتصب حوالي ثمانمائة شركة إسبانية، وتُساهم ستمائة شركة إسبانية أخرى في رأسمال شركات موجودة بالمغرب، وأصبح المغرب رهين موقف إسبانيا التي تدعمه سياسيا داخل الإتحاد الأوروبي، مقابل تكثيف الهيمنة الإسبانية على مجالات الاقتصاد وأمن الحدود، وتبادل الأخبار حول المُعارضين، وعمومًا احتلّت إسبانيا، التي لا تبعد سواحلها سوى 14 كيلومتر عن سواحل المغرب، مكانة الإستعمار الفرنسي في المغرب الذي تأثّر اقتصاده (كما بلدان المغرب العربي الأخرى) بأزمة 2008/2009، وبأزمة وباء "كوفيد 19"...
أشارت تقارير المصرف المركزي والمندوبية السامية للتخطيط وبيانات البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة (بحسب وكالة رويترز 06 تموز/يوليو 2020) إلى ارتفاع نسبة الفقر سنة 2019، ليعاني 45% من "الحرمان الشديد"، بالإضافة إلى تَعَرُّض 13% من السّكّان الآخرين "للفقر متعدد الأبعاد" (الأمية وضُعف مستوى التعليم، والحرمان من الرعاية الصحية ومن غياب السكن اللائق...)، وإلى احتمال ارتفاع نسبة الفقر، خلال سنة 2020، لتتجاوز 45% المُسجّلة سنة 2019، فيما تستمر حكومة ائتلاف الإخوان المسلمين وحلفائهم في الاعتماد على الاقتراض طويل المدى (حوالي ثلاثين سنة) لتمويل عجز الميزانية، لتفوق نسبة الدّيْن الحكومي 82% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يرهن مستقبل الأجيال القادمة، وتتوقع البيانات الرسمية للمندوبية السامية للتخطيط انكماش الاقتصاد بنسبة 13,8% بنهاية حزيران/يونيو 2020، وبنسبة 4,6% على أساس سنوي، وبلغت نسبة فوائض الديون حوالي 15% (أو أكثر من سبعة مليارات دولارا) من إجمالي النفقات الحكومية، واقترضت الحكومة من الخارج حوالي 3,5 مليار دولارا، سنة 2019، وقدّرت ميزانية سنة 2020 (التي وقع إعدادها سنة 2019) حاجة الحكومة إلى قُروض بقيمة خمسة مليارات دولارا، لسد العجز الناتج عن انخفاض العائدات...
لجأت حُكومات الإخوان المسلمين في المغرب وتونس، منذ 2012، للإقتراض من صندوق النقد الدّولي، وتنفيذ الشُّروط التي أَضَرّت كثيرًا بالمواطنين من الفئات المتوسطة، والأُجراء، وأضَرّتْ خاصة بالفُقراء، وسكان الأحياء الشعبية والأرياف، فارتفعت معدلات الفقر والبطالة، بسبب “الإصلاحات الهيكلية” وانخفاض الإنفاق الحكومي، وخصخصة المُؤسسات والخدمات العامة، وانخفاض قيمة العملات المحلية، بالإضافة إلى الفساد وهدر المال العام، وهي إجراءات تزيد عدد العاطلين عن العمل، ومن الفقراء، ويشترط صندوق النقد الدّولي والبنك العالمي توجيه جُزْءٍ من الدُّيُون لما يُسميانه “تحسين مناخ الأعمال”، أي استفادة القطاع الخاص من الدعم الحكومي، القانوني والمالي، ليزدهر القطاع الخاص، بالمال العام، وعلى حساب القطاع العام، الذي يجب أن يضمَحِلَّ، بحسب مُؤَسَّسَتَيْ “بريتن وودز”، ما يعني توجيه المال العام والقُروض التي يتكبد الشعب عبء تسديدها، لدعم الشركات والأثرياء الذين لا يدفعون الضرائب على الأرباح، ولا يُساهمون في ميزانية الدولة…
