الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صاحبي الذي رحل

مهند طلال الاخرس

2021 / 1 / 21
سيرة ذاتية


منذ سالف الازمان والموت يسرق الانسان، تارة على مهل وتارة على استعجال، لم يحصل على مدار الايام وطيلة عصور الزمان ان نجى انسان من هذا الموت رغم المحاولات الحثيثة، بما في ذلك الانبياء والاولياء والقادة والزعماء وسائر انواع الملوك.

وبإستثناء الانسان من هذه القاعدة نجد ان هناك قصص وحكايا عن نفس هذا الانسان استطاعت ان تبقى وتستمر رغم غياب اصحابها وابطالها، تلك القصص والحكايا في هذه الحالة وبعد موت اصحابها تعود لتولد من جديد، وكلما غابت لا تلبث ان تستدعيها الذكريات كلما هز الحنين من تعنيهم او من كانوا جزء منها في يوم من الايام، عندها نكتشف ان تلك القصص والحكايا قرينة الذكريات، وسرعان ما يتأكد ذلك الاقتران كلما فاض بنا الحنين الى تلك الايام التي حملت الينا ذلك الحب، لكن الاهم في ذلك الحنين انه سرعان ما يستدعي ابطال تلك القصص والحكايا وهنا بالذات تولد الذكريات بحلوها ومرها، لكن يبقى الاجمل فيها انها تعيد إلينا ولو لبرهة قصيرة سيرة وصورة صادقة لاصدقاء ادمنا حبهم وتعودنا عليهم ثم خطفهم القدر من بيننا على حين غرة ودون سابق انذار.

ثم يحصل ان يعتاد الانسان على ذلك الاختطاف من فرط زياراته، فيصبح الموت امرا عاديا وحتى مرغوبا عندما تفقد الحياة بهجتها وتفقد اهم اسباب وجودها، وعند هذه النقطة يحصل التعود، والذي يكون اهم مظاهره تلك الوجوه الشاحبة وتلك العيون المترهلة وذلك الجسد الهزيل، تلك العلامات الفارقة تكون قد بدأت ببناء علاقتها الجذرية مع الموت منذ زمن لكننا لم نلحظها، تلك العلامات لا يراها احد في حينه ولا تلفت النظر اليها وتتقن فن التخفي حتى عن صاحبها، لكنها في نفس الوقت تظهر جلية واضحة وضوح الشمس بعد الموت، تلك العلامات لا يلحظها احد، لكن بعد الموت وعند استذكار تلك الصور نرى بوضوح ان الموت كان يلازمنا ولم يكن يفارفنا لكنه كان يأخذ وقته فيما ينتقي، وعندما يرسوا خياره على احدنا يبدا بالتمهيد لذلك، فيخطف من المرصود بهجة الحياة ولذة الايام وسرعان مايدُب فيه الحنين الى ايام مضت وذكريات خلت واحباء سرقهم الموت ومضى وعاد وحيدا ليكمل مهنته التي ادمنها، الموت.

الموت ليست كلمة، انها مهمة ثقيلة على من كلف بها وعلى من تقع على عاتقه تحمل اعبائها، لكنه حق وايمان بالقضاء والقدر، وتلك ثاني المسلمات بعد حقيقة الموت.

عندما تهبط الذكريات تتداعى صور الفرح واجمل الايام امامنا، ويختفي الموت تحرجا فأكثر ما يزعجه انين الذكريات وتلك الدموع المسكوبة على دروب الحنين.

عند استعادة الذكريات نجد دائما ان ذلك الموت لم يكن ليأتينا فجأة، لقد كان زائرا دائما يأخذ ما يريد قطعة قطعة وعلى مهل، وعندما يحين الفصل الاخير في الحكاية يسدل الستار ويختار لوحده بطل ذكرياتنا القادم ويرحل.

في الموت حار العلماء والشعراء والفلاسفة وكل انواع الجهابذة، وحده المؤمن بحقائق رب السماء من استطاع مواساة نفسه وتخفيف حدة اوجاع ذلك الغياب الرهيب بترديده ايات عظام اصبحت على مدى الايام تملك وجودا دائما في القلوب.

تلك الايات لا تعيد الموتى، بل تعيد الى الاحياء ما غاب عنها لفترة واعتقدته بعيدا وهو اقرب اليها من حبل الوريد.

الموت ليست قضية تخص الميت لوحده، فتلك مسألة فاتت وانقضت بمجرد ان تفيض الروح لبارئها، لكن الموت يوجع الاحياء وحدهم وتلك مسألة اخرى فيها نظر.

ذلك الموت الذي يبقي بظلاله تخيم على صدور من فقدوا عزيزا تختلف باختلاف درجة ذلك العزيز ومكانته، لكن ظل ذلك الموت يبقى ثقيلا على قلوب المحبين حتى يتمكن منهم ومن قلوبهم فيكسرهم ويرحل.

وحده الميت من يملك سبل عزائنا واعادة رسم البسمة التي اختفت وظننا انها ذهبت معه، ذلك الميت الذي يرانا ويبتسم ونتذكره ونحزن يدفعنا دائما الى ان نغافل الموت بالاصرار على الحياة وبالمزيد من الذكريات التي كان حاضرا بها، ويغمز لبعضنا ويلمز لآخرين ان اختاروا من ذكرياتي الاجمل، فأنا الباقي في حضوري بينكم طالما كنتم السيرة الافضل والصورة الاجمل .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصعيد إسرائيل في شمال قطاع غزة هو الأعنف منذ إعلان خفض القوا


.. طفل فلسطيني برفح يعبر عن سعادته بعد تناوله -ساندويتش شاورما-




.. السيناتور ساندرز: نحن متواطئون فيما يحدث في غزة والحرب ليست


.. البنتاغون: لدينا بعض المخاوف بشأن مختلف مسارات الخطط الإسرائ




.. تظاهرة مؤيدة لفلسطين في بروكلين للمطالبة بوقف تسليح إسرائيل