انطلقت حركات الاحتجاج في المغرب، ضد برامج “الإصلاح الهيكلي” والتّقشّف، التي يَفْرِضُها الدّائنون، منذ سبعينيات القرن العشرين، وجابهتها الدّولة بالقمع والعُنف والمُحاكمات، وأدى قمع احتجاجات سُكّان منطقة “الرّيف” (شمال البلاد)، إثر مقتل المواطن “محسن فكري”، يوم 28 تشرين الأول/اكتوبر 2016، بمدينة “الحُسَيْمة”، إلى اعتقال أكثر من 1500 مواطن، وأصْدَرَ جهاز القَضاء أكثر من 700 إدانة، من ضمنها الحكم على خمسة متظاهرين بالسجن عشرين عاما نافذة، ورَدّ النظام على احتجاجات “جرادة” (الشمال الشرقي)، بنهاية 2017، وبداية 2018، بالقمع والحكم بالسجن (من سنتَيْن إلى ثلاث سنوات) على 17 شخصا، وخلال أقل من ثمانية أشهر من سنة 2020، سُجن ما لا يقل عن 16 شخصًا (من بينهم اثنان من طلاب المدارس الثانوية) لمشاركتهم محتوى منشور على وسائل التّواصل المُسَمّى “اجتماعي”، (فيسبوك وإنستغرام، ويوتوب…)، وهم يواجهون أحكاما تتراوح بين شهر واحد و 4 سنوات سجنًا نافذًا، وتنظم السلطات، باسمرار، حملات مضايقة، وحملات تشهير وترهيب ضد بعض مُناضِلِي الحركات الاحتجاجية أو الإعلاميين والصحفيين المستقلين أو النقابيين، وتستهدف حملات القَمع، بشكل عام، حرية التعبير التي تمكّن المناضلون والنّقابيون، من التيارات التّقَدُّمِيّة، اكتسابها، خلال فترة امتدّت من منتصف تسعينات القرن العشرين، إلى نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وغالبًا ما تتهم السلطات وجهاز القضاء، هؤلاء الصحفيين المستقلين، أو المدافعين عن الحقوق والحريات، بازدراء الدّين أو القُضاة، أو بارتكاب أعمال العُنف، أو ب”الإعتداء على الأخلاق الحَميدَة”، وممارسة “الجنس خارج إطار الزواج” أو أي تُهَم أخلاقية أخرى، بهدف تشويه سمعتهم في نظر السكان .

5
اتفاقيات الشراكة، تعزيز للعلاقات غير المتكافئة ولحالة التّبعية:
يمثل المغرب نموذج الدول ذات الدَّيْن العام المرتفع والتي تخضع لإملاءات البنك العالمي وصندوق النقد الدولي، ونموذجا للدول العربية التي تستجيب سياساتها لرغبة ومصالح القوى الإمبريالية، والكيان الصهيوني (قبل إعلان التطبيع الرسمي والعَلَني)، والشركات متعددة الجنسيات، وارتفعت قيمة الدَّيْن العام، من سنة إلى أُخْرى، ويُؤدّي ارتفاع الدّيْن العام إلى تدهور الأحوال المعيشية لغالبية السكان الذين تنخفض دخولهم السنوية، لأن جُزْءًا مُتعاظمًا من الإنتاج ومن جُهْد العاملين، يَخْرُج من البلاد، ويُخَصَّصُ لتسديد الدُّيُون…
تُمثّل اتفاقيات “التجارة الحرة”، أو اتفاقيات الشراكة” مع الإتحاد الأوروبي، التي فُرِضَتْ على المواطنين (في المغرب وتونس ومصر والأردن وغيرها من البلدان العربية) نموذجا لمظاهر الإستعمار الجديد، لأنها مُجَرّد أداة لسيطرة المصارف والشركات الأوروبية العابرة للقارات، على ثروات واقتصاد بلدان الحَوْض الجنوبي للبحر الأبيض المتوسط، وتَتَكامَلُ هذه الإتفاقيات مع هيمنة البنك العالمي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية، إذْ تسمح هذه الاتفاقيات للشركات الأوروبية (وغيرها) بالسيطرة على القطاعات الاقتصادية المربحة والخدمات العامة، وتسريع عملية خصخصة قطاعي الصحة والأدوية، وتغيير قوانين البلاد (من خلال قوانين الملكية الفكرية وبراءات الاختراع)، ووَصَل الأمر إلى الاستيلاء على الأراضي الزراعية الخصبة، لتزيد عملية إفقار المُنتجين وصغار الفلاحين، عبر زيادة المديونية التي تهدد وجودهم، كَفِئَات اجتماعية مُنْتِجَة، تُساهم في تزويد السوق المحلية بحاجيات المواطنين، وإنتاج سلع ومواد تُناسب دَخْل وعادات ونمط حياة المواطنين…
تنص اتفاقيات الشراكة مع الإتحاد الأوروبي على اعتبار الأراضي الزراعية سلعةً يُسْمَحُ للشركات العابرة للقارات بالإستيلاء عليها، ما يُمَثِّلُ تهديدًا للأمن الغذائي للشعب المغربي (كما الحال في أي بَلد آخر)، وبدأت بعض اللجان المَحَلِّيّة، وبعض القوى السياسية والنقابية، في المغرب وتونس، تشير إلى مجمل التهديدات الخارجية، والمُطالبة بإلغاء الدّيون، وبحَظْرِ بيع الأراضي الزراعية، والعمل على تحقيق الأمن الغذائي، وينظم بعضها حملات، مُحتشمة، من أجل إلغاء اتفاقيات “الشراكة” مع الإتحاد الأوروبي، التي تضفي الشرعية على علاقات التّبَعية والهيمنة الاستعمارية، وارتفاع قيمة العجز التجاري، وزيادة الاعتماد على الواردات الغذائية من الأسواق العالمية، وتؤدّي إلى تدمير الإنتاج الفلاحي، وتدمير الوظائف، أو فُرَص العمل الدائمة، وتدمير النّسِيج الإجتماعي في الأرياف.
استغل بعض الأثرياء والشركات المحلية أو المختلطة (رأس مال أجنبي ومَحلِّي) اتفاقيات الشراكة مع الإتحاد الأوروبي، للهيمنة على القطاعات الاقتصادية المربحة، وعلى الخدمات العامة، بما في ذلك الصحة والأدوية، وتحمي هذه الإتفاقيات “حقوق” رأس المال الأجنبي، من خلال قوانين “حقوق الملكية الفكرية” و “براءات الاختراع”، وتشمل الصيغة “الجديدة” من اتفاقيات التجارة الحرة، كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ، كما الحال في اتفاقية التجارة الحرة الشاملة المعمقة (كافتا) بين تونس والإتحاد الأوروبي، وتتكاملُ اتفاقيات “التجارة الحرة” مع الدُّيُون الخارجية، لِتُشكِل أهم أدوات الهيمنة الإمبريالية، وهي اتفاقيات لا تهدف تلبية احتياجات المواطنين، بل لا تستهدف سوى خصخصة القطاعات الأساسية والحَيَوِيّة كالصحة والتعليم والنقل الحضري وقطاعات الطاقة الاستراتيجية والمصارف والاتصالات، وتقتضي بنود هذه الاتفاقيات تحرير تجارة السلع، والخدمات، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، عبر ما تُسَمِّيه المُؤسسات المالية “تَحْسِين مناخ الإستثمار والأعمال” إلخ.
نشرت جمعية “أتاك” المغربية، سنة 2019 (وهي جمعية تناضل من أجل إلغاء الدّيون، ومن أجل فَرْض رُسُوم على عمليات المُضاربة) دراسة عن العلاقة بين الزراعات التقليدية المحلية و”السيادة الغذائية”، أو “الأمن الغذائي”، واستنتجت أن الفلاحين والفلاحات الصغار يُعانون من ظروف الحياة وظروف العمل الصعبة، ومن الأُمِّيّة ومن غياب مؤسسات التعليم والصحة، والبُنية التّحتية، كالطرقات، والخدمات الأساسية، كالمظَلّة الإجتماعية والرعاية الصحية، ومن انخفاض مستوى الدّخْل، ومع ذلك لهم فضْلٌ كبير في المحافظة على البيئة، ومُقاومة التّصَحُّر وفي إنتاج غذاء صحي، رغم الحجم الصغير للمساحات المزروعة، ورغم شُحّ المياه، وارتفاع أسعار الأسمدة والمُعدّات الفلاحية، وَراكَمَ هؤلاء الفلاحون الصغار، في المغرب كما في كافة مناطق العالم، خبرات ومهارات وتجارب للحفاظ على المياه وعلى خصوبة الأرض، واحترام البيئة، والحفاظ على التنوع البيئي، النباتي والحيواني، وخبرات أخرى عديدة ورثوها عن الأجيال السابقة، على مر القُرُون، قبل اجتياح هذه المناطق الريفية من قِبَل الشركات العابرة للقارات، ووكلائها المَحَلِّيِّين، وهي شركات تمتلك المال والسّلطة، واستخدمتهما لتدمير البيئة ولنهب الموارد، من أجل تحقيق الربح السريع، وهيمنت هذه الشركات وَوُكلاؤُها على الأسواق، ما حَرَم صغار الفلاحين من بُذُورهم التي تأقلمت، خلال مئات السّنين، مع تُربة ومناخ البلاد، وما حرمهم من تسويق إنتاجهم، خُصُوصًا في غياب العمل الجماعي، النّقابي، والتّعاوُنِي، للدّفاع عن مصالح هذه الفئة الإجتماعية من المُنْتِجِين، في ظل غياب الرُّؤْيَة الشُّاملة (الوطنية والمغاربية) للمسألة الزراعية، وإهمال الأنظمة للتخطيط من أجل إنتاج المواد الأساسية الضّرورية للسوق المحلية (كالحبوب والخضروات واللحوم والألْبان…)، وإهمال (أو عرقلة) أجهزة الدّولة شروط تحقيق الإكتفاء الذاتي الغذائي، مع تشجيعها الإنتاج التجاري المُعَد للأسواق الخارجية، في مزارع ضخمة، تستغل العاملات والعُمّال المياوِمين، لفترة 12 ساعة يوميا، برواتب ضعيفة، وبدون حُقُوق، ويُهاجر الآلاف منهُنَّ ومنهم، سنويًّا، إلى جنوب أوروبا، بعقود موسمية، أو بدون عُقُود، ويعملون في ظروف سيئة جدًّا، وتعتمد هذه المزارع الضخمة على التقنيات التي لا تُراعي المحافظة على الثروة المائية وعلى أديم الأرض، وتستخدم البُذور المُعَدَّلَة وراثيا والمواشي التي يقع تَسْمِينُها بالمُضادّات الحيوية والهرمونات، وتستخدم المبيدات التي تم حَظْرُ استخدامها في الإتحاد الأوروبي (مُنِعَ استخدام بعضها منذ منتصف سبعينيات القرن العشرين)، فتُلَوِّث التّرْبَة والمياه، ومُحيط عَيْش القَرَوِيّين المغاربة، وهو تدمير شبيه بما يحصل في مناطق عديدة من العالم، في غابات الأمازون، بأمريكا الجنوبية، وفي جنوب آسيا، وفي معظم بلدان إفريقيا…








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: مقتل مسؤول في منظومة الدفاع الجوي لحزب الله بغارة إسر


.. قبيل عيد الفصح.. إسرائيل بحالة تأهب قصوى على جميع الجبهات| #




.. مؤتمر صحفي لوزيري خارجية مصر وإيرلندا| #عاجل


.. محمود يزبك: نتنياهو يفهم بأن إنهاء الحرب بشروط حماس فشل شخصي




.. لقاء الأسير المحرر مفيد العباسي بطفله وعائلته ببلدة سلوان جن